قصائد الذاكرة في معرض عبد الرحمن السليمان

الفنان السعودي لـ«الشرق الأوسط»: أحب أن أكون «أنا»... وأرى الخير الكثير في المستقبل

TT

قصائد الذاكرة في معرض عبد الرحمن السليمان

عالم من الإشارات والأشكال والألوان، عالم يحمل مفردات ثقافة شعبية وذكريات متشعبة اندمج فيها الخاص مع العام، كل ذلك نطالعه في معرض الفنان عبد الرحمن السليمان بالعاصمة السعودية الرياض المقام حالياً في صالة الأمير فيصل بن فهد للفنون.
المعرض يرتبط بالكتاب الصادر عن أعمال الفنان السعودي في باكورة مطبوعات «مكتبة الفن»، وهو مشروع أطلقه معهد مسك للفنون قدم من خلاله كتابين عن فنانين رائدين في عالمنا العربي، السعودي عبد الرحمن السليمان والمصري آدم حنين.
يصاحبنا الفنان السليمان خلال الجولة على معرضه الذي يضم 28 لوحة، تمر على مراحل من حياته الفنية، لا يعلق كثيراً، ولكنه يجيب على الأسئلة التي تطرح عليه، لا يبدو متلهفاً لوضع رؤيته الفنية أمام زواره، بل يمشي بهدوء، متنقلاً مع المجموعة الصغيرة من الصحافيين الذين قدموا لرؤية معرضه.
تتلقفني ألوان دافئة وأخرى باردة، أجدني أمام رموز وإشارات وقطع من الثقافة المحلية في السعودية، هنا قطع من بساط ملون له «شراريب» متدلية على خط مستقيم، قد يكون سطح منزل أو لا يكون كذلك. اللوحات تمر بمراحل عاطفية واضحة وتعكس حالات فكرية وذهنية.
ما الذي يريد أن يعبر عنه السليمان هنا؟
يجيبني بأنه لا يحب أن يفرض أفكاره على المتلقي، يجب على الناظر أن يرى ما يرى ويخرج بالنتيجة التي تعجبه.
في بداية الجولة نرى لوحات تعبر عن ذكريات الحي الأول «الكوت»، اللون الأصفر طاغٍ، لون دافئ مفعم بالعاطفة غني بوهج الذكريات الماضية. «ذاكرة الحي الأول (الكوت) 2014» اسم إحداها، هل نلمح هنا عموداً للنور أم هو قوس منحنٍ ملون، هنا تتبدى لنا قطعة من بساط ملون تراثي، على الجانب يتبدى ما يشبه الباب الخشبي المشقوق، وفي مكان آخر ما يشبه القباب، هي إشارات متفرقة تجتمع سوياً لترسم ذاكرة لأماكن وأوقات عاش فيها السليمان.
أقول له إن هناك شحنة عاطفة تشع من اللوحات الملونة ولكنه يجيب بهدوء: «وحتى اللوحات الأحادية الألوان، الأبيض والرمادي، تحمل مشاعر وتعكس حالة ما».
لوحته المعنونة «فضاءات 2003» تبدو كقصيدة زرقاء، في مساحة مستطيلة تموجات من الألوان الزرقاء تتخللها ضربات فرشاة باللون الأحمر الواضح متكسرة مثل تكسر أشعة الشمس على سطح الماء، هل هي مياه أمطار تتلألأ على الأرضيات الزرقاء؟ تماوجات اللون الأزرق بدرجاته توحي لي بعمق خاص، نخوض في غماره وما هي تلك المثلثات المتتالية الماثلة على خط مستقيم في أعلى اللوحة، لن نجد إجابات من الفنان ويجب أن نعتمد على إيحاءات نلتقطها بأعيننا وبوجداننا. يعلق قائلاً: «الناظر يضيف بعداً آخر شخصياً على العمل، وهو المطلوب بالنسبة لي كفنان، أنا أعمل بناء على خبراتي وعلى طيف معين مر علي، لكن المشاهد يضع حاجته الخاصة، فهناك الكثير من المشتركات بيننا وحتى لو كنا متباعدين، فالعوامل الإنسانية تقرب بين البشر خاصة في الفن، فالفن ليس بترجمة، هي لغة بصرية شاملة عامة. هناك أمور مشتركة بيننا، الوسيط هو البصر لكن هناك موجة «أثيرية» تصل للمشاهد وقد يستعيد معها جانباً مشابهاً أو مختلفاً من ذكرياته، يستعيد معها أموراً تخصه». يستطرد شارحاً: «أحياناً قد يكون اللون مزعجاً بالنسبة للمشاهد أو يكون عنده معه ذكرى أو حالة معينة يستعيدها لدى رؤيته للوحتي، بالنسبة لي كفنان قد يكون ذلك ضد ما حاولت التعبير عنه، ولكنها الإضافة التي يضيفها المتلقي على العمل«.
