البحث عن «البراح» الإنساني وسط الزحمة

30 لوحة في معرض الفنان المصري عبد العزيز الجندي

كسر الفنان القواعد الكلاسيكية نحو التلخيص (الشرق الأوسط)
كسر الفنان القواعد الكلاسيكية نحو التلخيص (الشرق الأوسط)
TT

البحث عن «البراح» الإنساني وسط الزحمة

كسر الفنان القواعد الكلاسيكية نحو التلخيص (الشرق الأوسط)
كسر الفنان القواعد الكلاسيكية نحو التلخيص (الشرق الأوسط)

تحلّق لوحات الفنان عبد العزيز الجندي في حضرة البراح، لتتلقى أولى إشراقات الصباح وتتلاقى مع طزاجة الأحاسيس والأفكار وسط الصحاري والجبال والأنهار والأودية والنخيل والشوارع مستمتعاً بموسيقات عازفي الربابات ومنشدي المواويل والابتهالات في الأحياء والقرى المصرية القديمة عبر حوار مستمر بين البيئة والروح، يمكن للمتلقي الاستماع إليه والمشاركة فيه عبر زيارة معرضه المقام حالياً بقاعة «الباب/ سليم» بساحة متحف الفن المصري الحديث في دار الأوبرا المصرية.
لكن لا يبغي الجندي براح الأمكنة وحدها كما قد يتراءى للبعض، فالأعمال مسكونة أيضاً ببراح الزمان والوجدان والخيال والفكر؛ لأن ما يعنيه في الأساس هو «براح النفس والقلب»، على حد تعبير الفنان الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»، «أحياناً ينطلق الإحساس بالبراح من الداخل إلى الخارج، وليس العكس؛ إذ يشعر المرء بحالة من الصفاء النفسي والخيال الواسع وترامي أطراف تفكيره وزخم مشاعره، فينعكس ذلك على تواصله مع ما يحيط به، ويؤثر على منجزه الشخصي، إنه البراح الإنساني في أصدق صوره».
وقد يرتبط البراح أيضاً بالمشكلات الحياتية، إلى حد أن المرء قد يجد فيه سبيلاً للهرب من الهموم، فيتلمس وسط الضغوط نفسها حالة البراح النفسي وفق الجندي، ولعل ذلك أيضاً يفسر لماذا جاءت بعض الأعمال مُصطبغة بلمسة من الصوفية غير المتعمدة من جانبه «يرتبط التأمل بالدعوة إلى النواحي الإيمانية والتفكر في خلق الله واكتشاف مزيد من روعة الكون وجماليات الطبيعة».
إلى هذا، فإن أعماله التي تتجاوز الثلاثين لوحة لا تجسد فقط الأماكن الخالية أو المتسعة أو المفتوحة وحدها رغم ثيمة المعرض وعنوانه «براح»؛ لأن الفنان الذي يتجاوز المعنى المباشر للكلمة يحتفي بتجسيد لحظات البراح الشخصي الداخلي، ويقول «رغم الزحام والضجيج وتشابك مفردات وعناصر بعض الأمكنة، فإنها تمنحنا أحياناً براحاً خاصاً ذي طابع فريد وكأننا في أعماق البحر أو وسط الصحراء، فهي تأخذنا إلى شلال من الأحاسيس والأفكار وتقودنا إلى التأمل في هدوء وصفاء لأن هذه الأمكنة على صخبها تمثل ببساطة جزءاً من كياننا عبر ما تحمله من ذكريات، وما تثيره من مشاعر الحنين أو ما تنطوي عليه من زخم مؤثر بسبب حيويتها، وهو ما قد يفسر لنا لماذا يمكن أن تتسم الأسواق الشعبية ذات الطرقات الضيقة المتعرجة بحالة جميلة ونادرة من البراح».
