احتياطي الدولار لدى «المركزي»: يد الدولة «طويلة»

ما تبقى من إهراءات القمح في بيروت بعد انفجار 4 أغسطس (رويترز)
ما تبقى من إهراءات القمح في بيروت بعد انفجار 4 أغسطس (رويترز)
TT
20

احتياطي الدولار لدى «المركزي»: يد الدولة «طويلة»

ما تبقى من إهراءات القمح في بيروت بعد انفجار 4 أغسطس (رويترز)
ما تبقى من إهراءات القمح في بيروت بعد انفجار 4 أغسطس (رويترز)

> لم يكن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بحاجة إلى بث رسالة مرمزة لإظهار عقم تمويل الدعم. فيبين، في بيان رسمي، إنفاق نحو 828 مليون دولار من احتياطي العملات الصعبة خلال شهر يوليو (تموز) وحده لتغطية فواتير دعم المحروقات فقط من فيول للكهرباء ومادتي البنزين والمازوت لأسواق الاستهلاك. ويدعو «المعنيين» إلى تحمل مسؤولياتهم لتأمين إيصال هذا الدعم إلى المواطنين مباشرة عوض أن يذهب إلى السوق السوداء.
فمع تدني احتياطيه دون عتبة 15 مليار دولار، ومع احتساب حصة الاحتياطي الإلزامي للودائع بنسبة 14 في المائة لنحو 105 مليارات دولار كمدخرات في الجهاز المصرفي محررة بالعملات الصعبة لمقيمين وغير مقيمين من لبنانيين وغير لبنانيين، يسطع «الضوء الأحمر» في إدارة الرمق الأخير من الاحتياطيات، في ظل نضوب مواز في التدفقات النقدية من الخارج، باستثناء تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج والمغتربين التي تحافظ على مستواها بمتوسط 7 مليارات دولار سنويا.
بالأرقام، هبط احتياطي العملات الأجنبية لدى البنك المركزي، بنحو 11 مليار دولار، أي بنسبة تعدت 35 في المائة، على مدار سنوي بين نهايتي يوليو من العامين الحالي والماضي. وهو ما يعكس إنفاقا بمتوسط يتعدى 915 مليون دولار شهريا، بينها ما لا يقل عن 600 مليون دولار تم صرف معظمها بالسعر الرسمي للدولار البالغ 1515 ليرة وبسعر 3900 ليرة للمحروقات في الشهرين الأخيرين، لدعم تمويل مستوردات ضرورية من قمح ومحروقات وأدوية ولوائح سلع غذائية وأساسية.
وبالتوازي، سجل صافي الموجودات الخارجية لدى القطاع المالي اللبناني عجزا مجمعا بلغ حوالي 1.57 مليار دولار أميركي، خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، مقارنة بعجز بلغ 2.19 مليار دولار في الفترة عينها من العام 2020، عاكسا بذلك تحسنا «وهميا» في حصيلة ميزان المدفوعات قبيل جفاف الاحتياطي الحر من العملات الصعبة لدى البنك المركزي.
وفي التقييم، يبدو صريحا أن دعم تمويل المحروقات يستنزف وحده نحو نصف الدعم، فيما يتم حرمان السكان من الكهرباء بتقنين قاس للغاية يصل إلى 18 ساعة يوميا، ويجري حشرهم بطوابير ذل للحصول على مادة البنزين، ولا تصلهم مادة المازوت سوى من السوق السوداء بأسعار مضاعفة وعشوائية. كل ذلك، وهم يتكبدون تكلفة باهظة وصلت إلى مليون ليرة شهريا، في تأمين التيار الكهربائي عبر الاشتراك بالمولدات الخاصة.
وتطابقاً مع شهية الإنفاق من الاحتياطي ومد يد السلطات إلى الرمق شبه الأخير من الودائع حتى الساعة، غطت الدولة بالسياسة وبالقانون، وعلى أعلى المستويات الرئاسية في السلطة التنفيذية، آلية استمرار السحب والإنفاق من الاحتياطي، فتذرع مصرف لبنان بأنه «في حال إصرار الحكومة على الاقتراض وفقاً للمادة 91 (قانون النقد والتسليف) وبالعملات الأجنبية، أن تعمل على إقرار الإطار القانوني المناسب الذي يسمح لمصرف لبنان باستعمال السيولة المتوافرة في التوظيفات الإلزامية مع التزام الحكومة الصريح بإعادة أي أموال مقترضة من مصرف لبنان ضمن المهل المحددة قانوناً في المادة 94 من قانون النقد والتسليف، على أن تكون نسبة الفوائد محددة بحسب المادة 93 من القانون نفسه، بموجب عقد قرض، وأن ينص العقد صراحة على أن يتم الإيفاء بمعزل عن مسؤوليات الحكومة المتعلقة بقرار التوقف عن الدفع».
وبمعزل عن المبالغ التي سيتم تحديدها لقيمة القروض الموعودة من احتياطيات الودائع، والذي يقدر ألا يقل عن 3 مليارات دولار لتمكين الدولة من تغطية فواتير دعم المحروقات بسعر 3900 ليرة للدولار، وبسعر 1515 ليرة للأدوية الأساسية والقمح وبعض المصاريف الملحة للدولة كالكهرباء والسفارات وسواها، فإن الترقبات توغل في التشاؤم من فتح هذا الباب طبقاً لمقولة تجريب «المجرب»، لا سيما مع توسع التباعد في المواقف بين الأطراف الداخلية، حيث يتوقع استمرار «الظروف الاستثنائية» الموجبة لتمكين الدولة من الاقتراض إلى أمد غير معلوم. علما بأن ضمانة الدولة عينها للديون الجديدة كما يطلب البنك المركزي هي موضع التباس وشكوك، بعد سيل الاتهامات التي وجهتها منذ انفجار الأزمات إلى الحاكمية والمصارف وحملتهم مسؤولية الفجوة المالية للبلاد.
ويقتضي التنويه، بأن البنك المركزي سعى إلى حجز أو حصة «ترضية» لأصحاب المال الأصليين من الاحتياطي المؤتمن عليه. وباشر بدءا من شهر يوليو الماضي، بتمكين المودعين بالعملات الصعبة والذين يمثلون نحو 83 في المائة من إجمالي الودائع، بصرف 800 دولار شهرياً من حساباتهم، مناصفة بالدولار النقدي وبالليرة اللبنانية بسعر 12 ألف ليرة لكل دولار ولمدة عام قابل للتجديد لاحقاً. علما بأن سعر الدولار اقتطع مسبقاً حتى الآن نحو ثلث قيمة شريحة الـ400 دولار التي سيتم صرفها بالليرة.

