«الدستوري» اللبناني معطل بسبب غياب «النصاب القانوني»

بعد وفاة عضوين عينتهما الحكومة وآخر عينه البرلمان

TT

«الدستوري» اللبناني معطل بسبب غياب «النصاب القانوني»

بات المجلس الدستوري في لبنان (هيئة قضائية تنظر في دستورية القوانين) بحكم المعطل، إثر وفاة ثلاثة من أعضائه العشرة، وعدم تعيين بديل عنهم بسبب التعثر في تشكيل الحكومة، ما أفقده النصاب القانوني للاجتماع، إلى حين ملء الشغور.
والمجلس الدستوري هيئة دستورية مستقلة ذات صفة قضائية مهمتها مراقبة دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية والقوانين التي يقرها مجلس النواب. ويتألف المجلس الدستوري من 10 أعضاء، يعين البرلمان نصفهم (5 أعضاء) بأغلبية مطلقة، ويعين مجلس الوزراء النصف الآخر بأكثرية ثلثي عدد أعضاء الحكومة. وينص القانون على أن المجلس ينعقد بصورة قانونية بوجود نصاب من 8 أعضاء من أصل عشرة، وإذا فقد هذا النصاب، لا يتمكن من الاجتماع.
وقبل أسبوعين، فقد المجلس النصاب بوفاة عضو ثالث هو القاضي أنطوان بريدي، ما يعني أنه غير قادر على الاجتماع. وفي ظل وجود حكومة مستقيلة وتعثر تشكيل حكومة جديدة، يصبح ملء الشغور معقداً، فيما لم تتم دعوة مجلس النواب لتعيين عضو بديل في القريب العاجل.
وتنص المادة 36 من النظام الداخلي للمجلس الدستوري على أنه يعقد جلسة خلال 5 أيام من تاريخ ورود التقرير للتداول في الطعن وتبقى الجلسة مفتوحة إلى أن يصدر القرار في غرفة المذاكرة في مهلة أقصاها 15 يوماً من تاريخ انعقاد الجلسة. وتنص المادة 37 على أنه إذا لم يصدر القرار ضمن المهلة القانونية، يكون النص (أي القانون المطعون به) ساري المفعول وينظم محضر بالوقائع، ويبلغ رئيس المجلس المراجع المختصة عدم توصل المجلس إلى قرار.
ويهدد تعذر انعقاد المجلس الدستوري، الطعون التي يمكن أن تتقدم بها الكتل النيابية للبت بقوانين يقرها البرلمان، وقد هدد بالفعل الطعن الذي تقدم به تكتل «الجمهورية القوية» (كتلة القوات اللبنانية في البرلمان) بقانون منح مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة بقيمة 200 مليون دولار لشراء الفيول منعاً لانقطاع الكهرباء، بحسب ما يقول الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك لـ«الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أنه «يتعين على البرلمان أن يسعى لتعيين بديل للقاضي الراحل أنطوان بريدي من أجل تأمين النصاب للبت بطعن القوات اللبنانية بسلفة الكهرباء»، مضيفاً: «إذا لم يقدم المجلس على ذلك فالطعن مهدد بالسقوط وتعذر البت به لعدم إمكانية تأمين نصاب لأي جلسة للمجلس الدستوري».
وكان البرلمان اللبناني أقر نهاية شهر مارس (آذار) الماضي السلفة لصالح مؤسسة كهرباء لبنان وذلك بعد شهر من تحذير وزير الطاقة ريمون غجر من عتمة شاملة إن لم تتوفر الاعتمادات المالية اللازمة لاستيراد الفيول. وعلى إثره، قدم أعضاء تكتل «الجمهورية القوية» مراجعة طعن بالقانون الرقم 215 عن منح مؤسسة كهرباء لبنان سلفة خزينة عبر الاقتطاع من الاحتياط الإلزامي لسنة 2021 أمام المجلس الدستوري. وعليه، أوقف المجلس الدستوري مفعول القانون، وقال إن «طلب وقف مفعول القانون موضوع المراجعة تقرر بالإجماع إلى حين الفصل بهذا الطعن وإبلاغ هذا القرار إلى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، ونشره في الجريدة الرسمية».
ويحتاج تعيين عضوين بديلين عن العضوين المتوفين القاضي إلياس بوعيد والقاضي عبد الله الشامي (من حصة الحكومة) إلى حكومة أصيلة وليس حكومة تصريف أعمال. وفي ظل عدم دعوة البرلمان لأعضائه لتعيين عضو بديل عن القاضي بريدي، يدعو الباحث الدستوري سعيد مالك البرلمان إلى الاجتماع لتعيين خلف للقاضي بريدي ليتوفر للمجلس الدستوري النصاب القانوني لاجتماعه.
وقال: «إذا كان التوجه لعدم تعيين عضو بديل للمتوفى في البرلمان، فإنه يقتضي التقدم باقتراح قانون معجل مكرر لمرة واحدة وبصورة استثنائية تعدل النصاب المنصوص عنه في المادتين 11 و12 من قانون إنشاء المجلس الدستوري حتى لا يصبح التشريع محررا من أي قيد، وكيلا يصبح المجلس الدستوري مؤسسة معطلة بالكامل». وقال مالك إن الموضوع «قانوني بامتياز وليس بالسياسة، لذلك لا خيارات إلا القانونية منها، بالنظر إلى أن هناك أصول قانونية على الجميع احترامها».
وفي ظل التباين في التفسير القانوني لعمل حكومة تصريف الأعمال، يعتبر بعض القانونيين والمشرعين، ومن بينهم النائب والوزير السابق بطرس حرب، أن اجتماع الحكومة المستقيلة ضروري بسرعة لانتخاب بديل عن العضوين اللذين عينهما، باعتبار أن هذا الأمر الملح والمستعجل يدخل في إطار تصريف الأعمال بالمعنى الضيق للحؤول دون تعطيل سلطة دستورية ومرفق عام. ودعا حرب الأسبوع الماضي رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء إلى «الدعوة إلى جلسات طارئة مستعجلة مخصصة لانتخاب الأعضاء الثلاثة الجدد من بين المرشحين السابقين، معتبرا أي تأخير في ذلك مخالفة دستورية واضحة وتعطيلا مقصودا لسلطة المجلس الدستوري وتمريرا مشبوها لقانون مخالف للدستور لاعتدائه على أموال المواطنين الخاصة المودعة في المصارف».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.