جيرالد دارمانان: الإسلاموية حصان طروادة المفجِّر للمجتمع الفرنسي

وزير الداخلية يدعو إلى «التعبئة العامة» للدفاع عن «الجمهورية» في كتابه الأخير

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

جيرالد دارمانان: الإسلاموية حصان طروادة المفجِّر للمجتمع الفرنسي

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

صوَّت مجلس الشيوخ الفرنسي، يوم الجمعة الماضي، على مشروع القانون المسمى «تعزيز مبادئ الجمهورية»، والمعروف بقانون «محاربة الانفصالية الإسلاموية»، بعد أن تم إقراره في قراءة أولى بمجلس النواب. وسيذهب المشروع مجدداً إلى مجلس النواب، لتُشكَّل لاحقاً لجنة للتوفيق بين القراءتين.
ولا شك في أن مشروع القانون سيقر، باعتبار أن الحكومة تتمتع بالأكثرية في مجلس النواب الذي له الكلمة الفصل.
وترفض الحكومة الفرنسية اعتبار مشروع القانون موجهاً ضد المسلمين، وتقول إنه موجه فقط ضد التطرف والراديكالية، أو ما تسميه «الانفصالية»، التي لا تعني الانفصالية الجغرافية، بل انغلاق جماعة أو طائفة أو جالية على نفسها وابتعادها عن القيم والممارسات العلمانية التي يتبناها المجتمع الفرنسي، وسعيها إلى فرض قيم وممارسات أخرى خاصة.
وفي مداخلته أمام مجلس الشيوخ، يوم الثلاثاء الماضي، وصف وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان المشروع المذكور بـ«المتشدد»، وأن غايته «جبه الذين يسعون لاستخدام الدين وسيلة للسيطرة على جاليتهم (أي الجالية المسلمة) الموجودة على الأراضي الفرنسية، من خلال اللجوء إلى القوة الناعمة»، أي الهيمنة الآيديولوجية، ونشر قراءة متشددة للدين الإسلامي لا تتلاءم مع المتعارف عليه والمقبول في المجتمع الفرنسي.
ومنذ أن عينه الرئيس إيمانويل ماكرون وزيراً للداخلية وشؤون العبادة في حكومة جان كاستيكس، في شهر يوليو (تموز) من العام الماضي، برز دارمانان كأحد أكثر الوزراء تشدداً في الملف الإسلامي. فهذا المسؤول جاء من اليمين، وكان مديراً لحملة الرئيس اليميني الأسبق نيكولا ساركوزي الانتخابية في عام 2017، ويعد أحد الأعمدة التي يتوكأ عليها ماكرون لاجتذاب الناخب اليميني في المنافسة الرئاسية التي سيحل موعدها في شهر مايو (أيار) من العام المقبل.
وتفيد غالبية استطلاعات الرأي بأن ماكرون سيواجه في الدورة الانتخابية الثانية، كما في عام 2017، مارين لوبان، زعيمة حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف. من هنا «فائدة» دارمانان، الذي يريد أن يكون قانون الانفصالية مربوطاً باسمه بشكل وثيق.
لا يجد وزير الداخلية حرجاً في اتباع نهج متشدد إزاء الإسلام السياسي، الذي يفضي إلى التطرف الإسلاموي. كما أنه لا يخاف من اتهامه بمعاداة الإسلام. فالرجل فخور بأن الدم العربي - المسلم يسري في عروقه. فاسمه الكامل جيرالد موسى دارمانان، وجده لوالدته موسى أواكيد كان جندياً في الجيش الفرنسي في المغرب، وحارب في صفوفه إبان الحرب العالمية الثانية، ووصل إلى رتبة رقيب ومعاون. وكان دارمانان قريباً منه، وهو يحمل اسمه احتراماً وتيمناً.
وفي رده على استجواب أحد النواب في الجمعية الوطنية، الذي اتهمه بمعاداة الإسلام والترويج لصور وكليشيهات مبتذلة، قال دارمانان: «جدي كان يأتي كثيراً على ذكر الله، وكان في الوقت عينه يرتدي ثياب الجيش الفرنسي. اسمي جيرالد، واسمي الثاني موسى، وبفضل رئيس الجمهورية وكل الذين رافقوني، أشعر بالفخر في أن أكون وزيراً في الجمهورية الفرنسية». وأعقب ذلك بتغريدة كتب فيها: «إنه لشرف كبير لي، أنا حفيد مهاجر، أن أعيّن وزيراً للداخلية».
ليس جديداً طرح ملف الإسلام وموقعه في المجتمع الفرنسي، ومدى تلاؤم قيمه مع قيم العلمانية والتحرر وفصل الدين عن الدولة، ومع مفهوم «الاندماج» أو «الانصهار» للوافدين الذي يتبناه النموذج الفرنسي، بعكس النموذج الأنغلو - ساكسوني. ومع تواتر العمليات الإرهابية الإسلاموية التي ضربت فرنسا منذ بداية عام 2015 وأوقعت 263 قتيلاً ومئات الجرحى، عاد هذا الملف ليُطرح بقوة، فيما سعى اليمين المتطرف وبعض اليمين الكلاسيكي لتجييره في المعارك السياسية الداخلية. من هنا، سعى ماكرون لإيجاد ضوابط، فدفع من جهة المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية إلى تبني «شرعة مبادئ الجمهورية» التي ستصبح مدونة سلوك، ومن جهة أخرى بلورت الحكومة مشروع قانون تغير اسمه من قانون «محاربة الانفصالية الإسلاموية» إلى قانون «تعزيز مبادئ الجمهورية»، الذي يسلك طريقه التشريعية، مروراً بمجلس النواب فمجلس الشيوخ، على أن يتم التوفيق بين القراءتين قبل أن يتحول إلى قانون تنفيذي.
من هنا أهمية كتاب دارمانان الصادر حديثاً تحت عنوان: «الانفصالية الإسلاموية، دفاعاً عن العلمانية»، الذي يراد منه توفير الحجج والإطار النظري للمشروع الحكومي. وتجدر الإشارة إلى أن ماكرون كان أول من استخدم مفهوم «الانفصالية الإسلاموية»، وبعده شاع تداوله بين أطراف الحكومة واليمين واليسار.