قرض البنك الدولي ينطلق لمساعدة 147 ألف أسرة
> أبلغ البنك الدولي الحكومة اللبنانية رسميا، بتفعيل المشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي بدءاً من 28 يوليو (تموز) 2021 بعدما استوفت جميع شروط القرض. فيما يستمر الجدل العقيم بشأن إصدار بطاقات تمويلية لنحو 500 ألف أسرة لبنانية، كخيار بديل لبلوغ مستوى النضوب في الاحتياط الحر لدى البنك المركزي وإمكانية تعذر تواصل دعم المواد الاستراتيجية والأساسية وتبلغ قيمة المشروع الإجمالية 246 مليون دولار. وهو يهدف إلى تأمين مساعدات نقدية عاجلة وتسهيل الحصول على مساعدات اجتماعية لحوالي 147 ألف أسرة يشكلون نحو 786 ألف نسمة من اللبنانيين الفقراء.
وإذ ذكر البنك الدولي «أنه يبقى ملتزماً ويتطلع إلى التطبيق السريع للمشروع من أجل تأمين المساعدات للأسر الفقيرة بشفافية كاملة»، طلب من الحكومة الاستيفاء الفوري والفعال لشروط البدء بصرف المبالغ المخصصة لهذا القرض بأسرع وقت ممكن.
وتتضمن هذه الشروط، إنشاء آلية ضمن وزارة الشؤون الاجتماعية، والتوقيع على اتفاقية مع برنامج الغذاء العالمي للبدء بالتحويلات النقدية، تعيين وكيل طرف ثالث للمراقبة من أجل إجراء تحقيق خارجي للتأكد من صحة تطبيق المشروع، والتأكد من هوية المستفيدين وفقا للمواصفات المحددة.



