مسارح لندن تعود لروادها بعد أشهر الإغلاق

حي {وست إند} في لندن والمعروف باسم «ثييتر لاند» (أرض المسارح) (أ.ب)
حي {وست إند} في لندن والمعروف باسم «ثييتر لاند» (أرض المسارح) (أ.ب)
TT

مسارح لندن تعود لروادها بعد أشهر الإغلاق

حي {وست إند} في لندن والمعروف باسم «ثييتر لاند» (أرض المسارح) (أ.ب)
حي {وست إند} في لندن والمعروف باسم «ثييتر لاند» (أرض المسارح) (أ.ب)

في تمام السابعة والنصف من مساء أمس، قتلت مورين ليون على خشبة مسرح «سانت مارتين» في لندن، وانطلقت صرخاتها تدوي في الفضاء. وقد لقيت لحظة موتها ترحيباً واسعاً عبر مختلف أرجاء صناعة المسرح في لندن، لسبب واحد بسيط: أنه المشهد الافتتاحي لمسرحية «مصيدة الفئران» (ماوس تراب) للكاتبة أغاثا كريستي، فقد اعتبر عرض هذه المسرحية مؤشراً على عودة «ويست إند» من جديد.
فعلى امتداد 427 يوماً، تسببت جائحة فيروس «كورونا» المستجد في إغلاق جميع مسارح لندن. وقد حاولت بعض دور المسرح إعادة فتح أبوابها في الخريف لتتفاجأ بسقوط إنجلترا في موجة جديدة من إجراءات الإغلاق قبل حتى أن يبدأ الممثلون في أداء البروفات.
كما أقدمت دور المسرح على المحاولة ذاتها من جديد في ديسمبر (كانون الأول)، حيث قامت العديد من المسرحيات الغنائية، من بينها مسرحية «سيكس» (ستة) التي تدور حول زوجات الملك هنري الثامن، بإعادة فتح أبوابها أمام الجماهير المتعطشة. ولكن بعد أيام قليلة، أقدمت دور العرض على غلق أبوابها من جديد.
أما هذه المرة، فمن المنتظر أن تكون العودة طويلة الأمد، خصوصاً بعدما أعلن رئيس الوزراء بوريس جونسون أن بإمكان دور المسرح إعادة فتح أبوابها، سواء التزمت بقواعد التباعد الاجتماعي أم لا وذلك بدءاً من 21 يونيو (حزيران)، مع افتراض أن حالات الإصابة بفيروس «كورونا» ستظل منخفضة بفضل جهود التطعيم السريعة في البلاد.
كما أنه من المقرر إعادة افتتاح مجموعة من العروض هذا الشهر، منها العرض المسرحي الغنائي الجديد لأندرو لويد ويبير بعنوان «سندريلا» الذي سيتم افتتاحه في 25 يونيو إضافة إلى سيل آخر من العروض المسرحية المقرر افتتاحها قريباً.
هذا ومن المنتظر أن يعيد عرض «هاميلتون» فتح أبوابه في أغسطس (آب)، حيث يتوقع أن ما سيحدث مع هذه العروض سيعتبر مقدمة لإعادة فتح مسارح «برودواي» في سبتمبر (أيلول).
والسؤال هنا: ما شعور المعنيين بصناعة المسرح الذين بدأوا العمل من جديد للتو بعد توقف دام 15 شهراً؟ هل أثرت الجائحة على نظرتهم للمسرح؟ من جانبنا، تواصلنا مع ثلاثة منهم للتعرف على الإجابة.
عندما خطى إيان ريكسون نحو غرفة البروفات في أبريل (نيسان) لبدء بروفات مسرحية «والدن» قرر أن يقيم طقساً ليعبر عن مدى امتنانه لعودته للعمل من جديد.
ويعد ريكسون واحداً من أكثر المخرجين البريطانيين المطلوبين، ومن بين النجاحات التي حققها ريكسون في «برودواي» مسرحية «جيروزاليم» وإحياؤه عام 2018 لمسرحية «سيغل» (طائر النورس) والتي اعتبرها أفضل رائعة لتشيكوف على الإطلاق، تبعاً لما كتبه بين برانتلي في «نيويورك تايمز».
وفي الليلة التي أعلنت فيها قرارات الإغلاق، كان ريكسون يحضر بروفات ملابس مسرحية «أول أوف أس» (جميعنا) بالمسرح الوطني، في الوقت الذي كان إحياء ريكسون لمسرحية «أنكل فانيا» يجتذب الحشود في «ويست إند». وفجأة، أصبح دون عمل ودون هدف في الحياة. وخلال فترة الإغلاق في الربيع الماضي، كان ريكسون يسير حول «ويست إند» ويبكي بينما تتطلع عيناه نحو أبواب المسارح المغلقة.
وقد حرص ريكسون على شغل وقته بتصوير «أنكل فانيا»، لكنه ذكر أنه قضى الجزء الأكبر من وقته في التفكير فيما يرغب في عمله على خشبة المسرح عندما يعاود فتح الأبواب. وقال عن تصوره لعمله بعد العودة: «عمل جديد يتفاعل مع ما أصبحنا عليه الآن. عمل شجاع».
ومن ناحية أخرى، تعد مسرحية «والدن»، للكاتبة الأميركية إيمي بيريمان التي لا تحظى بشهرة واسعة، المثال الأول على ذلك. وكان ريكسون قد اطلع على المسرحية ـ التي تدور حول شقيقتين لديهما وجهات نظر متعارضة تجاه كيف ينبغي على البشر التعامل مع قضية التغيرات المناخية ـ وذلك صدفة خلال فترة الصيف الماضي، أثناء بحثه عن نصوص لصالح المنتجة سونيا فريدمان.
وقال ريكسون عن المسرحية: «إنها مذهلة في نطاقها الخيالي، إنها تبدو أشبه بمسرحية سبق أن ألفت صاحبتها 20 مسرحية قبلها، وليس أول عمل لها».
ومن ناحيتها، قالت نيكا بيرنز، الرئيسة التنفيذية لـ«نيماكس»: «لن نحقق أرباحاً، لكن يبقى الوضع أفضل من الإغلاق».
وأضافت: «نشعر هذه المرة بأن العودة حقيقية» وتابعت أثناء انحنائها فوق طاولة مكتبها في «ويست إند» وقد اتسعت عيناها أثناء الحديث وكأنها تحاول التأكيد على ما تقوله.
وأعربت عن اعتقادها أن جهود التطعيم داخل بريطانيا «كانت سريعة بجميع المقاييس. وبطبيعة الحال، لو لم نبع أي تذاكر، لم أكن لأصبح في هذه الحالة المزاجية المرحة».
ومن الجدير بالذكر في هذا الجانب أن بيرنز، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة «نيماكس ثياترز»، تعد بمثابة واحدة من الأبطال المجهولين وراء عودة «ويست إند». وعلى مدار العام الماضي، فقد استحوذ الكثير من المسؤولين بمجال المسرح في بريطانيا على عناوين الأخبار بفضل جهودهم لدعم العاملين خلال فترة الجائحة.
ومن بين هؤلاء لويد ويبير الذي ضغط على الحكومة البريطانية مراراً للسماح بإعادة فتح دور المسرح، بل واستضاف تجربة إجازة الحكومة في يوليو (تموز) لإثبات أن إعادة فتح المسارح يمكن تنفيذها على نحو آمن. كما أنشأت فيبي والر بريدج، نجمة «فليباغ»، صندوقاً لدعم العاملين على نحو حر بمجال المسرح، وكذلك فعل المخرج سام مينديز.
أما بيرنز، فقد فعلت أمراً مختلفاً، ذلك أنها حاولت مراراً فتح دور المسرح الست التابعة لها مع التزام قواعد التباعد الاجتماعي وارتداء أقنعة حماية الوجه.
