مخاوف كثيرة أبداها الناشرون وصُناع محتوى المواقع الإلكترونية عقب إعلان شركة «أبل» عن مجموعة جديدة من التحديثات. ووفق مراقبين وناشرين، فإن التحديثات الجديدة ستؤثر على عدد الزيارات وعائدات الإعلانات الرقمية خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، التي تعتمد بشكل أساسي على النشرات البريدية وتطبيقات جمع الأخبار وإعادة نشرها، كمصادر لجلب الزيارات وبيع الإعلانات. ومن ناحية ثانية، تخوف صحافيون من محاولة الالتفاف على التحديثات الجديدة بالاعتماد على العناوين المبهمة، التي سيكون لها ضرر كبير في التأثير على المستخدم وعلى مستوى الزيارات مع الوقت. وأشار بعض هؤلاء إلى أن «ما يحدث قد يدفع الناشرين للاستغناء عن مواقعهم الإلكترونية الرسمية، والاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي، لتصبح هي منصات النشر الرئيسية»، وقال آخرون إن «تحديثات أبل مهمة للصحافيين خصوصاً في الولايات المتحدة وأوروبا».
شركة «أبل» الأميركية العملاقة كانت قد أعلنت في مؤتمر «المطوّرين» الذي عقد مطلع يونيو (حزيران) الجاري عن مجموعة من التحديثات، كان من بينها تحديثان رئيسيان يتعلقان بصناعة النشر والمواقع الإلكترونية الصحافية. يتضمن التحديث الأول الاعتماد على تقنية الذكاء الصناعي بالتحكم في ظهور التنبيهات وإشعارات الأخبار. أما التحديث الثاني فيتعلق بمنع تتبّع مستخدمي النشرات البريدية.
جوشوا بينتون، الصحافي الأميركي ورئيس معهد «نيمان لاب» للصحافة بجامعة هارفارد الأميركية، قال في تقرير نشره «نيمان لاب» في الثامن من يونيو الجاري، إن «التحديثات التي أعلنتها أبل مهمة للصحافيين، خصوصاً في الولايات المتحدة وأوروبا، حيث يستخدم أفضل رواد المواقع الصحافية في هذه المناطق أجهزة أبل». وأردف: «هذه التحديثات تضمنت تغييرين سيزيدان من صعوبة حياة الناشرين، كونها تتضمن تغييرات مهمة في طريقة ظهور الإشعارات، يمكنه معها أن تخفي تنبيهات الأخبار من شاشات المستخدمين، إضافة إلى وضع مزيد من قيود الخصوصية ستغير صناعة النشرات البريدية (النيوزليتر) إلى الأبد».
من جهته، قال خالد القضاة، عضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، معلقاً لـ«الشرق الأوسط»، إن «التحديثات ستؤثر على الناشرين والمواقع الإلكترونية، خصوصاً أن معظم زيارات المواقع الإلكترونية تجري من خلال الهواتف الجوالة». وتابع أن «معظم الزيارات على المواقع تأتي عبر الروابط المنشورة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يتجاوز عدد الزيارات المباشرة للمواقع الإخبارية 20 في المائة». في حين رأى محمود السيد، الصحافي المصري المقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة، أن «أبل أعلنت عن مجموعة من التحديثات، من بينها تحديثان مهمان سيكون لهما تأثير على الناشرين والمواقع الإلكترونية، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، وهما التحديثان المتعلقان بالإشعارات أو التنبيهات والنيوزليتر». وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التحديث المتعلق بالإشعارات أو التنبيهات سيتعامل مع أي إشعارات لا يفتحها المستخدم باعتبارها (سبام/ spam)، وبالتالي سيقلل ظهورها ليس فقط عند المستخدم الأصلي، بل أيضاً لدى المستخدمين الآخرين». ثم استطرد قائلاً إن «المشكلة في أن كثيراً من المستخدمين قد يشتركون في تطبيقات إخبارية لكنهم لا يضغطون على روابط تنبيهاتها لانشغالهم، أو لأنهم اكتفوا بالعنوان مثلاً. وهنا ستتعامل تقنية الذكاء الصناعي الجديدة في أبل معها باعتبارها قليلة الأهمية، فتقلّل ظهورها للجميع من دون أن تقدّم للناشر تفسيرات أو تمنحه الفرصة لتنظيف قوائم المشتركين لديه، ومسح المستخدمين الذين لا يفتحون هذه التنبيهات».
ووفق المراقبين، فإن التحديث المتعلق بالإشعارات يتيح للمستخدم خاصية تسمى «فوكاس مود» (Focus mode) التي تسمح للمستخدم بضبط التنبيهات وفقاً لظروفه، بحيث يظهر بعضها بصوت والآخر يظل صامتاً. وبالتزامن مع ذلك، تتحكّم تقنية الذكاء الصناعي في هذه الإشعارات وتحديد ما يظهر منها وما لا يظهر، استناداً إلى سلوكيات المستخدم. أي بمعنى أنه في حال لم يفتح المستخدم هذه التنبيهات سيصار إلى إخفائها وتقليل ظهورها».