- الإسلامية والإرهاب
الكتاب الصادر عن دار «لوبسرفاتوار» يقع في خمسة فصول مع مقدمة وخلاصة. ويتبين للقارئ منذ الصفحات الأولى للكتاب أن المؤلف لا تخامره أي شكوك لجهة قناعاته المترسخة، ولا تسكنه تساؤلات، بل لديه يقين متجذر بشأن القضية التي يضعها على مشرحته، وهي الإسلاموية التي يرى فيها «أقوى آيديولوجيا في عالمنا المعاصر، إذ إنها صادرت كلام الإسلام وسخرت الدين... وانسلت إلى خلايا المجتمع الفرنسي لتحاربه ثم لتنفصل عنه». ويضيف الكاتب: «هكذا، يجد ملايين المسلمين أنفسهم رهائن بأيدي مناضلين سياسيين إسلاميين. وهكذا، نجد أن المجتمع تتم مهاجمته من قبل عدو يُدين ويُهين ويَدس الدسائس بحق من يحاربه». لذا، يدعو الكاتب إلى «التعبئة العامة» للدفاع عن «الجمهورية» التي يجب أن تبقى «المِصهَر الذي يدمج الوافدين ويوفر سبل التقدم».
وكتاب دارمانان له غاية واحدة: «إنارة القارئ حول الوضع الملح والطارئ الذي تعرفه فرنسا، وتعيين العدو: الإسلاموية»، التي تتبع منهج «التقية» لتنفيذ «استراتيجيتها». ووفق ما يؤكده، فإنها «تتسرب إلى المجتمع للفصل بين هدفها (الجالية المسلمة) والمجتمع الوطني، لتبث قيماً ومعايير وأنماط تصرف خاصة بها، تريد فرضها على مؤسساتنا».
ويذهب دارمانان أبعد من ذلك، بتأكيد أن «الفرق بين الإسلاموية والإرهاب ليس في طبيعة الحركتين، بل في درجة (التطرف)، وأن الإسلاموية هي البيئة الخصبة التي ينمو فيها الإرهاب».
لكن وزير الداخلية يسارع لوأد أي عملية خلط، بتأكيده أن التنديد بالإسلاموية لا يتعين أن يقود إلى مسخ الإسلام، ثاني الديانات في فرنسا، وهو يرى أنه عندما ينجح الإسلام في فرنسا في التغلب على مشاكله التنظيمية، فإنه سيجد مكانه الطبيعي داخل الأسرة الفرنسية. وحل هذه الإشكالية من مسؤولية المسلمين أنفسهم. إلا أن للدولة الحق في منع الممارسات التي لا تتوافق مع روحية قانون عام 1905، الذي أرسى العلمانية والفصل بين الدين والدولة، ويتيعن على الجميع احترامهما.
ويرسم الكاتب في الفصل الأول المسار الذي سلكته فرنسا منذ مئات السنين للوصول أخيراً إلى تبني مبدأ العلمانية، الذي يتكىء إلى ثلاثة أسس: حياد الدولة، وحرية الاعتقاد وممارسة الديانة المختارة، وأخيراً التعددية الدينية. فالعلمانية تحمي كل الديانات والمعتقدات، ما دام أن معتنقيها يحترمون النظام العام، أي سلطة الدولة.
إلا أن مبدأ «المواطنة» يتخطى، وفق الكاتب الانتماءات الدينية، ما يعني عملياً أن العلمانية تضمن حياد الدولة والتعددية وانتفاء التمييز بين الأفراد، مهما تكن معتقداتهم.
وخلال العقود التي انقضت منذ تبني هذا المبدأ، لم تجد الأديان صعوبة في التعايش والتآلف معه، والنمو والتطور، أكانت مسيحية أم يهودية أم إسلامية أم بوذية. ومنذ عام 1905، المعتقد في فرنسا حق فردي تحميه الدولة وتسمح بممارسته، ولكن لا أحد مُتاح له أن يستقوي بديانته للحصول على حقوق خاصة. وبالمقابل، لا يُسمح بأن تتمايز معاملة فرد من الأفراد بسبب ديانته، كما أنه لا دين للدولة.
وبعد مرتبة «المفهوم»، ترجمت العلمانية إلى قوانين، ودخلت إلى الدستور، بحيث إن القوانين الفرنسية تكرس الحرية الدينية وحرية العبادة وتعددية المعتقدات. وكدليل على حيادية الدولة، فإن القانون يمنعها، منذ عام 1905، من تمويل الأديان، لأن التمويل يعني التدخل، وبالتالي القضاء على الحيادية. كذلك يتعين على الموظفين الحكوميين أن يلتزموا الحيادية المطلقة.
بين فرنسا والإسلام تاريخ قديم، يعود إلى وصول الإسلام إلى إسبانيا، وتمدده من هناك إلى جنوب ووسط فرنسا (معركة بواتيه عام 732 بين شارل مارتيل وعبد الرحمن الداخل) ثم الحروب الصليبية، وما شهده البحر الأبيض المتوسط طيلة مئات السنين من مبادلات تجارية وثقافية، ووصول العثمانيين إلى فيينا، وأخيراً التمدد الفرنسي الاستعماري في المغرب العربي وأفريقيا في القرن التاسع عشر، وما تبعه في القرن العشرين من حركات تحررية.
والسمة البارزة للإسلام الفرنسي، بحسب المؤلف، أنه أصبح دين المهاجرين منذ ثلاثينات القرن الماضي، بعد أن كان دين المستعمرين. وحالياً، وبغياب إحصائيات دقيقة، يتراوح عدد المسلمين في فرنسا ما بين 3.5 و5 ملايين نسمة، بينهم نحو مليون نسمة من المتديِّنين، ونحو مائة ألف من المعتنقين الجدد.
ويرى دارمانان أن إسلام فرنسا يعاني من أربعة تحديات رئيسية: تدخل دول «المصدر» في شؤون المسلمين، إن لناحية التمويل أو التنظيم، وتحديداً تركيا ودول المغرب الثلاث (الجزائر والمغرب وتونس). والثاني صعوبة توافر أئمة يعرفون الثقافة الفرنسية وقوانين البلاد وروحيتها، والثالث غياب وحدة التنظيم، ما يجعل الحوار بين الدولة والمسلمين صعباً، بعكس الحال مع الكاثوليك واليهود. والتحدي الأخير يمكن أقلية نشطة وفاعلة من مصادرة النطق باسم المسلمين، الأمر الذي يؤسف له ويفتح الباب لتغلغل الفكر المتطرف، أو بروزه بقوة على حساب المسلمين الراغبين في الاندماج، الذين يتبنون إسلاماً منفتحاً وسطياً بعيداً عن العنف وخطاب الكراهية.

- مدرستان وآيديولوجية واحدة
ويشدد الكاتب، في الفصل الرابع، على التمييز بين الإسلام والإسلاموية. إلا أن الأخيرة تستفيد من وسائل التواصل الاجتماعي لتبث قراءة متشددة للإسلام ولما تسميها الممارسات الإسلامية المتوافقة مع الديانة، عن طريق الفتاوى التي تصدر من هنا وهناك، وتتناول كل مناحي الحياة اليومية.
ويميز دارمانان بين مدرستين؛ الأولى تتشكل من «الإخوان المسلمين» وتتبنى آيديولوجيا رفض الغرب وحداثته والهيمنة على الجاليات المسلمة في الغرب، لإبقائها داخل قراءة وممارسات متشددة ثقافياً ودينياً، والمدرسة الثانية هي «السلفية» التي تريد العودة إلى دين وممارسات الآباء الصالحين، وتدعو إلى الانقطاع عن المجتمع الحديث.
ويؤكد المؤلف أن ما يجمع بين هاتين المدرستين هي الآيديولوجيا المعادية للغرب والحداثة، ورفض الفصل بين ما هو ديني وسياسي - اجتماعي، واعتبار العلمانية أداة قتال ضد الإسلام.
بيد أن وسيلة التغلغل المتبعة تعتمد على العمل الاجتماعي وتوفير المساعدات المالية والصحية والخدمات والتعليم والرياضة، والاتكاء على ذلك للتأثير على العقليات والممارسات، بما فيها ارتداء الثياب والدعوة لتعميم الحجاب.
وأسهم تخلي الدولة عن واجباتها إزاء المهاجرين والأحياء الفقيرة، ووجود ممارسات تمييزية إزاءهم في بعض الأحيان، والفشل التعليمي، في توفير فضاء لتحرك الآيديولوجيات الإسلاموية، التي يهاجمها وزير الداخلية بعنف في الفصل الخامس، تحت عنوان: «مناهضة الانفصالية الإسلاموية».
بداية، يعتبر الكاتب أن الإسلاموية هي «حصان طروادة الحامل لقنبلة عنقودية ستفجر المجتمع الفرنسي»، هكذا فعلت في إيران وأفغانستان والسودان واليمن والعراق، حيث لم تترك وراءها سوى العنف والدمار والخراب والموت، مضيفاً: «إنها اليوم عندنا في أوروبا وفي فرنسا»، وخطرها يكمن في أن تدفع لظهور مجموعات تعيش وفق قيمها، وبعيداً عن قيم المجتمع، وأولاها العلمانية. وهذه المجموعات، بحسب الكاتب، يتم إخضاعها لآيديولوجيا «انفصالية» بالغة الخطورة.
والخطر الثاني يكمن في ردة فعل المجتمع المضيف، الذي ينظر بكثير من القلق لبروز مجموعات رافضة لقيمه، أو راغبة في العيش بعيداً عنه.
ويرى دارمانان أنه يتعين التحرك في اتجاهين: محاربة فرض مرجعيات وقيم إسلاموية في الفضاء العام، ومعاودة إنتاج ما يسمى الوعد بقيام جمهورية يغلب عليها الإخاء، وهو العصب الثالث في ثلاثية الجمهورية: حرية ومساواة وإخاء.
وهكذا، يصل دارمانان إلى مشروع قانون «تعزيز مبادئ الجمهورية» الذي صوت عليه مجلس الشيوخ يوم الجمعة، ويعود لمجلس النواب لقراءة ثانية وأخيرة. ويتضمن المشروع طائفة من الإجراءات التي تتناول الرقابة على الجمعيات الدينية، ومنع التدخل الخارجي في شؤون مسلمي فرنسا، وتنشئة الأئمة، ومحاربة خطاب الكراهية، ومنع تعدد الزوجات وتزويج القاصرات، ومنع شهادات العذرية، وفرض الحيادية في الخدمات العامة.
باختصار، غرض مشروع القانون الذي دار بشأنه جدل كبير في مجلسي النواب والشيوخ، أن يواجه جميع الممارسات التي يعتبرها المشرع مخالفة لمبدأ العلمانية وللمتعارف عليه في المجتمع الفرنسي.
ويرصد الكتاب كل هذه المظاهر والبنود التي يتضمنها مشروع القانون، المُنتظر منه أن يكون درعاً تقي من هذه المظاهر، أو على الأقل تحد من انتشارها.
والخلاصة التي يصل إليها وزير الداخلية أن الفرنسيين ينتظرون من حكومتهم أن تواجه بقوة الخطر الداهم، من غير سذاجة أو ضعف، ولكن من غير ديموغاجية أو انطوائية. ويحذر دارمانان من الذين «يريدون المزيد والمزيد، وقرارات أكثر قساوة وتشدداً»، لا بل يتبون نظريات عنصرية، ويرفضون اعتبار الإسلام ديناً قادراً على التعايش في مجتمع ديمقراطي علماني.


