الإخفاء القسري... وسيلة للثأر من «الأعداء السياسيين» بليبيا

عبد الله حمودة المهندس بالشركة العامة للكهرباء المختفي قسراً (شركة الكهرباء)
عبد الله حمودة المهندس بالشركة العامة للكهرباء المختفي قسراً (شركة الكهرباء)
TT
20

الإخفاء القسري... وسيلة للثأر من «الأعداء السياسيين» بليبيا

عبد الله حمودة المهندس بالشركة العامة للكهرباء المختفي قسراً (شركة الكهرباء)
عبد الله حمودة المهندس بالشركة العامة للكهرباء المختفي قسراً (شركة الكهرباء)

في الوقت الذي تسعى فيه منظمات وجمعيات دولية ومحلية لمعرفة مصير منصور عاطي المغربي رئيس جمعية الهلال الأحمر فرع أجدابيا (شرق ليبيا) المخطوف من قبل مسلحين مجهولين منذ الثالث من يونيو (حزيران) الماضي، أعلنت الشركة العامة للكهرباء، أمس، عن اختفاء مساعد مدير عام إدارة التوزيع المهندس عبد الله حمودة في ظروف غامضة منذ مساء أول من أمس.
وعرفت ليبيا الإخفاء القسري مبكراً فور اندلاع الثورة في 17 فبراير (شباط) عام 2011، وما أعقبها من انفلات أمني، لكن هذه الجرائم زادت حدتها على خلفيات سياسية بين المناطق والمدن المؤيدة لـ«الثورة» التي أسقطت نظام معمر القذافي، والمعارضة لها، وتنامت هذه الظاهرة كثيراً بعد الانقسام السياسي الذي ضرب البلاد عام 2014 بهدف «تصفية الحسابات السياسية بين الخصوم».
ودعت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، أجهزة الأمن، للتصدي لعمليات الخطف على الهوية، مطالبة السلطات بتطبيق القوانين الخاصة بالاختفاء القسري. واعتبر رئيس اللجنة أحمد عبد الحكيم حمزة في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أمس، أن هذه الظاهرة «لن تنتهي في ظل انتشار السلاح وغياب وفشل الأجهزة الأمنية في التصدي لها».
من جهتها، أهابت شركة الكهرباء في العاصمة طرابلس، بمن يعرف أي معلومة عن حمودة أن يبادر بسرعة بالاتصال بوزارة الداخلية أو الشركة، وقالت: «إنه لم ترد أي معلومات عنه حتى هذه الساعة، وهاتفه الجوال مغلق طوال الوقت».
ومنذ بدايات شهر يونيو (حزيران) الماضي، يكثف أصدقاء الليبي منصور المغربي البحث عنه، ومطالبة الأجهزة الشرطية في البلاد بضرورة التحرك لمعرفة المتورطين في خطفه و«حمايته من التعذيب».
واختفى المغربي قرب مقر عمله بإدارة الهلال الأحمر في أجدابيا، التي تبعد عن مدينة بنغازي 180 كيلومتراً (غرب). وعلى هذا الأساس، طالبت منظمة العفو الدولية «الجيش الوطني» بالعمل على إطلاقه «لكونه المسيطر الفعلي على المنطقة التي اختفى فيها».
ودللت أسرة المغربي وأصدقاؤه على «خطفه» بوجود سيارته قرب مقر عمله، في حين لم يعثروا عليه لدى الجهات الأمنية الرسمية أو في المستشفيات أو المراكز الطبية، لكن البعض يرجع خطفه لأسباب تبدو سياسية.
وتعاني ليبيا من انتشار حالات الإخفاء القسري في عموم البلاد، التي تشمل سياسيين وموظفين عموميين ومواطنين عاديين، لأسباب تحكمها الاختلافات السياسية والجهوية، وعادة ما تنجح الأجهزة الأمنية في الإفراج عن بعضهم، بينما يظل مصير البعض الآخر يلفه الغموض.
ووقعت عمليات إخفاء قسري عديدة على عداوة سياسية أوجدتها الحرب على طرابلس، التي توقفت مطلع يونيو (حزيران) العام الماضي، وهو ما دفع وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا إلى مطالبة اللجنة العسكرية المشتركة «5+5»، ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري وقائد «الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، بالعمل على «إنهاء حالة الحجز القسري لحريات المعتقلين المأسورة حرياتهم جراء المواجهات العسكرية»، وكشف مصير المفقودين أثناء تلك المواجهات.
وكثيراً ما عثر صدفة على جثث لمواطنين مدفونين في مناطق جبلية، كانت قد أبلغت عائلاتهم عن اختفائهم. وأعلن صلاح رمضان مدير فرع جمعية الهلال الأحمر بمدينة القبة بشرق ليبيا، أمس، العثور على رفات شخص بإحدى المزارع في منطقة الظهر الحمر جنوب المدينة، وقد عثر عليه مواطن خلال تجريفه أرض مزرعته.
وقال رمضان وفقاً لـ«وكالة الأنباء» الليبية (وال): «يبدو أن المزرعة كانت موقعاً تمركزت فيه (مجموعة إرهابية) فيما سبق واتخذتها مكاناً لدفن الجثث»، لافتاً إلى أن البحث جارٍ للتأكد من وجود رفات لآخرين.
وعبّرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن قلقها بشأن عمليات الاختفاء القسري، ودعت للإفراج غير المشروط عن المغربي، وجميع المختفين، وحثت جميع السلطات العسكرية والأمنية ضمان إجراء تحقيق «سريع وشامل وشفاف» في عمليات الاختفاء القسري. وانتهت إلى أن «جميع حالات الاعتقال والاحتجاز، يجب أن تتم بناء على إجراءات قانونية، وبما يكفل سيادة القانون».



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.