«آستانة 16» تنطلق اليوم وسط تباين في الأولويات

TT

«آستانة 16» تنطلق اليوم وسط تباين في الأولويات

تنطلق اليوم أعمال الجولة الـ«16» للمفاوضات في إطار «مسار آستانة» بحضور ثلاثي ضامني وقف النار في سوريا (روسيا وتركيا وإيران) ووفدي الحكومة والمعارضة. ومع وضع اللمسات الأخيرة على التحضيرات للجولة برز تباين واسع في أولويات الأطراف الحاضرة، وفي حين يسعى الوفد الحكومي إلى تثبيت نتائج انتخابات الرئاسة الأخيرة في سوريا، تضغط المعارضة ومن خلفها تركيا للتركيز على ملف المساعدات الإنسانية والمعابر الحدودية.
وبات معلوما أن روسيا تشارك بوفدين كبيرين يمثلان وزارتي الخارجية والدفاع، ويرأس وفد الخارجية المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، فيما يرأس الوفد العسكري نائب رئيس الأركان ستانيسلاف حجي محمدوف. وحافظت الوفود الأخرى على نفس تركيبتها في الجولة السابقة إذ يرأس الوفد الإيراني مساعد وزير الخارجية علي أصغر حاجي، والوفد التركي مدير مكتب سوريا في الخارجية سلجوق أونال، فيما يرأس وفد الحكومة السورية معاون وزير الخارجية أيمن سوسان. ومن جانب المعارضة يرأس الوفد السياسي رئيس الائتلاف السوري أحمد طعمة، ويشارك في الوفد ممثلون عن عدد من الفصائل العسكرية القريبة من تركيا. ومع مشاركة المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن التي تأكدت أول من أمس، يشارك وفد من الصليب الأحمر الدولي الذي كان أشرف مع الجانب الروسي على عملية تبادل للمعتقلين جرت قبل يومين بين القوات الحكومية وقوات المعارضة. علما بأن ملف المسجونين والأسرى يعد بنداً ثابتاً على جدول أعمال جولات المفاوضات في إطار مجموعة آستانة.
وقالت مصادر روسية، أمس، إن وفودا من الأردن والعراق ولبنان سوف تحضر الجولة بصفة مراقبة، علما بأن هذه المشاركة تهدف إلى إبقاء ملف اللاجئين على طاولة البحث.
وكانت روسيا وتركيا مهدتا للجولة 16 بتحركات واسعة كان أبرزها اللقاء الذي جمع وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، مع نظيره التركي، مولود جاويش أوغلو في أنطاليا قبل أيام، حيث تركز البحث على ملفي الوضع حول إدلب وموضوع المعابر والمساعدات الإنسانية التي تنقل من خلالها.
كما شهدت العاصمة السورية زيارات لمسؤولين روس، إذ قام نائب رئيس الوزراء في 22 يونيو (حزيران) بزيارة التقى خلالها الرئيس بشار الأسد، وبحث الطرفان الوضع بعد الاستحقاق الانتخابي الرئاسي والوضع الاقتصادي المعيشي في البلاد. لكن الزيارة الأبرز قام بها المبعوث الرئاسي الروسي لافرنتييف في مطلع الشهر الجاري، لبحث ترتيبات جولة مفاوضات آستانة وملف المساعدات الإنسانية.
وتنعقد الجولة الجديدة من مفاوضات آستانة في ظروف معقدة سياسيا وميدانيا، فهي تأتي وسط تصعيد ميداني واسع في إدلب ومحيطها وفي البادية السورية، ما يعني أن الأجواء العسكرية سوف تنعكس على مناقشاتها. كما تأتي هذه الجولة قبل يومين من انعقاد جلسة حاسمة في مجلس الأمن لبحث ملف تمديد التفويض الدولي لإدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا، وسط خلاف قوي بين موسكو والعواصم الغربية حول الملف. إذ لوحت موسكو سلفا بنيتها استخدام حق النقض (الفيتو) لإسقاط مشروع قرار غربي يقضي بزيادة عدد المعابر المفتوحة من واحد يعمل حاليا في باب الهوى، إلى اثنين أو ثلاثة معابر وفقا لوجهة النظر الأميركية. كما يقضي المشروع بتمديد التفويض الدولي لمدة سنة خلافا لوجهة النظر الروسية التي أصرت عند مناقشة التفويض السابق في العام الماضي بألا تزيد مدة التفويض عن ستة شهور.
وسعت موسكو إلى إيجاد آليات للتفاهم حول هذا الموضوع مع تركيا التي تتبنى موقفا مماثلا لموقف واشنطن حيال أهمية الإبقاء على نشاط معبر باب الهوى. ولم تستبعد مصادر روسية أن تحاول موسكو الخروج من هذه الجولة بموقف موحد لضامني المسار يقضي بإعلان استعداد المجموعة للعب دور تنفيذي وإشرافي على مسألة دخول المساعدات بهدف فرض هذا التحول على مناقشات مجلس الأمن المقبلة.
وفي مقابل تحركات الدول الضامنة، برز تباين في أولويات وفدي النظام والمعارضة قبل يوم واحد من انطلاق المفاوضات، إذ شدد رئيس وفد المعارضة أحمد طعمة، على أن ملف المعابر وسبل تمرير المساعدات الإنسانية سوف تكون لها أولوية في التركيز خلال المناقشات، فضلا عن موضوع وقف اختراقات النظام للاتفاقيات المتعلقة بتثبيت خطوط التماس، ونظام وقف النار.
وقال المتحدث باسم الوفد أيمن العاسمي: «الأجندة مستجدة دائما ومدى الاتفاق عليها يكون حسب الجدية من قبل الروس تحديدا، ولكن واضح أن القضية تتعلق بالمعابر وخاصة أن الموضوع الإنساني مهم لكل السوريين». وزاد «نحن نحرص أن تستمر المساعدات لكل المناطق، وبقاء المعابر مفتوحة تضمن دخول المساعدات عبرها.. هناك بوادر أمل وحلحلة في قضية المعابر».
في حين، قال رئيس الوفد الحكومي أيمن سوسان، إن أولوية وفده تركز على «الرسالة التي وجهها السوريون خلال الانتخابات الرئاسية، برفض أي تدخل في الشأن السوري، وتمسكهم باستقلاليتهم وسيادة بلادهم».



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».