غارات في الحديدة مع نهاية الأسبوع الأول من حملة ترمب ضد الحوثيين

دخان يتصاعد جراء ضربات أميركية استهدفت الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
دخان يتصاعد جراء ضربات أميركية استهدفت الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT
20

غارات في الحديدة مع نهاية الأسبوع الأول من حملة ترمب ضد الحوثيين

دخان يتصاعد جراء ضربات أميركية استهدفت الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
دخان يتصاعد جراء ضربات أميركية استهدفت الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

فيما حذّر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني من خطورة تنامي الدعم الإيراني للجماعة الحوثية، مع تدفق موالين لطهران إلى صنعاء، واصل الجيش الأميركي، الجمعة، حملته التي أمر بها ترمب ضد الجماعة مستهدفاً في ختام الأسبوع الأول من الحملة مواقع في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر.

ومع توعد الجيش الأميركي باستمرار الحملة دون سقف زمني، لم تتحدث الجماعة الحوثية عن طبيعة الأهداف المقصوفة بـ6 غارات في منطقة الفازة التابعة لمديرية التحيتا، إلا أن تكهنات تشير إلى استهداف مخابئ للصواريخ والمسيّرات ومراكز للقيادة.

وجاءت الضربات غداة غارات كانت استهدفت، مساء الخميس، منطقة الكثيب في مدينة الحديدة، وأخرى ضربت موقعاً في مديرية زبيد في المحافظة نفسها، إلى جانب غارات استهدفت مديرية الصفراء في محافظة صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويوم الخميس، كانت الجماعة قد تبنّت إطلاق صاروخين باليستيين باتجاه إسرائيل، وأعلنت الأخيرة اعتراضهما دون أضرار، وذلك بعد صاروخ ثالث كانت الجماعة أطلقته الثلاثاء الماضي، منذ عودتها للتصعيد عقب عودة العمليات الإسرائيلية في غزة، وتعثر تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق الهدنة.

وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمر جيش بلاده بشنّ حملة ضد الحوثيين وتوعدهم بـ«القوة المميتة»، قبل أن يعزز تلك التصريحات بالتهديد بـ«القضاء عليهم تماماً»، في سياق سعي إدارته لتأمين الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن.

وخلال أول يوم من الضربات التي استهدفت صنعاء، و6 محافظات أخرى، السبت الماضي، أقرّت الجماعة الحوثية باستقبال أكثر من 40 غارة، وادّعت سقوط العشرات من المدنيين بين قتيل وجريح، في حين قال مسؤولون أميركيون إن الضربات شملت قادة أساسيين في الجماعة المدعومة من إيران.

تصعيد مستمر

رداً على الحملة الأميركية وانهيار وقف النار بين إسرائيل وحركة «حماس»، توعد زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي بالتصعيد إلى «أعلى المستويات» باتجاه إسرائيل، وزعمت جماعته أنها هاجمت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» والقطع الحربية المرافقة لها 5 مرات خلال أسبوع بالصواريخ والمسيرات، دون أن يعلن الجيش الأميركي عن أي آثار لهذه الهجمات.

ومع استئناف الجماعة الحوثية هجماتها باتجاه إسرائيل، على الرغم من عدم فاعليتها على مستوى التأثير القتالي، يتخوف اليمنيون من عودة تل أبيب إلى ضرباتها الانتقامية ضد المنشآت الحيوية الخاضعة للجماعة، كما حدث خلال 5 موجات سابقة ابتداء من يونيو (حزيران) الماضي.

صواريخ ومسيرات وهمية يعرضها الحوثيون في أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)
صواريخ ومسيرات وهمية يعرضها الحوثيون في أحد شوارع صنعاء (إ.ب.أ)

ويزعم الحوثيون أن تصعيدهم البحري والإقليمي هو من أجْل مناصرة الفلسطينيين في غزة، إذ تبنوا منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 حتى هدنة غزة بين إسرائيل وحركة «حماس» مهاجمة 211 سفينة.

وأطلقت الجماعة خلال 14 شهراً نحو 200 صاروخ وطائرة مُسيَّرة باتجاه إسرائيل، دون أن تكون لها نتائج عسكرية مؤثرة، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

وشنّت إسرائيل 5 موجات من ضرباتها الجوية، ابتداء من 20 يونيو الماضي رداً على الهجمات الحوثية، مستهدفة بنية تحتية، بما فيها ميناءا الحديدة ورأس عيسى على البحر الأحمر، وخزانات للوقود ومطار صنعاء، وكان آخر هذه الغارات في 10 يناير (كانون الثاني) الماضي.

وأدّت هجمات الحوثيين البحرية إلى غرق سفينتين، وقرصنة السفينة «غالاكسي ليدر»، ومقتل 4 بحارة، في حين استقبلوا نحو ألف غارة أميركية وبريطانية منذ 12 يناير 2024 حتى سريان الهدنة في غزة، دون أن يؤدي ذلك إلى وقف هجماتهم التي تقول واشنطن إنها مدعومة من إيران.

تحذير يمني

على وقع هذه التطورات، حذّر معمر الإرياني، وهو وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية، مما وصفه بـ«تصعيد إيراني خطير» على خلفية وصول قيادات من «الحشد الشعبي» العراقي، و«حزب الله» اللبناني، وخبراء إيرانيين إلى العاصمة المختطفة صنعاء، تحت غطاء «المؤتمر الثالث لفلسطين» بهدف تعزيز التنسيق بين قيادات ما يسمى «محور المقاومة».

وقال الإرياني إن هذا التصعيد «يكشف بوضوح نوايا إيران في تصعيد الأوضاع في اليمن، وتحويل الأراضي اليمنية إلى منصة لتصفية الحسابات الإقليمية وتهديد المصالح الدولية، في تحدٍّ سافر للقرارات الدولية، واستمرار لمشروعها التخريبي في المنطقة والعالم»، وفق تعبيره.

مقاتلة أميركية تنطلق من على متن الحاملة «هاري ترومان» لضرب الحوثيين (رويترز)
مقاتلة أميركية تنطلق من على متن الحاملة «هاري ترومان» لضرب الحوثيين (رويترز)

واتهم الوزير اليمني إيران بأنها تدفع بمزيد من الأسلحة والخبراء العسكريين إلى صنعاء، مستفيدة من مطار صنعاء والمنافذ البحرية التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية لتغذية الحرب.

وجدّد الوزير التحذير من تنامي الدعم المباشر من إيران والميليشيات التابعة لها لتعزيز العمليات العسكرية للحوثيين، وتحويل اليمن إلى ساحة صراع إقليمية وخط إمداد جديد لما يُعرف بـ«محور المقاومة».

وأضاف الإرياني، في تصريح رسمي، الجمعة، القول إن «التوسع العسكري الإيراني في اليمن لا يهدد أمن البلد فحسب، بل يشكل خطراً مباشراً على أمن المنطقة والملاحة الدولية، فالحوثيون ليسوا سوى أداة إيرانية لضرب استقرار المنطقة وفرض أجندة طهران في البحر الأحمر وباب المندب».

ودعا الوزير اليمني إلى اتخاذ إجراءات صارمة لمنع تحول اليمن إلى نقطة ارتكاز عسكرية لإيران وحلفائها، وذلك عبر منع سفر قادة الحوثيين وحظر دخول عناصر «الحشد الشعبي» والخبراء الإيرانيين واللبنانيين إلى بلاده، وتشديد الرقابة على الرحلات الجوية والمنافذ البحرية، وفرض رقابة دولية على مطار صنعاء، لمنع استغلاله كمعبر عسكري بدلاً من منفذ إنساني.