أقول له: «تذكرني الألوان بلوحة للفنان التأثيري كلود مونيه لغروب الشمس وانعكاساته على مياه النهر»، أشير إلى ضربات من اللون الأحمر، تشبه لوحة لكلود مونيه لمشهد غروب الشمس وانعكاساته على مياه النهر، يقول: «أرأيت أين ذهب بك التفكير؟ كما قلت العمل الفني قابل لكل الأشياء، هذه وجهة نظر جديدة أسمعها لأول مرة لكن لم لا؟ كل الأمور واردة، من الممكن أن تكون درجة اللون جعلتك تستعيدي ذكرى معينة».
نمر على مجموعة من اللوحات التي نفذها الفنان في 2020. تغلب عليها ألوان الرمادي والأسود، هنا كتل واضحة الحدود «الأعمال الأحدث بها هندسة أكثر من السابقة... أرى الأشياء بعلاقاتها الهندسية ثم أعمل لها نوعاً من الربط والتحليل».
أقول: «لاحظت الأرقام والحروف في اللوحات؟»، يرد «صحيح، هي أيضاً أشياء أحياناً تصاغ بطريقة معينة تظهر مثل الحروف أو الأرقام. يشير إلى لوحة أمامنا قد يظن الناظر لها بأن الفنان كتب حروفاً عربية فيها، يشرح: «الناس يسألوني عن الحرف الذي يرونه في اللوحة، ولكن هناك أمر مهم، قد يري الشخص العربي حرفاً مرسوماً هنا لكن لو رآها شخص كوري أو صيني لن يقرأها مثل ذلك وهنا الفرق».
يدور بيننا حوار شيق حول دور المتلقي في رؤية العمل «هل تريد أن يكون له دور ورؤية خاصة أم أنك متمسك بما تريد له أن يفهمه؟»، يجيب قائلاً: «هو أيضاً له دور في الموضوع، هو يضيف شيء على العمل، الأعمال قد تعطيه جانباً واحداً أما الباقي فهو للمتلقي «حلو أن يكون له تفاعل مع العمل. أنا ابن هذه الحياة أكيد هناك أمور مشتركة بيني وبين هذا الشخص الآخر، حلو أن يكون هناك فيه نوع من الإضافة، هذه الأمور تعطي العمل قيمة أشمل وأوسع بدلاً من أن تكون محدودة على فئة».
هل حدث أن قال لك شخص إنه قرأ معنى في لوحاتك لم تقصده، هل تعترض؟ «بالعكس، هذه أشياء جميلة لا أعترض عليها. لذلك أقول إن تسمية العمل تحدده في إطار الاسم، أنا أرى أن العمل به إمكانية لقبول أشياء كثيرة، أوسع من حياة الفنان نفسه، الفنان عندما يسمي لوحته، فربما تمثل تلك التسمية جانباً من العمل أو تمثل الفترة التي نفذ فيها عمله وتأثيرات أشياء معينة في ذلك الوقت». أسأله عن المراحل التي تتمثل في أعمال المعرض؟ «انتقاء الأعمال تم ليتماشى مع محتوى الكتاب، تم اختيار هذه المجموعة لتكون متناسقة، أقدم هنا عمل يعود لـ2003 والباقي متدرج في حداثته حتى 2020.
ألجأ لسؤال تقليدي لا مفر منه: ما هي التأثيرات الفنية عليك من العرب أو الغرب؟ يقول: «دائماً أسأل هذا السؤال، لكن شخصياً أحب أن أكون أنا. لو رأيت بالمصادفة أن لوحة لي بها شبه من أخرى ألغيها على الفور، لا أحب أن أكون أي شخص آخر إلا أنا، وهو ما أقوله لأبنائي دائماً: لا تكونوا نسخاً من بعض أو من أحد، وحتى إن رأيت تأثراً منهم بي أقول لهم: خليني أشوف اسمك في لوحتك لا تخليني أشوف حد ثاني غيرك. أنا دائماً أحث على أن يكون الإنسان هو نفسه ولا يكون آخر، أنا أحب عندما أسمعك أو لما أشوفك على طول أعرف أنك أنت، ويجب عندما أرى رسمتك أن أقول إنها أنت وليس آخر وعندك القدرة والإصرار على أن تكون أنت. لذلك نجد عندنا شخصيات بارزة في المجال الفني عندما تنظرين في الساحة التشكيلية بالبلد، تجدين عبد الحليم رضوي، ما يشبه أحداً ولا أحد يشبهه، محمد السليم كذلك. لكن الناس اللي تتقلب ستظل على الهامش دائماً».