مقالات ذات صلة

«في مرايا السرد»... قراءات في الرواية والقصة القصيرة

ثقافة وفنون «في مرايا السرد»... قراءات في الرواية والقصة القصيرة

«في مرايا السرد»... قراءات في الرواية والقصة القصيرة

ثمة خصوصية للنقد الأدبي التطبيقي حين يصدر عن مبدع عموماً وشاعر بشكل خاص، إذ تتحول الممارسة النقدية في تلك الحالة إلى غوص رهيف في أعماق النص بعين خبيرة

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
كتب الكاتبة والناشرة رنا الصيفي

مؤثرو وسائل التواصل... خسارتهم قد تقتل كتابك

رغم كل ما يقال عن فاعلية «تيك توك»، دون غيره من وسائل التواصل الاجتماعي، في الترويج للكتب،فإن المؤثرين الذين ينشرون مساهماتهم، ولهم باع على هذه المنصة...

سوسن الأبطح (بيروت)
كتب أندريه سبونفيل

لماذا ترعب الأصولية الظلامية الفيلسوف الفرنسي سبونفيل؟

يُعتبر الفيلسوف أندريه كونت سبونفيل أحد فلاسفة فرنسا الكبار حالياً. وقد كان أستاذاً في السوربون ومحاضراً لامعاً في أهم الجامعات الأوروبية والعالمية.

هاشم صالح
ثقافة وفنون سعيد حمدان الطنيجي

قصائد مغناة منذ ما قبل الإسلام حتى القرن الـ19

يصدر قريباً عن مركز أبوظبي للغة العربية، كتاب «مائة قصيدة وقصيدة مغناة» من الشعر العربي، والذي يحتوي على قصائد مغناة منذ ما قبل الإسلام حتى نهايات القرن التاسع

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
يوميات الشرق زينة صالح كيالي تسلط الضوء على موسيقيات من لبنان (المؤلفة)

زينة صالح كيالي لـ«الشرق الأوسط»: الجمهور اللبناني لا يعترف بموسيقييه الكلاسيكيين

هجرتُها إلى فرنسا عام 1987 وفَّرت لها اكتشاف أهمية الموسيقى في تكوين شخصية الناس. وهناك اطّلعت من كثب على الهوية الوطنية للتراث الموسيقي اللبناني...

فيفيان حداد (بيروت)

مؤثرو وسائل التواصل... خسارتهم قد تقتل كتابك

الكاتبة والناشرة رنا الصيفي
الكاتبة والناشرة رنا الصيفي
TT

مؤثرو وسائل التواصل... خسارتهم قد تقتل كتابك

الكاتبة والناشرة رنا الصيفي
الكاتبة والناشرة رنا الصيفي

رغم كل ما يقال عن فاعلية «تيك توك»، دون غيره من وسائل التواصل الاجتماعي، في الترويج للكتب، خصوصاً مع اعتماد هاشتاغ «بوك_توك»، فإن المؤثرين الذين ينشرون مساهماتهم، ولهم باع على هذه المنصة، لا يوافقون بالضرورة على هذا الرأي. وهم ينظرون إلى المنصات الاجتماعية على أنها متكاملة، وكل منها توصل المؤثر إلى فئة مختلفة تتناسب وتوجهاته.

المؤثرة المصرية نضال أدهم، التي أطلقت قناتها حول الكتب على «يوتيوب» قبل تسع سنوات، وكانت لا تزال في الثامنة عشرة من عمرها، لها اليوم أكثر من 400 ألف متابع. ولها صفحتها على «إنستغرام» التي يتابعها 186 ألف شخص، وعلى «تيك توك» 320 ألفاً، وبعض منشوراتها تنال سبعة آلاف مشاهدة، لكنها تحنّ إلى انطلاقتها الأولى، وهناك تجد نفسها في المكان الذي يريحها وتلتقي فيه بأريحية مع متابعيها.

المؤثر السعودي خالد الحربي

لا تنكر أنها حققت قفزة خلال فترة الوباء، وكانت على مختلف وسائل التواصل. «لكن (يوتيوب) هو بيتي، وفيه أجد راحتي. وكل تسجيل عليه هو بالنسبة لي مشروع، أما على باقي الوسائل فأنا أتكلم عفوياً، من دون حسابات واعتبارات».

خالد الحربي، المؤثر السعودي المعروف بصفحاته التي تحمل اسم «يوميات قارئ»، له رأي آخر، إذ يجد نفسه على «إكس» حيث يتابعه نحو 355 ألف شخص، وبعض منشوراته يتجاوز عدد مشاهديها سبعة آلاف. له متابعوه على «إنستغرام» و«تيك توك» و«سناب شات»، لكن «إكس» بالنسبة له هي الأساس. «من هذه المنصة بدأت، ولا أزال أراها الأهم».

الخوارزميات تفرض منطقها

«تيك توك» كان بالنسبة إلى خالد صادماً. «فهمت حين دخلته أن عليك ألا تتفلسف، قل لنا بسرعة عن ماذا يتحدث الكتاب. المتابع هناك يريد الزبدة وكفى».

هذا مع أن خالد حاصل على جائزة أفضل متحدث عن الكتب على منصة «تيك توك» عام 2024، لكنه مع ذلك، لا يراها مفضلته. «ليس طموحي أن أكون الأفضل، ولا أحب تضييع وقتي. القراءة بالنسبة لي متعة. يقال إن الشخص لا يستطيع أن يقرأ أكثر من ثلاثة آلاف كتاب في حياته، لهذا لا أريد أن أغرق في الترَّهات. أخذت عهداً على نفسي ألا أقرأ أو أتحدث إلا عمّا يعجبني».

قد يعود اختلاف المؤثرين حول الوسيلة الفضلى لإيصال رسالتهم، إلى مدى انسجامهم مع طبيعة الخوارزميات التي تحكم عمل كل منصة. «حين تنشر على (إنستغرام)، لا بد أن تفهم طريقة عمل خوارزميات التطبيق. لا يمكنك الكلام هناك كأنك في صحيفة». يقول الكاتب السعودي رائد العيد: «أنا متابع لموضوع المؤثرين منذ نحو عشر سنوات، وأرى أن لكل وسيلة أبجدياتها. مثلاً، على (تيك توك) يجب أن يكون محتواك قصيراً ومكثفاً ومحفزاً، من دون تسطيح، وهذا موجود، مع أن آخرين يدخلونه من باب البحث عن الانتفاع أو كسب الشهرة والانتشار».

لهذا وجد خالد ضالته على «إكس»: «لا أحب أن أضيع وقتي في التصوير والمونتاج، والبحث عن المؤثرات على (تيك توك) أو الوسائط المصورة، كلها أمور مجهدة، وبعدها قد لا تجد المادة المنشورة رواجاً. أفضّل الكتابة على (إكس)، وأجدها وسيلة ناجعة وممتعة. التفاعل كبير، ولم أكن أتوقع ذلك. حين بدأت لاحظت أن الكثير من الأطروحات كانت صعبة، فركزت على تسهيل المادة. التفاعل والصدى اللذان وجدتهما كانا بالنسبة لي فاتحة الأبواب».

دور النشر تبحث عن دربها

رائد العيد، متخصص في ظواهر القراءة والكتابة ومرشد في هذا المجال، وله مؤلفات منها «دروب القراءة» و«درب الكتابة»، كما أنه أسس منذ سنوات «مجتمع الكتابة»، ويعتقد جازماً أن المنصة الأشهر الآن هي «تيك توك»، أما «إنستغرام» فقد سجّل صعوداً جيداً، لكنه بدأ يضعف أمام «تيك توك». وفي الخليج يوجد حضور بارز للكتب على «سناب شات»، لكنه يخفت، وكذلك الأمر مع منصة «إكس» التي فقدت وهجها منذ سنتين بعد أن تم تغيير خوارزمياتها.

