«المؤسسة الوطنية للمتاحف» بالمغرب 10 سنوات من التميز والإشعاع المحلي والدولي

رئيسها مهدي قُطبي تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن «دبلوماسية ثقافية» و«قوة ناعمة»

الفنان التشكيلي مهدي قطبي مدير المؤسسة الوطنية للمتاحف

شكل تخليد الذكرى العاشرة لإحداث «المؤسسة الوطنية للمتاحف» بالمغرب مناسبة للوقوف على حصيلتها وإبراز الآفاق المستقبلة لمشاريع عملها.
لا شك أن هذه المؤسسة الثقافية المهمة سعت، خلال السنوات العشر الماضية، إلى ملامسة عدد من الأهداف التي حددها القانون المنظم لها، والمتمثلة، على الخصوص، في تقوية «الحكامة المتحفية»، و«تثمين رصيد» المتاحف الوطنية و«جرد وحصر وتوثيق» رصيدها، و«دراسته علميا والمحافظة عليه وصيانته وحمايته وفق المعايير المتعارف عليها والقوانين المنظمة لقطاع التراث»، و«إغناء المجموعات المتحفية التابعة لها من خلال حملات التجميع واستملاك أو تسهيل استملاك أو شراء، بعوض أو بالمجان، الأعمال والتحف الفنية التي تكون لها قيمة تاريخية أو علمية أو دينية أو فنية أو أدبية أو إثنولوجية بهدف ضمها إلى مجموعات تلك المتاحف»، إلى جانب «التعريف بوظائف ودور المتاحف في تطور المجتمع وتشجيع الإبداع والمهنية في المتاحف بجميع أصنافها»، و«تنمية وتشجيع» زيارتها، و«استقبال الجمهور في فضاءاتها وتمكين مختلف فئات المجتمع».
يتعلق الأمر، بالنسبة لمهدي قطبي، الفنان التشكيلي ورئيس «المؤسسة الوطنية للمتاحف»، بأهداف وأدوار مهمة تشمل تأهيل المتاحف ودمقرطة الفن، عبر فتح المتاحف أمام العموم وتحسين جاذبيتها وجعلها قابلة للولوج، من خلال توقيع الشراكات والتحسيس بأهمية الثقافة بشكل عام، والمتاحف بشكل خاص، لإغناء العرض السياحي والمساهمة في تطوير معرفة ورفع مستوى فهم المغاربة لمختلف جوانب التراث الثقافي والفني لبلدهم، بشكل يعطي دفعة لسوق الفن ويُمَكن المغرب من التموقع كبلد رائد في هذا المجال، ويزيد من إشعاعه الثقافي في الداخل والخارج.
ولم يخف قطبي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، ارتياحه للعمل المنجز على مدى السنوات العشر التي قضاها على رأس هذه المؤسسة الثقافية، مشددا على أن الحصيلة تبقى أكثر من إيجابية، الشيء الذي لم يكن ممكنا لولا الدعم الملكي للنهوض بالثقافة ومنحها المكانة اللائقة داخل المجتمع، قبل أن يستعيد «الشرف الكبير» الذي شعر به و«السعادة» التي غمرته لحظة اختياره من طرف الملك محمد السادس على رأس هذه المؤسسة.
