مكتبة «برونتي» المفقودة تظهر من جديد في مزاد «سوذبيز»

بيعت مجموعة من مخطوطات العائلة تعود إلى القرن الـ19

TT

مكتبة «برونتي» المفقودة تظهر من جديد في مزاد «سوذبيز»

في عام 2011، أدى بيع رواية قصيرة من تأليف شارلوت برونتي وكانت تبلغ وقتها 14 عاماً، إلى اندلاع حرب مزايدة تجاوزت المليون دولار. وفي عام 2016، أعلن متحف «برونتي بارسوناج» عن العثور على كتاب مليء بالرسومات والنقوش لبنات برونتي (بما في ذلك قصيدة غير معروفة من تأليف شارلوت) بين حطام سفينة.
والآن، من المقرر بيع مجموعة من المخطوطات العائلية التي تعود إلى عائلة برونتي بعد أن ظلت مختفية طيلة قرن كامل، في مزاد علني لدار «سوذبيز» كجزء مما صنفته الدار على أنّه بيع لـ«مكتبة مفقودة» من كنوز الأدب البريطاني.
تحتوي مكتبة «هونريسفيلد»، وهي مجموعة خاصة جمعها اثنان من رجال الصناعة الفيكتوريين التي اختفت عن الأنظار في ثلاثينات القرن الماضي، على أكثر من 500 مخطوطة ورسائل وطبعات أولى نادرة، وغيرها من المطبوعات اليدوية التي تعود لعدد من المؤلفين القانونيين، بما في ذلك مخطوطات والتر روب وروبرت برنز التي حملت عنوان «الكتاب الشائع الأول».
لكن نظراً للضجيج الذي أحاط بمزادات برونتي السابقة وتقديرات المزاد، فإنّ مادة برونتي من المرجح أن تتسبب في ضجيج أكثر من غيرها. ستتضمن المعروضات البارزة التي ستعرض في مزاد «سوذبيز» في نيويورك في الفترة من 5 إلى 9 يونيو (حزيران)، مخطوطة مكتوبة بخط اليد لقصائد إميلي برونتي، مع تعديلات بقلم الرصاص تعود إلى شارلوت، يُتوقع أن تُباع بنحو 1.3 مليون دولار إلى 1.8 مليون دولار.
يتضمن الكنز أيضاً خطابات عائلية وطبعات أولى ومخطوطات أخرى تعرض لمحة عن الحياة في منزل برونتي، منها نسخة من كتاب عالم التاريخ الطبيعي توماس بويك «تاريخ الطيور في بريطانيا» الذي تناولته شارلوت برونتي في افتتاحية روايتها «جين أير».
وصف غابرييل هيتون، المتخصص في الأدب الإنجليزي والمخطوطات التاريخية في دار «سوذبيز»، مكتبة «هونريسفيلد» بأنّها أفضل مكتبة شاهدها منذ 20 عاماً، وأنّ خبيئة برونتي التي ظهرت للعلن هي الأكثر أهمية على مدار جيل كامل. وفي مقابلة بالفيديو قبل إلقاء نظرة خاطفة على المعروضات، قال هيتون «إن حياة هؤلاء الأخوات غير عادية». فالنظر إلى المخطوطات «يعيدك مباشرة إلى اللحظة المذهلة حين كانت الشقيقات تخربشن بعيداً في بيت القسيس».
وفي السياق ذاته، قالت كلير هارمان، مؤلفة كتاب «شارلوت برونتي: قلب ناري»، إنّها «مهتمة بشدة» منذ أن علمت بالمزاد الذي سيقام على الإنترنت في يوليو (تموز)، بعد معاينات إضافية في لندن وإدنبرة، مضيفة «أنّه مذهل للغاية، فالعلماء والقراء يعرفون أنّ هذه الأشياء موجودة، لكنك تنسى عندما تكون في أيدٍ خاصة. إنّها مثل شابة جميلة نائمة».
لم تكن مكتبة «هونريسفيلد» بعيدة عن بيت القسيس، تحديداً على حافة مستنقعات ويست يوركشاير، حيث نشأت شارلوت وإميلي وآن وشقيقهم، برانويل (ولدوا بين عامي 1816 - 1820)، ليخلقوا عوالم خيالية متقنة ومشتركة.
جُمّعت المكتبة ابتداءً من تسعينات القرن التاسع عشر من قبل الأخوين ألفريد وويليام لو، وهما اثنان من أصحاب المطاحن العصاميين نشآ على بعد أقل من 20 ميلاً من منزل برونتي في «هاوورث» (الذي أصبح الآن متحف برونتي لبارسوناج).
تضمنت «مجموعة لو» المحفوظة في المكتبة في منزلهم «هونريسفيلد هاوس» ما أسماه هيتون «كتب منزل ريفي كبير»، منها «مطوية شكسبير الأولى» (بيعت منذ فترة طويلة). لكنّ الأخوين كانا أيضاً جامعان متحمسان للمخطوطات، وقد حصلا على خبيئة برونتي من تاجر اشتراها مباشرة من أرمل شارلوت. وقام ويليام، جامع التحف الأكثر جدية، بزيارات متكررة إلى «هاوورث» لشراء متعلقات الأسرة التي أنقذها الجيران والأقارب.
وبعد وفاة الأخوين (اللذين لم يتزوجا قط)، انتقلت المجموعة إلى ابن أختهما، الذي سمح باطلاع علماء مختارين عليها، وصنع نسخاً طبق الأصل من بعض العناصر. ولكن بعد وفاته في عام 1939 ذهبت النسخ الأصلية بعيداً عن الأنظار.
بحلول أربعينات القرن الماضي، باتت المجموعة «قريبة جداً وسهلة التتبع»، حسب أحد العلماء في ذلك الوقت. وفي العقود الأخيرة عُرضت بعض القطع الأثرية من المجموعة، مثل طاولة الكتابة الخاصة بشارلوت (الموجود الآن في متحف برونتي بارسوناج) للبيع بالمزاد. لكن مكان وجود باقي المقتنيات ظلّ مجهولاً.
يتذكر هيتون قائلاً «عندما تلقيت اتصالاً لأول مرة بشأن هذه المقتنيات، فكرت في أنّها ربما كانت هذه المجموعة. بعد ذلك كان الأمر مثيراً للغاية». (وكشف عن أن البائعين الذين يرغبون في عدم الكشف عن هويتهم من نسل عائلة لو).
لكنّ الأخبار التي تفيد بأنّ المجموعة التي ظهرت حديثاً ستُفرّق في المزاد لم ترق للجميع. فقد أصدر متحف «برونتي بارسوناج» بياناً الثلاثاء الماضي، دعا فيه إلى «الحفاظ على مادة برونتي سليمة للأمة»، وأعرب عن أسفه «للتسويق الضيق وخصخصة التراث».
تعتبر المواد التي خرجت من يد إميلي برونتي نادرة؛ إذ لا توجد مخطوطة لـ«مرتفعات ويذرنغ» التي نشرت لأول مرة عام 1847، قبل عام واحد من وفاتها بمرض السل. وأضاف هيتون «من المعروف أنّ رسالتين فقط كتبتهما إميلي قد نجيتا وموجودتان حتى الآن».
تتضمن المواد التي ستُباع في دار «سوذبيز» بعض «اليوميات» التي كتبتها إميلي وآن لبعضهما بعضاً في أعياد ميلادهما. (واحدة من إميلي، في عام 1841 تطلب من شقيقتها آن، أن تقرأها لاحقاً عندما تبلغ 25 عاماً). هناك أيضاً رسائل من عام 1840 من قبل شقيقتهما الأقل شهرة، برانويل برونتي، بما في ذلك رسالة إلى هارتلي كوليردج، ابن صموئيل تايلور كوليردج، التي تحتوي على نسخ من أشعاره وتصف طموحه الأدبي (الذي لم يتحقق).
لكنّ المادة البارزة، هي مخطوطة من 31 قصيدة بيد إميلي، مؤرخة في فبراير (شباط) 1844، ذكر هارمان أنّها لا تحافظ فقط على شعرها كما كتبته، لكنّها لعبت دوراً حاسماً في تحفيز الميول الأدبية لجميع الأخوات الثلاث.
كتبت إميلي قصائدها في الخفاء من دون نية للنشر، لكن في عام 1845، عثرت شارلوت عليها بالصدفة ووجدت أنها غير عادية. (هناك تدوينة بقلم رصاص ربما بقلم شارلوت في أسفل المخطوطة: «ليس هناك أروع من هذا أبداً» أسفل المخطوطة). وعلى الرّغم من أنّ إميلي كانت غاضبة في البداية، فقد وافقت على تضمينها في مجلد شعر ممول ذاتياً للأخوات الثلاث، استخدم أسماء مستعارة: كورير، وإليس، وأكتون بيل.
بيعت نسختان فقط من هذا المجلد الذي نُشر عام 1846. لكنّها دفعت الأخوات إلى البدء في العمل على رواياتهن التي أثارت ضجة كبيرة؛ مما أثار تكهنات مكثفة حول المؤلفين الحقيقيين وراء الأسماء المستعارة، وحول هوس الناس الأوسع ببرونتي الذي استمر حتى اليوم.
استطرد هارمان قائلاً «إذا كانت هذه المخطوطة هي التي نظرت إليها شارلوت خلسة، فقد كانت شاهداً على هذا المشهد المتوتر للغاية بين الأخوات، ناهيك عن أنّها تراث أدبي».
تتضمن مجموعة مزاد «سوذبيز» عناصر أخرى تقدم لمحات عن الحياة اليومية في بيت القسيس. فخلال مقابلة الفيديو، قلب هيتون صفحات كتاب «تاريخ الطيور البريطانية» لبيويك، المليء بالتعليقات التوضيحية التي كتبها والد الأشقاء باتريك برونتي. في المشاهد الأولى لرواية «جين أير»، تتصفح جين الكتاب بحثاً عن ملاذ خيالي من ظروفها القاتمة. وفي الحياة الواقعية، استخدم الأشقاء الكتاب نموذجاً لممارسة الرسم، في حين ملأها باتريك بملاحظات عملية عن أنواع الطيور لذيذة الطعم كغذاء (حسب الوصف المدون، فإنّ مذاق البط الاسكوتلندي عبارة عن «خليط من لحم البقر والرنجة الحمراء»).
تتضمن المجموعة أيضاً كتباً كتبتها شارلوت وأفراد آخرون في العائلة لمارثا براون، ابنة صديق العائلة، التي انتقلت للعيش مع العائلة عندما كانت في الحادية عشرة من عمرها وأصبحت خادمة في المنزل. من بينها الطبعة الأولى من «جين إير»، بخط يد باتريك، ودليل التدبير المنزلي بخط شارلوت.
هناك أيضاً طبعات أولى من رواية آن «أغنيس غراي» ورواية «مرتفعات ويذرنغ» لإميلي. واليوم تقدر دار مزادات «سوذبيز» أن يحقق المخطوطان ما بين 280.000 دولار و425.000 دولار. واللافت في الأمر، أنّ الأختين قد عبرتا عن غضبهما من عمل الناشر المليء بالأخطاء المطبعية. وأشار هيتون إلى عيب آخر في نسخة «مرتفعات ويذرنغ»؛ إذ إنّ بعض الصفحات غير مرتبة، «وهو ما يعطي سبباً جديداً للجدل الذي شاب نشر الرواية».

- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

زاهي حواس يُفند مزاعم «نتفليكس» بشأن «بشرة كليوباترا»

يوميات الشرق زاهي حواس (حسابه على فيسبوك)

زاهي حواس يُفند مزاعم «نتفليكس» بشأن «بشرة كليوباترا»

أكد الدكتور زاهي حواس، أن رفض مصر مسلسل «كليوباترا» الذي أذاعته «نتفليكس» هو تصنيفه عملاً «وثائقي».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق استرداد حمض نووي لامرأة عاشت قبل 20000 عام من خلال قلادتها

استرداد حمض نووي لامرأة عاشت قبل 20000 عام من خلال قلادتها

وجد علماء الأنثروبولوجيا التطورية بمعهد «ماكس بلانك» بألمانيا طريقة للتحقق بأمان من القطع الأثرية القديمة بحثًا عن الحمض النووي البيئي دون تدميرها، وطبقوها على قطعة عُثر عليها في كهف دينيسوفا الشهير بروسيا عام 2019. وبخلاف شظايا كروموسوماتها، لم يتم الكشف عن أي أثر للمرأة نفسها، على الرغم من أن الجينات التي امتصتها القلادة مع عرقها وخلايا جلدها أدت بالخبراء إلى الاعتقاد بأنها تنتمي إلى مجموعة قديمة من أفراد شمال أوراسيا من العصر الحجري القديم. ويفتح هذا الاكتشاف المذهل فكرة أن القطع الأثرية الأخرى التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ المصنوعة من الأسنان والعظام هي مصادر غير مستغلة للمواد الوراثية

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق علماء: ارتفاع مستوى سطح البحر دفع الفايكنغ للخروج من غرينلاند

علماء: ارتفاع مستوى سطح البحر دفع الفايكنغ للخروج من غرينلاند

يُذكر الفايكنغ كمقاتلين شرسين. لكن حتى هؤلاء المحاربين الأقوياء لم يكونوا ليصمدوا أمام تغير المناخ. فقد اكتشف العلماء أخيرًا أن نمو الصفيحة الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر أدى إلى فيضانات ساحلية هائلة أغرقت مزارع الشمال ودفعت بالفايكنغ في النهاية إلى الخروج من غرينلاند في القرن الخامس عشر الميلادي. أسس الفايكنغ لأول مرة موطئ قدم جنوب غرينلاند حوالى عام 985 بعد الميلاد مع وصول إريك ثورفالدسون، المعروف أيضًا باسم «إريك الأحمر»؛ وهو مستكشف نرويجي المولد أبحر إلى غرينلاند بعد نفيه من آيسلندا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا مروي أرض «الكنداكات»... في قلب صراع السودان

مروي أرض «الكنداكات»... في قلب صراع السودان

لا تزال مدينة مروي الأثرية، شمال السودان، تحتل واجهة الأحداث وشاشات التلفزة وأجهزة البث المرئي والمسموع والمكتوب، منذ قرابة الأسبوع، بسبب استيلاء قوات «الدعم السريع» على مطارها والقاعد الجوية الموجودة هناك، وبسبب ما شهدته المنطقة الوادعة من عمليات قتالية مستمرة، يتصدر مشهدها اليوم طرف، ليستعيده الطرف الثاني في اليوم الذي يليه. وتُعد مروي التي يجري فيها الصراع، إحدى أهم المناطق الأثرية في البلاد، ويرجع تاريخها إلى «مملكة كوش» وعاصمتها الجنوبية، وتقع على الضفة الشرقية لنهر النيل، وتبعد نحو 350 كيلومتراً عن الخرطوم، وتقع فيها أهم المواقع الأثرية للحضارة المروية، مثل البجراوية، والنقعة والمصورات،

أحمد يونس (الخرطوم)
يوميات الشرق علماء آثار مصريون يتهمون صناع وثائقي «كليوباترا» بـ«تزييف التاريخ»

علماء آثار مصريون يتهمون صناع وثائقي «كليوباترا» بـ«تزييف التاريخ»

اتهم علماء آثار مصريون صناع الفيلم الوثائقي «الملكة كليوباترا» الذي من المقرر عرضه على شبكة «نتفليكس» في شهر مايو (أيار) المقبل، بـ«تزييف التاريخ»، «وإهانة الحضارة المصرية القديمة»، واستنكروا الإصرار على إظهار بطلة المسلسل التي تجسد قصة حياة كليوباترا، بملامح أفريقية، بينما تنحدر الملكة من جذور بطلمية ذات ملامح شقراء وبشرة بيضاء. وقال عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس لـ«الشرق الأوسط»، إن «محاولة تصوير ملامح كليوباترا على أنها ملكة من أفريقيا، تزييف لتاريخ مصر القديمة، لأنها بطلمية»، واتهم حركة «أفروسنتريك» أو «المركزية الأفريقية» بالوقوف وراء العمل. وطالب باتخاذ إجراءات مصرية للرد على هذا

عبد الفتاح فرج (القاهرة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».