سميحة أيوب: فقدت حماسي للعودة إلى المسرح

قالت لـ«الشرق الأوسط» إن أغلب أفكار السينما قديماً كانت ساذجة

الفنانة المصرية الكبيرة سميحة أيوب  -  المخرج خالد جلال يكرم «سيدة المسرح العربي»
الفنانة المصرية الكبيرة سميحة أيوب - المخرج خالد جلال يكرم «سيدة المسرح العربي»
TT

سميحة أيوب: فقدت حماسي للعودة إلى المسرح

الفنانة المصرية الكبيرة سميحة أيوب  -  المخرج خالد جلال يكرم «سيدة المسرح العربي»
الفنانة المصرية الكبيرة سميحة أيوب - المخرج خالد جلال يكرم «سيدة المسرح العربي»

أكدت الفنانة الكبيرة سميحة أيوب أنها فقدت حماسها للعودة للمسرح بسبب تخبطات إدارية جعلت العرض المسرحي الذي أجرت بروفاته على مدى عام كامل لا يظهر للنور، وقالت في حوارها مع «الشرق الأوسط» إنها تعتز بمسيرتها الفنية الطويلة، وبتكريم ثلاثة رؤساء لها، المصري جمال عبد الناصر، والسوري حافظ الأسد، والفرنسي فاليري جيسكار ديستان، مشيرة إلى أن جائزة النيل للفنون التي حصلت عليها قبل أعوام توجت مسيرتها، وقد عبّرت سميحة أيوب عن تضامنها مع كبار الفنانين والفنيين الذين يجلسون في بيوتهم من دون عمل، مؤكدة وجود خلل جسيم في توزيع الأدوار على الفنانين.
وتعد سميحة أيوب صاحبة مسيرة فنية طويلة ملهمة، حيث بدأت عملها الفني وهي في الخامسة عشرة وظهرت لأول مرة في فيلم «المتشردة» عام 1947. وشاركت في فيلم «شاطئ الغرام» 1951 أمام ليلى مراد، والتحقت بالمعهد العالي للتمثيل وتتلمذت على يد الفنان الكبير زكي طليمات، وقدمت أعمالاً سينمائية ومسرحية وتلفزيونية مهمة، إلا أنها استحقت عن جدارة لقب «سيدة المسرح العربي» وفق نقاد، لتقديمها عروضاً كلاسيكية مميزة، من بينها «سكة السلامة، أنطونيو وكليوباترا، ست الملك، العباسة، الخديوي، مصرع كليوباترا».
وبينما كانت تستعد سميحة أيوب للعودة للمسرح القومي بعرض جديد هو «المورستان» المأخوذ عن مسرحية «بير السلم» للكاتب الراحل سعد الدين وهبة، فإنها كشفت عن اعتذارها عن المسرحية قائلة: «أنا تقريباً اعتذرت عن المسرح بسبب التخبطات الإدارية، فقد ظللنا نجري بروفات على مدى عام كامل، وكنت مبتهجة للعودة للمسرح، وذهبت للبروفات في أيام حر وبرد بجانب (كورونا)، طوال هذه السنة كنا نعمل دون مقابل لأن اللوائح تنص على عدم الحصول على أجور إلا بعد بدء العرض بـ15 يوماً، وبعيداً عن الأجور فإننا نعمل بالمسرح حباً فيه، لكن الروح الحلوة التي عدت بها بدأت تتراجع شيئاً فشيئاً حتى تلاشت، فكيف أوصل إحساس الحب للجمهور وأنا نفسي فقدته بمرور الوقت وطوله.«
وبسؤالها عن إمكانية إعادة تقديم عروضها المسرحية المهمة مع كبار نجوم المسرح، قالت: «هذا طموح كبير غير موجود... العروض الجديدة للأسف تتعثر، فما بالك بإعادة عروض سابقة، المشكلة في الإدارة».
وتولت سميحة أيوب رئاسة المسرح القومي العريق مرتين بين عامي 1975 و1989. واتسمت إدارتها بالجدية، ونجحت في تقديم عروض مهمة سافرت بها إلى باريس، وعن تلك الفترة تقول: «كنا نعاني من البيروقراطية أيضاً، لكن المهم أن نتغلب عليها ونضئ أنوار المسرح، الإدارة تحتاج قوة، فنحن نتعامل مع كبار المثقفين، ومع عمال، ولا بد أن نحقق العدالة حتى لا نسمع من يقول (لماذا فلان)، هذا سؤال لم أسمعه أبداً خلال رئاستي للمسرح القومي، لأنني طبقت مبدأ العدالة والثواب والعقاب، وكان يهمني أن تظل أنوار المسرح مضاءة، وخرجت بعروض مصرية ومنها مسرحية (إيزيس) لتوفيق الحكيم، التي عرضناها في باريس لمدة 15 يوماً، فالإدارة تتطلب حب للمسرح ورغبة في ازدهاره.

إجازة مفتوحة
ويبدو أن نجاح مسلسل «الطاووس»، الذي شاركت به الفنانة الكبيرة خلال شهر رمضان الماضي فتح شهيتها للدراما التلفزيونية، حيث تصور حالياً مسلسل «إجازة مفتوحة» أمام شريف منير ولقاء الخميسي، وتجسد من خلاله شخصية الأم التي تلعب دوراً إيجابياً في حياة أولادها وأحفادها وحسبما تقول: «أعجبني المسلسل لأنه عمل اجتماعي يناقش أحوال الأسرة، والسلوكيات السلبية والإيجابية، وكيف نربي الأحفاد على قيمنا، وهو عمل كوميدي خفيف، كنا قد بدأنا تصويره في شهر رمضان وعدنا لاستكماله مع قرب عرضه.«
وعن شخصية «ماتيلدا» التي جسدتها في «الطاووس» تقول: «(ماتيلدا) شخصية ترمز للعطاء، وتعد نموذجاً للوحدة الوطنية، وقد أعجبني السيناريو جداً، والمخرج رؤوف عبد العزيز شخصية رائعة وأنا أحب التعامل مع الشباب الجديد لأن لديهم رؤى طازجة، كما سعدت بفريق العمل كله، وفي مقدمتهم جمال سليمان، وهو فنان رائع يملك أدواته، وأتابع أعماله بشغف كبير، وأسعدني نجاح المسلسل، فهو يقدم رسالة مهمة للمشاهد بعيداً عن أي ابتذال، وبعيداً عن المتاجرة بالواقع، وطرح مشاهد العنف والبلطجة تحت دعوى طرح الواقع، علينا أن نجمل الواقع، وعلى مدى عمر السينما المصرية، وهي تقدم الواقع دون إسراف في مشاهد عنيفة صار الناس يتعلمونها من الدراما والأفلام الحالية، بينما المفترض أن يرتقي الفن بالناس لا أن يهبط بهم». حسب وصفها.

