مسرحية «ريغوليتو» تبهر جمهور الأوبرا المصرية

«بطرسبورغ» تقدم عرضاً روسياً في القاهرة بـ115 فناناً

لقطات من العرض المسرحي الروسي «ريغوليتو»
لقطات من العرض المسرحي الروسي «ريغوليتو»
TT

مسرحية «ريغوليتو» تبهر جمهور الأوبرا المصرية

لقطات من العرض المسرحي الروسي «ريغوليتو»
لقطات من العرض المسرحي الروسي «ريغوليتو»

تجاوزت أهمية تقديم فرقة «أوبرا سان بطرسبورغ» للدراما الموسيقية «ريغوليتو» على المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، كونه حدثاً فنياً استثنائياً أمتع جمهورها بواحدة من روائع فن الأوبرا في العالم عبر أداء فريد، إلى أنه يُعد «دُرة» نشاطات عام التعاون الإنساني بين مصر وروسيا والذي سيشهد برنامجاً شاملاً يتضمن نحو 200 فعالية ثقافية وفنية وسياحية ورياضية وطلابية وتعليمية بالتبادل بين البلدين حتى منتصف شهر مايو (أيار) من العام المقبل.
وسان بطرسبورغ هو أول مسرح أوبرالي روسي يأتي إلى القاهرة بعرض مسرحي متكامل (115 فناناً)، وأخرج العرض على خشبة المسرح الكبير أمس، وأول من أمس، يوري ألكسندروف الذي يُعد من أشهر مخرجي الأوبرا المعاصرين والمتميز برؤاه المتجددة دوماً للمسرح، وذلك بدعم من إدارة مدينة سان بطرسبورغ الروسية والسفارة الروسية والمركز الثقافي الروسي بالقاهرة، وهو العرض الذي أعاد إلى أذهان المصريين على مدار يومي الخميس والجمعة السابقين قصة إنشاء الأوبرا القديمة التي ترتبط بافتتاح قناة السويس في عهد الخديو إسماعيل المعروف بشغفه بالفنون، ولذلك عَهِد قبل أن يتم تكليف الموسيقار الإيطالي فيردي بوضع عمل فني لتقديمه في الافتتاح ليشرع في تأليف أوبرا «عايدة» إلا أن الظروف حالت دون تقديمها في الموعد المحدد فتم عرض «ريغوليتو» بدلاً منها.
ومن خلال هذا العمل تؤكد «سان بطرسبورغ» نجاحها في إيجاد الطرق والوسائل التي تمكّنها من تقديم عروضها خارج البلاد رغم الجائحة، وفق قسطنطين سوخينكو، رئيس لجنة الشؤون الثقافية بإدارة المدينة الذي قال لـ«الشرق الأوسط»: «إن هذا العرض جاء في إطار المشروعات الخاصة بالعروض الفنية الخارجية للمدينة فيما يشكّل واحدة من المهام الأولية بالنسبة إلى إدارة سان بطرسبورغ التي تفتخر بفرقها المسرحية، وفي هذا التوقيت جسد انعكاساً لتمسكنا بقوة الفن وأهمية استمراره رغم (كورونا)، إلى جانب أنه تأكيد لمكانة بطرسبورغ العاصمة الثقافية لروسيا».
قام بتلحين «ريغوليتو» جوزيبي فيردي، الذي أخذ قصتها عن مسرحية فيكتور هوغو التاريخية «الملك يلهو»، مستنداً إلى أسلوب أوبرالي موسيقي بديع يتمتع بالبساطة والسلاسة الشديدتين، وهو ما جعلها تُوصف بأنها «أوبرا ذات مذاق شعبي»، سهلة الفهم للجميع، فيكفي أن يكون المتلقي محباً للموسيقى حتى يستطيع أن يتذوقها ويحلّق معه في فضاءات العشق جنباً إلى جنب أجواء الخداع والانتقام، وقد لعب ذلك دوراً أساسياً في شهرتها الواسعة التي اكتسبتها منذ عرضها للمرة الأولى بمدينة فينسيا في عام 1851.
لكن ليست الموسيقى وحدها سر استمرار نجاحها حتى الآن فقد تميزت أيضاً «ريغوليتو» التي تمثل أحد أهم الأعمال الأوبرالية الميلودرامية بتجسيدها لقوة المشاعر وتأثيرها الطاغي على مصير البشر، إذ يتضمن العمل صراعاً درامياً عنيفا يعكس قضية إنسانية تتكرر في كل العصور والمجتمعات، وهي قضية التلاعب بالمشاعر، وإغواء الرجل ذي الثراء والجاه لبعض النساء، وفي المقابل إبراز كيف يمكن أن تختار المرأة العاشقة الموت فداءً للحبيب.
«ريغوليتو» تتألف من ثلاثة فصول، وتدور أحداثها حول تمكن دوق «مانتو» زير النساء (المعروف بحبه إغواء زوجات الرجال حوله) من جعل الفتاة الجميلة متواضعة الحال «جيلدا» تقع في عشقه، ويتم اختطاف الفتاة وجلبها إلى قصر الدوق، ويقرر والدها المهرج الأحدب «ريغوليتو» الانتقام منه، ويستمر القالب الدرامي في سرد الأحداث فيكلف السفاح سبارافوتشيل بقتل الدوق بعد استدراجه لمقابلة شقيقته الغانية إلا أنها تحبه هي أيضاً وتتفق مع شقيقها على قتل أول من يدخل الحانة بدلاً منه، وتسمع «جيلدا» الاتفاق وتقرر دخول الحانة لتفدي حبيبها بحياتها.
تميز العرض بالجرأة في عدم التقيد بالقوالب الأوبرالية التي جرى عليها العرف في الإخراج المسرحي، وقد سبق أن قدمتها فرق أخرى في مصر، لكنها اكتسبت هذه المرة تميزاً خاصاً بسبب تقديمها من فرقة «سان بطرسبورغ» التي تتألف من نخبة من المسرحيين في روسيا وفق وصف مديرها الفني يوري ألكسندروف الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «لا أعتقد أن العرض نجح في اجتذاب الجمهور المصري فقط، بسبب تميز السينوغرافيا لكن أحفاد الفراعنة الذين شاهدت تاريخهم في متحف الحضارة لمسوا إلى أي مدى نجح العمل في استنباط المعاني غير المتوقعة من النص الموسيقي بصدق».
اللافت أنه من أبرز سمات العرض التي حرص ألكسندر على تحقيقها هو إبراز الطابع الدرامي المختلف لكل شخصية في صراعاتها الداخلية وصراعاتها مع الآخر على السواء، وقد نال الأداء المبهر للفنانين والذي يجمع بين صدق التعبير الدرامي وتمكُّن الصوت بتنقلاته متعددة الأعماق إعجاب الجمهور، لا سيما في ظل توظيف عناصر السينوغرافيا في تناغم شديد إلى جانب الحضور البارز للمناظر التشكيلية البصرية الثرية التي تعكس رفاهية القصور وسعادتها الزائفة الخادعة، وساعد على ذلك إبهار الإضاءة والمؤثرات الصوتية، إلى جانب طبيعة تصميم الميزانسين داخل قصر الدوق التي نجح في توظيفها للتعبير عن تعدد الطبقات وهو ما يخدم توصيل جوهر القصة.
أما الملابس فقد مثّلت جانباً من عالم الجمال على خشبة المسرح، وتمتعت بقوة تعبيرية عززت من أداء الفنانين كما أنها ساندت النقد الاجتماعي السياسي اللاذع للطبقة الأرستقراطية الحاكمة؛ فقد جاء اختلافها حسب كل طبقة ومركز اجتماعي من حيث التصميم والألوان ومدى فخامة الخامات إلى تمييز الطبقات، بينما عكست طبيعة الرقصات أجواء حياة اللهو والخداع.
يعكس مجيء الفرقة العالمية في ظل الأوضاع المتعلقة بـ«كورونا» تحديها للصعوبات المحيطة، كما أنه انعكاس لاستقرار الظروف الصحية في مصر وفق شريف جاد، مسؤول الأنشطة الثقافية بالمركز الثقافي الروسي، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «العرض هو بداية لسلسلة نشاطات سيشهدها عام التبادل الإنساني فيما يمثل نتاجاً للتطور الكبير للعلاقات بين البلدين».


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.