قبل عام 2020 كان الكل يتذمر ويتحدث عن ضغوطات العمل المفروضة على الموضة، حيث كان المنتظر من المصممين طرح نحو 8 تشكيلات في السنة، عدا ضرورة وجودهم في الافتتاحات والمناسبات الترويجية. راف سيمونز مصمم دار «ديور» السابق قال بصراحة وجرأة إن أحد أسباب عدم تجديده عقده مع الدار الفرنسية الكبيرة، أن هذه الضغوطات لم تكن تفسح المجال لاختبار الأفكار الجديدة، مما كان يؤدي بالنتيجة إلى قلة الابتكار. أمثال راف سيمونز كُثر، وأغلبهم لم يكن يُفوت أي مناسبة للتذمر والقول إن أقصى ما يتوقون إليه هو الوقت الكافي للراحة والتفكير. حينها كان الوقت ترفاً. لكن بعد 2020، لم تعد لهم حُجة؛ فمن سخرية الأقدار أن جائحة «كورونا» وفرت لهم الوقت، كما تراجعت التزاماتهم لطرح تشكيلات جديدة في كل موسم لمواكبة متطلبات الأسواق العالمية. هذه الوقفة المفروضة عليهم كانت في صالح المستهلك أيضاً بالنظر إلى التشكيلات الأخيرة التي غازلوا بها منطقة الشرق بمناسبة شهر رمضان الفضيل. فهذا الشهر كان ولا يزال مناسبة ذهبية بالنسبة لهم لتعويض جزء من الخسارة الناتجة عن إغلاق المحال. ورغم أن البعض قد يقول إن شبح فيروس «كورونا» لا يزال حاضراً يُخيم على الأجواء ويفرض التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامة؛ الأمر الذي يعني أن حفلات الإفطار والسحور لم تعد كثيرة وتقتصر حالياً على الأهل وعدد قليل من الأصدقاء، فإن واقع الحال يقول أيضاً إن الكل يعاني من ضيق نفسي بسبب هذه القيود، وتسكنه رغبة قوية في استعادة طمأنينة زمان وحريته بأي شكل من الأشكال. وإذا كان تحسين المزاج والرفع من المعنويات يتطلب شراء الجديد؛ فلم لا؟
لهذا كان من البديهي أن يقرأ مصممون، من الشرق والغرب على حد سواء، هذه الرغبة ويلبوها بالتفنن في طرح المتميز من قفاطين وعباءات وحتى فساتين سهرة طويلة تتميز بالحشمة أملاً في تعويض ما فاتهم في 2020؛ العام الذي شهدت فيها مبيعاتهم انخفاضاً أصاب البعض منهم في مقتل. ما يُؤجج حماسهم هذا العام أكثر، أن توقعات السوق تشير إلى أن سوق رمضان في المملكة العربية السعودية والإمارات وحدهما تقدر بملياري دولار. وتشير الدراسات إلى أن الموضة والإلكترونيات تحديداً من بين الأكثر مبيعات في المنطقة. نسبة 48 في المائة ممن شملتهم الدراسة اعترفوا بأنهم مهتمون بشراء الأزياء والإكسسوارات ولن توقفهم الجائحة على التسوق من مواقع التسوق الإلكترونية.
الاستعداد للسباق الرمضاني بدأ منذ أشهر عدة؛ سواء من خلال تعاونات أو معارض. في شهر أبريل (نيسان) الماضي مثلاً، طرحت العلامة السعودية، «ليم» تشكيلة بعدد محدود في جميع متاجرها المنتشرة بالشرق الأوسط، وأيضاً عبر تطبيقها الإلكتروني في المملكة العربية السعودية. أكثر ما يُميزها عن العلامات العالمية التي تتنافس في هذا الشهر على اقتطاع نسبة من الربح، أناقتها التي ترتقي بمفهوم الأزياء المحتشمة إلى مستوى عال من دون أن تنسى ضرورة ضخها بلمسة عصرية مقابل أسعار تنافسية. ولأنها تعرف سوقها وتطلعات زبوناتها جيداً، جعلت الفرح والأمل العنوان العريض لهذه التشكيلة؛ فهي تزهو بألوان الربيع والصيف، وأيضاً بنقشات بالخط العربي مفعمة بالتفاؤل، تعاونت فيها مع الفنان السعودي شاكر. أما الأقمشة التي اعتمدت عليها لنسج هذه الصورة التي أرادتها أن تأتي مناسبة للبيئة العربية، فكانت ناعمة مثل الشيفون والقطن والجيرسيه، فضلاً عن التفاصيل المبتكرة التي تجسدت في الثنيات والكرات الملونة والشراشيب والنقشات الهندسية والضفائر.
وكالعادة لم تقتصر الأناقة الرمضانية على أبناء المنطقة، فمصممون عالميون دخلوا على الخط بعد أن باتوا يعرفون أهمية هذا الشهر لتحقيق الربح من جهة؛ وكسب ود المرأة العربية من جهة ثانية. «لورو بيانا» مثلاً طرحت مجموعة من القفاطين استلهمت ألوانها من صحرائها الدافئة وتطريزاتها من تراث شرقي محض. وحتى تُرسخ نكهتها الشرقية أكثر صورتها في دبي.
بيد أن ما يحسب للشركات العالمية هذا العام أنها أعطت المصممين العرب حقهم، إما بالتعاون معهم أو باحتضان أعمالهم في منصاتها مثل «فارفيتش»،
الذي طرح ما لا يقل عن 200 تصميم رمضاني كانت ثمرة تعاون مع 30 مصمماً من أوروبا وأميركا وأذربيجان ولبنان... وغيرها. مثل مجموعة «ليم»؛ غلبت عليها هي الأخرى الحشمة والأناقة الراقية الممزوجة بالراحة. لكن اللافت في الموقع أن اقتراحاته الرمضانية لا تقتصر على القفاطين أو الفساتين المستلهمة من العباءات، بل شملت أيضا التايورات المفصلة والأزياء المنزلية، على أساس أن هناك شريحة مهمة من النساء يرغبن في أزياء لا تتحدد بمنطقة معينة؛ بمعنى أزياء تتوفر على كل عناصر الحداثة والاحتشام على حد سواء. فهذه الشريحة من النساء تريد أن تستفيد من أزيائها في كل مكان وزمان، لا سيما أنها تُتقن تنسيقها معاً على شكل طبقات متعددة للحصول على مبتغاها من الحشمة والأناقة. المصممة اللبنانية ساندرا منصور، كانت واحدة من بين المصممين الذين تعاونوا مع «فارفيتش» هذا الشهر... تقول إن الأمر كان فرصة لتسليط الضوء على جمال العباءة بصفتها قطعة «ترمز إلى الأناقة كما إلى الثقافة العربية في أجمل أشكالها». ولكي تعطي العباءة حقها، كما تقول، استعملت في هذه المجموعة المحدودة «أقمشة خفيفة وناعمة مثل كريب الساتان» ساعدتها على خلق خطوط عصرية ومنسدلة. وتضيف أنه كان مهماً بالنسبة لها أن تتمكن المرأة من استعمال كل قطعة في أي مكان وزمان، وفي كل مرة ترتديها فيها تمنحها شعوراً بالثقة والراحة.
يذكر أن موقع «فارفيتش» لم يكن الوحيد الذي استأثر بفكرة التعاون مع مصممين عرب وعالميين، فقد دخلت اللعبة مواقع أخرى لا تقل أهمية، مثل «نيت أبورتيه» و«ماتشز فاشن». هذا الأخير تعاون مع كثير من المصممين العرب أو مقيمين في المنطقة مثل «تولر مارمو»، الذي قدم 7 قطع رمضانية، كذلك دعاء الغوثي مؤسسة علامة «أناتومي»... وغيرهما من المصممين العالميين.
أزياء رمضان... مناسبة ذهبية تبنى فيها الغرب ثقافة الشرق
جائحة «كورونا» قيدت الحركة ووفرت الوقت الكافي للإبداع
أزياء رمضان... مناسبة ذهبية تبنى فيها الغرب ثقافة الشرق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة