تونس: اقتناء بدلات عسكرية من تركيا يُعمّق خلافات سعيّد والمشيشي

اتهام قيادات «النهضة» بخرق إجراءات مكافحة «كورونا»

الرئيس قيس سعيد (د.ب.أ)
الرئيس قيس سعيد (د.ب.أ)
TT

تونس: اقتناء بدلات عسكرية من تركيا يُعمّق خلافات سعيّد والمشيشي

الرئيس قيس سعيد (د.ب.أ)
الرئيس قيس سعيد (د.ب.أ)

دخلت الخلافات المتفاقمة بين رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، ورئيس الحكومة هشام المشيشي، نفقا جديدا بعد أن وجه المشيشي انتقادات حادة لوزارة الدفاع، بعد عقدها صفقة لشراء بدلات عسكرية من تركيا والصين، بقيمة 75 مليون دينار تونسي (نحو 27 مليون دولار)، عوضا عن السوق المحلية، واستقبال المشيشي بعض ممثلي نقابة عمال وأطر أمن رئاسة الدولة والشخصيات الرسمية، كما انتقد سعيّد لقاءات تمت مع مسؤولين أجانب، دون تنسيق مسبق مع وزارة الخارجية.
ورأى مراقبون أن الانتقادات الموجهة لوزارة الدفاع تضمر اتهامات مبطنة للرئيس سعيد، باعتبار أن هذه الوزارة من صلاحياته الدستورية، وهو ما يؤكد أن الأيام المقبلة ستعرف تفاقم الخلافات بين رأسي السلطة التنفيذية، خاصة في ظل استمرار غياب المحكمة الدستورية المعطلة منذ نحو ست سنوات.
ويرى مراقبون أن «المقصود من هذا الملف ليس التأكيد على قيمة الصفقة المالية، أو مدى تأثيرها على السوق المحلية، بقدر ما يوضح قيام أطراف متنافسة بمحاولات إحراج بعضها البعض أمام الرأي العام التونسي، في مسعى انتخابي على المدى البعيد». مؤكدين أن اجتماع المشيشي بممثلين عن نقابة عمال وأطر أمن رئيس الدولة والشخصيات الرسمية، خلال الفترة نفسها، التي أثيرت فيها صفقات البدلات العسكرية، «تحمل رسائل مبطنة إلى الرئيس قيس سعيد، مفادها أن أمن الرئيس من مشمولات وزارة الداخلية، التي يتولاها المشيشي بالإنابة». كما تتزامن أيضا مع الجدل الدائر حول محاولة الانقلاب على الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي، واتهام يوسف الشاهد، رئيس الحكومة سنة 2019، وحركة النهضة بالوقوف وراء تلك المحاولة.
في المقابل، جاء الرد الرئاسي على هذه التحركات من خلال الانتقادات التي وجهها سعيّد إلى بعض المسؤولين الحكوميين، بحجة أنهم عقدوا لقاءات متفرقة مع عدد من المسؤولين الأجانب، دون تنسيق مسبق مع وزارة الخارجية، التي يعين هو من يتولاها، باستشارة مع رئيس الحكومة.
على صعيد آخر، اتهم فوزي المهدي، وزير الصحة المحسوب على وزراء القصر الرئاسي، قيادات حركة النهضة، الحزب الإسلامي المتزعم للمشهد السياسي والبرلماني، بخرق إجراءات مكافحة «كورونا»، وقال إنها «لم تستشر اللجنة العلمية لمكافحة كورونا قبل تنظيم مسيرة حاشدة في 27 من فبراير (شباط) الماضي». مضيفا في تصريح إعلامي: «لم يحدث ذلك، هم حصلوا على ترخيص عادي بالتظاهر، لكنني كرئيس للجنة العلمية لا يمكن أن أوافق على هذه التجمعات الضخمة، التي تشكل خطورة، وكان يفترض ألا تحدث».
وفي تعليقه على التجمعات السياسية الكبرى، قال مهدي إنه «كلما تقارب شخصان أقل من متر، فإن ذلك يشكل خطرا عليهما. وتجمع الآلاف مهما كان السبب، سياسيا أو رياضيا، يشكل خطرا كبيرا على صحة كل التونسيين».



الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يفرضون مقرراً دراسياً يُضفي القداسة على زعيمهم

شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)
شقيق زعيم الجماعة الحوثية يشرف على طباعة الكتب الدراسية (إعلام حوثي)

ازدادت مساحة التدخلات الحوثية في صياغة المناهج الدراسية وحشوها بالمضامين الطائفية التي تُمجِّد قادة الجماعة وزعيمها عبد الملك الحوثي، مع حذف مقررات ودروس وإضافة نصوص وتعاليم خاصة بالجماعة. في حين كشف تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن عن مشاركة عناصر من «حزب الله» في مراجعة المناهج وإدارة المخيمات الصيفية.

في هذا السياق، كشف ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي عن أعمال تحريف جديدة للمناهج، وإدراج المضامين الطائفية الخاصة بالجماعة ومشروعها، واستهداف رموز وطنية وشعبية بالإلغاء والحذف، ووضع عشرات النصوص التي تمتدح قادة الجماعة ومؤسسيها مكان نصوص أدبية وشعرية لعدد من كبار أدباء وشعراء اليمن.

إلى ذلك، ذكرت مصادر تربوية في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة الحوثية أقرّت خلال الأسابيع الأخيرة إضافة مادة جديد للطلاب تحت مسمى «الإرشاد التربوي»، وإدراجها ضمن مقررات التربية الإسلامية للمراحل الدراسية من الصف الرابع من التعليم الأساسي حتى الثانوية العامة، مع إرغام الطلاب على حضور حصصها يوم الاثنين من كل أسبوع.

التعديلات والإضافات الحوثية للمناهج الدراسية تعمل على تقديس شخصية مؤسس الجماعة (إكس)

وتتضمن مادة «الإرشاد التربوي» -وفق المصادر- دروساً طائفية مستمدة من مشروع الجماعة الحوثية، وكتابات مؤسسها حسين الحوثي التي تعرف بـ«الملازم»، إلى جانب خطابات زعيمها الحالي عبد الملك الحوثي.

وبيّنت المصادر أن دروس هذه المادة تعمل على تكريس صورة ذهنية خرافية لمؤسس الجماعة حسين الحوثي وزعيمها الحالي شقيقه عبد الملك، والترويج لحكايات تُضفي عليهما هالة من «القداسة»، وجرى اختيار عدد من الناشطين الحوثيين الدينيين لتقديمها للطلاب.

تدخلات «حزب الله»

واتهم تقرير فريق الخبراء الأمميين الخاص باليمن، الصادر أخيراً، الجماعة الحوثية باعتماد تدابير لتقويض الحق في التعليم، تضمنت تغيير المناهج الدراسية، وفرض الفصل بين الجنسين، وتجميد رواتب المعلمين، وفرض ضرائب على إدارة التعليم لتمويل الأغراض العسكرية، مثل صناعة وتجهيز الطائرات المسيّرة، إلى جانب تدمير المدارس أو إلحاق الضرر بها أو احتلالها، واحتجاز المعلمين وخبراء التعليم تعسفياً.

تحفيز حوثي للطلاب على دعم المجهود الحربي (إكس)

وما كشفه التقرير أن مستشارين من «حزب الله» ساعدوا الجماعة في مراجعة المناهج الدراسية في المدارس الحكومية، وإدارة المخيمات الصيفية التي استخدمتها للترويج للكراهية والعنف والتمييز، بشكل يُهدد مستقبل المجتمع اليمني، ويُعرض السلام والأمن الدوليين للخطر.

وسبق لمركز بحثي يمني اتهام التغييرات الحوثية للمناهج ونظام التعليم بشكل عام، بالسعي لإعداد جيل جديد يُربَّى للقتال في حرب طائفية على أساس تصور الجماعة للتفوق الديني، وتصنيف مناهضي نفوذها على أنهم معارضون دينيون وليسوا معارضين سياسيين، وإنتاج هوية إقصائية بطبيعتها، ما يُعزز التشرذم الحالي لعقود تالية.

وطبقاً لدراسة أعدها المركز اليمني للسياسات، أجرى الحوثيون تغييرات كبيرة على المناهج الدراسية في مناطق سيطرتهم، شملت إلغاء دروس تحتفي بـ«ثورة 26 سبتمبر (أيلول)»، التي أطاحت بحكم الإمامة وأطلقت الحقبة الجمهورية في اليمن عام 1962، كما فرضت ترديداً لـ«الصرخة الخمينية» خلال التجمعات المدرسية الصباحية، وتغيير أسماء المدارس أو تحويلها إلى سجون ومنشآت لتدريب الأطفال المجندين.

مواجهة حكومية

في مواجهة ما تتعرض له المناهج التعليمية في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من تحريف، تسعى الحكومة اليمنية إلى تبني سياسات لحماية الأجيال وتحصينهم.

اتهامات للحوثيين بإعداد الأطفال ذهنياً للقتال من خلال تحريف المناهج (أ.ف.ب)

ومنذ أيام، أكد مسؤول تربوي يمني عزم الحكومة على مواجهة ما وصفه بـ«الخرافات السلالية الإمامية العنصرية» التي تزرعها الجماعة الحوثية في المناهج، وتعزيز الهوية الوطنية، وتشذيب وتنقية المقررات الدراسية، وتزويدها بما يخدم الفكر المستنير، ويواكب تطلعات الأجيال المقبلة.

وفي خطابه أمام ملتقى تربوي نظمه مكتب التربية والتعليم في محافظة مأرب (شرق صنعاء) بالتعاون مع منظمة تنموية محلية، قال نائب وزير التربية والتعليم اليمني، علي العباب: «إن ميليشيات الحوثي، تعمل منذ احتلالها مؤسسات الدولة على التدمير الممنهج للقطاع التربوي لتجهيل الأجيال، وسلخهم عن هويتهم الوطنية، واستبدال الهوية الطائفية الفارسية بدلاً منها».

ووفقاً لوكالة «سبأ» الحكومية، حثّ العباب قيادات القطاع التربوي، على «مجابهة الفكر العنصري للمشروع الحوثي بالفكر المستنير، وغرس مبادئ وقيم الجمهورية، وتعزيز الوعي الوطني، وتأكيد أهداف ثورتي سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) المجيدتين».

قادة حوثيون في مطابع الكتاب المدرسي في صنعاء (إعلام حوثي)

ومنذ أيام توفي الخبير التربوي اليمني محمد خماش، أثناء احتجازه في سجن جهاز الأمن والمخابرات التابع للجماعة الحوثية، بعد أكثر من 4 أشهر من اختطافه على خلفية عمله وزملاء آخرين له في برنامج ممول من «يونيسيف» لتحديث المناهج التعليمية.

ولحق خماش بزميليه صبري عبد الله الحكيمي وهشام الحكيمي اللذين توفيا في أوقات سابقة، في حين لا يزال بعض زملائهم محتجزين في سجون الجماعة التي تتهمهم بالتعاون مع الغرب لتدمير التعليم.

وكانت الجماعة الحوثية قد أجبرت قبل أكثر من شهرين عدداً من الموظفين المحليين في المنظمات الأممية والدولية المختطفين في سجونها على تسجيل اعترافات، بالتعاون مع الغرب، لاستهداف التعليم وإفراغه من محتواه.