«رجل الماء» عبر «نتفليكس»: الأمل هو القوة الهائلة

فيلم عن النهايات غير المعروفة والحب المنقذ

«غانر» الباحث عن «رجل الماء» لإنقاذ أمه
«غانر» الباحث عن «رجل الماء» لإنقاذ أمه
TT

«رجل الماء» عبر «نتفليكس»: الأمل هو القوة الهائلة

«غانر» الباحث عن «رجل الماء» لإنقاذ أمه
«غانر» الباحث عن «رجل الماء» لإنقاذ أمه

يحمل فيلم «رجل الماء» («The water man») المعروض عبر «نتفليكس»، قيماً إنسانية من وجهة نظر طفل خائف. إن عددنا عبره، فقد لا تتجاوز أصابع اليد، لكنها هنا تحديداً تكفي. كل ما في هذه التركيبة الغريبة يبدو بسيطاً: والدة يتآكلها سرطان الدم، والد بارد عاطفياً يفقد صوابه في الوقت الحرج، وابن يبحث عن فرصة لإصلاح كل شيء. يزيد الطين بلة تدخل الخرافة: رجل ينجو من فيضان أغرق القرية، وبواسطة حجر أسود يرد الموت عنه. هذا ما يحوم على السطح. في الأعماق حديث آخر. إنها فلسفة الحياة والموت في ذهن صبي يطرح الأسئلة الصعبة ويبحث بنفسه عن إجاباتها. رغبته في إنقاذ أمه المريضة تجعله إنساناً جديداً.
«غانر» (لوني تشافيز) هو اسم هذا الفتى المغامر. عمره 11 عاماً، لكنه محمل بمهمة للكبار فقط: البحث عن حل. الفيلم محاكاة غير معقدة لحقيقة أن «الآباء يأكلون الحصرم والأولاد يضرسون». يحمل الفاجعتين على كتفيه الصغيرتين: سرطان دم أمه؛ والغياب الطويل لأبيه بحكم عمله في البحرية. صبي معرض دائماً ليكون أكبر من سنه. تحاول أمه تعويض فظاظة الأب، لكن جسدها المريض ينهك عزيمتها. لا أصدقاء له بعد انتقال العائلة إلى سكن جديد. حياته في رسوماته وكتبه. من هذه الظروف المريبة، والعزلة القسرية، يحمل «غانر» سيف والده «الساموراي الأصلي»، الآتي به من اليابان، نحو الغابة الغريبة، مطارداً أسطورة «رجل الماء» الناجي من الموت، لعله يفعل شيئاً للاحتفاظ بأمه طوال حياته.
حقائق إنسانية لكاتبة السيناريو إيما نيديل: ثمة أولاد يكبرون قبل أوانهم، وهؤلاء بؤساء. اللحظة هي الموجودة، أما النهايات فغير معروفة. المأساة الأكيدة أن كل من نحبهم سيرحلون. بعضهم يموت وبعضهم يحزم حقائبه. الموت أمر غريب وهو محسوم مسبقاً. لا يمكننا التوصل إلى تغيير النهاية، وعلينا أن نكون قادرين على الحب في كل يوم نحظى به. عدا ذلك، لا يهم الفيلم في شيء. قيمة واحدة، الحب، تجعله يحلق.
«غانر» ليس وحده الفتى المعذب بالإهمال والخسارة. هناك «جو» (أمياه ميلر)، فتاة في مثل سنه تقريباً، غريبة الأطوار، شعرها أزرق تتسلل من شكله رائحة تعاستها. إن كان «غانر» بـ«نصف» أب، فهي تماماً من دون أب. صفر عاطفة، صفر رعاية، صفر احتواء. متسكعة، سارقة، كاذبة. تزعم أن ندبة كبيرة سببها لها «رجل الماء» الأسطوري، فيما الحقيقة أن والدها تركها على رقبتها. تتاجر بالخرافة، وتجني المال من أولاد فضوليين يدفعون لها لقاء معلومات عن هذا الكائن الغامض. الصدفة تقود «غانر» إليها. ومن الاحتيال والكذب المدفوع ثمنه، تنشأ صداقة تمنحهما شعوراً مفقوداً بالأمان العائلي وبراءة الطفولة.
«أموس»، ديفيد أويلوو، هو نفسه مخرج الفيلم ووالد «غانر». الخسائر عنده تعوض في اللحظة الأخيرة، فيدرك أن ذلك لا يكفي لترميم ما يفسده انكماشه العاطفي. دخول «غانر» و«جو» إلى الغابة بحثاً عن «رجل الماء»، يضع الوالد في اختبار مفصلي. هو هنا أب للمرة الأولى، بعد المرات التي أخفقت فيها أبوته. طفلان في غابة مفتوحة على كل الاحتمالات، أولها الموت. ليل من الأصوات المخيفة، وزحف الحشرات، ونهار من السقوط المفاجئ للثلج في عز الصيف، فيما الغابة تحترق والطفلان محاصران بالنار، لا وجهة ولا مفر. عندها يطل الأب ليمارس أدنى واجباته المشكوك بأمره حيالها: حماية ابنه.
في مشهد شاعري، يسبح الثلاثة، الأب، «غانر» و«جو»، في مياه حمراء جراء انعكاسات النيران؛ معاً نحو العبور والنجاة والصفحة الجديدة. في هذه اللحظة فقط، يدركون أنهم يستحقون الحياة عن جدارة، لا لأنها كريمة في التعاطي معهم، ولا لأنها تمنح الفرص بالمجان، بل لأن حجم المعاناة كان كبيراً، والتحمل دفع كلاً منهم إلى سحب الفرصة الثانية من بلعومها والبدء من جديد.
«رجل الماء» هو أولاً وأخيراً صراع الإنسان الوجودي مع بقائه وفنائه. هو السؤال الأبدي عن الحياة والموت واللغز البشري. يطارد «غانر» المخاطر ظناً أن بوسعه إنقاذ أمه، ويرفض التصديق أن «رجل الماء» خرافة. أراد فقط أن يرى الأمل معلقاً على شجرة في الغابة، أو في ماء النهر الجارف، إلى أن اقتنع بلا جدوى الهروب من الموت، فهو قدر إنساني. وحين خير بين بقاء أمه الأبدي بشرط موت كل من تحبهم حولها، أو موتها محاطة بكل من تحب، راح يميل بفطرته المنطقية إلى الوجود القصير المكلل بالعاطفة والحضن. حسم له والده الإجابة: «حياة قصيرة مع أمك أفضل من بقاء طويل من دونها»، فاستراح من حمله، وخفف عنه ذنب نجاتها مقابل ثمن (فناء الجميع بحيوات قصيرة) ليس من العدل أن تشهد على تكلفته الباهظة وتتحملها وحدها.
الأمل هو القوة الهائلة في الفيلم. لم يهم في البداية إن كان أملاً صادقاً أو زائفاً. يكفي أنه مجرد أمل يجعل المرء يحاول. على هذا المستوى، يبلغ رسالته: نعم، يستطيع الحب فعل العجائب.


مقالات ذات صلة

مسلسل وثائقي يجسد حياة أسطورة الفورمولا سينا

رياضة عالمية أيرتون سينا أسطورة سباقات فورمولا-1 (الشرق الأوسط)

مسلسل وثائقي يجسد حياة أسطورة الفورمولا سينا

تحولت حياة البرازيلي أيرتون سينا أسطورة سباقات السيارات فورمولا1- إلى مسلسل عالمي سيعرض للجمهور، وذلك بعد ثلاثين عاما من وفاته في حادث تصادم.

«الشرق الأوسط» (ساوباولو)
يوميات الشرق شعار منصة البث المباشر «نتفليكس» (رويترز)

بعد توقفها... عودة خدمة «نتفليكس» لمعظم المستخدمين في أميركا

كشف موقع «داون ديتيكتور» لتتبع الأعطال، عن أن منصة البث المباشر «نتفليكس» عادت إلى العمل، اليوم (السبت)، بعد انقطاع استمرّ نحو 6 ساعات.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الممثل كيليان مورفي يعود إلى شخصية تومي شلبي في فيلم «The Immortal Man» (نتفليكس)

عصابة آل شلبي عائدة... من باب السينما هذه المرة

يعود المسلسل المحبوب «Peaky Blinders» بعد 6 مواسم ناجحة، إنما هذه المرة على هيئة فيلم من بطولة كيليان مورفي المعروف بشخصية تومي شلبي.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق مسلسل «Monsters» يعيد إلى الضوء جريمة قتل جوزيه وكيتي مينينديز على يد ابنَيهما لايل وإريك (نتفليكس)

قتلا والدَيهما... هل يُطلق مسلسل «نتفليكس» سراح الأخوين مينينديز؟

أطلق الشقيقان مينينديز النار على والدَيهما حتى الموت عام 1989 في جريمة هزت الرأي العام الأميركي، وها هي القصة تعود إلى الضوء مع مسلسل «وحوش» على «نتفليكس».

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق ليلي كولينز بطلة مسلسل «إميلي في باريس» (رويترز)

لماذا تفجر «إميلي في باريس» مواجهة دبلوماسية بين فرنسا وإيطاليا؟

انفتحت جبهة جديدة في التاريخ الطويل والمتشابك والمثير للحقد في بعض الأحيان للعلاقات بين إيطاليا وفرنسا، والأمر يدور هذه المرة حول مسلسل «إميلي في باريس».

«الشرق الأوسط» (باريس- روما)

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».