- خير في المستقبل
يتحدث عن المشهد الفني في السعودية، برامج فنية ومؤسسات وصالات عرض تعمل «نشاطاً جميلاً» وتضيف دوراً وحيوية. ينتظر المزيد من معاهد وهيئات مثل هيئة الفنون البصرية. «وزارة الثقافة ترسم خريطة الفنون للمملكة وهذا أمر كبير ونتأمل فيه الخير الكثير في المستقبل».
دعم الدولة بالنسبة له هو الأساس «هذه الأشياء دائماً تنهض بدعم الدولة، إذا كان ولي العهد نفسه وضع أعمالاً فنية في مكاتبه وفي اجتماعات مجلس الوزراء نرى في الخلفيات لوحات لفنانين سعوديين، وتعليمات لكل الدوائر الحكومية أن يكون لديهم أعمال لفنانين سعوديين، هذه أمور كثيرة وعلى درجة من الأهمية تضع مسؤولية على عاتق الفنان نفسه، بأن يعمل بالفن للفن، وليس فقط للربح، كل هذه المشاريع والمبادرات تشجيع ودعم للفن، ولا ننسى المتاحف والمبادرات والسمبورزم النحتية واستضافة فنانين عرب معروفين على مستوى العالم بالإضافة للفنانين السعودية وهذه أمور تشجع وتدعم الحركة وأيضاً ترفع من الذائقة بشكل عام».
يرى أن هناك إقبالاً واضحاً من الجمهور ويضيف: «كلها أمور مشجعة، معرضي ومعرض آدم حنين مستمرة لـ3 شهور وهو أمر جديد في السعودية، مما يمنح الكثيرين الفرصة للحضور ورؤية الأعمال، فيه برنامج في المعهد (مسك) إقامة أفنية، مجموعة من الشباب لـ3 أشهر ويعرضون أعمالهم، هي فرص داعمة للفنانين الشباب تبشرنا وتدعمنا وتضيف لحركة الفنون البصرية في المملكة.
قريباً عندما تنشأ المتاحف وتقام المعارض وتبدأ الأسماء الغائبة والمختفية في الظهور للناس، سيكون لها تأثيرها ووجودها، وستتبدى الصورة بكثير من الوضوح للضيف والمؤرخ والناقد».

- مكتبة الفن
ويأتي المعرض المشترك المقام حالياً بالرياض لعبد الرحمن السليمان والمصري آدم حنين معتمداً على الكتاب الأول من مشروع «مكتبة الفن»، الذي أطلقه معهد مسك للفنون التابع لمؤسسة محمد بن سلمان «مسك الخيرية»، لكتابة ونشر سلسلة من الكتب الفنية عن الفنانين السعوديين والعرب باللغتين العربية والإنجليزية، وتقدم مخرجات المبادرة كتابين في النصف الأول من العام وكتابين في النصف الثاني بمعدل 4 كتب سنوياً، يستعرض كل كتاب فيها أعمالاً مختارة أو سلسلة محددة في الحياة المهنية لفنان سعودي أو عربي، إلى جانب احتوائها على مقالات مكتوبة من قيمين فنّيين وكتّاب ومختصين في المجال الفني.



«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.