خريطة طريق عالمية للقضاء على التهاب السحايا بحلول 2030

تطوير لقاحات جديدة رخيصة... وتحسين استراتيجيات الوقاية

طبيب يفحص أشعة الرأس لمصاب بالتهاب السحايا
طبيب يفحص أشعة الرأس لمصاب بالتهاب السحايا
TT

خريطة طريق عالمية للقضاء على التهاب السحايا بحلول 2030

طبيب يفحص أشعة الرأس لمصاب بالتهاب السحايا
طبيب يفحص أشعة الرأس لمصاب بالتهاب السحايا

يحتفل العالم في نهاية شهر أبريل (نيسان) من كل عام باليوم العالمي لالتهاب السحايا (World Meningitis Day) حيث يقوم اتحاد منظمات التهاب السحايا Confederation of Meningitis Organisations CoMO بتنظيم حملة توعوية ضد هذا المرض الذي يمكن أن يودي بحياة الإنسان بشكل مأساوي في أقل من 24 ساعة.
ولا يعرف الكثير من الناس عن المرض، ويمكن بسهولة الخلط بين أعراضه وأمراض أخرى مثل الأنفلونزا أو الملاريا أو حتى كوفيد - 19. ويؤدي التأخير في التشخيص والعلاج إلى قتل الأرواح وترك العديد من الأشخاص يعانون من آثار خطيرة تدوم مدى الحياة.
وتأمل منظمة الصحة العالمية هزيمة التهاب السحايا بحلول عام 2030 وفق خريطة طريق عالمية تنهي معاناة ملايين الأشخاص المصابين بالمرض.
مؤتمر طبي
بمناسبة اليوم العالمي لالتهاب السحايا، عقد خلال الأسبوع الماضي مؤتمر طبي تحت عنوان «التهاب السحايا – بي وأهمية التطعيم»، نظمته الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع بالتعاون مع الشريك الاستراتيجي للجمعية «ملتقى الخبرات FEXC» وبدعم من شركة جي إس كي (gsk) وبمساندة من شركة أو إم دي (OMD).
تحدث في المؤتمر عدد من الأطباء المتخصصين في هذا المجال مؤكدين على أنه رغم التقدم الكبير الذي تم إحرازه على مدار العقود القليلة الماضية، فلا يزال التهاب السحايا مرضًا يخشى منه في جميع أنحاء العالم مع ارتفاع معدل وفياته والميل إلى التسبب في الأوبئة التي تمثل تحديًا كبيرًا للأنظمة الصحية والاقتصادية والمجتمع. وقد تسبب التهاب السحايا في وفاة ما يقدر بنحو 290 ألف شخص في عام 2017، كما تسبب في إصابة واحد من كل خمسة أفراد مصابين بآثار مدمرة طويلة الأجل، وله عواقب وخيمة مع تأثير عاطفي واجتماعي واقتصادي كبير على الأفراد والأسر والمجتمعات.
مرض المكورات السحائية
تحدثت في المؤتمر الدكتورة رجاء الردادي أستاذ مساعد واستشاري الطب الوقائي رئيس قسم طب المجتمع في جامعة الملك عبد العزيز بجدة حول وبائيات مرض المكورات السحائية، وأوضحت أن التوزيع العالمي للمجموعات المصلية من النيسرية السحائية (Neisseria meningitides) متغير، ففي الأميركتين وأوروبا وأستراليا تعتبر المجموعات المصلية بي B، سي C، هي الأكثر شيوعًا، بينما تسبب المجموعة المصلية إيه (A) غالبية الأمراض في أفريقيا وآسيا. وفي بعض الأحيان يمكن أن تظهر المجموعات المصلية، وتزداد أهميتها في بلد أو منطقة معينة، مثل المجموعة المصلية سي (C) في الصين أو المجموعة المصلية واي (Y) في أميركا الشمالية.
> عالميا. أشارت نتائج دراسة وبائيات مرض المكورات السحائية الغازية (invasive) واستراتيجيات التطعيم في شمال أفريقيا، التي نشرت في المجلة العالمية للأمراض المعدية International Journal of Infectious Diseases (العدد 104، لعام 2021)، أنه رغم أن مرض المكورات السحائية الغازية يعتبر متوطنا في العديد من دول شمال أفريقيا ويتم الإبلاغ عنه إلا أن هناك أوجه قصور موجودة فيما يتعلق بترصد كل بلد واستراتيجيات التطعيم وفهم المرض. وقد أظهرت الدراسة أن التهاب السحايا البكتيري في شمال أفريقيا الناجم عن النيسرية السحائية يؤثر في الغالب على الأطفال الصغار (الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات)، وكانت المكورات السحائية من المجموعة المصلية بـ(Meningitis B) هي النمط المصلي الأكثر تحديدًا، حيث شكلت في المغرب 95 في المائة، في تونس 80 في المائة، في الجزائر 59 في المائة، في مصر 51 في المائة.
> خليجيا. وأظهرت نتائج دراسة نشرت في مجلة العدوى والصحة العامة Journal of Infection and Public Health حول الاتجاهات والاختلافات في وبائيات مرض المكورات السحائية في الكويت، مثلا، كدولة خليجية أن الاستخدام الروتيني للقاح متعدد السكاريد رباعي التكافؤ ACYW - 135 ضد التهاب السحايا نجح في تقليل العبء المرتبط بالمجموعة المصلية للمرض في الكويت، وكانت المجموعة بي هي المسبب الرئيسي للمرض بشكل عام وبين الأطفال حتى سن 14 عامًا (39 في المائة) بشكل خاص.
> محليا. وفي المملكة العربية السعودية، يزورها حوالي 5 ملايين حاج كل عام، ما يمثل تحديًا كبيرًا في تقديم الخدمات الصحية واحتواء الأمراض المعدية الناتجة عن هذا التجمع الجماهيري الكبير ومنها التهاب السحايا.
أجريت أكبر دراسة جماعية ميدانية أثناء الحج حول احتمالية تواجد النيسرية السحائية في منطقة البلعوم الأنفي بين الحجاج وتقييم الحاجة إلى العلاج الوقائي بإعطاء سيبروفلوكساسين ciprofloxacin. نشرت الدراسة في مجلة اللقاح (j.vaccine.2017). أظهرت النتائج أن نتيجة الاختبار كانت عند 3.4 في المائة من الحجاج إيجابية أي وجود جرثومة N. meningitides في البلعوم الأنفي، وكانت 66.7 في المائة منها من المجموعة المصلية ب. وأشارت النتائج أيضا إلى ضرورة إعادة النظر في استمرار استخدام سيبروفلوكساسين كمضاد حيوي وقائي بالإضافة إلى اعتبار إضافة المجموعة المصلية بي كتحصين مطلوب.
عليه، فإن مرض المكورات السحائية الغازية (Invasive) مرض خطير ولا يمكن التنبؤ به. وتعتبر المجموعة المصلية بي هي المجموعة المصلية الأكثر انتشارًا على مستوى العالم، وأيضا الأكثر شيوعًا في الدول العربية ودول الشرق الأوسط (شمال أفريقيا والكويت وتركيا)، وتعتبر أكثر شيوعًا وخطورة عند الرضع الذين تقل أعمارهم عن عام واحد. ويجب التخطيط لإجراءات وقائية خاصةً لموسمي الحج والعمرة.
الخدمات الوقائية
تؤكد الدكتورة رجاء الردادي على أهمية الرعاية الوقائية في إمكانية إنقاذ أكثر من 100000 حياة إضافية في كل عام إذا تلقى المزيد من الأشخاص الرعاية الوقائية الموصى بها، علما بأن عودة ظهور الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات تحدث في كثير من الأحيان بين الأفراد غير المطعمين عن قصد مما يعرض البالغين الشباب الذين لم يتم تلقيحهم لخطر مباشر للمرض.
وتنقسم الخدمات الوقائية إلى وقاية أولية، وقاية ثانية، وقاية من الدرجة الثالثة، وتتضمن الخدمات الوقائية السريرية التطعيمات، فحوصات المرض، والتدخلات الإرشادية السلوكية المقدمة للأفراد في جلسات سريرية بغرض الوقاية من المرض أو بدء العلاج المبكر للحالات التي لم تظهر بعد.
وتصنف الخدمات الوقائية وفقاً لتعريف الفوائد الصحية للخدمات الوقائية بالنسبة للأعباء التي يمكن الوقاية منها سريريًا، مثل المرض أو الإصابة أو الوفاة المبكرة التي يمكن منعها إذا تم تقديم الخدمة لجميع الأشخاص في المجموعة المستهدفة، ثم القيمة الاقتصادية وفعالية التكلفة بمقارنة صافي تكلفة الخدمة بفوائدها الصحية.
وتتلخص أهم الخدمات الوقائية السريرية في خمسة محاور، هي:
- التحصين. الاستشارة لمنع بدء التدخين بين الشباب. تشجيع الإقلاع عن التدخين بين البالغين. فحص سرطان القولون فحص ارتفاع ضغط الدم.
أعباء المرض
تحدث في المؤتمر الدكتور سامي عيد استشاري طب الأسرة والمشرف العام على مكتب الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع بجدة، حول أعباء مرض المكورات السحائية الغازية (Invasive Meningococcal Disease Burden). موضحا أنه يتم الإبلاغ عن إصابة أكثر من 1.2 مليون حالة سنويًا بالمرض في جميع أنحاء العالم، وأن معدلات الوفاة تتراوح ما بين 10 - 40 في المائة حسب الأعراض الإكلينيكية والموقع الجغرافي، وأن 10 - 15 في المائة من الأشخاص المصابين يموتون حتى مع إعطاء العلاج المناسب. وتظهر التهابات المكورات السحائية على شكل طيف من الأمراض السريرية المصحوبة بالتهاب السحايا (80 - 85 في المائة) من الحالات وتسمم الدم، وتشمل الأعراض الأقل شيوعًا الالتهاب الرئوي والتهاب التامور والتهاب المفاصل الإنتاني والتهاب الملتحمة والتهاب الإحليل. إن ما يصل إلى 20 في المائة من الناجين يعانون من عواقب خطيرة دائمة أو طويلة الأمد، بما في ذلك فقدان الأطراف، وفقدان السمع، والألم المزمن، وتندب الجلد، والعجز العصبي.
أما فئات الأشخاص الأكثر عرضة لخطر المرض، فهي:
- العمر: الرضيع أقل من عام، المراهقون والشباب.
- الاختلاط مع المصابين.
- عوامل في نمط الحياة: الازدحام في السكن، التدخين النشط والسلبي، نمط النوم غير المنتظم، الانتقال إلى مسكن جديد.
- الظروف المناعية/ القابلية الوراثية.
- السفر إلى المناطق الموبوءة.
والمضاعفات المميتة المحتملة لأمراض المكورات السحائية الشديدة تشتمل على: احتشاء دماغي - نوبات الصرع - زيادة الضغط داخل الجمجمة - فتق بالنسيج الدماغي - توقف القلب - فشل الجهاز التنفسي الأساسي - الحماض الأيضي - فشل الكلى - صدمة مستعصية وانهيار الدورة الدموية - التخثر المنتشر داخل الأوعية.
خريطة طريق عالمية
وافقت منظمة الصحة العالمية، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 (بالقرار WHA73.9)، على خريطة طريق عالمية لهزيمة التهاب السحايا بحلول عام 2030 برؤية شاملة «نحو عالم خال من التهاب السحايا»، وثلاثة أهداف ذات رؤية، هي:
- القضاء على أوبئة التهاب السحايا البكتيرية.
- خفض الحالات بنسبة 50 في المائة والوفيات بنسبة 70 في المائة باستخدام اللقاحات.
- الحد من الإعاقة وتحسين نوعية الحياة بعد التهاب السحايا.
وهناك خمس ركائز مترابطة في خارطة الطريق العالمية لهزيمة التهاب السحايا:
- تطوير لقاحات جديدة ميسورة التكلفة، وتحقيق تغطية تحصين عالية، وتحسين استراتيجيات الوقاية والاستجابة للأوبئة.
- التشخيص والعلاج الذي يركز على التأكيد السريع لالتهاب السحايا والإدارة المثلى.
- مراقبة المرض لتوجيه الوقاية والمكافحة.
- رعاية ودعم المصابين بالتهاب السحايا، والتركيز على التعرف المبكر وتحسين الوصول إلى الرعاية والدعم فيما يتعلق بالآثار اللاحقة.
- الدعوة لضمان الوعي العالي بالتهاب السحايا، ومراعاة خطط البلدان، وزيادة الحق في خدمات الوقاية والرعاية اللاحقة.
وفي حين أن خريطة الطريق الخاصة بهزيمة التهاب السحايا تتناول جميع أنواع المرض بغض النظر عن السبب، فإنها تركز بشكل أساسي على الأسباب الرئيسية لالتهاب السحايا البكتيري الحاد (المكورات السحائية meningococcus، المكورات الرئوية pneumococcus، المستدمية النزليةHaemophilus influenzae، المكورات العقدية من المجموعة بـgroup B streptococcus)، والتي كانت مسؤولة عن أكثر من 50 في المائة من 290.000 حالة وفاة من التهاب السحايا لجميع الأسباب في عام 2017، وسببت أمراضًا غازية أخرى مثل تعفن الدم والالتهاب الرئوي، والتي تتوفر ضدها لقاحات فعالة (ستكون في المستقبل القريب). وستكون النسخة النهائية من خريطة الطريق ستكون متاحة في شهر مايو (أيار) 2021.

حقائق عن التهاب السحايا

> التهاب السحايا يمكن أن يصيب الجميع ومن جميع الأعمار - ويمكن أن يكون قاتلاً في غضون ساعات قليلة.
> التهاب السحايا هو أحد الأسباب الرئيسية للإعاقة العصبية، والتي يمكن أن تستمر مدى الحياة.
> يمكن أن تحدث أوبئة التهاب السحايا بسرعة مع عواقب صحية واقتصادية واجتماعية خطيرة.
> التهاب السحايا حالة طبية طارئة ويجب معالجتها بسرعة.
> التطعيم ضد المكورات السحائية والمكورات الرئوية والمستدمية النزلية من النوع بي يحمي من الأسباب الشائعة لالتهاب السحايا. واللقاحات الجديدة ستنقذ المزيد من الأرواح خلال العقد القادم.
> خريطة الطريق العالمية لهزيمة التهاب السحايا بحلول عام 2030 تعالج هذه المشكلة إلى جانب الوقاية والتشخيص والعلاج.
> يمكن أن تشتمل الأعراض على ما يلي: تصلب الرقبة - حمى - حساسية للضوء - ارتباك ونعاس – صداع – قيء - طفح جلدي - نوبات صرع. لن تظهر كل هذه الأعراض على الجميع ويمكن أن تحدث بأي ترتيب – وعند الرضع (انتفاخ اليافوخ – التدلي وعدم الاستجابة).

* استشاري طب المجتمع


مقالات ذات صلة

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

صحتك مكملات «أوميغا 3» قد تبطئ سرطان البروستاتا (جامعة أكسفورد)

دراسة جديدة: «أوميغا 3» قد يكون مفتاح إبطاء سرطان البروستاتا

توصلت دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا إلى أن اتباع نظام غذائي منخفض في أحماض أوميغا 6 وغني بأحماض أوميغا 3 الدهنية، يمكن أن يبطئ سرطان البروستاتا.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
صحتك مرض ألزهايمر يؤدي ببطء إلى تآكل الذاكرة والمهارات الإدراكية (رويترز)

بينها الاكتئاب... 4 علامات تحذيرية تنذر بألزهايمر

يؤثر مرض ألزهايمر في المقام الأول على الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً، ولكن ليس من المبكر أبداً أن تكون على دراية بالعلامات التحذيرية لهذا الاضطراب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك 10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

10 نقاط حول توقف «فياغرا» عن العمل

وصل إلى بريد «استشارات» استفسار من أحد المرضى هو: «عمري فوق الستين، ولدي مرض السكري وارتفاع ضغط الدم. وتناولت (فياغرا) للتغلب على مشكلة ضعف الانتصاب.

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين
TT

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

الأطفال المصابون بـ«كوفيد الطويل الأمد» يتعافون في غضون عامين

مع بداية فصل الشتاء وزيادة احتمالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي واستمرار الحديث عن الأعراض المزمنة لمرض «كوفيد - 19» نُشرت أحدث وأطول دراسة طولية عن الأعراض الطويلة الأمد للمرض أجراها باحثون إنجليز في مستشفى غريت أورموند ستريت للأطفال Great Ormond Street Hospital for Children بالمملكة المتحدة بالتعاون مع عدة جامعات أخرى؛ مثل جامعة لندن ومانشستر وبريستول. وأكدت أن معظم الأطفال والمراهقين الذين تأكدت إصابتهم بأعراض كوفيد الطويل الأمد، تعافوا بشكل كامل في غضون 24 شهراً.

أعراض «كوفيد» المزمنة

بداية، فإن استخدام مصطلح (أعراض كوفيد الطويل الأمد) ظهر في فبراير (شباط) عام 2022. وتضمنت تلك الأعراض وجود أكثر من عرض واحد بشكل مزمن (مثل الإحساس بالتعب وصعوبة النوم وضيق التنفس أو الصداع)، إلى جانب مشاكل في الحركة مثل صعوبة تحريك طرف معين أو الإحساس بالألم في عضلات الساق ما يعيق ممارسة الأنشطة المعتادة، بجانب بعض الأعراض النفسية مثل الشعور المستمر بالقلق أو الحزن.

الدراسة التي نُشرت في نهاية شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي في مجلة Nature Communications Medicine أُجريت على ما يزيد قليلاً على 12 ألف طفل من الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً في الفترة من سبتمبر(أيلول) 2020 وحتى مارس (آذار) 2021، حيث طلب الباحثون من الأطفال الذين ثبتت إصابتهم، تذكر أعراضهم وقت إجراء اختبار «تفاعل البوليمراز المتسلسل» PCR المُشخص للكوفيد، ثم تكرر الطلب (تذكر الأعراض) مرة أخرى بعد مرور ستة و12 و24 شهراً.

تم تقسيم الأطفال إلى أربع مجموعات على مدار فترة 24 شهراً. وتضمنت المجموعة الأولى الأطفال الذين لم تثبت إصابتهم بفيروس الكوفيد، والمجموعة الثانية هم الذين كانت نتيجة اختبارهم سلبية في البداية، ولكن بعد ذلك كان نتيجة اختبارهم إيجابية (مؤكدة)، فيما تضمنت المجموعة الثالثة الذين كانت نتيجة اختبارهم مؤكدة في البداية، ولكن لم يصابوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً، وأخيراً المجموعة الرابعة التي شملت الذين كانت نتيجة اختبارهم مؤكدة في البداية ثم أصيبوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً.

قام الباحثون باستخدام مصطلح كوفيد الطويل الأمد عند فحص بيانات ما يقرب من ألف طفل من الذين تأكدت إصابتهم بالمرض ووجدوا بعد مرور عامين أن نحو 25 - 30 في المائة فقط من إجمالي المراهقين هم الذين لا يزالون يحتفظون بالأعراض المزمنة، بينما تم شفاء ما يزيد على 70 في المائة بشكل كامل. وكان المراهقون الأكبر سناً والأكثر حرماناً من الخدمات الطبية هم الأقل احتمالية للتعافي.

25 - 30 % فقط من المراهقين يظلون محتفظين بالأعراض المزمنة للمرض

استمرار إصابة الإناث

كان اللافت للنظر أن الإناث كن أكثر احتمالية بنحو الضعف لاستمرار أعراض كوفيد الطويل الأمد بعد 24 شهراً مقارنة بالذكور. وقال الباحثون إن زيادة نسبة الإناث ربما تكون بسبب الدورة الشهرية، خاصة أن بعض الأعراض التي استمرت مع المراهقات المصابات (مثل الصداع والتعب وآلام العضلات والأعراض النفسية والتوتر) تتشابه مع الأعراض التي تسبق حدوث الدورة الشهرية أو ما يسمى متلازمة «ما قبل الحيض» pre-menstrual syndrome.

ولاحظ الباحثون أيضاً أن أعلى معدل انتشار للأعراض الطويلة الأمد كان من نصيب المرضى الذين كانت نتائج اختباراتهم إيجابية في البداية، ثم أصيبوا بالعدوى مرة أخرى لاحقاً.

قال الباحثون إن نتائج الدراسة تُعد في غاية الأهمية في الوقت الحالي؛ لأن الغموض ما زال مستمراً حول الآثار التي تتركها الإصابة بالفيروس، وهل سوف تكون لها مضاعفات على المدى الطويل تؤدي إلى خلل في وظائف الأعضاء من عدمه؟

وتكمن أهمية الدراسة أيضاً في ضرورة معرفة الأسباب التي أدت إلى استمرار الأعراض في الأطفال الذين لم يتماثلوا للشفاء بشكل كامل ونسبتهم تصل إلى 30 في المائة من المصابين.

لاحظ الباحثون أيضاً اختلافاً كبيراً في الأعراض الملازمة لـ«كوفيد»، وعلى سبيل المثال هناك نسبة بلغت 35 في المائة من الأطفال الذين ثبتت إصابتهم في البداية، ثم أصيبوا مرة أخرى بعد ذلك، لم تظهر عليهم أي أعراض على الرغم من إصابتهم المؤكدة تبعاً للتحليل. وفي المقابل هناك نسبة بلغت 14 في المائة من المجموعة التي لم تظهر عليها أي أعراض إيجابية عانت من خمسة أعراض أو أكثر للمرض، ما يشير إلى عدم وضوح أعراض كوفيد الطويل الأمد.

هناك نسبة بلغت 7.2 في المائة فقط من المشاركين عانوا بشدة من الأعراض الطويلة الأمد (5 أعراض على الأقل) في كل النقط الزمنية للدراسة (كل ثلاثة أشهر وستة وعام وعامين)، حيث أبلغ هؤلاء المشاركون عن متوسط خمسة أعراض في أول 3 أشهر ثم خمسة في 6 أشهر ثم ستة أعراض في 12 شهراً ثم خمسة في 24 شهراً بعد الإصابة، ما يؤكد ضرورة تقديم الدعم الطبي المستمر لهؤلاء المرضى.

بالنسبة للتطعيم، لم تجد الدراسة فرقاً واضحاً في عدد الأعراض المبلغ عنها أو حدتها أو الحالة الصحية بشكل عام ونوعية الحياة بين المشاركين الذين تلقوا التطعيمات المختلفة وغير المطعمين في 24 شهراً. وقال الباحثون إن العديد من الأعراض المُبلغ عنها شائعة بالفعل بين المراهقين بغض النظر عن إصابتهم بفيروس «كورونا» ما يشير إلى احتمالية أن تكون هذه الأعراض ليست نتيجة للفيروس.

في النهاية أكد العلماء ضرورة إجراء المزيد من الدراسات الطولية لمعرفة آثار المرض على المدى البعيد، وكذلك معرفة العواقب الطبية للتطعيمات المختلفة وجدوى الاستمرار في تناولها خاصة في الفئات الأكثر عرضة للإصابة؛ أصحاب المناعة الضعيفة.

* استشاري طب الأطفال