الناشرة اللبنانية رنا الصيفي تعترف بأن الدور العريقة التي لها عشرات السنين من التاريخ في السوق، لسوء الحظ لا تزال تتردد طويلاً قبل التعاطي مع المؤثرين، وهذا خطأ. فالمنافسة كبيرة، والمواكبة مهمة، مع ذلك، هي دون المطلوب. في حين أن هناك دوراً بالغت في الاعتماد على وسائل التواصل: «شركة المطبوعات للتوزيع والنشر التي أعمل بها عمرها 50 سنة، ليس من السهل أن تتعامل مع هكذا مستجدات بسهولة». لكنها منذ أصبحت مديرة للنشر بدأت تتعاون مع مؤثرين: «بعضهم يتصلون بنا، ومنهم من نلتقيهم في المعارض، أو نبادر نحن بالاتصال بهم، لأن لهم قاعدة من المتابعين، ولا نغفل أيضاً نوادي الكتب التي هم أحياناً يديرونها أو على صلة معها». تشرح الصيفي: «أتعامل مع أربعة مؤثرين فقط لهم وزن. الفكرة ليست بالعدد بل بالنوعية. لا تهمني الكمية والكثرة، ما يهمني هي الطريقة التي يقدم بها الكتاب، ومستوى من يتحدث أو يكتب عنه. والمؤثرون باتوا يؤثرون فعلياً في قرار الشراء».

الكاتب رائد العيد

كثير من الكتب... قليل من الوقت

ويخبرنا العيد أنه شخصياً بدأ اهتمامه بالقراءة تحت تأثير وسائل التواصل، فدورها ليس تحفيزياً فحسب، ولكنها أيضاً لها أهمية في الإرشاد، والتوجيه نحو نوعية الاختيارات، حيث يبني القراء، خصوصاً المبتدئين، على ما يسمعونه من المؤثرين».

يذهب العيد أبعد من ذلك حين يقول: «في دورات الكتابة التي ننظمها، نقول للمتدرب: عليك أن تتعاون مع هؤلاء المؤثرين، لا أن تخسرهم، لأن صدودك عنهم قد يقتل الكتاب أو يقلل من فرصه».

دور النشر تفهم هذا الدور، بعضها يغدق على المؤثرين من إصداراتهم، ويحاولون اجتذابهم وإغراءهم للتحدث عن كتبهم. لكنَّ هذا يتحول إلى عبء على مؤثرين كثر، تنزل عليهم الكتب بكميات، تفوق قدرتهم على القراءة. «بينها كثير مما لا يتناسب وذوقي، ولا أرغب في أن أحتفظ به»، تقول نضال.

مؤثرون يطلبون الحرية

خالد يوافقها الرأي: «لست آلة، ولا أريد أن ألتزم، وكثيراً ما أُحرج. لو أخذت الكتب من الناشرين بالمجان أشعر بالتزام نحوهم، رغم أنهم لا يطلبون ذلك بشكل مباشر. أفضِّل الكتب التي أشتريها وأختارها بنفسي. أريد أن يتركوني على راحتي. القراءة بالنسبة لي متعة، ولا أحب أن أُجبَر على قراءة ما لا أريد. كما أنني أحب أن أكتب بهدوء ومن دون رقيب». يفهم خالد أن الناشر في النهاية تاجر، وهو لا يريد أن يدخل في هذه الدوامة.

لكن نضال تؤكد أنها تتحدث بحرية عن الكتب التي تصل إليها. «تسع سنوات في صحبة الكتب على وسائل التواصل، لم أعمل دعايةً لكتاب». لكنها في الوقت نفسه ترى أن دور النشر لا بد أن تخصّ المؤثرين بمبالغ مادية من خلال عقد محترم ينظم العلاقة بين الطرفين. هذا يحدث في الغرب. وهي مدفوعات يجب ألا تكون مشروطة.

المؤثرة المصرية نضال أدهم

مهنة أم هواية؟

درست نضال (27 سنة) طب الأسنان، لكنها لم تمارس هذه المهنة، ونالت ماجستير في العلوم السياسية وتعمل في مجال البحث، كي يتكامل هذا مع اهتمامها بالقراء. لذلك تعتقد أن الجهد الذي تقوم بها يستغرق وقتاً، ويحتاج إلى مكافأة كي تتمكن من الاستمرار. إنما كيف للمؤثر أن يبقى مستقلاً وهو يتقاضى أجراً؟ «ليتعاملوا مع المؤثر على أنه ناقد، له رأيه الذي قد يكون سلبياً أو إيجابياً». تقول نضال: «وفي كل الأحوال يجب أن يرحبوا بالنقد، ويعملوا على تحسين أنفسهم. إن كانوا لا يريدون سوى المديح، فهم الخاسرون في النهاية».

