الضواحي الكبرى... أيقونة التوجه السكني المستقبلي في السعودية

مطورون عقاريون لـ«الشرق الأوسط»: التوسع في المشروعات يولّد مفهوم الأحياء المتكاملة ويعزز مستهدف جودة الحياة

الضواحي الكبرى تبرز كاتجاه جديد في تطور قطاع العقار الإسكاني السعودي (الشرق الأوسط)
الضواحي الكبرى تبرز كاتجاه جديد في تطور قطاع العقار الإسكاني السعودي (الشرق الأوسط)
TT

الضواحي الكبرى... أيقونة التوجه السكني المستقبلي في السعودية

الضواحي الكبرى تبرز كاتجاه جديد في تطور قطاع العقار الإسكاني السعودي (الشرق الأوسط)
الضواحي الكبرى تبرز كاتجاه جديد في تطور قطاع العقار الإسكاني السعودي (الشرق الأوسط)

في وقت أطلقت السعودية منظومة سكنية نوعية تحت مظلة رؤية (المملكة 2030) التي تضع نسبة 70 في المائة هدفاً لتملك المواطنين للسكن، يبرز جلياً التوجه المستقبلي في قطاع العقار والمخططات السكنية في السعودية تجاه إنشاء وتطوير الضواحي الكبرى، على غرار المعمول به في الدول المتقدمة والمدن العملاقة حول العالم، في ظاهرة تتكشف بشكل واضح نحو تبني نماذج متقدمة تمتاز بجودة الحياة ووفرة الخدمات الرئيسية بالشراكة مع القطاع الخاص.
ووفق رصد، اطلعت عليه «الشرق الأوسط» في تقرير للشركة الوطنية للإسكان، ذراع استثمارية تابعة لوزارة الإسكان السعودية، تعتمد المشاريع الكبرى للضواحي مفهوماً جديداً للسكن يضم المرافق التعليمية والصحية والتجارية إضافة إلى المساحات الخضراء الواسعة والمراكز الرياضية والترفيهية، بنمط يلبي احتياجات الأسرة السعودية ويحقـق الطموحات، إذ على حد تعبير التقرير، تشكل الضواحي المستهدفة مجتمعات عمرانية حيوية ومستدامة، وتستهدف إيجاد فرص استثمارية ووظيفية وتطوير أنماط حياة الساكنين والعاملين من خلال الحرص على متطلبات الأنشطة طبقاً لأعلى المعايير الإنشائية والبيئية في مجتمعات سكنية ذكية.
وإذ يجسد الضواحي جانباً من «رؤية المملكة 2030» في جودة الحياة، ترتكز الضواحي الكبرى على مخططات حضارية نموذجية صممت في إطار تكاملي بالشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي يضطلع بدور مركزي في قاطرة التنمية الشاملة وخاصة في التطوير العقاري بهدف المساهمة في مشاريع سكنية ضخمة تتلافى مشاكل المدن الكبرى بحلول تواكب التحولات الكبيرة والمتطلبات المتجددة والمستقبلية للسكان. «الشرق الأوسط» تستطلع آراء الخبراء المطورين في هذا التوجه المستقبلي في قطاع العقار السكني:

- الجيل العقاري التالي
وهنا، يوضح لـ«الشرق الأوسط» خالد المبيض رئيس شركة منصات العقارية أن الضواحي باتت المرحلة القادمة والجيل التالي من مشاريع الأحياء السكنية، إذ شهد تاريخ بناء الأحياء السكنية في المملكة جيل البناء الحكومي تلاه دخول القطاع الخاص في مرحلة التشييد التي تستند إلى الطلب والعرض، ليحل حاضراً الجيل الجديد وهو منتج الضواحي التي تمثل تطوراً حديثاً في قطاع الإسكان. وقال المبيض إنه بتوفر الأنظمة الحكومية من تشريعات وقوانين تدعم الاستثمار العقاري وكذلك توفر الخدمات بالتضافر مع القطاع الخاص في تنفيذ المشروعات ستصل السعودية إلى الأهداف المرجوة من خطوة تبني الضواحي كثقافة جديدة، مستطرداً «السعودية تنمو اقتصادياً وتتوسع في المدن الكبرى والرئيسية وتحتاج إلى مزيد من الابتكار في مشهد الإسكان والإيواء والتقدم الحضري».
وأضاف المبيض أن حاجة الضواحي تبعث وفق معطيات تكدس المدن وصعود الأسعار بشكل مبالغ فيه وارتفاع معدلات إهلاك الخدمات ما يفقدها جزءاً كبيراً من الكفاءة ويقلل مستوى تطور المعيشة، مشيراً إلى أن التوسع في مشروعات الضواحي سيولد مفهوم الأحياء المتكاملة ويرفع جودة الحياة وسهولة التنقل وتعزيز الأمن في الأحياء مع بيئة مناخية أفضل والأهم توفر المساكن بكلفة وسعر أقل.

- الضواحي الكبرى
وبحسب رصد شامل عن تقرير «الوطنية للإسكان» حول كبرى الضواحي في المملكة، تحتضن العاصمة السعودية الرياض «ضاحية الجوان» التي تضاعفت مساحتها مرتين بعد توجيه الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، بإضافة 20 مليون متر مربع إلى مساحتها لبناء 53 ألف وحدة سكنية إضافية ليصل إجمالي المساحة إلى 30 مليون متر مربع، لتمثل واجهة حضارية في أحد أكثر المواقع حيوية بالمدينة على مقربة من مطار الملك خالد وتحيط بها العديد من محطات مترو الرياض.
وتمتد الضواحي السكنية إلى المنطقة الشرقية في ضاحية «الواجهة» التي تبلغ أكثر من 9 ملايين متر مربع غرب الدمام في موقع استراتيجي في مدخل المدينة الذي يعد مستقبل النمو العمراني وتضم شققاً سكنية وفللاً (تاون هاوس) بإجمالي يفوق 19 ألف وحدة سكنية بخيارات متنوعة صممت بمعايير عالمية تضمن جودة الحياة لساكنيها.
وتصل المجتمعات العمرانية الكبرى إلى خميس مشيط – جنوب المملكة - بضاحية «السديم» التي تبلغ 4.9 مليون متر مربع وتضم أكثر من 5 آلاف وحدة سكنية بين شقق وفلل وتاون هاوس باستخدام تقنيات بناء حديثة تجمع بين جمال التصميم وتوزيع المساحات الخضراء بتوازن وتنسيق يمتد في الشوارع والحدائق العامة لتلبي طموحات المستفيدين في مفهوم متطور من السكن المميز يجمع كافة مقومات الرفاهية.
في جنوب جدة – غرب المملكة - تقع ضاحية «الميار» قرب طريق مكة المكرمة السريع حيث يفصلها 50 كيلومتراً فقط عن العاصمة المقدسة، وعلى بعد 10 كيلومترات من محطة قطار الحرمين ويحيط بها مواقع ترفيهية متعددة وتقدم مجتمعاً حيوياً في بيئة سكنية كاملة الخدمات التعليمية والصحية والتسويقية على مساحة تزيد على 3.9 مليون متر مربع وتوفر 17.2 ألف شقة سكنية.
وعلى مساحة مليوني متر مربع في الجزء الشمالي من مدينة جدة، تقام «ضاحية الجوهرة»، في موقع استراتيجي بالقرب من مدينة الملك عبد الله الرياضية، وتتميز بمسطحات خضراء واسعة وممشى يمتد على طول المشروع معزز بخدمات كاملة، وتضم 7 آلاف وحدة سكنية تناسب الاحتياجات الحديثة للأسرة السعودية، وداخل النطاق العمراني الحيوي
وفي المدينة المنورة، تعد ضاحية «الدار» نموذجاً للسكن العصري داخل النطاق العمراني ضمن نطاق الحرم النبوي الشريف على مساحة أكثر من مليون ونصف المليون متر مربع وعلى بعد 7 كيلومترات من المسجد النبوي وتقدم للمواطنين أكثر من 4 آلاف و900 وحدة سكنية في بيئة سكنية متكاملة الخدمات بأسلوب جديد للحياة.

- الخيار الأمثل
إلى ذلك، أفاد «الشرق الأوسط» المهندس عبد الرحمن الشريف الرئيس التنفيذي لشركة تيمز، حول أهمية تغيير نمطية العيش من ضوضاء المدن إلى سكون وهدوء الضواحي، بأن الضواحي متكاملة المرافق والخدمات يجعلها الخيار الأمثل للسكن المريح، حيث تتوافر فيها بيئة نظيفة من عوادم السيارات ومن الضوضاء، وأماكن ترفيه وممارسة رياضة وتوافر البيئة النظيفة.
وقال الشريف: «برنامج الإسكان الحكومي يرعى تبني اتجاه الضواحي، وأيضاً شركات التطوير العقاري الحكومي حيث تبرز شركات روشن والوطنية للإسكان ولديهم مشاريع مميزة في هذا الاتجاه».
ويؤكد الشريف أن المطورين العقاريين يأخذون في الحسبان الاتجاه الجديد في قطاع الإسكان في خططهم المستقبلية لأنه سيكون الخيار الأفضل والمرغوب، متوقعاً إعلان شركات ومطورين عن ضواحٍ متعددة في أغلب مدن المملكة.

- التحرك الموازي ضرورة
وفي ذات الاتجاه، أوضح لـ«الشرق الأوسط» بندر العامري رئيس اللجنة المشتركة للتطوير العقاري والإسكان في اللجنة الوطنية العقارية ورئيس مجلس إدارة شركة العامرية للاستثمار أن التوجه نحو الضواحي، كان مطلباً منذ فترة ولكنه في سياق إطار اللجان في قطاع الأعمال حيث كانت المقترحات أن تكون لفتح مصانع جديدة لانخفاض التكاليف وإبعاد الضوضاء وتخفيف الضغط على المدن، موضحاً في الوقت ذاته أن التوجه حالياً في قطاع الإسكان يأتي في سياق الدفع بجودة الحياة وتقليل التكاليف.
وقال العامري: «اليوم بات التكتل في المدن مرهقاً جداً للسكان كما أنه مكلف للفرد في المعيشة والسكن»، مشدداً أنه لا بد من توافر بنية تحتية متكاملة تعزز التوجه نحو بناء الضواحي في أرجاء المدن الكبرى في البلاد.
واستطرد «السعوديون أصحاب خبرات واسعة في هذا المضمار، إذ لهم أثر ملموس في مشروعات مشابهة في دول الإقليم كمصر وتركيا، والإمارات مضيفاً «نحن كسعوديين كنا أكثر من أسهم بشكل بارز في التطوير بهذه الدول وتحويلها إلى مجمعات سكنية ومشروعات راقية».

- تحقيق الهدف
وزاد العامري أن التوجه نحو الضواحي كمشروعات لا بد أن يتوازى معه تحرك مماثل من قبل الجهات الحكومية لتحقيق الهدف المنشود وتعزيز جودة الحياة التي تأتي ضمن أهداف «رؤية المملكة 2030»، مستدلاً على سبيل المثال بأهمية انتشار فروع الوزارات وكبرى الشركات في كل المدن والمحافظات والأقاليم لدعم هذا التوجه، كما لا بد من أن توفير البنية التحتية الرئيسية للخدمات الرئيسية من تعليم وصحة وترفيه وتسوق لاستكمال مشروع جودة الحياة.
ويرى العامري أنه برغم كل الجهود تحتاج البيئة الاستثمارية مزيداً من التشجيع ووضع الحلول لإزالة أي تحديات في موثوقية الصكوك وتحسين الخدمات وجودة الحياة في مخططات الأراضي، مضيفاً «لن يكون هناك انتقال إلى الضواحي إلا إذا وجد جودة حياة وتوفر فرص وظيفية وأن تكون في الضواحي قريبة من المدن كأحياء العمارية والجبيلة القريبة من مدينة العاصمة الرياض كنموذج».


مقالات ذات صلة

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

الاقتصاد صورة جماعية للمشاركين في مؤتمر «كوب 16» في اختتام أعماله (واس)

«كوب 16» يختتم أعماله بالموافقة على 35 قراراً لتعزيز جهود مكافحة التصحر

أنتج مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16) الذي عقد في الرياض، 35 قراراً حول مواضيع محورية.

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد الجولة الأولى من المفاوضات التي قادتها السعودية بين دول الخليج واليابان (واس)

اختتام الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول الخليج واليابان

ناقشت الجولة الأولى من مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين دول مجلس التعاون الخليجي واليابان عدداً من المواضيع في مجالات السلع، والخدمات.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف لدعم تحقيق النمو المستدام في مطار هيثرو (أ.ب)

«السيادي» السعودي يُكمل الاستحواذ على 15 % من مطار هيثرو

أكمل صندوق الاستثمارات العامة السعودي الاستحواذ على حصة تُقارب 15 % في «إف جي بي توبكو»، الشركة القابضة لمطار هيثرو من «فيروفيال إس إي»، ومساهمين آخرين.

«الشرق الأوسط» (الرياض) «الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد إريك ترمب يتحدث خلال مقابلة مع «رويترز» في أبو ظبي (رويترز)

إريك ترمب: نخطط لبناء برج في الرياض بالشراكة مع «دار غلوبال»

قال إريك ترمب، نجل الرئيس الأميركي المنتخب، لـ«رويترز»، الخميس، إن منظمة «ترمب» تخطط لبناء برج في العاصمة السعودية الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد جانب من فعاليات النسخة السابقة من المؤتمر في الرياض (واس)

السعودية تشهد انطلاق مؤتمر سلاسل الإمداد الأحد

تشهد السعودية انطلاق النسخة السادسة من مؤتمر سلاسل الإمداد، يوم الأحد المقبل، برعاية وزير النقل والخدمات اللوجيستية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

صربيا تحذر من عقوبات أميركية على شركة تمدها بالغاز مدعومة من روسيا

مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)
مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)
TT

صربيا تحذر من عقوبات أميركية على شركة تمدها بالغاز مدعومة من روسيا

مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)
مصفاة نفط نيس جوغوبترول في بانشيفو صربيا (أ.ب)

كشف الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش أن الولايات المتحدة تخطط لفرض عقوبات على المورد الرئيسي للغاز لصربيا الذي تسيطر عليه روسيا.

وقال الرئيس الصربي ألكسندر فوسيتش لهيئة الإذاعة والتلفزيون الصربية إن صربيا أُبلغت رسمياً بأن قرار العقوبات سيدخل حيز التنفيذ في الأول من يناير (كانون الثاني)، لكنه لم يتلقَّ حتى الآن أي وثائق ذات صلة من الولايات المتحدة، وفق «رويترز».

تعتمد صربيا بشكل شبه كامل على الغاز الروسي الذي تتلقاه عبر خطوط الأنابيب في الدول المجاورة، ثم يتم توزيع الغاز من قبل شركة صناعة البترول الصربية (NIS)، المملوكة بحصة أغلبية لشركة احتكار النفط الحكومية الروسية «غازبروم نفت».

وقال فوسيتش إنه بعد تلقي الوثائق الرسمية، «سنتحدث إلى الأميركيين أولاً، ثم نذهب للتحدث إلى الروس» لمحاولة عكس القرار. وأضاف: «في الوقت نفسه، سنحاول الحفاظ على علاقاتنا الودية مع الروس، وعدم إفساد العلاقات مع أولئك الذين يفرضون العقوبات».

ورغم سعي صربيا رسمياً إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، فقد رفضت الانضمام إلى العقوبات الغربية ضد روسيا بسبب غزوها أوكرانيا، ويرجع ذلك جزئياً إلى شحنات الغاز الروسية الحاسمة.

وقال فوسيتش إنه على الرغم من التهديد بالحظر، «لست مستعداً في هذه اللحظة لمناقشة العقوبات المحتملة ضد موسكو».

وعندما سئل عما إذا كان التهديد بفرض عقوبات أميركية على صربيا قد يتغير مع وصول إدارة دونالد ترمب في يناير، قال فوسيتش: «يجب علينا أولاً الحصول على الوثائق (الرسمية)، ثم التحدث إلى الإدارة الحالية، لأننا في عجلة من أمرنا».

ويواجه الرئيس الصربي أحد أكبر التهديدات لأكثر من عقد من حكمه الاستبدادي. وقد انتشرت الاحتجاجات بين طلاب الجامعات وغيرهم في أعقاب انهيار مظلة خرسانية في محطة للسكك الحديدية في شمال البلاد الشهر الماضي، ما أسفر عن مقتل 15 شخصاً في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني). ويعتقد كثيرون في صربيا أن الفساد المستشري والمحسوبية بين المسؤولين الحكوميين أديا إلى العمل غير الدقيق في إعادة بناء المبنى، الذي كان جزءاً من مشروع سكة ​​حديدية أوسع نطاقاً مع شركات حكومية صينية.