مسؤولية الممثل
وتؤمن سميحة أيوب بمسؤولية الممثل تجاه ما يقدمه من أدوار، إذ ترى أنه يجب أن يقدم للجمهور ما يساهم في بناء عقله ووجدانه بشكل سليم، مشيرة إلى رفضها لأعمال فنية لا تحقق ما تنشده: «أختار من بين الأعمال التي تعرض علي، أعمالاً ليس بها مشاهد عنف وقتل، أنا ضد هذه الأعمال التي تدخل البيوت، وهناك أطفال يتأثرون بها فنخلق جيلاً عنيفاً، لكن هناك من يقبلونها تحت ضغط الحاجة التي تجعل الفنان يتنازل حين يكون لديه التزامات أسرية ملحة ماذا سيفعل، الحقيقة أن الناس تعتقد أن الفنانين يحصلون على الملايين، هؤلاء لا يتجاوزن أصابع اليدين، بينما الأغلبية تحصل على الملاليم، وهناك من يجلسون في بيوتهم بلا عمل، ليس ممثلين فقط، بل مخرجين وكتاب وفنيين وعمال إضاءة وصوت وجيوش من العمال لا يعملون ويعيشون مآسي، هذا يعكس غياب العدالة في توزيع الأدوار، وتعامل لا يليق في أجور كبار الفنانين، فهي متدنية جداً بالنسبة لتاريخهم وعطائهم، وتتم معاملتهم كخيل الحكومة، والحل في رأيي يكمن في المنتج المثقف الذي يمنح لكل فنان قيمته، بالنسبة لي فإن مركزي والحمد لله محفوظ جداً، الفنان ليس تاريخاً فقط، بل شخصية ومواقف تجبر الآخرين على احترامه، شخصياً لم يعد يستهويني شيء، هناك أشياء جميلة وتطور يحدث في بلادنا، لكن الناس دائماً تنتقد، هذا يشعرني بالمرارة فلا بد أن نحمد الله على الصحة، وهي أغلى ما نملك، لقد سيطرت المادة وشغلت الناس عن كل شيء، لكن في الفن يستهويني العمل الذي يؤدي مهمة إنسانية، يستفيد منها المشاهد، لأن الفن رسالة تنويرية عظيمة. لا تنشغل الفنانة الكبيرة بمساحة وجودها في الأعمال التي تشارك بها، بل يعنيها قدر تأثيرها في العمل بحسب تأكيدها: «ما يحمله العمل الفني للناس من قيمة وما يحمله دوري من استفادة للناس أهم عندي من عدد المشاهد، قد يكون هناك دور أكبر، لكنه بلا تأثير ومشهد واحد قد يكون تأثيره أقوى».
وانتهت النجمة الكبيرة من تصوير دورها في فيلم «ليلة العيد» مع الفنانة يسرا وغادة عادل وإخراج سامح عبد العزيز وتقول عنه: «الفيلم يطرح أزمات عدة نساء في ليلة العيد، ويقف ضد اضطهاد المرأة، ويسعدني العمل مع المخرج سامح عبد العزيز لأنه من أعادني للسينما بعد 18 عاماً، حيث توقفت عن المشاركة في أفلام لضعف مستواها وأعادني سامح بفيلم (تيتة رهيبة) مع محمد هنيدي، والحقيقة أن السينما في السنوات الأخيرة أفضل بكثير من أيامنا، حيث كانت أغلب الأفكار ساذجة جداً، الآن يوجد فنانون ومخرجون شباب لديهم أفكار جيدة وجديدة، ورؤى طازجة في السينما والدراما، كذلك لدينا ممثلون وممثلات على مستوى رائع في الأداء من بينهم حنان مطاوع وسهر الصايغ، لكن هناك من يملكون الموهبة لكن لا يهتمون بتطويرها، فلا بد أن يكون للمثل شخصية تميزه شكلاً ومضموناً».
أيام سعد الدين وهبة
وتعتز الفنانة الكبيرة بثلاثة تكريمات حظيت بها من ثلاثة رؤساء سابقين هم عبد الناصر وحافظ الأسد وجيسكار ديستان، ومنذ عامين حصلت على جائزة النيل للفنون، وهي أكبر جوائز الدولة وتفخر بذلك قائلة: «الرئيس السوري حافظ الأسد هو من منحني أكثر لقب أحبه حين قال لي أثناء تكريمه لي (تقدمي يا سيدة المسرح العربي، بعدها وجدت الناس في سوريا والصحافة والتلفزيون يرددون هذا اللقب». وبينما تزوجت سميحة أيوب من الفنانين الكبيرين محسن سرحان، ومحمود مرسي، فإنها قضت أكثر من ثلاثين عاماً مع الكاتب سعد الدين وهبة الذي تقول عنه: «هو رجل لن يجود الزمان بمثله، إنسان رائع، مبتكر وطموح ومثقف ووطني وحنون جداً، علاقتنا كفنانة وكاتب تنتهي عند الأسانسير لكننا في البيت زوج وزوجة، كنا أصدقاء أكثر من أزواج، لم نكن نخفي شيئاً عن بعض، أحبني كممثلة قبل أن يحبني كإنسانة، وفي مرضه الأخير كان يزورنا د.
فوزي فهمي ونعم الباز وحسن شاه، فقال لهم لو أنجاني الله سأصدر كتاباً عن سميحة عنوانه (المرأة التي تحملتني)».


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».