قلق في دمشق من «قفزة أسعار» بعد أداء الأسد القسم الدستورية

TT

قلق في دمشق من «قفزة أسعار» بعد أداء الأسد القسم الدستورية

في سابقة خطيرة، أقدم شخص في بلدة زاكية بريف دمشق، يوم الجمعة الماضي، على قتل موزع الخبز المعتمد بالرصاص بعد مشادة كلامية سببها رفض المعتمد منحه ربطة خبز إضافية لعدم وجود مخصصات، ما عُد مؤشراً مقلقاً حول ما ينتظر السوريين في الأيام المقبلة.
وتأتي تلك المؤشرات الواقعية على الضد من وعود النظام التي بذلها خلال حملة الانتخابات الرئاسية في الأشهر الماضية بعد إعلان دمشق فوز الرئيس بشار الأسد بولاية رابعة.
لكن الإعلام الموالي للنظام الذي وعد بانفراج بعد الانتخابات يبشر اليوم بانفراج بعد أداء الرئيس الأسد اليمين الدستورية، المتوقع في منتصف الشهر الحالي الذي هو تاريخ انتهاء فترة الولاية الرئاسية الثالثة، وبداية «مرحلة سياسية جديدة تتسق مع روح دستور عام 2012، وإلغاء المادة الثامنة المتعلقة بقيادة حزب البعث للدولة والمجتمع»، حسب المصادر الإعلامية. وتحدثت مصادر إعلامية محلية عن تلك الإجراءات، ومنها دراسة قرار بإلغاء عدد من المنظمات الرديفة للحزب التي أطرت المجتمع على مدى 50 عاماً، كمنظمة طلائع البعث ومنظمة الشبيبة والاتحاد العام الرياضي، مع توقع بتغيير الحكومة بصفتها ستصبح بحكم المستقيلة مع انتهاء الولاية الرئاسية الثالثة، والمضي في خطط الإصلاح الإداري لضغط نفقات أجهزة ومؤسسات الدولة.
لكن الحديث عن تلك الإجراءات لم يفلح في بث التفاؤل في الشارع السوري المنهك الذي عبر عنه كاتب السيناريو علي وجيه بمنشور عبر حسابه في «فيسبوك»: «تجوال آخر في ليل دمشق الحالك القابض على الصدور؛ هذه عاصمة أم أمعاء وحش؟»، وذلك وسط تزايد القلق العام من موجات ارتفاع جديدة في الأسعار بشر بها رفع سعر ليتر بنزين الأوكتان 95 غير المدعوم قبل أيام بنسبة 30 في المائة، ليصبح 3 آلاف ليرة سورية، وهو الذي كان قد ارتفع في منتصف أبريل (نيسان) الماضي من ألفي ليرة إلى 2500 ليرة، علماً بأن الحكومة سبق أن رفعت أسعار البنزين المدعوم وغير المدعوم والغاز المنزلي في مارس (آذار) الماضي.
وقالت مصادر في دمشق لـ«الشرق الأوسط» إنه من المتوقع أن تشهد دمشق موجة ارتفاعات حادة في الأسعار لارتباط ذلك بسعر الوقود اللازم للصناعة والنقل، وستتفاقم الأزمات المعيشية إذا أقرت الحكومة تقليص الدعم، لا سيما دعم الخبز والمازوت والغاز المنزلي. ورجحت المصادر «إقدام الحكومة الحالية على هذه الإجراءات لتخفيف العجز، بالتزامن مع انتهاء صلاحيتها، لتتحمل قبل مغادرتها أعباء الاحتقان الشعبي الناجم عن ذلك»
وكانت الحكومة قد سحبت مادتي الشاي والزيت من قائمة المواد المدعومة الموزعة وفق نظام البطاقة الإلكترونية، كما رفعت الشهر الماضي سعر الأرز والسكر، وبررت ذلك بالعجز عن الاستمرار في النزيف الذي يتسبب به الدعم لخزينة الدولة، وأنها تدرس الآن تقليص دعم رغيف الخبز ومازوت التدفئة المنزلية. وأفادت تقارير حكومية صدرت مؤخراً بأن كلفة ربطة الخبز 800 غرام تتجاوز الألف ليرة سورية، في حين تباع بمائة ليرة فقط، مع الإشارة إلى أن حصة الفرد الواحد رغيفين ونصف يومياً.
إلى ذلك، تبلغ كلفة ليتر المازوت 1967 ليرة، ويباع بالسعر المدعوم للتدفئة بسعر 180 ليرة، علماً بأن حصة العائلة الواحدة تقلصت العام الماضي من 200 ليتر إلى 50 ليتر فقط، وغالبية العائلات لم تحصل على مخصصاتها في الشتاء الماضي. وبحسب مصادر إعلامية محلية، فإنه من المحتمل زيادة سعر ليتر المازوت المدعوم إلى 500 ليرة سورية لليتر لضمان استمرار الدعم للمخابز ومختلف القطاعات العامة التي تستجر يومياً نحو 5 ملايين ليتر بسعر يتراوح بين 135 ليرة و180 ليرة، حيث تبلغ مخصصات دعم الخبز وحده نحو 700 مليار ستزيد هذا العام إلى 1300 مليار ليرة سورية بسبب ارتفاع أسعار القمح المستلم من الفلاحين هذا الموسم من 475 ليرة للكيلو الواحد إلى 900 ليرة، ما يزيد في تكلفة صناعة الرغيف بنسبة 90 في المائة. وبحسب المصادر، فإنه من المتوقع رفع سعر مبيع ربطة الخبز من 100 إلى 200 ليرة سورية، لتقليص عجز الموازنة قدر المستطاع.
وتسود أوساط الأعمال والتجار مخاوف من انهيار جديد حاد في قيمة العملة المحلية، بعدما تمكن النظام من تثبيت سعر الصرف عند عتبة 3 آلاف ليرة للدولار الأميركي الواحد، بعد أن تدهور في مارس (آذار) الماضي إلى 5 آلاف ليرة للدولار. وقالت مصادر في سوق دمشق إن «هناك المئات من المحلات التجارية والمشاغل والورشات قد توقفت عن العمل، وتراجع الإنتاج المحلي من السلع التي تغطي حاجة الأسواق المحلية بنسبة تتراوح بين 50 و70 في المائة جراء زيادة ساعات تقنين الكهرباء وارتفاع سعر البنزين، بالتزامن مع موجة حر شديد تجتاح البلاد». وأشارت المصادر إلى خسائر بالملايين يتكبدها السوريون يومياً جراء توقف الماكينات والبرادات، وارتفاع تكاليف تشغيل المولدات، لافتة إلى أن «آثار تلك الخسائر ستظهر في الأشهر القليلة المقبلة، وبما ينذر بكارثة تمس لقمة العيش».
وكان برنامج الغذاء العالمي قد حذر من وصول مؤشرات الجوع وانعدام الأمن الغذائي في سوريا خلال العام الأخير إلى مستويات غير مسبوقة، بزيادة 4.5 مليون شخص جراء ارتفاع الأسعار. وهناك نحو 1.8 مليون شخص معرضون لخطر انعدام الأمن الغذائي «ما لم تُتخذ إجراءات إنسانية عاجلة» ويحصل نحو 4.8 مليون شخص على مساعدات غذائية شهرية من برنامج الغذاء العالمي، فيما يكافح 12.4 مليون شخص للحصول على وجبة غذاء أساسية.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.