ينبع من عمق الإنسان جمال يضاهي وسع الأرض. بشر كأنجلينا جولي يمتدون إلى خارج حيزهم، ويهدئون المتألمين في الأصقاع. لعل ذلك حاجة إلى التعويض عن «نقص» يرافق المرء إلى الأبد. رحيل الأم يحفر طويلاً، فإن ماتت باكراً، حفزت في الأبناء جدوى الكفاح. هذه بالضبط أنجلينا جولي: أم للإنسانية.
في عمر الـ46، أصدق ألقاب نجمة هوليوود الأميركية أنها إنسانة. لم يصبها الـ«أوسكار» ولا الـ«غولدن غلوب»، وسواهما من التقديرات، بغرور جوهرها الصافي. ولم يخذل صراع الحضانة ومعارك الطلاق روحاً بديعة تخفف الأحمال. ظلت في كل ظرف، ومع أي رجل، وفي قمم النجاحات، تلك الجميلة في مخيمات اللاجئين، والأم بالتبني لأولاد تعساء. تنشئ حسابها في «إنستغرام» لمشاركة قصص الظلم، ورفع الأصوات الخائفة، الجمال يسير يداً بيد: الشكل الفريد والروح الاستثنائية.
قبل أيام من 11 سبتمبر (أيلول)، التقت النجمة باللاجئين الأفغان الفارين من «طالبان»، على حدود وطنهم الممزق. مرت عشرون عاماً، واليوم تفتتح حسابها «الإنستغرامي» بعد طلاق مع مواقع التواصل، برسالة من مراهقة أفغانية تشكو خوفها من عجزها ارتياد المدرسة. تصف مشهد الأفغان المشردين بـ«المثير للاشمئزاز»، هي الشاهدة على تاريخ يعيد نفسه، على الرغم من «إنفاق الوقت والمال وإراقة الدماء وخسارة الأرواح»؛ إنه «فشل يكاد يكون مستحيلاً فهمه».
كيف يكون الداخل إنسانياً؟ بمحاولة شفاء الأوجاع. تتلقى أنجلينا جولي الرسالة، فيما يفقد الشعب الأفغاني قدرته على إيصال الصوت. كانت صوت تلك المراهقة، وأعطتها منبرها: «لذلك أطلقتُ صفحتي، لمشاركة قصص النضال من أجل حقوق الإنسان في العالم».
الألم هائل، لا يشفيه فقط الدواء. أحياناً، ما نحتاج إليه هو التفهم، والحضن، والرعاية النفسية للخروج من السجون الملتفة حول أرواحنا المنقبضة، ثم استعادة الأحلام. ملايين المتابعين لحساب جولي الجديد. وثمة من يحصي: «2.1 مليون بثلاث ساعات، حتى أنها تفوقت على الممثل البريطاني روبرت غرينت». المبعوثة الخاصة لدائرة المفوض الأممي السامي لشؤون اللاجئين ترفع من قيمة استعمال «السوشيال ميديا». تضيف إليها العطف والتودد وخيار الوقوف في خط الدفاع الأول عن المهمشين والمظلومين وضحايا العنف الجنسي في النزاعات.
ما الإنسان؟ ضمير وقلب وخُلق بديع يحاكي جمال الخالق، وهو تواضع ويد ممدودة للعطاء. يقال إن حجم تبرعات أنجلينا جولي لمتضررين ولاجئين بلغ «20 مليون دولار خلال 8 سنوات»، ذلك عدا شاحنات محملة بالأدوية والغذاء ترافقها في جولاتها الإنسانية. تتعدد بؤر البؤس والخير واحد: انتشال المقهورين. في مخيم الزعتري الأردني، في مخيمات اللجوء بلبنان، مع اللاجئين الصوماليين في كينيا، في مخيمات الكونغو، في أفغانستان، مع المصابين بالإيدز في إثيوبيا، واللاجئين في العراق. امرأة تأتي بجمال الروح قبل جمال الوجه. عظيمة من الداخل.