والآن، تخطط من جديد لفتح جميع المسارح التابعة لها، حيث من المقرر أن يبدأ عرض مسرحية «ستة» التي تدور حول زوجات الملك هنري الثامن على خشبة مسرح «ليريك»، أما مسرحية «الجميع يتحدثون عن جيمي» (إيفري بودي إز توكينغ أباوت جيمي)، وهو عرض مسرحي غنائي، فسيجري عرضه في مسرح «أبوللو».
وقد علقت بيرنز على ذلك بقولها: «لن نحقق أرباحاً، لكن يبقى هذا الوضع أفضل عن الإغلاق. وعلى الجانب الإنساني، نحن أفضل بمليون مرة اليوم».
وتستعين بيرنز في عملها بـ150 شخصاً لإدارة شؤون المسرح. وقالت: «أتحرق شوقاً لأول يوم لتسلم الراتب. لقد اضطروا للانتظار طويلاً من أجل هذا اليوم»، ثم سارعت للقول بعد أن أدركت أنها ربما خرقت القواعد بقولها: «آسفة! لكن هذا شعوري فحسب».
يذكر أن مسرحية «مصيدة الفئران» التي ظلت تعرض في «ويست إند» منذ عام 1952، من المقرر أن يعاد افتتاحها في 17 مايو (أيار)، لتصبح أول مسرحية يعاد افتتاحها هنا.
ومن ناحيتها، قضت هودسون هولت، التي تعمل في المسرحية منذ ما يقرب من 20 عاماً، الجزء الأكبر من العام الماضي بين جدران منزلها. وقالت: «كنا محظوظين، لأن الإدارة الكفء للغاية أبقتنا في إجازة مدفوعة الأجر»، ما يعني أن الحكومة سددت جزءاً كبيراً من راتبها. واستطردت قائلة: «لكن الأمر فيما يخص الكثير من العاملين على نحو حر ـ من مصممي ملابس وممثلين ـ كان مدمراً».
وسعياً نحو تقليل مخاطر فيروس «كورونا»، ستتولى مجموعتا عمل اليوم تبادل الأدوار الثمانية المتاحة بالمسرحية. ويسعى الموقع الإلكتروني للمسرح إلى الترويج لهذه الخطوة باعتبارها إجراءً ذكياً بمجال التسويق، ويحث الجمهور على مشاهدة أداء مجموعتي العمل من الممثلين. أما في الواقع، فهدف هذه الخطوة الاحترازية هو أنه في حال تعرض أحد أفراد المجموعة للإصابة، ستبقى هناك مجموعة بديلة ليستمر العمل.
وبسبب الاستعانة بأعداد إضافية من الممثلين، قضت هودسون هولت أيامها الأولى في العمل لشراء قبعات ومعاطف إضافية تكفي الجميع. من الجدير بالذكر أن متجر «ديبينهام» الذي تعتبره واحداً من أفضل مصادرها للحصول على ملابس عتيقة الطراز، قد أغلقت جميع فروعه.
كما تبدل الروتين اليومي لهودسون من جوانب أخرى، فبدلاً من الحصول على قياسات الجسد بنفسها، تحرص هذه الأيام على الاتصال بالممثلين لسؤالهم عما إذا كانت أوزانهم أو عضلاتهم زادت خلال فترة الحظر وسيحتاجون بالتالي لمقاسات أكبر.
ورغم تطبيق قاعدة عدم اللمس، فقد مرت بروفات ارتداء الملابس على النحو المخطط له. وقد نجحت هودسون في العثور على قبعة مناسبة لموس، التي تشارك حديثاً في دور ميس كيسويل، واحدة من القتلة المحتملين العالقين داخل أحد بيوت الضيافة الإنجليزية بعدما ضربت عاصفة ثلجية المنطقة.
* خدمة {نيويورك تايمز}


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».