وفي هذا الإطار، يقدم عبد العزيز الجندي في لوحاته مشاهد مكثفة وتكوينات مُحكمة، تصطحب المشاهد من أستار الإحباط والحزن إلى توهج الأمل والحلم، وكأنه في حالتي تحول وعبور دائمين؛ لذلك يتنقل ما بين مرافئ الانتظار ومراسي القوارب والمعدية ومحطات القوافل وضفة النهر بحي المنيل الشهير بالقاهرة، وحديقة الأورمان وشاطئ الأنفوشي السكندري، وحين يقرر أن يمنح شخوصه قدراً من الراحة فإنه يختار لها أن تحتضنهم ظلال النخيل بكل رموزه ودلالاته، وحكمة شجر الصفصاف بكل خصوصيتها في الريف المصري ليشعر الجميع ببراح المشاعر وتدفقها.
طوّع الفنان الفراغ في الأعمال لإبراز الثيمة التي تشغله وتعزيز حضورها، إذ يمثل مساحة لافتة تستوقف المشاهد، وعن ذلك يقول «أقدّر الفراغ للغاية، منحته مكانة خاصة في لوحاتي؛ لأنه بالنسبة لي أفضل متنفس لبقية العناصر، يحتضنها في رفق ويبرز المساحات المُذهبة بسلاسة ما يمنحني شخصياً قدراً وافراً من الصفاء، وكذلك الأمر بالنسبة للمشاهد؛ إذ يساعده الفراغ على راحة عينيه ومن ثم تقوده أحاسيسه إلى حيث تريد بعفوية».
لم يكن للفنان أن يحتفي بهذه الثيمة من دون حمل أوراقه وريشته وألوانه إلى أماكن خلابة ليجسد المنظر الطبيعي في أعماله «جلست وسط الطبيعة أرسم بعض اللوحات من البداية إلى النهاية، كنت أشعر أني ألمسها وأتواصل معها بشكل مباشر، وهو إحساس يختلف عن العمل في المرسم أو التقاط صور فوتوغرافية لها ليتم فيما بعد رسمها داخل مكان مغلق، فالخطوط والألوان والتأثيرات والإضاءة في اللوحات تصبح أكثر رحابة حين تقوم بالرسم في قلب الطبيعة».
المعرض المستمر حتى 7 أغسطس (آب) من العام الحالي، يحمل ملامح مرحلة فنية جديدة في مشوار الجندي؛ إذ توسع في معظم لوحاته في استخدام تقنية ورق الذهب الملصق على السطح ما يشكل الأرضية العامة للعمل، والذي يضع عليها مفرداته ما منحها بريقاً وثراءً وتنوعاً في الملمس واللون، وكسر الفنان الأكاديمي أستاذ الجرافيك بكلية الفنون الجميلة بالزمالك ومؤسس جماعة «فنانو اللقطة الواحدة» العديد من القواعد الكلاسيكية التي تمسك بها في معارض سابقة له، مؤكداً «في كل تجربة فنية لي أميل إلى إعادة اكتشاف نفسي ومن ثم الثورة عليها، إذ ينبغي للفنان أن يمحو فكرة التكرار، فحتى لو أعاد رسم لوحاته سابقة له من جديد - مثلما فعلت في هذا المعرض - فإنه يتناولها في كل مرة بشكل مغاير لاختلاف طاقته الانفعالية ورؤيته الفكرية وحالته المزاجية، وقد شعرت هذه المرة بحاجتي إلى تقنية تمنحني مزيداً من التلخيص والتبسيط».
هذا الشغف بالتغيير قاد الفنان إلى استخدام عناصر وخامات فنية كثيرة ما بين الألوان المائية والأكريليك والأحبار والورق المذهب والحراري بزخارفه النباتية، إضافة إلى استعانته بالكولاج وبعض السمات التجريدية والتأثيرية في أعماله، إلا أن شيئاً من ذلك لم يفلح في سلب لوحاته هويتها وطابعها المميز، فقد بقيت ذات أسلوب تعبيري عميق ينطق بحميمية الحياة المصرية وأحوال البسطاء.



إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
TT

إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»

شهدت الرياض وجدة فعاليات مسرحية وغنائية عقب انتهاء شهر رمضان، انطلقت مع عيد الفطر واستقطبت مشاركات مصرية لافتة، منها مسرحية «حتى لا يطير الدكان»، من بطولة الفنانَيْن أكرم حسني ودرة، في موسمها الثاني على مسرح «سيتي ووك جدة»؛ إلى عرض ستاند أب كوميدي «ذا إيليت» المقام على «مسرح محمد العلي» بالرياض، بينما شاركت الفنانة المصرية أنغام بحفلات «عيد القصيم»، والفنان عمرو دياب بحفلات «عيد جدة».
وتشهد العاصمة السعودية حفل «روائع الموجي»، الذي تحييه نخبة من نجوم الغناء، بينهم من مصر، أنغام وشيرين عبد الوهاب ومي فاروق، بالإضافة إلى نجوم الخليج ماجد المهندس وعبادي الجوهر وزينة عماد، مع صابر الرباعي ووائل جسار، بقيادة المايسترو وليد فايد وإشراف فني يحيى الموجي، ومشاركة الموسيقار رمزي يسى.
عن هذا الحفل، يعلّق الناقد الفني المصري طارق الشناوي لـ«الشرق الأوسط»: «نشجّع تكريس الكلمة الرائعة والنغم الأصيل، فحضور نجوم مصر في فعاليات المملكة العربية السعودية، يشكل حالة تكامل من الإبداع»، معرباً عن غبطته بمشهدية الزخم الفني، التي يواكبها في الرياض وجدة.
ووفق «جمعية المؤلفين والملحنين الرسمية» في مصر، ورصيد محمد الموجي، صاحب مقولة «أنا لا أعمل كالآلة تضع فيها شيئاً فتخرج لحناً؛ إنها مشاعر وأحاسيس تحتاج إلى وقت ليخرج اللحن إلى النور»، قد وصل إلى 1800 لحن، ليعلّق رئيسها مدحت العدل لـ«الشرق الأوسط» بالتأكيد على أنّ «الاحتفاء بالرموز الفنية من (الهيئة العامة للترفيه)، كاحتفالية الموجي، أمر غاية في الرقي ويدعو للفخر»، موجهاً التقدير للجميع في المملكة على النهضة الفنية الكبيرة.
واستكمالاً لسلسلة الفعاليات الفنية، فإنّ مدينة جدة على موعد مع حفلين للفنان تامر عاشور يومي 5 و6 مايو (أيار) الحالي، بجانب حفل الفنانَيْن محمد فؤاد وأحمد سعد نهاية الشهر عينه. وعن المشاركات المصرية في الفعاليات السعودية، يشير الناقد الموسيقي المصري محمد شميس، إلى أنّ «القائمين على مواسم المملكة المختلفة يحرصون طوال العام على تقديم وجبات فنية ممتعة ومتنوعة تلائم جميع الأذواق»، مؤكداً أنّ «ما يحدث عموماً في السعودية يفتح المجال بغزارة لحضور الفنانين والعازفين والفرق الموسيقية التي ترافق النجوم من مصر والعالم العربي». ويلفت شميس لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ «هذا التنوع من شأنه أيضاً إتاحة مجال أوسع للمبدعين العرب في مختلف الجوانب، التي تخصّ هذه الحفلات، وفرصة لاستقطاب الجمهور للاستمتاع بها بشكل مباشر أو عبر إذاعتها في القنوات الفضائية أو المنصات الإلكترونية»، معبّراً عن سعادته بـ«الحراك الفني الدائم، الذي تشهده المملكة، بخاصة في الفن والثقافة وتكريم الرموز الفنية والاحتفاء بهم».
وشهد «مسرح أبو بكر سالم» في الرياض قبيل رمضان، الحفل الغنائي «ليلة صوت مصر»، من تنظيم «الهيئة العامة للترفيه»، احتفالاً بأنغام، إلى تكريم الموسيقار المصري هاني شنودة في حفل بعنوان «ذكريات»، شارك في إحيائه عمرو دياب وأنغام، بحضور نخبة من نجوم مصر، كما أعلن منذ أيام عن إقامة حفل للفنانة شيرين عبد الوهاب بعنوان «صوت إحساس مصر».
مسرحياً، يستعد الفنان المصري أحمد عز لعرض مسرحيته «هادي فالنتين» في موسمها الثاني، ضمن فعاليات «تقويم جدة» على مسرح «سيتي ووك‬» بين 3 و6 مايو (أيار) الحالي. وعنه كان قد قال في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الحراك الثقافي الذي تشهده المملكة يفتح آفاقاً وفرصاً متنوعة للجميع لتقديم المزيد من الفن الراقي».