كيف غيّر العمل من المنزل خزانات ملابس العالم؟

فرانشيكا زاني ممثلة ومخرجة إيطالية
فرانشيكا زاني ممثلة ومخرجة إيطالية
TT

كيف غيّر العمل من المنزل خزانات ملابس العالم؟

فرانشيكا زاني ممثلة ومخرجة إيطالية
فرانشيكا زاني ممثلة ومخرجة إيطالية

هل غيرت شهور من العزلة الذاتية، وقرارات الإغلاق، والعمل من المنزل مما سوف نرتديه من ملابس بمجرد الخروج إلى الحياة الطبيعية مرة أخرى؟ كانت الفرضية إيجابية لفترة طويلة من الوقت. أما الآن، ومع البدء في التخفيف من القيود، والعودة إلى الأعمال، والسفر، فإن مثل هذه المجريات باتت أشبه بالتوقعات شبه المرجحة. غير أن تجارب كل دولة تختلف عن الأخرى في هذه النقطة، كما سوف تختلف نوعية الملابس التي هيمنت على خزائن الناس في كل مكان. وقبل أن نتمكن من التنبؤ بما هو آتٍ، فإننا في حاجة إلى فهم ما كان يحدث.

إيطاليا
تتفق تقارير مبيعات التجزئة، ومجلات الموضة والأزياء، مع الروايات الشخصية على ما يلي: مع العمل من المنزل خلال العام الماضي، وجدت نساء كثيرات في إيطاليا عزاءهن في الحياكة. وكان أولئك الذين يستطيعون تحمل التكلفة يفضلون الحياكة من صوف الكشمير، وهو النوع الذي أطلقت عليه مجلة «فوغ» الإيطالية اسم: «النسخة الفاخرة من الملابس المنزلية ذات القطعتين».
يقول فابيو بيتريللا، رئيس «كونفارتتيغياناتو مودا»، وهي فرع الموضة في رابطة الحرفيين والشركات الصغيرة: «بينما تشير اتجاهات المستهلكين إلى التحول من نظرة الأعمال المريحة، فإنها ليست مريحة للغاية. لقد تجنبت النساء الإيطاليات ارتداء الملابس الرياضية بسبب ملابس التريكو عالية الجودة التي تضمن حرية الحركة ولكن مع الحد الأدنى من الأناقة».
عكس استطلاع للرأي اشتمل على عينة عشوائية من النساء العاملات، أغلبهن من فئة الأربعينات والخمسينات من العمر، أن كثيراً منهن استمررن في ارتداء ملابس الخروج كما لو كن يخرجن إلى العمل في المكاتب، حتى مع تفضيل الراحة المنزلية على أي اعتبار آخر.
وقالت إحدى النساء إنها قد حرصت على ارتداء ملابس الخروج والذهاب كل صباح إلى مقهى صغير لتناول قدح من القهوة قبل الجلوس إلى مكتبها لمواصلة العمل. وقالت امرأة أخرى إنها كانت ترتدي ملابس الخروج كما كانت في أوقات ما قبل انتشار الوباء لتكون مثالاً حياً أمام أولادها المراهقين، الذين توقفوا تماماً عن الاستحمام (كما تقول مازحة) بعد شهور من مواصلة التعلم عن بُعد في المنزل.
تقول أستريد ديريديتا، وهي مستشارة ثقافية ووالدة لطفل جديد، إنها تخلت عن ارتداء البيجاما حتى أثناء ما كانت حاملاً في وليدها، وتخيرت ارتداء الملابس المنزلية غير الرسمية وإنما بصورة متناسقة أنيقة. كما حظيت البيجاما والسترة المنزلية بإعجاب من سيمونا كابوكاشيا، وهي مصممة الغرافيك التي تعمل من المنزل منذ شهر مارس (آذار) الماضي، والتي قالت: «إن ارتداء ملابس الخروج للعمل من المنزل يثير إعجابي وتشجيعي كثيراً».
كما يمكن لميلينا غامايتوني، الأستاذة في جامعة روما تري الرئيسية، قضاء عدة أيام كاملة على حاسوبها الشخصي، ما بين مختلف اجتماعات الأقسام عبر تطبيق «زووم» المرئي، وغير ذلك من دروسها مع الطلاب (الذين تطلب منهم عدم ارتداء ملابس المنزل أثناء تلقي المحاضرات عبر الإنترنت)، ولكنها لا تزال ترتدي ملابسها كما كانت تفعل قبل انتشار الوباء، مع سترة أنيقة ملونة تعلو بنطال كاجوال لطيفاً. وقالت وهي تغالب الضحك: «لقد بدأت مؤخراً في استعمال عطوري الخاصة، أشعر بأنني ملتاعة تماماً».
تقول الممثلة والمخرجة فرانشيسكا زاني، التي عملت في تصوير فيلم وثائقي حول المرأة الإيطالية في زمن الإغلاق العام، إن إحدى نساء الفيلم أصرت على الاستمرار في ارتداء الكعب العالي خلال اجتماعات «زووم» المرئية على الرغم من أن أحداً لن يتمكن قط من رؤية حذائها أثناء الاجتماع. في حين أصرت امرأة أخرى على ارتداء ملابس السهرة في المنزل، وكانت تختار لوناً مختلفاً في كل ليلة. وأضافت تقول: «غير أن ذلك لم يستمر لفترة طويلة، لقد سئم زوجها من ذلك».
يقول بيتريللا إن إحدى الدراسات قد خلصت إلى أن النساء الإيطاليات قد اخترن ارتداء ملابس العمل داخل المنزل كنوع من إقامة جدار نفسي لعزل أنفسهن بدرجة من الدرجات عن بقية أفراد الأسرة. وأضاف أيضاً يقول: «ارتداء ملابس العمل داخل المنزل يبعث برسالة مفادها أن الأم لم تغادر المنزل بعد، وأنها تواصل العمل. ولذلك، فإن الاحتياج المستمر للأم في تغطية كل الأعمال والأعباء المنزلية ليس على النحو المفهوم، نظراً لأنها تواصل العمل من المنزل وليست متفرغة. ومن ثم، فإنها قد تبنت نظرة تعكس لأفراد الأسرة الآخرين أنها مستمرة في العمل فعلاً».

الهند
تخير العاملون المهنيون من فئة الثلاثينات والأربعينات من أعمارهم الراحة على الأناقة خلال العام الماضي. وجرت الاستعاضة عن الملابس الرسمية بأخرى رياضية، كما استبدلت بالأحذية النعال الخفيفة (تماماً كما الحال في كثير من الثقافات الآسيوية الأخرى، لا يرتدي أغلب المواطنين الهنود النعال داخل المنازل)، ويتم ارتداء القمصان الرسمية أثناء المحادثات المرئية مع سراويل البيجامات، أو السراويل الرياضية، أو الشورتات القصيرة في الأسفل.
وواجهت الهند في الفترة الأخيرة واحدة من من أكثر حالات الإغلاق العام صرامة على مستوى العالم بين 25 مارس (آذار) لعام 2020 وحتى نهاية مايو (أيار) من العام نفسه، وكان التسوق مسموحاً به لتغطية الاحتياجات الأساسية فقط من البقالة أو الأدوية ليس إلا. حتى خدمات مبيعات التجزئة عبر الإنترنت قد توقفت تماماً عن توفير العناصر الأساسية لطلبات المنازل. ونتيجة لذلك، تراجعت مبيعات الملابس في البلاد بنسبة بلغت 30 في المائة عن العام الماضي، وذلك وفقاً لتقرير مشترك صادر عن مجموعة بوسطن الاستشارية رفقة رابطة تجار التجزئة في الهند.
ومع أن حالات العدوى كانت منخفضة إلى درجة ما أثناء فصل الشتاء، فإن الأسابيع القليلة الماضية قد شهدت ارتفاعاً مطرداً في حالات الإصابة إلى مستويات مذهلة في غير جزء من أجزاء البلاد. وفي الآونة الراهنة، يبدو أن مزيداً من الاشخاص سوف يواصلون العمل من المنزل لأغلب شهور عام 2021 الجاري.
أما بالنسبة إلى ريتو غوراي، التي تدير شبكة للأمهات في مومباي، الأمر الذي يعني أنها نادراً ما تخرج للتسوق، وبدلاً من ذلك تستعين بالإكسسوارات من شاكلة الأوشحة، والمجوهرات، والنظارات في إضفاء لمسة جمالية لطيفة على مظهرها الخارجي، حتى تحافظ على أناقتها كامرأة.
وبالنسبة إلى ساتشي بهاتيا، المعلمة بالمرحلة الابتدائية، كان الأمر يعني استبدال السراويل الطويلة (الكورتا باللغة الهندية) والبلوزات الرسمية بالقفاطين والسراويل المنزلية. وحتى تتمكن من تشجيع فصلها الدراسي المكون من 30 طفلاً على ارتداء الملابس في الصباح عوضاً عن حضور الدروس بملابس المنزل السهلة، تحرص بهاتيا على أن تبدو أكثر أناقة، مع التأكد من تمشيط شعرها الطويل بصورة سليمة.
أما راناجيت موخيرجي، العضو في حزب المؤتمر الوطني الهندي المعارض، فالعمل من المنزل، بالنسبة له، بدلاً من السفر المتواصل إلى مختلف الدوائرة الانتخابية كان يعني استبداله اللازم لأزيائه السياسية الرسمية - سترة كورتا البيضاء الطويلة التي تستخدم في تمييز أعضاء الحزب عن عمال الشركات، مع سترة نهرو المعروفة المستخدمة في الفعاليات الرسمية، بملابس أخرى تتمثل في القمصان القصيرة والسراويل العادية. وأغلب زملاء موخيرجي كانوا يفعلون الشيء نفسه كما قال.

فرنسا
استرسل شعر ناتالي لوكاس بأناقة واضحة على قميصها الأسود المنتفخ بطيات السترة الكبيرة. وتدلت سلسلة فضية سميكة أسفل عنقها، مع أحمر الشفاة اللامع الذي عكس لمحة من اللون البراق، وتحت الخصر كانت ترتدي سروالاً رياضياً مريحاً بلون أسود أيضاً، وقالت: «إنه من متجر فرانكي، تماماً مثل القميص والقلادة». وأضافت السيدة التي كانت تعمل مديرة للتسويق لدى متجر أو برينتامب: «إنني حافية القدمين تماماً. إن العمل عن بُعد من المنزل قد غير من عاداتنا بكل تأكيد».
تقول مانون رينو، الخبيرة في علم اجتماع الموضة: «إن اجتماعات (زووم) المرئية أمر يثير القلق لدى الفرنسيين بصفة خاصة، لا سيما سكان باريس الذين يشعرون بأنهم يمثلون واجهة الأناقة في البلاد وفي العالم». وعلى الرغم من أن بعضاً منهم اطلع على حالة القلق التي اعترت صحيفة (لو فيغارو مدام) الأسبوعية المحافظة بشأن ما إذا كانت عادة ارتداء الملابس المنزلية سوف تجر الموضة الفرنسية إلى حالة من الفوضى العارمة، أم لا، تشير المقابلات مع مجموعة من أهل باريس إلى أنهم تمكنوا من الوصول إلى حل وسط من نوع ما.
عندما عاد خافيير روماتيه، عميد المعهد الفرنسي للموضة وهو مدرسة الأزياء الأولى في فرنسا، إلى العمل، لم يكن يرتدي البدلة الرسمية، وإنما مجرد قميص أبيض اللون تحت سترة من الكشمير الأزرق وسروال رياضي بلون البيج، مثلما كان يرتدي في المنزل. وانتعل زوج من الأحذية الرياضية من ماركة فيجا العلامة التجارية الفرنسية المعروفة بصداقتها للبيئة.
على نحو مماثل، كانت آن لوم، مديرة الابتكار في شركة سان لويس، العلامة التجارية المعروفة لأدوات المائدة الفاخرة، ترتدي الملابس نفسها سواء كانت تعمل عن بُعد أو تمارس حياتها الشخصية العادية بعيداً عن العمل. وكان مظهرها المفضل يتألف من معطف من الكشمير بلون الجمال، من تصميم الصديق لورانس كودورييه، مع سروال فضفاض من الحرير بلون البرقوق الداكن. فضلاً عن أحمر الشفاه، وأقراط الأذن، مع أربعة خواتم سواحيلية اشترتها من رحلة إلى كينيا.
ومن جانبه، صمم تيري ميليه، الرئيس التنفيذي لشركة أوشوت، وهي منصة إنتاج الأصول المرئية، ملابس خاصة بالعمل من المنزل تحتوي على ملابس العمل القديمة من الأعلى وحتى مستوى الخصر - القمصان الزرقاء الفاتحة أو البيضاء التي يبتاعها من إميل لافوري، أو من الإنترنت من موقع شارل تيرويت، مع سترة ذات ياقة مستديرة إن كان الطقس يميل للبرودة، ومن الخصر حتى الأسفل عبارة عن سروال من القماش المرن.
تقول صوفي فونتانيل، الكاتبة والمحررة السابقة للموضة والأزياء في مجلة «إل»: «غالباً ما أقضي معظم وقتي في المنزل بلا نعال، رغم أنني أرتدي فستاناً رائعاً للغاية في الوقت نفسه».
* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».