5 سنوات على رحيل ملحم بركات... حبة العنقود الذهبية في بستان لبنان المحترق

كرّمه برنامج «صارو مية» بروائع أغنياته وألحانه

ملحم بركات في إحدى حفلاته الغنائية
ملحم بركات في إحدى حفلاته الغنائية
TT

5 سنوات على رحيل ملحم بركات... حبة العنقود الذهبية في بستان لبنان المحترق

ملحم بركات في إحدى حفلاته الغنائية
ملحم بركات في إحدى حفلاته الغنائية

كيف تنقضي السنوات كلحظات خاطفة، وتعبر مثل شهب مضيء لا مفر من انطفائه؟ أحقاً مرت خمسة أعوام على رحيل ملحم بركات، حبة العنقود الذهبية في بستان لبنان المحترق؟ يجري الزمن بقدمَي أرنب يخشى خديعة السلاحف. وها إن الموسيقار يشطح في الغياب، بالجسد فقط، فيما الألحان والأغنيات تتعتق فيتكثف جمالها مع الوقت. يكرمه برنامج «صارو مية»، الاستراحة الأسبوعية من اليأس، ويقدم مائة أغنية بصوته أو من تلحينه، صنعت مجده الأبدي.
«صارو مية»، ليلة كل جمعة عبر «إم تي في»، كالنَفَس الأخير وهو يقارع الاختناق اللبناني. شيء من عض الحنين والتسبب بانتفاخه. يحاكي فكرة الجمهورية ونبلها النموذجي خارج بشاعة هذه الأيام وصغائرها. التقديم لنبيلة عواد، بهدوئها وأناقتها، والإعداد لجان نخول، الصحافي الشاب المتمسك بلبنان الذي لا يزال العيش فيه ممكناً. يختار البرنامج تكريم ملحم بركات في الذكرى الخامسة لرحيله، منذ سنوات العطاء الفني الأولى حتى الوداع الأليم.
لحن له ابن قريته كفرشيما، فيلمون وهبي، أغنية «الله كريم» لتشهد على بداياته في نهاية الستينات: «الله كريم نرجع عَ ضيعتنا». ثم كانت «بلغي كل مواعيدي»، اللحن الأول في مسيرته. بسرده الجميل المزين بالمعلومة، يُخبر جان نخول بأنها كانت الأغنية الأولى الراقصة في الشرق الأوسط خلال تلك المرحلة. تكر الأفراح في غنائه الشعبي، وتتصدر «مرتي حلوة متل البدر» القائمة. طرافة وخفة، «ولا بخونها ولا بطلقها». إلا أن الموسيقار المشاكس لا يلبث أن يقلب الطاولة: «بدي جيب عليها ضرة، العيشة معها صارت مُرة»! فكاهته ترغم على الضحك. «بدي جدد شبابي واتجوز تاني مرة وتالت مرة ورابع مرة». ظاهرة.
نختار بعض الجماليات فقط، فلو سردنا سيرة المائة أغنية، لطال السرد. نصحه فيلمون وهبي: باشِر في التلحين، فانطلق في رحلة عطاء أوصلته إلى القمة. شكلت «شباك حبيبي جلاب الهوا» رافعة أساسية لشهرته، وقد سبقتها «وحدي أنا رح ابقى وحدي». على مسرح الرحابنة، راحت تتفجر الموهبة: فلكلور وحنجرة من عظمة هبات الخالق، فالنتيجة: «دبك دبك دبيكة اسمالله عليكِ»، ولمزيد من مطاردات الحب، يتابع: «برمت إسطنبول عليكِ وجبل لبنان».
كلها ألحانه العظيمة وإن بسُط الكلام. يقول المايسترو إيلي العليا في إطلالة خلال الحلقة، أن الموسيقار تعمد البساطة. يصفه بالعفوي، المصر على الغناء للفقراء والأغنياء. ثم يكشف أن يديه كانتا تتعرقان قبل صعوده إلى المسرح، لفرط إحساسه بالقلق حيال إرضاء الجمهور. فالاسم الكبير يكبُر أكثر بالحرص على القيمة والمستوى. حتى وإن غنى «أوا وَا وَا وَاه»، فهو يسلطن ويبلغ بالحالة الغنائية أقصى الاندماج.
تخيل كيف يكون اللقاء بعملاق آخر لحقه إلى الرحيل: إلياس الرحباني. تخيل خفة الدم وهي تثمر طرافة من نوع: «لا تهزي كبوش التوتة ما بحبك لو بتموتي». ما الحجة الدامغة؟ «أنا يا بنت مجوز وزلمي عاقل بيتوتي»! أحدٌ آنذلك لم يجرؤ على الغناء مثله. احتوى الصوت قدرة جبارة على تطويع أصناف الغناء: طربي، شعبي، كلاسيكي، وأنماط غربية معربة، فهل من ينسى «لا فيفا إسبانيا» وشوارعها الساحرة حيث الحسناوات بفساتين مزركشة وقامات مستعدة للرقص؟
صب الثقل الأكبر من قدراته الفنية في تلحين مسرحية «ومشيت بطريقي»، حين تساءل: «كيف»؟ لحنٌ فخم بحجم الأسئلة العنيدة والأجوبة التائهة في الوجود. «كيف بتبعد عني وبعدك ساكن فيي كيف؟»، معاتباً الحب الهارب من الوعد. محاكاة مذهلة للرحيل والفراغات. لم يكن يدري المفاجأة التي تنتظره حينذاك، حين تفوقت «حمامة بيضا» على سائر الألحان الصلبة! صنعت جمهورها منذ لحظاتها الأولى، ولا يزال مشهد الراقصة الراحلة داني بسترس إلى جانبه، وهو يغنيها في المسرحية، حاضراً بوهج الزمن الجميل وصخبه.
وأعطى «الشحرورة» صباح لحناً لواحدة من أطرف الأغنيات: «المجوز الله يزيدو». يسرد جان نخول أنها لم تكن مقررة في مسرحية «حلوة كتير»، إلا أن ملحم بركات أقنع مؤلف المسرحية وسيم طبارة بها، فتحداه: «لحنها بخمس دقائق!»، وهذا ما جرى. تحولت الأغنية حالة، وراح من في المسرح يتفاعلون برفع الأيدي، و«الصبوحة» تغني: «واللي بدو يتجوز/ يوقف ويرفع إيدو»!
لم يرد والده ابناً يلتحق بقطار الفن خوفاً من أن تدوسه عجلاته. يروي المدير التنفيذي للشؤون الفنية في «روتانا» طوني سمعان، خلال الحلقة، محطات من سيرة «أبو مجد» حين كان ينام في السيارة على أمل أن تتحسن الأحوال وتُفتح أبواب الفرج. ويؤكد: «المعاناة تصنع الفنان». فيما يتوقف الصحافي جمال فياض، عند مسألة مهمة في المسيرة العظيمة: لم يكن الموسيقار يهوى التسجيل في الاستوديو. أرشيفه بمعظمه مصور في مسارح حفلاته. هذا المسرح الذي يُقلقه قلقاً خلاقاً من دون خذلان.
لحن لكبار الأسماء، وهذه فقط أمثلة: «أبوكي مين يا صبية»، التي منحت وليد توفيق شهرة عربية. «نوينا عَ الجازة» التي فتحت لربيع الخولي صفحة جديدة مع النجومية. «سامحينا، غلطنا بحقك سامحينا»، رائعة نصري شمس الدين. «اعتزلت الغرام»، المنعطف في مسيرة ابنة قريته الكبيرة ماجدة الرومي. بعض الدرر، تترافق مع أعذب ما غنى على الإطلاق: «ما في ورد بيطلب مي، الورد بيبقى سكوت»، و«يا حبي اللي غاب»، بنار الشعر في سطورها: «من بعدك لمين الزهر بينحني، وبتشرق لمين شمسك يا دني».
مؤلم ملحم بركات في الأغنيات الوطنية، ونحن اللبنانيين أصبحنا سريعي الاكتواء. جمعته بنجوى كرم صرخة لا تتكرر: «يا منموت كلنا وبينتهي الوطن، يا منكون رجال وبيبقى الوطن». ولحن لصباح «يا لبنان دخل ترابك»، وغنى «موعدنا أرضك يا بلدنا». الأكثر وجعاً في ثلاث كلمات: «عذرنا يا وطني». يغنيها اللبنانيون اليوم بدمع في العينين وحرقة في القلب.



الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
TT

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)

في السنوات الأخيرة، أثّر الذكاء الصناعي على المجتمع البشري، وأتاح إمكانية أتمتة كثير من المهام الشاقة التي كانت ذات يوم مجالاً حصرياً للبشر، ومع كل ظهور لمهام وظيفية مبدعةً، تأتي أنظمة الذكاء الصناعي لتزيحها وتختصر بذلك المال والعمال.
وسيؤدي عصر الذكاء الصناعي إلى تغيير كبير في الطريقة التي نعمل بها والمهن التي نمارسها. وحسب الباحث في تقنية المعلومات، المهندس خالد أبو إبراهيم، فإنه من المتوقع أن تتأثر 5 مهن بشكل كبير في المستقبل القريب.

سارة أول روبوت سعودي يتحدث باللهجة العامية

ومن أكثر المهن، التي كانت وما زالت تخضع لأنظمة الذكاء الصناعي لتوفير الجهد والمال، مهن العمالة اليدوية. وحسب أبو إبراهيم، فإنه في الفترة المقبلة ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير آلات وروبوتات قادرة على تنفيذ مهام مثل البناء والتنظيف بدلاً من العمالة اليدوية.
ولفت أبو إبراهيم إلى أن مهنة المحاسبة والمالية ستتأثر أيضاً، فالمهن التي تتطلب الحسابات والتحليل المالي ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير برامج حاسوبية قادرة على إجراء التحليل المالي وإعداد التقارير المالية بدلاً من البشر، وكذلك في مجال القانون، فقد تتأثر المهن التي تتطلب العمل القانوني بشكل كبير في المستقبل.
إذ قد تتمكن التقنيات الحديثة من إجراء البحوث القانونية وتحليل الوثائق القانونية بشكل أكثر فاعلية من البشر.
ولم تنجُ مهنة الصحافة والإعلام من تأثير تطور الذكاء الصناعي. فحسب أبو إبراهيم، قد تتمكن التقنيات الحديثة من إنتاج الأخبار والمعلومات بشكل أكثر فاعلية وسرعة من البشر، كذلك التسويق والإعلان، الذي من المتوقع له أن يتأثر بشكل كبير في المستقبل. وقد تتمكن أيضاً من تحديد احتياجات المستهلكين ورغباتهم وتوجيه الإعلانات إليهم بشكل أكثر فاعلية من البشر.
وأوضح أبو إبراهيم أنه على الرغم من تأثر المهن بشكل كبير في العصر الحالي، فإنه قد يكون من الممكن تطوير مهارات جديدة وتكنولوجيات جديدة، تمكن البشر من العمل بشكل أكثر فاعلية وكفاءة في مهن أخرى.

الروبوت السعودية سارة

وفي الفترة الأخيرة، تغير عالم الإعلان مع ظهور التقنيات الجديدة، وبرز الإعلان الآلي بديلاً عملياً لنموذج تأييد المشاهير التقليدي الذي سيطر لفترة طويلة على المشهد الإعلاني. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تقدم تكنولوجيا الروبوتات، ما يلغي بشكل فعال الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير.
وأتاحت تقنية الروبوتات للمعلنين إنشاء عروض واقعية لعلاماتهم التجارية ومنتجاتهم. ويمكن برمجة هذه الإعلانات الآلية باستخدام خوارزميات معقدة لاستهداف جماهير معينة، ما يتيح للمعلنين تقديم رسائل مخصصة للغاية إلى السوق المستهدفة.
علاوة على ذلك، تلغي تقنية الروبوتات الحاجة إلى موافقات المشاهير باهظة الثمن، وعندما تصبح الروبوتات أكثر واقعية وكفاءة، سيجري التخلص تدريجياً من الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير، وقد يؤدي ذلك إلى حملات إعلانية أكثر كفاءة وفاعلية، ما يسمح للشركات بالاستثمار بشكل أكبر في الرسائل الإبداعية والمحتوى.
يقول أبو إبراهيم: «يقدم الذكاء الصناعي اليوم إعلانات مستهدفة وفعالة بشكل كبير، إذ يمكنه تحليل بيانات المستخدمين وتحديد احتياجاتهم ورغباتهم بشكل أفضل. وكلما ازداد تحليل الذكاء الصناعي للبيانات، كلما ازدادت دقة الإعلانات وفاعليتها».
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الصناعي تحليل سجلات المتصفحين على الإنترنت لتحديد الإعلانات المناسبة وعرضها لهم. ويمكن أن يعمل أيضاً على تحليل النصوص والصور والفيديوهات لتحديد الإعلانات المناسبة للمستخدمين.
ويمكن أن تكون شركات التسويق والإعلان وأصحاب العلامات التجارية هم أبطال الإعلانات التي يقدمها الذكاء الصناعي، بحيث يستخدمون تقنياته لتحليل البيانات والعثور على العملاء المناسبين وعرض الإعلانات المناسبة لهم. كما يمكن للشركات المتخصصة في تطوير البرمجيات والتقنيات المرتبطة به أن تلعب دوراً مهماً في تطوير الإعلانات التي يقدمها.