هناك من يتقاضون مقابلاً، كما يخبرنا العيد، وهذا يظهر في الترويج لكتب ضعيفة، أو التركيز على دار نشر واحدة. هناك دور نشر تتعاقد مع مؤثر على مدى شهر مثلاً للترويج لكتبها، أو يطلَب من المؤثر أن يتحدث عن كاتب موجود في معرض للكتاب، أو أي مناسبة أخرى.

ويضيف العيد: «المؤثرون في الغالب لا يحبِّذون هذا، لأنهم يخافون من فقدان المصداقية، خصوصاً أن العائد قليل، ولا يستحق أن يقيِّد المؤثر حريته في سبيله، ويفقد ولاء وثقة متابعيه».

فقدان المصداقية... أزمة الأزمات

غياب المصداقية بين دور النشر والقارئ والمؤثر، هي المشكلة الكبرى، حسبما قال كل الذين تحدثنا معهم.

خالد يتألم وهو يتجول في المعارض من كثرة الغثّ. «ثمة كتب كثيرة لا ذوق ولا طعم ولا رائحة. كانت أسماء المؤلفين والمترجمين معروفة، اليوم كثرت النتاجات، وعمَّت الفوضى». بالنتيجة تقول نضال: «بات القارئ يفضل أن يقرأ الكتب المترجمة أو القديمة، لأن الكتب الرائجة بحجة أنها (تراندي)، كثيراً ما تصيب بعد شرائها بالإحباط. وهذا يسيء إلى الكتاب الموهوبين، ويعطي انطباعاً أن الكاتب العربي الجيد غير موجود». ويوافق خالد معتبراً أن القارئ ذكي، وأن المؤثر حين يحاول أن يروج لنتاج رديء فإنما يجعل المتابعين ينفضّون عنه سريعاً، ولا يثقون به، وبنصائحه.

تعي الناشرة رنا الصيفي عُمق الأزمة. لهذا لا تحب التعامل مع مؤثرين لا يقرأون، ويتحدثون عمَّا لا يعرفون. «ما يهمني أن ينتشر فكر المؤلف ونتاجه، وليس فقط بيع الكتاب. وكذلك التعريف بكتاب موهوبين جدد»، ولا تنكر أن هؤلاء بات لهم دور وتأثير كبيرين بشرط تحليهم بالمصداقية. فإذا رأى المنشور 500 شخص، فهذا يكفي.

بعض القراء، حسب العيد، يرون أن نصائح المؤثرين أشبه بوصاية تمارَس عليهم، والإصغاء إلى هذا النوع من التوجيه يحدّ من حريتهم. لكنَّ المؤثر المتمكن يقدم مقترحات بناءً على تجربة، وللقارئ الحرية في النهاية.

غياب المصداقية بين دور النشر والقارئ والمؤثر هي المشكلة الكبرى

الخلطة الناجحة

«أعتقد أن الخلطة الأساسية الناجحة على وسائل التواصل هي في مهارة الجمع بين الجدية في الطرح، والتوافق مع المؤثرات الخاصة بهذه التطبيقات»، يقول العيد.

«نسبة كبيرة من المراجعات الجادة لا تلقى رواجاً. نجد نقاداً كباراً لا ينجحون لأنهم يتعاملون مع المنصات كأنهم في مجلة ثقافية أو في محفل أدبي، كأن يتحدث أحدهم عن البنيوية في الرواية والتفكيكية. هذا لا يتناسب مع وسائل التواصل التي تحتاج إلى أسلوب جاذب يتناسب معها».

كلما ازددت توغلاً في فهم ما يحدث حول الكتب على وسائل التواصل، تشعر بأن المشهد يزداد ضبابية. فالقارئ الخليجي، كالمؤثر، له ظروف مختلفة، والجمهور لا يعاني أزمات كبرى. في لبنان، القارئ غائب تقريباً لكنّ الناشر حاضر بقوة، وفي مصر وضع آخر. وإذا كانت الفئة العمرية الناشئة تدمن «تيك توك» و«إنستغرام»، فإن قراء أعمارهم فوق الخمسين قد لا تكون لهم صفحات على «فيسبوك» أو «إكس».