لبنان: تعويضات نهاية الخدمة تخسر 90 % من قيمتها

كارثة اجتماعية في ظل غياب قانون لضمان الشيخوخة

TT
20

لبنان: تعويضات نهاية الخدمة تخسر 90 % من قيمتها

لا حسرة توازي حسرة وليد رزق (60 عاماً) الذي أمضى عمره وهو يعمل في محل كبير لبيع الألبسة. فالرجل الذي شارف على بلوغ سن التقاعد (65 عاماً) ويتقاضى راتباً قدره مليونا ليرة لبنانية بات لا يتجاوز المائة دولار على سعر صرف السوق الموازية، وهو كان يعوّل على تعويض نهاية الخدمة كي يفتح محلاً صغيراً لبيع الألبسة يؤمّن له ولزوجته مصروفهما حتى الشيخوخة. لكن في ظل انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية لم يعد التعويض الذي سيتقاضاه ويبلغ نحو 40 مليون ليرة يساوي أكثر من ألفي دولار بعد أن كان يساوي 26 ألف دولار.
ويقول رزق لـ«الشرق الأوسط»: «لم يكن راتبي يكفي كي أضع مبالغ جانباً نصرفها لشراء الطعام والدواء عندما نتقدم بالسن. لكنني كنت مطمئناً أنني سأتقاضى تعويضاً يمكّنني من مواصلة العمل والعيش بكرامة. أما اليوم فأشعر أنني أحرقت شبابي وأيامي في هذا البلد من دون طائل وسنُترك لمصيرنا في المستقبل في ظل غياب أي قانون لضمان الشيخوخة يسمح لنا بأن نطمئن لآخرتنا».
مأساة عائلة رزق تمثل واحدة من مآسي آلاف العائلات اللبنانية التي لا تعاني حصراً من احتجاز أموالها في المصارف ما يضطرها لسحبها بالقطارة بعد فقدان الكثير من قيمتها، إنما تئنّ بشكل أساسي من تعويضات نهاية خدمة لم تعد تساوي شيئاً.
وحسب مدير مركز «الدولية للمعلومات» جواد عدرا، تراجعَ متوسط تعويض نهاية الخدمة للعاملين المضمونين من نحو 80 ألف دولار إلى نحو 6 آلاف، أي بانخفاض نسبته 1233%.
ويبلغ عدد المنضوين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي نحو 600 ألفاً، ويستفيد نحو 800 ألف شخص آخر من عائلاتهم من خدمات الصندوق ما يعني عملياً نحو مليون و400 ألف مستفيد، أي نحو ثلث الشعب اللبناني تقريباً. أما خدمات الصندوق فتقسّم إلى ثلاثة أقسام: المرض والأمومة، والتعويضات العائلية، وتعويضات نهاية الخدمة.
ويشير المدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي محمد كركي، إلى أن «التواصل والعمل جاريان مع حاكم مصرف لبنان منذ أكثر من سنة و3 أشهر للسير بطرح دفع التعويضات على سعر صرف المنصة أي 3900 ليرة، ما يعني ضرب التعويض الحالي في 2.6، ما يخفف قليلاً من خسارة العامل المضمون»، لافتاً إلى أنه «يتم العمل في الوقت عينه على إحياء طرح نظام التقاعد والحماية الاجتماعية الذي يؤدي لاستبدال راتب شهري للمضمونين بتعويض نهاية الخدمة على غرار موظفي الدولة، ما يجعلهم يستفيدون من زيادات غلاء المعيشة ولا يضطرون لسحبه بقيمته الحالية المنخفضة». وإذ يؤكد كركي أنْ لا خوف على الاستدامة المالية في الصندوق المؤمّنة للعام 2065، يلفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن تهافت المضمونين لسحب تعويضاتهم تراجع، فبعدما كان قد بلغ عام 2020، 18642 طلباً، لم يتجاوز حتى يونيو (حزيران) الماضي 10791 طلباً. ويكشف كركي أن «نحو 60 ألف شخص لم يعودوا مضمونين منذ اندلاع الأزمة عام 2019 وحتى نهاية العام الماضي، وأن 50% من الأُجراء المضمونين لا يتجاوز راتب المصرح به للصندوق لكل منهم المليون ليرة لبنانية».
من جهته، يشدد رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، على أن «الخوف ليس بحصول المضمون على ماله إنما على قيمة ما سيحصل عليه خصوصاً في ظل الواقع الاستشفائي المرير، فبعدما كان الضمان يغطي نحو 90% من الفاتورة الاستشفائية لم يعد يغطي إلا 10% وبات على المريض تغطية المتبقي». ويرى الأسمر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، «أننا أمام كارثة ونتدحرج نحو الأسفل بسرعة هائلة، والمطلوب رجال استثنائيون وعمل دؤوب للحكومة المفترض أن تبقي اجتماعاتها مفتوحة لمعالجة أزمات الناس، لكن في المقابل نرى مراوحة قاتلة، والناس متروكون لمصائرهم».
وتوضح الباحثة في الشأنين الاقتصادي والمالي والأستاذة الجامعية الدكتورة ليال منصور، أن «تراجع القيمة الشرائية للرواتب والتعويضات ليست المشكلة إنما نتيجة للمشكلة، وبالتالي لا يمكن حلها من دون معالجة لب الأزمة»، منبهةً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» من «مواصلة اعتماد سياسات فاشلة كطباعة الأموال لتصحيح أجور أو رفع قيمة التعويضات لأن ذلك سيفاقم الحالة الاقتصادية ويؤدي لارتفاع إضافي بالأسعار»، مشددةً على وجوب الانكباب لمعالجة المشكلة الأساس المرتبطة بسعر الصرف.
وحسب البيانات المالية لإدارة الضمان لغاية يونيو 2020، فلدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي - فرع تعويضات نهاية الخدمة نحو 12076 مليار ليرة (الدولار يساوي نحو 20 ألف ليرة في السوق السوداء)، وهو يوظّف من هذه الأموال نحو 6 آلاف مليار ليرة في سندات الخزينة اللبنانية، ويجمّد نحو 5 آلاف مليار ليرة في المصارف التجارية، ولديه محفظة مستجدّة بالدولار الأميركي تبلغ 380 مليون دولار.
وفي المقابل، على الضمان عجز متراكم مسحوب من أموال تعويضات نهاية الخدمة قيمته الإجمالية تبلغ 4273 مليار ليرة، أي ما يمثّل 36.5% من مجمل موجودات فرع نهاية الخدمة، وذلك لتغطية قسم من ديون الدولة لفرع المرض والأمومة.



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.