القضاة يعتبر أن «ما يحدث شبيه بمخطّط يدفع الناشرين للاستغناء عن مواقعهم الإلكترونية الرسمية، والاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي، فتغدو هي منصات النشر الرئيسية». وهنا يشدد على أن «خطورة هذا المخطط تتعلق بحقوق الملكية الفكرية التي ستنتهي بالنشر على منصّات غير تابعة للمؤسسات الصحافية المنتجة للمحتوى، إضافة إلى التأثير على عائدات هذه المواقع من الإعلانات نتيجة لتراجع عدد الزيارات». وأضاف أن «الناشرين باتوا الآن بالفعل تحت رحمة شركات التكنولوجيا العملاقة، بسبب الإعلانات، حيث يتحكم موقعا (غوغل) و(فيسبوك) بنحو 85 في المائة من سوق الإعلانات الرقمية».
وبالنسة للعالم العربي، يوضح محمود السيد أن «الموضوع مختلف بعض الشيء عن الغرب، ففي الولايات المتحدة يتعامل المستخدمون مع تطبيقات الصحف والمؤسسات نفسها مثل (نيويورك تايمز) أو (بلومبرغ)، بينما يعتمد الناشرون في الشرق الأوسط على التطبيقات التي تعمل على تجميع الأخبار وإعادة نشرها مثل (نبض) و(أخبارك)، فهي الوسيلة التي يدخل من خلالها المستخدم إلى المواقع الإلكترونية». وتابع أن «الخوف هو محاولة الالتفاف حول التحديثات الجديدة بالاعتماد على العناوين المبهمة، والتي سيكون لها ضرر كبير في التأثير على المستخدم وعلى مستوى الزيارات مع الوقت».
في السياق ذاته، يتساءل جوشوا بينتون عما إذا كانت «خوارزميات» هاتفي الجوال سأقرر ما إذا كانت الأخبار العاجلة من «بلومبرغ» مهمة أو طارئة، وماذا عن التقارير والتحقيقات الصحافية من مواقع أخرى، بل و حتى تنبيهات الألعاب؟ ومن ثم يجيب: «ربما ستكون هذه الخوارزميات حكيمة، وربما تكون كغيرها من تقنيات الذكاء الصناعي تدفع الإعلانات في المقدمة»، معرباً عن «قلقه من أن تزيد هذه التحديثات من صعوبة عمل منتجي الأخبار، وزيادة صعوبة ظهور تنبيهاتها للمستخدمين».
من جهة أخرى، يرى مراقبون أن التحديث الثاني يتعلق بالنشرات البريدية المعروفة بـ«النيوزليتر»، حيث تعمل «أبل» منذ سنوات على تعزيز سمعتها في مجال «الخصوصية». وبما أن الناس لا يريدون أن يتتبع الغير بياناتهم، فإن التحديثات الجديدة التي اعتمدتها الشركة تتضمن تعزيز خصوصية المستخدمين. إذ تمنع هذه التحديثات الناشرين من تعقّب بيانات الذين تصل إليهم النشرات البريدية، وهو ما سيؤثر على عائدات الإعلانات. وبحسب التقديرات العالمية، فإن «متوسط معدل فتح (النيوزليتر) يبلغ نحو 22 في المائة».
بينتون أشار أيضاً إلى أن «هذا التحديث يضيف معركة جديدة إلى حرب أبل مع الناشرين والإعلانات الرقمية، وهي حرب تعتمد بشكل أساسي على تتبع بيانات المستخدمين. إذ كان يُسمح للناشرين بمعرفة هوية مَن فتح النيوزليتر الخاصة به، وفي أي بلد. وبالتالي، يتيسر بيع إعلانات رقمية اعتماداً على هذه البيانات... ولكن هذه الخاصية لم تعد موجودة مع تحديثات أبل الجديدة، إذ لن يعود بمقدور الناشرين معرفة مَن فتح نشراتهم البريدية، ولا أي معلومات عنهم».
تعقيباً، يتوقع محمود السيد أن يؤثر هذا التحديث كثيراً على الناشرين في المنطقة العربية «الذين باتوا يعتمدون على النيوزليتر كوسيلة لجلب الزيارات، والأهم كوسيلة لبيع الإعلانات». ويضيف أن «هذه التحديثات ستؤثر سلبياً على بيع الإعلانات، لأن الناشر لن يتمكن بعد الآن من جمع معلومات حول عدد الذين فتحوا النيوزليتر أو مكانهم أو أي معلومات بشأنهم. وبالتالي لن تتوافر لديه أرقام تتيح له بيع الإعلانات في النيوزليتر». ووفق السيد أيضاً، فإن «التعامل مع هذه التحديثات لا يعتمد فقط على الخوارزميات وتقنيات الذكاء الصناعي، إذ بإمكان المستخدم التحكم فيها، من خلال تحديد قائمة بالتطبيقات المهمة التي يرغب في الحصول على تنبيهات منها. لكن المشكلة تكمن في أن كثيراً من المستخدمين، خصوصاً في الشرق الأوسط، لا يتعاملون مع التطبيقات بهذه الطريقة، بل في الغالب سيتركون الأمر لخوارزميات أبل». وهنا يشدد القضاة على «ضرورة العمل على خلق منصة عربية جديدة، كي يتمكن الناشرون العرب من السيطرة والتحكم في المحتوى الذي ينشرونه».
تحديثات «أبل» تُثير مخاوف الناشرين
تحديثات «أبل» تُثير مخاوف الناشرين
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة