يوثق المتحف المصري بالتحرير، تطور صناعة المسارج والمشاعل الأثرية في مصر القديمة، عبر عرض بعض مقتنياته النادرة من المشاعل والمسارج التي تعود إلى العصر الفرعوني، والعصرين اليوناني والروماني، ويبرز المتحف تطور هذه الصناعة وتحولها إلى فن يدوي يتطلب مهارات مهنية حولتها من أدوات تستخدم في الإضاءة والتدفئة إلى قطع فنية فريدة صنع بعضها من الفخار، وأخرى من البرونز والأحجار، وذلك ضمن احتفال المتحف باليوم العالمي للإضاءة في شهر مايو (أيار) الجاري.
وتنوعت القطع التي يعرضها المتحف المصري بالتحرير، سواء من حيث العصور التي تنتمي إليها، أو اختلاف المفردات الفنية والنقوش والزخارف، أبرزها مصباح إضاءة يعود إلى الفترة ما بين عامي (1388 - 1351) قبل الميلاد، وينتمي إلى عصر الملك إمنحتب الثالث، وتم العثور عليه في مقبرة رئيس العمال وكبير مهندسي البلاط الملكي «خع» وزوجته «ميريت» في دير المدينة بالبر الغربي بمدينة الأقصر (جنوب مصر)، ومجموعة من مسارج الزيت تعود إلى العصرين الروماني واليوناني، مصنوعة من الفخار، وتضم نقوشاً وزخارف توثق لتطور صناعة المصابيح، وتحولها إلى قطع فنية بأشكال وزخارف تبرز معالم العصر الذي صنعت خلاله.
ويحتفل العالم باليوم الدولي للضوء في 16 مايو (أيار) من كل عام، وفق قرار منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» الذي تم اتخاذه خلال الدورة التاسعة التي أقيمت في الفترة من 30 أكتوبر (تشرين الأول) و14 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2017، بهدف التركيز على الدور الذي يلعبه الضوء في الحياة اليومية للبشر، وتأثيره في التنمية بكافة المجالات، وبدأت أول احتفالية ليوم الضوء في العام التالي 2018.
ويمتلك المتحف المصري بالتحرير مئات القطع النادرة من مشاعل ومسارج تؤرخ لتطور وسائل الإضاءة في عصور مختلفة، حيث يعرض مجموعات متنوعة منها خلال شهر مايو (أيار) لإبراز أهمية الضوء في تاريخ البشرية وفق صباح عبد الرازق، مدير عام المتحف المصري بالتحرير، والتي تقول لـ«الشرق الأوسط» إن: «المصري القديم ابتكر المسارج والمشاعل لتساعده على تطوير حياته، والعمل ليلاً، وكانت مصابيح الزيت شائعة الاستخدام في الدولة المصرية القديمة، لإنارة المنازل والمعابد والمقابر، وتصنع على شكل حاويات مغلقة، مع فتحة لإضافة الزيت من خلالها، ويعد زيت الخروع هو الأكثر استخداماً، وكانت المسارج تصنع من مواد عديدة على غرار الفخار والبرونز والذهب والحجر، وتكون عبارة عن صحن مملوء بالزيت والملح، يطفو فوقه الفتيل».
وشهدت صناعة المسارج والمشاعل تطوراً لافتاً في العصر اليوناني، حيث تمت صناعتها بأشكال مجسمة على هيئة وجوه أدمية ونقوش وزخارف تعبر عن ثقافة الحقبة اجتماعياً ودينياً وفق دراسة للدكتورة شهيرة عبد الحميد هاشم، مدرس الآثار اليونانية والرومانية في كلية الآداب بجامعة طنطا المصرية، تناولت تطور استخدام الوجوه الأدمية في صناعة المسارج بمصر خلال العصر اليوناني، وتقول الدراسة إن «تطور المسارج خلال العصر اليوناني اتخذ أنماطاً مختلفة للتصوير الشخصي والواقعي، يرتبط بالغرض من استخدامها، ويحمل دلالات اجتماعية ودينية، حيث تنوعت الموضوعات المصورة والنقوش لتغطي الكثير من التفاصيل الاجتماعية، وتضمنت ابتكارات فنية تبرز رؤية كل فنان، ووصلت إلى ذروة الابتكار بصناعة مسارج على هيئة بشرية، فكانت تشكل وجه رجل أو سيدة كاملاً».
ويقول الدكتور شريف عبد المنعم، مدير وحدة دراسة الفخار بمركز تسجيل الآثار التابع لوزارة السياحة والآثار المصرية، لـ«الشرق الأوسط»: إن «صناعة المسارج بدأت في الدولة المصرية القديمة بأشكال بدائية بسيطة عبارة عن إناء مسطح يشبه (السلطانية) يوضع فيها الزيت والفتيل، ثم تطورت إلى أشكال مختلفة تحمل قيمة فنية كبيرة، وتحوي إبداعاً لافتاً في صناعتها ونقوشها خاصةً في العصر الروماني».
وتشير دراسة هاشم إلى أن «صناعة المسارج على هيئة بشرية خلال العصر الروماني شهدت تطوراً مهما، إذ كانت تشبه التماثيل في كل المكونات الفنية، وإبراز شكل وجه الشخص بدقة ملامحه، كما كان الفنان يستخدم الزجاج البني أو الرمادي لتطعيم العيون لإضفاء نوع من الحيوية عليها، بينما استخدم الجص الأبيض لتصوير البياض الذي يعلو العينين، وانتشر فن صناعة المسارج في العديد من المدن المصرية، خصوصاً في مناطق الدلتا ومدينتي الفيوم والإسكندرية».
المتحف المصري يبرز تطور صناعة المسارج والمشاعل
المتحف المصري يبرز تطور صناعة المسارج والمشاعل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة