ما أن تشير وسائل الإعلام المحلية إلى قرب موعد الإعلان عن نتائج الثانوية العامة في مصر حتى تسري أجواء من القلق والترقب بل و«الرعب» لتسيطر على مئات الآلاف من الأسر في جميع أنحاء البلاد، خصوصاً أن نظام الثانوية العامة هو أحد المرتكزات الثابتة التي تحدد مصائر آلاف الطلاب سنوياً، بعد امتحانات يُعد لها ألف حساب مع مزيج من التوتر وسهر الليالي الذي يصاحبه ارتفاع ضغط الدم لدى الكثير من أولياء الأمور الذين يقتطعون جزءاً كبيراً من دخلهم للإنفاق على الدروس الخصوصية على مدار 10 أشهر كاملة.
وأعلنت وزارة التربية والتعليم المصرية النتائج أمس، حيث بدأ عرضها على بعض المواقع الإخبارية الكبرى، وتسبب كثرة الضغط عليها في حدوث بعض الأعطال الفنية لبعض الوقت.
حالة الترقب التي تسيطر على الأسر، وتجمدها خلف الشاشات الإلكترونية تبدأ عشية الإعلان عن النتيجة، وتتصاعد مع الإلحاح الشديد في معرفة النتائج قبل صدورها رسمياً عبر تسريبات بعض المسؤولين أو المخضرمين الذين ينجحون في أحيان كثيرة في قنصها قبل بثها على المواقع بساعات. وأثارت عملية تسريب نتيجة طالبين من أبناء نائب برلماني مصري بمحافظة الشرقية (دلتا مصر) مساء أول من أمس، غضب الكثير من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد نشر شقيق النائب النتيجة عبر «فيسبوك» قبل إعلان النتائج رسمياً أمس الثلاثاء، ما دعا الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، إلى الإعلان عن حجب نتيجة الطالبين بعد تسريبها ونشرها على صفحات التواصل الاجتماعي قبل إعلان النتيجة رسمياً، وتحويل الأمر إلى الشؤون القانونية لفتح تحقيق موسع فيه.
داليا أحمد، مقيمة في القاهرة، وهي والدة لطالب في السنة الثالثة بالثانوية العامة (قسم علمي)، تؤكد أنها تعيش حالة القلق والخوف للمرة الأولى كأم بعدما عاشتها كطالبة منذ أكثر من 23 عاماً، وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «مررت بمشاعر متناقضة قبل إعلان النتيجة، وتمنيت مرور الوقت بفارغ الصبر، لمعرفة مصير ومستقبل ابني الذي تعبت معه كثيراً على مدار الشهور الماضية».
وتلفت أحمد إلى أن «تجربة تطبيق نظام التابلت في الامتحانات لأول مرة صعبت من مهمتها لعدم درايتها بهذا النظام الجديد، لكنها في الوقت ذاته ترى أنه نظام جيد ومريح ويشجع الطلاب على تشكيل شخصيتهم ويساعدهم على الفهم».
ويرى خبراء تعليم بمصر أن نظام الثانوية في مصر أحد مرتكزات العدالة الاجتماعية لأنه يمنح الفرصة لكل أبناء المجتمع ومختلف فئاته في تحقيق أحلامهم عبر الحصول على مجموع مرتفع يساعدهم في الالتحاق بكليات القمة، وتحتفي وسائل الإعلام المصرية كل عام بأبناء الطبقات الفقيرة الذين يحصلون على درجات مرتفعة جداً يلتحقون من خلالها بكليات مرموقة.
وحسب وزارة التربية والتعليم المصرية فإن عدد طلاب الثانوية العامة بالعام الدراسي الحالي تجاوز 649 ألف طالب وطالبة، كما بلغ عدد طلاب الشهادة الثانوية الأزهرية هذا العام نحو 113 ألف طالب وطالبة، التي أعلنت قبل يومين رسمياً، لكنها لا تحظى بنفس زخم واهتمام الثانوية العامة. واعتبر متابعون دفعة العام الجاري «محظوظة» لأنها الدفعة الأولى التي تشهد تطبيق وسائل جديدة في الامتحانات التي تعتمد على رصد الفهم، وعادات التفكير المنطقي، والتدريب.
وليس الحفظ والتلقين كما كان يُتبع طيلة السنوات الطويلة الماضية، بعدما تم تدريبها أكثر من مرة على طريقة أسئلة الامتحانات القائمة على نظام أسئلة الاختيارات المتعددة المعروفة باسم (البابل شيت)، بجانب السماح لهم باصطحاب الكتاب المدرسي داخل اللجان كمرجع للقواعد والنظريات، كما تم تدريب الطلاب كذلك على الاعتماد على وسائل التعليم الجديدة التي اعتمدتها وزارة التربية والتعليم مثل «بنك المعرفة»، و«منصة وزارة التربية والتعليم التفاعلية» وهي وسائل تدريبية على التعلم البحثي وليس التلقيني.
وقال الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم، أمس في مؤتمر صحافي: «إن كل الطلاب الذين حصلوا على 75 في المائة فما أكثر، في امتحانات الثانوية العامة متفوقون». وبلغت نسبة النجاح في شعبة العلوم 76 في المائة، و70 في المائة للشعبة الأدبية.
ولفت شوقي إلى أن هذه دفعة تاريخية للثانوية العامة المصرية، إذ بدأ التطوير في 2017 وكان هدفه استحداث نظام جديد لفهم نواتج التعلم.
وبحسب تقرير بحث الدخل والإنفاق، الذي أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء نهاية شهر يوليو (تموز) عام 2019، ونشرته صحيفة «الأهرام الرسمية»، فإن متوسط إجمالي ما ينفقه المصريون، نحو 26 مليون أسرة في جميع محافظات الجمهورية، على الدروس الخصوصية ومجموعات التقوية يبلغ نحو 47 مليار جنيه (الدولار الأميركي يعادل 15.6 جنيه مصري) بنسبة تمثل 37.7 في المائة من إجمالي الإنفاق على قطاع التعليم.