وداع حزين لسمير غانم «صانع السعادة»

الرئيس المصري ينعى الفنان الراحل الذي {عاش من أجل نشر البهجة}

صلاة الجنازة أمام جامع المشير في القاهرة (إ.ب.أ)
صلاة الجنازة أمام جامع المشير في القاهرة (إ.ب.أ)
TT

وداع حزين لسمير غانم «صانع السعادة»

صلاة الجنازة أمام جامع المشير في القاهرة (إ.ب.أ)
صلاة الجنازة أمام جامع المشير في القاهرة (إ.ب.أ)

شيّعت مصر نجم الكوميديا سمير غانم ظُهر أمس، بعدما غيّبه الموت عن عمر يناهز 84 عاماً، بعد مشوار فنى حافل استمر ما يقرب من ستين عاماً، أشاع خلالها البهجة والسعادة بخفة ظله وموهبته كأحد المضحكين الكبار، وبأعماله التي تنوعت بين المسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة.
ونعى الرئيس عبد الفتاح السيسي، الفنان الراحل سمير غانم. وقال السيسي في تغريدة له عبر صفحته على «تويتر» أمس: «أنعى بمزيد من الحزن والأسى الفنان سمير غانم الذي رحل عن عالمنا أول من أمس، تاركاً خلفه ميراثاً عظيماً من الأعمال التي رسمت البسمة على وجوه المصريين والأمة العربية، فقد كان الراحل خير نموذج للفنان الذي عاش من أجل نشر البهجة وإسعاد الجميع».
وأضاف الرئيس: «رحم الله الفنان الراحل، وألهم أسرته الصبر والسلوان».
وشُيِّعت جنازته من مسجد المشير بمنطقة التجمع الخامس (شرق القاهرة) عقب صلاة الجمعة بحضور وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة إيناس عبد الدايم، وابنتيه دنيا وإيمي وزوجيهما الإعلامي رامي رضوان والفنان حسن الرداد اللذين حملا النعش، كما حضرها شقيقه حسام غانم، فيما تغيبت زوجته الفنانة دلال عبد العزيز عن الحضور لاحتجازها بأحد المستشفيات بسبب تداعيات إصابتها بوباء «كورونا».
وشهدت الجنازة حضوراً مكثقاً من زملائه الفنانين الذين توافدوا مبكراً رغم مخاطر «كورونا»، ومن بينهم: ميرفت أمين، ويسرا، ومحمود حميدة، وإلهام شاهين، ولبلبة، وسمير صبري، وهالة صدقي، ونهال عنبر، وصابرين، وعمرو سعد، والمخرجة إيناس الدغيدي، ومحمد حماقي، وحمادة هلال، وشريف رمزي، وعلي ربيع، ومن الإعلاميين: بوسي شلبي، وعمرو الليثي، كما حضر الدكتور أشرف زكي نقيب الممثلين، وزوجته روجينا، والمؤلف عمرو محمود ياسين، وازدحمت ساحة المسجد بأعداد كبيرة من محبي الفنان الراحل.
وكانت أسرة غانم قد أعلنت قصر العزاء على المقابر، وعدم إقامة عزاء بسبب «كورونا». وبمجرد إعلان خبر وفاة سمير غانم توافد على المستشفى الذي كان يعالَج به عدد من الفنانين لإلقاء نظرة الوداع عليه، ومن بينهم محمد هنيدي، ووفاء عامر، وبوسي شلبي، وشيماء سيف.
وكان وباء «كورونا» قد أصاب أفراد أسرة الفنان الراحل خلال تصوير مسلسل «عالم موازي» الذي تلعب بطولته ابنته دنيا، كما أُصيب به عدد من فريق العمل وتوقف تصويره، ورغم إصابة غانم به فإن وفاته جاءت إثر إصابته بخلل في وظائف الكلى، حسب الفنانة نهال عنبر مسؤولة الشؤون الصحية بنقابة الممثلين.
ويعد الفنان الراحل سمير غانم أحد صناع البهجة الحقيقيين عبر مسيرة فنية طويلة لم يتخلّ فيها في أي وقت عن عشقه للفن، ليترك لنا رصيداً كبيراً من الأعمال الفنية التي تخلّد ذكراه، ووفقاً للناقد والمخرج المسرحي الدكتور محمود أبو دومة، فإن سمير غانم يعد ظاهرة فنية متفردة لا تتكرر كثيراً مثل شارلي شابلن، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «من أجمل ما يميز غانم أنه لم يدّعِ في أي وقت أنه صاحب نظرية أو فلسفة فيما يقدمه، ولم يستغرق بعمق في أي قضية يطرحها، لذا يجب ألا نعتبره ممثلاً وظيفته إضحاك الناس، بل إن جيناته هي الكوميديا، فقد وُلد كوميدياناً، لهذا خرجت البهجة تلقائية وحقيقية، وأعتقد أن مشكلة أي مخرج تعامل معه كانت في صعوبة توجيهه أو إلزامه بنص، فهو صاحب موهبة تلقائية»، مضيفاً: «لا أتصور وجود خط فاصل بين حياته وفنه، فهو معجون بماء البهجة في أعماله وفي حياته».
ورغم رصيده السينمائي الكبير (158 فيلماً) فإن أبو دومة يرى أن كثرة أفلام غانم حققت نجاحاً لمنتجيها لأن مجرد وضع اسمه على الأفيش كان يضمن نجاحاً جماهيرياً كبيراً للفيلم، لكنّ هذا الكم جاء على حساب الكيف» حسب وصفه.
وحققت مسرحيات سمير غانم نجاحاً منذ عروضه الأولى مع فرقة ثلاثي أضواء المسرح. وحسب أبو دومة: «مسرحياته الأولى ومنها (طبيخ الملايكة، وحواديت، وفندق الأشغال الشاقة، وجوز مراتي)، أكدت امتلاكه موهبة كبيرة، يتجاوز بها المصطلحات التقليدية، ويتجاوز فكرة الحضور الفني، فهو يسبق أي حضور، ورغم ارتباطه منذ البداية بفرقة ثلاثي أضواء المسرح فإنه لم يتعثر بعد انفراط عقدها لوفاة الضيف أحمد، بل واصل نجاحه بمفرده وكذلك مع صديقه جورج سيدهم، ولا تزال مسرحية (المتزوجون) هي ضحكة العيد التي لا يمل الجمهور من مشاهدتها رغم مرور السنوات، وتغير ذائقة المتلقي، لكنّ موهبة سمير التلقائية تتجاوز الزمن، وأرى أن عطاءه الحقيقي في المسرح الذي أتاح مساحة أكبر لموهبته، فلم يكن يستطيع أن يجاريه أي فنان، وقد أسّس لمدرسة مسرحية مختلفة بتلقائيته وقدرته الفذة على الإضحاك».
وضجّت حسابات الفنانين المصريين على التواصل الاجتماعي بنعي ورثاء غانم. إذ كتبت الفنانة إسعاد يونس عبر «فيسبوك»: «وداعا يا صاحب الفضل، يا رفيق الرحلة وأطيب خلق الله، يا ضحكة مصر، وطيبة أهلها، مع السلامة يا غالي وإلى الملتقى». وكتبت ليلى علوي: «طول عمره مبتسم وبيحب الفرح وحريص إن كل الناس تكون مبسوطة، ربنا يصبّر أولاده والغالية زوجته وكل محبيه».
بينما نعاه الفنان أحمد حلمي بكلمات مؤثرة: «اللي كان بيفرّحنا في زعلنا مشي وسابنا لزعلنا عليه، صحيح الموت علينا حق، بس صدمة فراقك كبيرة قوي».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».