{المؤثرون الاجتماعيون} في مملكة الحيوان

اكتشف الحوت الأحدب وسيلة لصيد أكبر قدر من الأسماك
اكتشف الحوت الأحدب وسيلة لصيد أكبر قدر من الأسماك
TT

{المؤثرون الاجتماعيون} في مملكة الحيوان

اكتشف الحوت الأحدب وسيلة لصيد أكبر قدر من الأسماك
اكتشف الحوت الأحدب وسيلة لصيد أكبر قدر من الأسماك

كان لجوليا أسلوبها الخاص والمميز، هكذا اتفق أصدقاؤها وعائلتها سوياً. وعندما، على نحو مفاجئ، بدأت الشمبانزي البالغة من العمر 18 عاماً بإدخال أوراق العشب الطويلة وحادة الأطراف في إحدى أذنيها أو في كلتيهما، ثم هي واصلت يومها على النحو المعتاد عارضة قطع الزينة العشبية للعالم من حولها، كانت حيوانات الشمبانزي الأخرى في «محمية شيمفونشي للحياة البرية» في زامبيا، مصابة بذهول واضح.
واندفعت أفراد الشمبانزي الأخرى، بعد فترة وجيزة للغاية، في تجربة نفس الأمر أيضاً: أولاً كان ابنها، ثم تبعته صديقتاها المقربتان، ثم صديقها الذكر المقرب منها، وبعد ذلك ثمانية إلى عشرة أفراد من حيوانات الشمبانزي في المجموعة الواحدة، وكلهم يكافحون في حضرة جوليا المؤثرة - وكاميرات التصوير المخفية - للحصول على المزيد من وصلات الأذن النباتية سواء بسواء، تماماً كما يقول الدكتور إدوين فان ليوين من جامعة أنتويرب البلجيكية، والذي يعكف على دراسة ثقافة عالم الحيوان: «كانت مشاهدة ذلك أمراً مضحكاً للغاية. لقد حاولوا تقليدها مراراً وتكراراً من دون أن ينجحوا. وضربت الرجفة أوصال أجسادهم جميعاً».
ولقد حاول فان ليوين الأمر بنفسه وأدرك السبب وراء تلك الرجفة التي أصابت الشمبانزي، إذ قال: «إن إدخال قطعة من العشب في الأذن لمسافة كافية تمنعها من السقوط ليس بالشعور اللطيف المحبب». ولكن بمجرد أن تمكنت حيوانات الشمبانزي من إتقان هذا الأسلوب، صارت تكررها جميعها كثيراً وبقدر واضح من الفخر، وتحول الأمر إلى ما يشبه الطقوس، من حيث التلاعب بالأعشاب الحادة المتدلية من الآذان للتأكد أن الآخرين قد نالهم الإعجاب من ذلك بصورة مُرضية.
توفيت جوليا منذ أكثر من عامين، ورغم ذلك تحولت ممارسة الأذن العشبية إلى ما يشبه التقليد - الذي نشأ بكل عفوية وتلقائية، ثم ذاع وانتشر عبر الشبكات الاجتماعية (الحيوانية) المختلفة حتى صار أقرب لصيحات الموضة الفجائية - بين أتباع جوليا في المحمية الطبيعية. يعد السلوك مجرد واحد من العديد من الأمثلة المفاجئة على ثقافة الحيوانات التي نجح الباحثون في اكتشافها مؤخراً، تماماً كما يعكس ذلك موجز حيوي في العدد الأخير من مجلة «ساينس» الأميركية.
كانت الثقافة ومجرياتها تعتبر في يوم من الأيام ملكية حصرية خاصة حاصلة على براءة اختراع بشرية خالصة: فنحن لدينا الفنون، والعلوم، والموسيقى، والتسوق عبر الإنترنت؛ لكن الحيوانات تتصرف بوازع الغريزة، وردود الفعل الانطباعية، والقوية، وربما الخطيرة في بعض الأحيان. بيد أن هذا التوجه الممانع إزاء العقول غير البشرية اتضح أنه توجه أكثر تضليلاً مع كل اكتشاف ينجح فيه العلماء مع الذكاء أو النزوات في مملكة الحيوان: فالثقافة، كما يدرك فحواها العديد من علماء الأحياء اليوم، صارت أكبر بكثير مما عليه أوضاع البشر الآن.
يقول البروفسور أندرو وايتن، عالم النفس وأستاذ علوم الأعصاب لدى جامعة سانت أندروز في أسكوتلندا، وهو مؤلف المراجعة العلمية في مجلة العلوم سالفة الذكر: «إن طرحنا تعريف الثقافة بأنها مجموعة من السلوكيات التي تشترك فيها مجموعة بعينها وتواصل الانتقال داخل نفس المجموعة بوسيلة التعلم الاجتماعي، فسوف نجد أن نفس التعريف ينسحب على مملكة الحيون الآن سواء بسواء. ويمكن ملاحظة ذلك لدى الرئيسيات، والحوتيات، وحتى الطيور والأسماك، وصرنا نلاحظها أيضاً حتى في عالم الحشرات الهائل».
وقال الدكتور هال وايتهيد، من جامعة دالهوزي في مدينة هاليفاكس الكندية، والذي يعكف على دراسة ثقافة الحيتان: «الثقافة عبارة عن آلية وراثية أخرى، على غرار الجينات. وهي من الوسائل المختلفة التي يمكن أن تتدفق بها المعلومات عبر جموع السكان».
بيد أنه لدراسة الثقافة أفضلية واضحة على دراسة الحمض النووي عندما يتعلق الأمر بفحص وتيرة واتجاه تدفق وانتشار المعلومات. وفي حين أن المعلومات المستمدة جينياً لا يمكن إلا أن تتحرك في اتجاه رأسي، من الأب نزولاً إلى النسل، فإن تدفق المعلومات الثقافية يتحرك عبر المسارين الرأسي والأفقي سواء بسواء: من الكبار إلى الشباب، ومن الصغار إلى الكبار، ومن الند إلى الند، إذ لا حاجة حقيقية لتوافر السلالات الرابطة فيما بينهم.
ومن ذلك نذكر المقولة الشائعة علمياً: «الجينات في انتشار، والثقافة في ارتفاع». وفي عام 1980. على سبيل المثال، اكتشف الحوت الأحدب أنه عندما يضرب الماء بذيله الضخم بشدة كافية، فإن جموع الأسماك الصغيرة التي يتغذى عليها تتدافع هاربة في تكتلات صغيرة مناسبة تماماً لسهولة التقاطه لها وتناولها عل الفور. وسرعان ما انتشر أسلوب الصيد المعزز المذكور، المعروف علمياً باسم «الصيد الذيلي المحسن»، على طول الخطوط الاجتماعية لمجموعات الحيتان الحدباء المعروفة، وذلك بمعاونة موهبة الحيتان المشاهدة في التقليد البهلواني بين أعضاء المجموعة الواحدة، كما لاحظ الباحثون. واليوم، صار أكثر من 600 حوت أحدب يمارس أسلوب «الصيد الذيلي المحسن». وقال السيد وايتن عن ذلك: «لن يكون الأمر على انتشاره الملحوظ لولا انتقاله وتشاركه اجتماعياً بين جموع الحيتان».
وعلى نحو مماثل، استعانت حيتان العنبر بوسيلة التعهيد الاجتماعي في خداع صيادي الحيتان. ففي دراسة حديثة تتعلق بفحص سجلات الحيتان منذ القرن التاسع عشر، خلص الدكتور وايتهيد ورفاقه أنه عندما شرع صيادو الحيتان في نيو إنغلاند في صيد مجموعة ساذجة من حيتان العنبر في منطقة شمال المحيط الهادي، كانوا بالأساس يصطادون الأسماك في برميل، ثم يجمعون غالونات هائلة لا حصر لها من زيت «ناطف الحوت» أو العنبر، المتركز في القبعة العلوية المميزة للجهاز الصوتي في جسد حوت العنبر.
لكن، في غضون ثلاث إلى خمس سنوات فقط من استمرار تلك الممارسة، وقبل وقت طويل من تسجيل تراجع ملحوظ في أعداد حيتان العنبر، انخفضت معدلات النجاح بأسلوب الصيد المذكور بنسبة بلغت 60 في المائة تقريباً.
يقول الدكتور وايتهيد: «كانت الحيتان تتعلم من بعضها بعضاً وبسرعة عالية أساليب المراوغة لتفادي الإصابة بحراب الصيادين الموجعة. النصيحة الأولى: البشر مختلفون تماماً عن الحوت القاتل عدوكم الأزلي اللدود، لذلك لا فائدة من أسلوب الدفاع الدائري القديم المستخدم في حماية أطفالنا. إذ إنه أسلوب يمنح صائدي الحيتان هدفاً يرمون حرابهم لاصطياده. النصيحة الثانية: اسبحوا عكس اتجاه التيار وبسرعة عالية، فالبشر يكرهون التجديف عكس التيار في المحيط، وسوف يتوقفون عن المطاردة سريعاً.
النصيحة الأخيرة: استعينوا بخبرات الماضي، وغوصوا لأعماق كبيرة، ثم اندفعوا من قلب المياه بسرعة عالية لتحطيم مراكب الصيادين وتحويلها إلى أشلاء».
هناك بعض الاختلافات بين القبائل الحيوانية هي التي تحمل الكثير من المعاني عند النظر إليها من زاوية ثقافية بحتة. كانت الدكتورة ليران ساموني، زميلة أبحاث ما بعد الدكتوراه في جامعة هارفارد تتابع رفقة زملائها مجموعتين متجاورتين من قرود البونوبو في جمهورية الكونغو الديمقراطية. إذ تتداخل المجالات الرئيسية للقرود الأشبه بالشمبانزي إلى حد كبير، وتتقابل قبائل البونوبو وتتمازج بصورة متكررة، وتعتني ببعضها بعضاً، وتواصل السفر والبحث عن الطعام سوياً، مع التوقف في كثير من الأحيان لممارسات اعتيادية لا يسعها التوقف عنها.
لكن، هناك فروقات واضحة بينها. ففي مرة أو مرتين كل شهر، يستكمل قردة البونوبو نظامهم الغذائي النباتي بتناول قدر من اللحوم، وعندما تتحول المجموعتان المذكورتان إلى آكلي اللحوم، فإنهما تبحثان عن فرائس مختلفة تماما. فإحدى المجموعات تبحث عن فرائس من القوارض، كمثل السنجاب الطائر، في حيت تلجأ المجموعة الأخرى إلى اصطياد الظباء صغيرة الحجم المسماة «ظباء الديكر».
تقول الدكتورة ساموني عن ذلك: «بصرف النظر تماماً عن أماكن وجودها، حتى عندما تكون المجموعة سوياً، فإنهم يحافظون على نفس السمات والأفضلية. فعندما يبدأ الصيد، فإن القرود تلتزم بمسار المجموعة التي تنتمي إليها: مجموعة الظباء تطارد الظباء، ومجموعة السناجب تطارد السناجب وليس العكس». وتشير الدكتورة ساموني أيضاً إلى أن «تخصيص الفريسة» يساعد إما في الإقلال من شدة المنافسة بين المجموعات، أو يؤدي لترسيخ الشعور بهوية الجماعة والفريق الواحد، ثم أضافت تقول أخيراً: «نفضل جميعاً الشعور بالانتماء إلى جماعة واحدة، وهذا الشعور يضرب بجذوره في أعماق النفس كمثل ما يضرب في أعماق التاريخ».

- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

علماء يحاولون كشف لغز الحوت الأندر في العالم

يوميات الشرق العلماء الدوليون ألكسندر ويرث (من اليسار) وجوي ريدنبرغ ومايكل دينك يدرسون حوتاً ذكراً ذا أسنان مجرفية قبل تشريحه في مركز إنفيرماي الزراعي «موسغيل» بالقرب من دنيدن بنيوزيلندا 2 ديسمبر 2024 (أ.ب)

علماء يحاولون كشف لغز الحوت الأندر في العالم

يجري علماء دراسة عن أندر حوت في العالم لم يتم رصد سوى سبعة من نوعه على الإطلاق، وتتمحور حول حوت مجرفي وصل نافقاً مؤخراً إلى أحد شواطئ نيوزيلندا.

«الشرق الأوسط» (ويلنغتون (نيوزيلندا))
يوميات الشرق صورة تعبيرية لديناصورين في  بداية العصر الجوراسي (أ.ب)

أمعاء الديناصورات تكشف كيفية هيمنتها على عالم الحيوانات

أظهرت دراسة حديثة أن عيَّنات من البراز والقيء وبقايا أطعمة متحجرة في أمعاء الديناصورات توفّر مؤشرات إلى كيفية هيمنة الديناصورات على عالم الحيوانات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق يشكو وحدة الحال (أدوب ستوك)

دلفين وحيد ببحر البلطيق يتكلَّم مع نفسه!

قال العلماء إنّ الأصوات التي يصدرها الدلفين «ديل» قد تكون «إشارات عاطفية» أو أصوات تؤدّي وظائف لا علاقة لها بالتواصل.

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن)
يوميات الشرق بإمكان الجميع بدء حياة أخرى (أ.ب)

شبل الأسد «سارة» أُجليت من لبنان إلى جنوب أفريقيا لحياة أفضل

بعد قضاء شهرين في شقّة صغيرة ببيروت مع جمعية للدفاع عن حقوق الحيوان، وصلت أنثى شبل الأسد إلى محمية للحيوانات البرّية بجنوب أفريقيا... هذه قصتها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
يوميات الشرق «مو دينغ» يُكثّف نجوميته (أ.ب)

أغنية رسمية بـ4 لغات لفرس النهر التايلاندي القزم «مو دينغ» (فيديو)

إذا لم تستطع رؤية فرس النهر التايلاندي القزم، «مو دينغ»، من كثب، فثمة الآن أغنية رسمية مميّزة له بعدما بات الحيوان المفضَّل لكثيرين على الإنترنت.

«الشرق الأوسط» (بانكوك)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».