«أجواء الحرب» وقضايا المرأة تُسيطر على مهرجان الإسماعيلية

دورته الـ22 تضم 50 فيلماً وثائقياً وروائياً قصيراً

الفيلم السوداني «الست» (إدارة المهرجان)
الفيلم السوداني «الست» (إدارة المهرجان)
TT

«أجواء الحرب» وقضايا المرأة تُسيطر على مهرجان الإسماعيلية

الفيلم السوداني «الست» (إدارة المهرجان)
الفيلم السوداني «الست» (إدارة المهرجان)

بعد تأجيل دورته الـ22 أكثر من مرة بسبب تداعيات جائحة كورونا، افتتحت مساء أول من أمس فعاليات مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة بمسرح مفتوح يُطل على شاطئ قناة السويس، بحضور مسؤولين وسينمائيين مصريين وعرب، وتم تكريم الناقد الكبير كمال رمزي، واسم الفنانة الراحلة رجاء الجداوي التي وُلدت ورحلت بمدينة الإسماعيلية (شرق القاهرة)، وتسلمت التكريم ابنتها أميرة، كما تم تكريم اسم مخرجة الرسوم المتحركة فايزة حسين، واتخذ المهرجان السفينة البنمية «إيفرغيفن» شعاراً لدورته الحالية، وهي السفينة الشهيرة التي جنحت في قناة السويس بالآونة الأخيرة، وتسببت في تعطيل حركة التجارة العالمية بضعة أيام، قبل نجاح مصر في تعويمها.
وافتتح الفيلم الوثائقي الطويل «فرح» للمخرجة السويسرية جوليا بانتر، الدورة الـ22. ويرسم الفيلم صورة للقاهرة الحديثة عبر ثلاث قصص لثلاثة من الأزواج المختلفين ثقافياً واجتماعياً ودينياً، وما يواجهه زواج كل منهما من أزمات بين ضغط التقاليد الراسخة والاضطرابات الثقافية والاقتصادية التي تجبر المجتمع على إعادة اكتشاف نفسه.
وأكد الكاتب والسيناريست محمد الباسوسي، رئيس المركز القومي للسينما، في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» أن «مشاركات الأفلام لم تتأثر بالجائحة، حيث عمل رئيس المهرجان، الناقد عصام زكريا وفريق العمل على اختيارات الأفلام لفترة طويلة، فرغم اختيار عرض بعض الأفلام من العام الماضي، فإنه أضاف أفلاماً أخرى بعد قرار تأجيل المهرجان». مضيفاً: «لدينا برنامج قوي بالأفلام، لا سيما أن مهرجان الإسماعيلية هو الوحيد المختص بالسينما الوثائقية والقصيرة في منطقة الشرق الأوسط، ويحظى بثقة كبيرة من صناع الأفلام من كل دول العالم».
لكنه لفت إلى تأثير أجواء «كورونا» على حضور بعض الضيوف الأجانب، وخصوصاً بعدما اعتقد بعضهم أن الحصول على اللقاح كافٍ لدخول مصر، لكن يجب استخراج شهادة تحليل «بي سي أر» قبل دخول مصر، مما تسبب في تأخر وصول بعضهم».
ويكرم المهرجان الفنانة المصرية صفية العمري لمشاركتها في فيلم «كان لك معايا»، والفنان أحمد بدير لمشاركته بفيلم «موعد حياة»: «هذا التكريم بمثابة دعوة غير رسمية لكبار الفنانين لمشاركة المخرجين الشبان في أفلامهم القصيرة» على حد تعبير الباسوسي.
حضور عربي
وتشهد هذه الدورة حضوراً عربياً كبيراً سواء بالأفلام أو من خلال لجان التحكيم، وتفرض أجواء الحرب نفسها على السينما العربية المشاركة بمسابقات المهرجان، سواء كانت وثائقية أو روائية قصيرة، وحتى أفلام الرسوم المتحركة، فترصد المخرجة السورية زينة القهوجي من خلال الفيلم السوري الوثائقي الطويل «قفص السكر» الحياة اليومية لوالديها المسنين خلال ثماني سنوات من الحرب في سوريا، حيث تسيطر عليهما مشاعر العزلة والخوف والترقب، لكن الأمر لا يخلو من لمحات الحب والإنسانية التي تتمسك بها العائلة رغم قسوة الحرب، فيما يتناول الفيلم العراقي الوثائقي القصير «القصة الخامسة» للمخرج أحمد عبد، رحلة عاطفية طويلة امتدت على مدى أربعة عقود من الحرب والصراعات في العراق، فيما يسرد الفيلم اللبناني الوثائقي القصير «مدينة وامرأة» للمخرج نيكولاس خوري، تداعيات انفجار مرفأ بيروت عبر عيون امرأة تجوب المدينة بين المشاهد المروعة للمباني المدمرة والشوارع المهجورة المليئة بالركام والانهيارات ورائحة الحرائق، وفي فيلم الرسوم المتحركة الجزائري «ذكريات» يحاول المخرج الفرنسي باستيان دبوا لمدة عشرة أعوام صناعة فيلم عن ذكريات جده خلال الحرب الجزائرية، بينما يعرض المخرج الإيطالي إيمانويل جيروسا من خلال فيلمه «قفزة أخرى» الإحباط والألم الفلسطيني في قطاع غزة من خلال منظورهم لفريق باركور.