وتوسع قطبي في إبراز ما تم إنجازه، مذكرا باستراتيجية العمل والأهداف المتوخاة من وراء إحداث المؤسسة، مشددا على أنها تعمل وفق عدد من القيم الموجهة، والمتمثلة بشكل خاص في فضيلة التقاسم وخاصية الشغف، مشيرا إلى أن السنوات العشر الماضية مكنت المغرب من احتضان تظاهرات ثقافية كبيرة، على غرار معرض «أمام بيكاسو»، والمعرض الاستيعادي المخصص لأليرتو جيا كوميتي، ومعرض «المغرب الوسيط إمبراطورية بين أفريقيا وإسبانيا»، ومعرض «الغرباوي: الجذور السامقات»، ومعرض «التشكيليون المغاربة في المجموعات الوطنية من بن علي إلى اليوم»، ومعرض «الألوان الانطباعية – روائع المجموعات التحفية لمتحف أورساي»، ومعرض «الشعيبية طلال، فاطمة حسن الفروج، راضية بنت الحسين: رحلة إلى منابع الفن»، ومعرض «أحمد الشرقاوي: بين الحداثة والتجذر»، ومعرض «المتوسط والفن الحديث»، ومعرض «إبداعات الأمس واليوم»، ومعرض «أماكن مقدسة مشتركة بين الديانات التوحيدية»، ومعرض «من غويا حتى أيامنا»، ومعرض «نساء: فنانات الحداثة بالمغرب 1960 - 2016»، ومعرض «ملحُ أرضي» الذي خصص للفنان المغربي الراحل حسن الكلاوي، واستضافة النحات الكولومبي فيرناندو بوتيرو من خلال عمله الشهير «الحصان»، وصولا إلى معرض «دولاكروا ذكريات رحلة إلى المغرب»، مع إشارته إلى معرض «أضواء أفريقيا»، الذي تميز بمشاركة 54 فنانا من مختلف البلدان الأفريقية، تقاطعت أعمالهم عند موضوع الطاقة وتحدياتها بالقارة السمراء، كما سعت إلى تقديم رؤية حول تنوع وقوة وتميز الفن الأفريقي المعاصر، والدفع نحو التفكير في تحديات تنمية القارة.
وزاد قطبي، في سياق استعراضه للدينامية الفنية التي أطلقتها المؤسسة: «اليوم، أقول إننا قمنا بعمل استثنائي، تجسد على مستوى استقبال أعمال وتجارب عدد كبير من الأسماء الكبيرة التي طبعت عالم الفن التشكيلي عبر العالم، مع الاهتمام بالعمق الأفريقي، والعناية بالأسماء والتجارب التي بنت صرح الفن التشكيلي المغربي. والمؤكد أننا سنواصل العمل خلال الدخول المقبل بمعارض من نفس المستوى، وبنفس الشغف والإيمان بقيم التعاون والانفتاح».
والملاحظ في التظاهرات التي احتضنتها متاحف المؤسسة بمدن مغربية عديدة أنها ركزت، من خلال مضامينها، على ثلاثة محاور، تشمل الانفتاح على الحوض المتوسطي وأفريقيا، مع العناية بالخصوصية الفنية للمغرب، بشكل يعزز ويثمن المنجز الفني الوطني بأسمائه الشهيرة وتجاربه المتنوعة فيما ينفتح به على العالم.
ويُحسب للمؤسسة أنها عملت، وتعمل على إصلاح وتأهيل عدد من المتاحف، تم تشغيل عدد كبير منها، كمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط، ومتحف القصبة للثقافات المتوسطية بطنجة، ومتحف التاريخ والحضارات بالرباط، والمتحف الوطني للتصوير بالرباط، ومتحف الروافد - دار الباشا بمراكش، والمتحف الوطني للخزف بأسفي، والمتحف الوطني للنسيج والسجاد بمراكش - دار السي اسعيد سابقا، ومتحف «فيلا هاريس» بطنجة. فيما سيتم افتتاح متاحف أخرى خلال السنة الجارية، بينها متحف دار الجامعي ومتحف برج بلقاري بمكناس، ومتحف فنون الإسلام بفاس، ومتحف باب العقلة بتطوان، ومتحف ساحة جامع الفنا بمراكش.
وفضلا عن المعارض والتظاهرات الفنية المنظمة داخل المملكة، تحدث قطبي عن عدد المعارض التي نظمت بالخارج، والتي تغيت التعريف بالتراث والفن المغربيين في الخارج، متحدثا، في هذا السياق، عن «دبلوماسية ثقافية»، تتجسد فيما يمكن وصفه بـ«القوة الناعمة».
كما شدد قطبي على العمل الذي يتم على مستوى تنمية وتشجيع زيارة المتاحف المغربية، واستقبال الجمهور في فضاءاتها، وتمكين مختلف فئات المجتمع من ذلك، بشكل يعزز علاقات التواصل بين المؤسسة والجمهور الواسع، ممثلا لذلك بعدد من المبادرات التي تقوم بها المؤسسة، من قبيل فتح المجال أمام الطلبة للدخول مجانا إلى متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط كل يوم أربعاء، ولجميع المتاحف كل يوم جمعة بالنسبة للمغاربة والأجانب المقيمين في المغرب.
بالنسبة لقطبي، تؤكد الثقة الاحترامَ الذي صارت تحظى به المؤسسة عند المغاربة والإشعاع الذي صار لعملها، قبل أن يمثل لذلك بتبرع رئيس الوزراء المغربي السابق الراحل عبد الرحمن اليوسفي وزوجته للمؤسسة بممتلكاتهما.
وتحدث قطبي عن العمل الذي يتم على مستوى العمق الأفريقي، سواء من خلال عرض أعمال فنانين أفارقة، في السنوات الماضية أو مستقبلا، وكذا فتح باب التكوين أمام الأفارقة في المجال الفني لمقاسمتهم المعارف والخبرات التي توفرت للجانب المغربي.
ولم يفت قطبي أن يشير إلى العمل الذي يتم على مستوى التعريف بالفن والفنانين والمغاربة، مذكرا بالمعارض التي تمت برمجتها على مدى السنوات الماضية، والتي قربت زوار متاحف المؤسسة من أعمال عدد من الفنانين المغاربة الرواد.
واستحضر قطبي أيضا ما عاشه العالم زمن «كورونا»، مبرزا العمل الذي قامت به المؤسسة لتأكيد الأدوار التي يمكن أن يلعبها الفن خلال الأوقات الصعبة، بشكل يؤكد قيمة الثقافة في حياة الإنسان.
ولم ينس قطبي أن يؤكد حرصه الدائم على أن يكون عند حسن ظن الملك محمد السادس به، مشددا على أن المغرب محظوظ بملك صاحب رؤية وله بعد نظر.
وبخصوص البصمة التي طبع بها تدبير المؤسسة، من خلال شخصيته وتجربته ومساره كفنان، قال قطبي: «وضعت معارفي وعلاقاتي في خدمة بلدي والمؤسسة. جعلت من علاقاتي عبر العالم وثقة عدد كبير من الفاعلين الثقافيين عبر العالم جسر تعاون مكننا من مراكمة وتنظيم معارض مهمة، نقلت أعمال كبار الفن التشكيلي عبر العالم إلى المغرب، ليستمتع بها المغاربة وزوار المغرب».
وتحدث قطبي عن مساره الفني، مشيرا إلى الأعمال المشتركة التي جمعته مع شعراء وكتاب عالميين مرموقين، بينهم ليوبولد سيدار سنغور وإيمي سيزار وأوكتافيو باث وفاكلاف هافل؛ قبل أن يختم كلامه بكلمتين تختصران ما يؤمن به ويدافع عنه، كفنان تشكيلي وكرئيس لمؤسسة ثقافية مغربية مهمة، بقوله: «الفن هو الحياة».
وفضلا عن قدرته التواصلية والقيم الإنسانية التي يحملها ويدافع عنها، يتميز قطبي، كفنان، بأسلوب تشكيلي خاص، يرى النقاد أنه «يمزج بين الألوان والبلدان من أجل توحيدها»، هو الفنان والفاعل الثقافي الذي راكم عملا طويلا ومتواصلا في «خدمة الحوار بين الأفراد والثقافات والديانات»، مع السعي إلى «تحويل الكتابة إلى تشكيل»، يحمل «مفهوما إنسانيا للحوار بين الثقافات».