«إحكي»... منصة عربية لمشاركة الأفكار

انطلقت لبنانياً وتسعى لاستضافة خبرات أهل الضاد

TT

«إحكي»... منصة عربية لمشاركة الأفكار

الموعد في مسرح «لاسيتيه» في جونية، شمال بيروت، لم يكن من أجل مسرحية هذه المرة، ولا حفل غنائي، إنّما هو نشاط من نوع جديد، الهدف منه ليس فنياً، بقدر ما هو تحفيزي. الجمهور من مختلف الأعمار، مع غالبية شبابية، جاءوا لإطلاق اللقاء الأول لأنشطة «إحكي». وهي منصة ربما كانت مستوحاة من «تيد» الأميركية مع تعريب وتعديل. طنوس إسكندر، وهو أحد المؤسسين، حين رحب بالجمهور، وهو يقف على خشبة المسرح مفتتحاً اللقاء، قال، إنّ فكرة الهدف منها أن يكون للشباب العربي منصة للكلام، ولعرض تجاربه بلغته، وليس بأي لغة أخرى. ورغم أن المتحدثين هذه المرة كانوا جميعهم من اللبنانيين، فإن الغاية، هو فتح باب الكلام، لكل الناطقين بالضاد. ويقول طنوس إسكندر لـ«الشرق الأوسط»: «لاحظنا أنا وصديقي وشريكي في المشروع مازن إسكندر، أن لدينا الكثير من الأفكار لنطرحها، وأن المحتوى العربي في كل الأحوال ضعيف، وغالباً ما يلجأ شبابنا إلى اللغات الأجنبية للبحث، بسبب الشح في لغتهم». لذلك قرر الصديقان أن يطلقا منصة تتيح لقاءات بين متحدثين يروون تجاربهم الخاصة أو قصصهم المؤثرة وجمهور بحاجة لهذه التجارب. وتنشر هذه اللقاءات على وسائل التواصل، وعلى موقع خاص قيد الإنشاء». ويضيف طنوس: «بمرور الوقت سيراكم الناس الذين يحضرون لقاءاتنا، ويحضرون التسجيلات على موقعنا، معارف بالشخصيات المتحدثة واختصاصها، ومن هنا سنكون صلة الوصل بين من يريد أن يتلقى تدريباً بأي مجال كان وأصحاب المعارف على اختلاف اختصاصاتهم. وهذا مشروع متشعب، ويحتاج لوقت وجهد، ونحن عازمون على المضي به».
يؤكد طنوس على أن المشروع منفتح على كل الدول العربية. «فما يجمعنا كثير، لا سيما اللغة، التي كانت الدافع وراء تأسيس المبادرة. ونحن نسعى لاستقبال متحدثين من مختلف البلدان العربية للاستفادة من معارفهم. فما يعنينا في النهاية هو تقديم محتوى مفيد، والمساعدة في التعليم المستمر والتطوير وتنمية القدرات، ونحن مجرد صلة وصل بين طرفين».
هذه اللقاءات التي يتحدث خلالها أصحاب تجارب بطريقة مختصرة وشيقة لجمهور يأتي ليستمع إليهم، عرفت في الغرب لسنوات خلت، لكن بالنسبة لإسكندر فإن هذه المبادرة في لبنان التي تحمل اسم «إحكي» هي أول تجربة من نوعها بلغة الضاد، وتختلف عن «تيد» الشهيرة بأنها تتيح طرح الأسئلة على المتحدثين، وفتح باب الحوار معهم».
خلال هذا اللقاء الافتتاحي، وعلى مدى ما يقارب ثلاث ساعات، تناوب على المسرح خمسة متحدثين.
بدأ الكلام أندريه أبي عواد، صاحب تجربة متميزة في ريادة الأعمال، أمام جمهور كاد يملأ الصالة. روى كيف بدأ العمل وهو في السادسة عشرة من العمر. وفي التاسعة عشرة باع مشروعه الأول، لكن هذا لا يعني أن أبواب النجاح باتت مؤمنة. «أفلست مرتين، وخسرت كل شيء، وقررت أن أعود إلى دائرة الراحة أي إلى الوظيفة». ويضيف «لكن بدءاً من عام 2014. قررت أن علاقتي بالوظيفة قد انتهت».
من يومها قابل أبي عواد نحو 400 شخصية عربية رائدة في الأعمال، «تعلمت منهم، وانطلقت. وقلت في نفسي، مم الخشية؟ ما أسوأ سيناريو قد يحدث لي؟ أن أعود إلى الضيعة أزرع وأعيش من الأرض. هو أمر ليس في غاية السوء».
لم يرق لبعض الحضور تقليل المتحدث من شأن الوظيفة، واعتبارها ركوناً إلى الراحة. فيما اهتم آخرون بمعرفة المزيد عن تجربة شخص، بدأ باكراً جداً، ورغم النجاحات الأولى لم تكن الإخفاقات قليلة، ولا العزيمة لتجاوزها أيضاً.
أما المتحدثة الثانية الدكتورة نجاة صليبا، المعروفة بأبحاثها في مجال البيئة والتلوث، فقد حكت عن تجارب قامت بها في بعض القرى، أمكنها من خلالها بالتعاون مع الأهالي من الوصول، إلى صفر نفايات، وهو ما يمكن أن يطبق على لبنان كله. وقالت صليبا: «التلوث هو سلب لحقوق الإنسان. ومع ذلك نسمع حين نتكلم عن البيئة عبارة: «ما أفضى بالكن». تستغرب صليبا هذه اللازمة قائلة: «هل يمكن أن نتوقف عن التنفس أكثر من دقيقة؟ هل يمكننا أن نبقى بلا ماء أكثر من يوم؟ هل هناك من يقبل تناول طعام من تربة ملوثة؟ البيئة هي كل شيء. هي الحياة والاستمرار، وحين تنتهك البيئة على النحو الذي نراه، معناه أن أهم حقوقنا قد سلبت منا».
حاول المنظمون تنويع المداخلات بحيث تروق كل الأذواق، ويجد كل ضالته في هذا اللقاء، الذي جرى في لحظة تأخذ أرقام كورونا بالتصاعد، والكمامات في الصالة إلزامية. المتحدث ميشال عطى منظم مبادرة «تأمل النجوم» التي اجتذبت مئات الشباب في السنوات القليلة الماضية، حيث نظم وموّل انتقال الشباب الراغبين في اكتشاف الظواهر الفلكية إلى أفضل الأماكن، لمراقبة النجوم أو حالات كسوف. شرح بتسلسل منهجي كيف أن 200 مليار نجمة تسبح في مجرتنا، التي اسمها درب التبانة، والمتوقع أن الكون يضم ما يناهز 200 مليار مجرة تماثل تلك التي تضم كوكبنا. ويقدر عدد النجوم ككل بأنه أكثر من حبات الرمل على الأرض. والنظام الشمسي ليس سوى نقطة صغيرة في محيط الكون، متسائلاً، هل يعقل ألا تكون هناك كواكب مأهولة؟ وإن كان من مخلوقات أخرى، فهم بالتأكيد أبعد بكثير من قدرتنا على الوصول إليهم، أو المعرفة بوجودهم. أما إن تمكنوا هم من الوصول إلينا، فهذا معناه أنهم بلغوا قدراً من التطور يسمح لهم بإبادتنا. فأقرب صاروخ صنعه الإنسان لغاية الآن، يحتاج 60 ألف سنة ليصل لأقرب نجمة بمجرتنا بعد الشمس. استمع الناس بذهول إلى معلومات يعرفون الكثير منها، لكن تسلسل الأفكار هو الذي سمح بفتح حوار شيق.
بادر بالكلام في موضوع مختلف تماماً، رالف نصير الذي عرض جهازاً متطوراً بمقدوره كشف أسباب آلام الجسد والتمييز بين علل العظم والعصب وغيرها، وتحديد أماكنها بتصوير دقيق. رالف هو ريادي وعالم حركة، وهو المؤسس الشريك لشركة «واتر بيير». واعتمد مدرباً لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدمج التدريب الإسكندنافي من قبل مؤتمر «ريد كورد» الدُّولي. وما شرحه أنّه مع فريقه المهني تمكن من فحص الحركة البشرية وتطويرها من خلال التكنولوجيا المبتكرة. ومن خلال الجهاز الذي عرضه أوضح كيف يمكنه المساعدة في إعادة تأهيل الجسد، والوقاية، وكشف علل الأعضاء، بدقة غير مسبوقة. أما المتحدثة الأخيرة فهي الشهيرة شادن فقيه، التي انطلقت بسرعة في عالم «ستاند أب كوميدي»، بسبب تناولها موضوعات اجتماعية وسياسية بجرأة غير مسبوقة. وتحدثت عن الصعوبات التي واجهتها، وكيف شقت طريقها، في درب مليئة بالأشواك.
مبادرة «إحكي» انطلقت بنجاح وسط ظروف غاية في الصعوبة. شابان طموحان، تمكنا رغم كورونا، وانقطاع الكهرباء وشح البنزين، وفي خضم أزمة اقتصادية غير مسبوقة، أن يطلقا مشروعاً عربي التطلعات، ويحملا عشرات الشباب على أجنحة الحلم.


مقالات ذات صلة

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
إعلام الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية» في الرياض.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي الهواتف الجوالة مصدر معلومات بعيداً عن الرقابة الرسمية (تعبيرية - أ.ف.ب)

شاشة الجوال مصدر حصول السوريين على أخبار المعارك الجارية؟

شكلت مواقع «السوشيال ميديا» والقنوات الفضائية العربية والأجنبية، مصدراً سريعاً لسكان مناطق نفوذ الحكومة السورية لمعرفة تطورات الأحداث.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي جنود إسرائيليون يقودون مركباتهم في منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية كما شوهد من شمال إسرائيل الأربعاء 27 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

أصيب مصوران صحافيان بجروح بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار عليهما في جنوب لبنان اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».