للنساء وجوه أخرى
كما تفرض قضايا المرأة حضوراً على صناع الأفلام المشاركة من مختلف دول العالم، ومن بينها الفيلم اللبناني «بيت اتنين ثلاثة» حيث تحاول بطلته ربى استحضار ذاكرة والدتها في رحلة ممزقة بين ثلاثة بيوت كان كل منها سيصبح حياة لم تتم، ويعرض الفيلم الأفغاني السلوفاكي الوثائقي القصير «أوركسترا من أرض الصمت» لقصة مارزيا عازفة الكمان في أول أوركسترا أفغاني يتألف من النساء، وترصد المخرجة لوسيا كاشوفا من بطلتها الواقع اليومي للفتيات في الأوركسترا، فرغم تحسن الأوضاع في أفغانستان فإن عزف النساء للموسيقى لا يزال أمراً غير مقبول، كما يطرح الفيلم الروسي الوثائقي «البلوغ» قصة امرأة مطلقة تعاني الوحدة، ويتطرق الفيلم المغربي الروائي القصير «عايشة» من إخراج زكريا نوري، لحياة فتاة عمرها 26 عاماً تعيش في ضواحي المدينة تعتني بأمها المريضة نهاراً، وفي الليل تترك المنزل لتعبر الطريق أمام أي شاحنة محتملة، فيما يعرض الفيلم السوداني «الست» لأزمة بطلته، نفيسة ذات الـ15 عاماً، والتي تعيش في قرية سودانية وتحمل إعجاباً لشخص ما، بينما يرتب والداها لزواجها من شخص آخر، وفي حين أن جدتها «الست» تضع خططاً أخرى لمستقبلها، ويطرح الفيلم الكويتي «بنت وردان» - روائي قصير من إخراج ميساء المومين، حكاية امرأة في مزاج حزين تكافح لمواصلة الظهور أمام زملائها المرحين المنقادين، فيما يعرض الفيلم الإماراتي الروائي القصير «مكان خارج الزمن» للمخرج نواف الجناحي لقصة عجوز هائم في شقته يصارع الموت بذكرى جميلة. ويشارك في مسابقات المهرجان أكثر من 50 فيلماً، في أربع مسابقات أساسية للأفلام الوثائقية الطويلة وأخرى للوثائقية القصيرة، وثالثة للأفلام الروائية القصيرة، ورابعة لأفلام التحريك إلى جانب مسابقة أفلام الطلبة، ويحتفي المهرجان بالسينما الروسية ويعرض منها تسعة أفلام حديثة في مجال السينما الوثائقية والقصيرة والرسوم المتحركة، ولأول مرة تتم ترجمة جميع الأفلام المشاركة إلى العربية حتى يتمكن الجمهور بمختلف فئاته من متابعتها.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».