الأحساء تفقد الراشد أشهر صناع «المداد» بالسعودية والخليج

بدأ مهنته في سن العاشرة واشتغل بصناعة الأكواخ الشعبية وعمل حرفياً 60 عاماً

الأحساء تفقد الراشد أشهر صناع «المداد» بالسعودية والخليج
TT

الأحساء تفقد الراشد أشهر صناع «المداد» بالسعودية والخليج

الأحساء تفقد الراشد أشهر صناع «المداد» بالسعودية والخليج

فقدت الأحساء السعودية؛ حجي الراشد، أحد أبرز الحرفيين الذين تخصصوا في صناعة «المداد»، وهي فرش تصنع من الأسل المستخرج من النخيل، ويتم خصفها لتشكل فرشاً للمساجد والمنازل.
ونال الراشد شهرة واسعة محققاً نجاحات كبيرة في مجالات عدة للحفاظ على مهنة قديمة عرفت بها الأحساء والخليج عموماً، وعمل فيها على مدى أكثر من 60 عاماً، قبل أن يتوفى هذا الأسبوع إثر مضاعفات فيروس «كورونا».
والراشد متحدر من قرية «القرن» التي تعدّ مقراً للصناعات التراثية؛ خصوصاً صناعة «المداد» وهو اسم شعبي يتعلق بحرفة خصف الحصير والمفارش المصنوعة من الأسل والحبال وعدد من المواد المستخرجة من النخيل، التي تمثل أحد أبرز رموز المحافظة الواقعة على الساحل الشرقي، والتي دخلت ضمن منظمة «اليونيسكو» المختصة بالتراث على مستوى العالم.
وتعرف «المداد» بأنها فرش للمساجد والمنازل وتصنع من الأسل الذي يتم جلبه في السنوات الأخيرة من بحيرة الأصفر (وهي منطقة صحراوية تتوسطها بقع واسعة من المياه وكذلك مدينة العيون)، وأيضاً الحبال ومواد أخرى أيضاً تؤخذ من جذوع النخيل.
وعرف الحجي وشريكه صالح الحميد بأنهما من أشهر الحرفيين الذين لم تكدس التغيرات والتطورات بضاعتهما المصنوعة يدوياً؛ حيث بقيت سوق هذه السلع الحرفية موجودة بشكل واسع في الأحساء خاصة، وفي المملكة والخليج عامة؛ حيث إن هناك من يسعى للحفاظ على الإرث التاريخي في بعض المشاريع الاستثمارية، ولذا تكون «المداد» جزءاً أساسياً منها.
وقال علي الراشد؛ وهو الأبن الأكبر للفقيد، إن والده بقي في المهنة منذ أكثر 6 عقود؛ حيث كانت البداية منذ وفاة والدته وهو في سن العاشرة مع عدد من أخواته وأخيه الأكبر؛ حيث كانت ممارسة هذه الهواية في أحد أركان المنزل.
وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ارتبط والدي رحمه الله برفيق دربه صالح الحميد؛ حيث كان الارتباط عائلياً بالمصاهرة بينهما، قبل الشراكة بينهما في إعادة هذه الحرفة التي كانت على وشك الانقراض في فترة زمنية، إلا إنهما توافقا على إعادتها بغض النظر عن المكاسب المالية التي لا تضاهي حجم التعب والوقت في صناعة وحياكة هذه المداد».
وعن أبرز المشاركات التي كان له حضور فيها، قال الراشد: «كان من الضيوف الرسميين في (مهرجان الجنادرية) الأكبر على مستوى المملكة ومنطقة الخليج، والمهتم بالتراث؛ حيث كان يوجد بجانب شريكه الحميد في ركن المنطقة الشرقية. وكذلك (مهرجان التمور)، وكذلك سوق الحرفيين في الأحساء، وكذلك في مناسبات الأعراس، وفي الفعاليات الاجتماعية المختلفة. وكان يحرص دائماً على تلبية كل الدعوات التي تصل إليه من دون النظر إلى الجانب المادي».
وحول توريث هذه المهنة لأحد أبنائه، قال: «في الحقيقة لا يمارس أحد من أشقائي أو شقيقاتي هذه المهنة أو تعلمها؛ لأنها صعبة وتحتاج إلى خبرة كبيرة، وكذلك لضيق الوقت في ظل الارتباطات العملية والاجتماعية الحالية التي لا تقارن بالعقود الماضية».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».