شجاعة وملهمة، تهدي النساء الأمل، تحرك فيهن حماسة اللقاء بين القوة والأنوثة، بين الأقدام على الأرض وعطر الشهرة وفضاءاتها. توقف العالم على قرارها استئصال ثدييها، وزراعة ثديين بديلين، لاكتشافها الخطر العالي لاحتمال إصابتها بالسرطان. 8 ساعات مدة الجراحة، وقد أخبرها الأطباء أن الجين المسبب للمرض قد ورثته من والدتها. آلمها عميقاً رحيلها قبل 4 سنوات من بلوغها الستين. تحمل «ذنبها» في قلبها الخائف. و«ذنب» الموت قبل الأوان. في مقال كتبته لـ«نيويورك تايمز»، تحدثت بذعر: «أخاف أن يفقد أطفالي السبعة والدتهم». قالت إنها تخبرهم باستمرار عن جدتهم، وإنهم سألوها إن كانت ستلقى مصيرها. استأصلت الثديين لكسب الوقت معهم.
هل تشعر بأنها أقل أنوثة؟ «بالعكس، أشعر بأنني أكثر قوة. لا أزال أنا نفسي، ولا أزال لأطفالي الأم التي عرفوها». سبعة أولاد بين الإنجاب والتبني يشكلون وردة الحياة. تتجنب سلخ المتبنين عن أصلهم وفصلهم. هم خلاصة معاناتهم في دولهم الأصلية، وما حدث لأمهاتهم وآبائهم. أبقت أنجلينا جولي لهم الحق بالسؤال عن انتمائهم وجذورهم، ومعرفة خصائص بلدانهم الطبيعية. أم خارج الأنانيات.
ثلاثة زيجات انتهت بالطلاق. ثلاث سنوات مدة الزواج الأول من الفنان جوني لي ميلر، وبعد الفراق: «نحن الآن أصدقاء جيدون». أسباب عدة تخنق الحب، منها «وجهات النظر المختلفة». هكذا، عللت طلاقها من الممثل الأميركي بيلي بوب ثورنتون. إلى أن اقتحم براد بيت قدرها. كان ذلك في عام 2004، وهما يصوران فيلم «السيد والسيدة سميث». امتعضت جينيفر أنيستون من رائحة لم ترقها، وراحت تشك بعلاقة بين زوجها والنجمة. معاناة أنجلينا جولي من خيانة والدها لوالدتها جعلتها تصد براد حتى نيله الطلاق من أنيستون. زواج ثالث ينتهي بالإخفاق، فوقع الطلاق. كأن في داخلها إحساساً مستحيلاً بالاستقرار. كأنه أمان مفقود وسكينة جريحة. تعوض باحتواء مساكين الأرض.
النحل الحائم على جسدها، وهي بكامل الهدوء والاتزان، مشهد يحبس الأنفاس. تتحدث عرابة برنامج الترويج لمربي النحل بحب عن روعة الاتصال بهذه المخلوقات الجميلة. تلتقي مع «ناشيونال جيوغرافيك» في مبادرة «نساء من أجل النحل»، وتعزز بحضورها برنامج ريادة الأعمال النسائية المتطورة في مجال تربية هذه العلسيات. سيدة الإلهام.
الموعد في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل في الصالات، وشركة «مارفل» الأميركية للإنتاج تفرج عن الإعلان الترويجي لفيلم «أبديون» (Eternals)؛ بطولة جولي، مع سلمى حايك وكيت هارينغتون وريتشارد مادن من «صراع العروش». تكتب «إنترتيمنت ويكلي» أنه سيجلب بعض أغرب وأروع شخصيات «مارفل» إلى السينما. هذه رؤية المخرجة كلوي تشاو، صاحبة «أوسكار» أفضل فيلم وأفضل إخراج عن «نوماد لاند»، للخير والشر. خارقون يعودون إلى الأرض في مهمة إنقاذ الكوكب. المسألة معقدة والبشر وحوش أيضاً.
قالت لـ«فوغ» إنها تتطلع لتصبح في الخمسين، وتحب التقدم في العمر. أجمل الأعمار هي التي لا تمر سهواً. كأنها أكثر من حياة وولادات لا تُعد.
أنجلينا جولي... الروح الاستثنائية
حسابها في «إنستغرام» لإنصاف المعذبين وتطل سينمائياً في «أبديون»
أنجلينا جولي... الروح الاستثنائية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة