الإنصاف الصحي فرصة لإعادة بناء أكثر مساواة في شرق المتوسط

المدير الإقليمي لـ«الصحة العالمية»: الجائحة أضافت مكوّناً لانعدام العدالة الصحية

أحمد المنظري (منظمة الصحة العالمية)
أحمد المنظري (منظمة الصحة العالمية)
TT

الإنصاف الصحي فرصة لإعادة بناء أكثر مساواة في شرق المتوسط

أحمد المنظري (منظمة الصحة العالمية)
أحمد المنظري (منظمة الصحة العالمية)

آثار الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية على الصحة لم تكن يوماً أوضح مما هي عليه الآن. وإذا كانت الصحة هي اكتمال السلامة بدنياً وعقلياً واجتماعياً، وليست مجرد انعدام المرض أو العجز، فإن تقرير «إعادة بناء على نحو أكثر عدلاً: تحقيق الإنصاف الصحي في إقليم شرق المتوسط»؛ تقرير «لجنة المكتب الإقليمي لشرق المتوسط» بشأن المحددات الاجتماعية للصحة، الذي يطلقه «مكتب شرق المتوسط»، يفتح أمامنا صفحة جديدة... هذه الصفحة تحمل كثيراً من الفرص من أجل إعادة بناء أنظمة صحية أكثر عدالة وشمولاً لمفهوم الصحة.
لقد بات من الواضح تماماً؛ لا سيما في زمن جائحة «كوفيد19»، أن الأنظمة الصحية التي تضع المحددات الاجتماعية للصحة ضمن الأبعاد الأخرى أثناء التخطيط، هي الأكبر قدرة على تحسين الأوضاع الصحية وفرص الحصول على الرعاية الصحية العادلة.
لكن الرعاية الصحية العادلة في كثير من دول الإقليم تظل قاصرة وتواجه كثيراً من التحديات. فأوجه عدم المساواة والتفاوتات فيما يتعلق بالصحة هائلة. هذه التفاوتات تفرض نفسها منذ بداية الحياة وحتى الوفاة. فعلى سبيل المثال، متوسط عمر الرجال في بلدان الإقليم يتراوح بين 54 و79 عاماً، والنساء بين 57 و80 عاماً. ووفيات الأطفال دون سن الخامسة تتراوح بين 7 و128 في الألف.
هذه الفروق الشاسعة لا تتعلق بأسباب بيولوجية فحسب؛ لكنها تعود إلى المحددات الاجتماعية للصحة... إنها الظروف التي يولد فيها الناس ويعيشون وينمون ويعملون ويتقدمون في العمر في كنفها. ولهذا؛ فإن الأنظمة الصحية القائمة على علاج الأمراض مع تجاهل البيئات الاجتماعية للمرضى تظل قاصرة. والنتيجة تكون دائماً حلقة مفرغة؛ حيث نظام رعاية صحية لا يعالج سوى الأمراض ومحددات اجتماعية متسببة في الأمراض، وبالتالي الاستمرار في التعامل مع مزيد من الأمراض.
وكما يتضح من تقرير «إعادة البناء على نحو أكثر عدلاً» وذلك من المنظور الصحي، فإن جائحة «كوفيد19» تأتي لتضخ مكوناً إضافياً لأوجه انعدام العدالة الصحية في العالم كله، وبلدان الإقليم ليست استثناءً. وما لم تطبَّق إجراءات فورية للتخفيف من حدة آثار الجائحة وإجراءاتها الاحترازية، فإنها ستمضي قدماً في تعميق حدة انعدام المساواة الاجتماعية والصحية. وهنا يجب أن أشير إلى أن معدلات الإصابات والوفيات الناجمة عن «كوفيد19» لها علاقة واضحة بمهن بعينها، وبأوضاع اقتصادية واجتماعية سيئة، وهي الأوضاع التي تؤثر سلباً في الظروف العادية على صحة المواطنين.
صحة المواطنين تتأثر بشكل أكبر في حالات النزاع والصراع، والتي للأسف يعاني منها عدد من دول الإقليم. ويكفي أن 10 من أصل 36 دولة مدرجة على «قائمة البنك الدولي (2019) للحالات الهشة» تقع في إقليمنا.
وكما هو معروف؛ فإن الناس الذين يعيشون في ظروف الطوارئ الناجمة عن الكوارث والصراعات معرضون بشكل أكبر للمعاناة الاقتصادية والنفسية والاجتماعية؛ وبالتالي الصحية.
إن كثرة النزاعات في إقليمنا وتواترها بشكل متسارع في السنوات القليلة الماضية أدت إلى زيادة موجات النزوح بشكل غير مسبوق. وعادة تفتقر الأحوال المعيشية للاجئين والنازحين إلى العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تمكنهم من الحصول على رعاية صحية جيدة. كما يشكل اللاجئون ضغطاً إضافياً على النظم الصحية في البلدان المضيفة، مما يجعل توفير الخدمات الأساسية والسكن والحماية الاجتماعية أمراً بالغ الصعوبة.
وأود أن أشير هنا إلى أن هذه الجائحة لم تكتف بكشف الستار عن التفاوتات الاجتماعية والصحية الكبيرة الموجودة في بلدان الإقليم، بل أضافت أبعاداً جديدة حول مفهوم انعدام العدالة بين الجنسين، وتعميق أثر هذا الجانب في بلدان الإقليم.
ويكشف التقرير عن أنه رغم انخفاض أعداد الوفيات المبلغ عنها والناجمة عن الإصابة بـ«كوفيد19» مقارنة بمناطق أخرى، فإن تدابير الاحتواء كانت لها آثار وخيمة على الأحوال الاقتصادية والمعيشية لكثيرين؛ أي إن المحددات الاجتماعية للصحة تدهورت بشكل أكبر.
وكان من أكبر إنجازات بلدان الإقليم الصحية على مدار العقود الثلاثة الماضية خفض معدلات الوفيات والإعاقات الناجمة عن الإصابة بالأمراض المعدية ومضاعفات الولادة... وغيرها، التي انخفضت بنحو الثلث. ولكن يبقى التحدي في ارتفاع الوفيات المرتبطة بالغذاء؛ كالسمنة، وسوء التغذية، وانعدام الأمن الغذائي، وكذلك الوفيات الناجمة عن الصراعات.
وفي هذا المجال، لدينا تحدي التنمية الذي يمثل نقطة فارقة في مسيرة الإقليم. فهناك إجماع على أن التنمية الحقيقية هي تلك التي تُحدِث تحسناً ملموساً في نوعية حياة الناس وتحظى برضاهم. ورغم أن الأهداف الاقتصادية والاجتماعية من قضاء على الفقر، وحماية الكوكب، وضمان تحقيق السلام والازدهار... وغيرها، ظلت حديث العالم واهتمامه على مدار 70 عاماً، حتى إن أهداف التنمية المستدامة لخصت أغلبها، فإن العالم ما زال عاجزاً عن تحقيقها.
ولأن الاقتصاد يتحكم في تحديد مستوى المعيشة والمحددات الاجتماعية لصحة المواطنين، ورغم أن الإقليم قطع أشواطاً في تحسين الوضع الاقتصادي للمجتمعات، فإنه ما زال هناك عدد من السياسات الاقتصادية المتبعة في الإقليم التي تؤدي إلى مزيد من عدم المساواة في فرص الصحة والرعاية. والأدلة حولنا كثيرة؛ حيث معدلات الفقر، والثروة، والدخل، وآليات الحماية الاجتماعية، والاستثمارات في الخدمات... وغيرها، غير متكافئة، مما يكشف عن انعدام المساواة وتعميق الفجوة في النظام الصحي، اللذين يحولان دون حصول الفئات الأقل حظاً والأكثر معاناة على الخدمات الصحية اللازمة.
الفئات الأقل حظاً لا ترتبط فقط بالفقر. العادات والتقاليد والأنماط الثقافية - وهي من المحددات الاجتماعية للصحة كذلك - السائدة في بعض البلدان تجعل من فئات أخرى أقل حظاً وأكثر معاناة أيضاً. ويمكن لهذه المحددات أن تؤثر سلباً أو إيجاباً على الفتيات والنساء واللاجئين والمهاجرين. ودون تحقيق قدر أكبر من المساواة تجاه هؤلاء، فإنهم عرضة لمزيد من الظلم الصحي.
ومن الظلم لكوكبنا ألا نعير تغير المناخ والتدهور البيئي الاهتمام الكافي. ورغم أن البعض يعدّ مثل هذه الأمور هامشية، فإن العكس صحيح. واستمرارها على حالها يعني استمرار تدهور الأوضاع الصحية للجميع، وإن كان بدرجات متفاوتة. وبالنظر إلى إقليمنا في شرق المتوسط، فإن هناك حاجة ماسة إلى اتخاذ إجراءات سريعة للتعامل مع تغير المناخ والتدهور البيئي، وبالتالي حماية السكان وتأمين حياة أفضل للأجيال المقبلة.
إن تفاوت تركز الثروات في بلدان الإقليم يعني أن ملف النمو الاقتصادي يحتاج مراجعة. ويلاحظ أن بلداناً عدة في إقليمنا لم تستفد من النمو الاقتصادي الذي تحقق؛ حيث لم يترجَم إلى تحسين وزيادة فرص العمل. وربما يعود ذلك إلى تواتر الصراعات وما صاحب ذلك من زيادة كبيرة في أعداد المهاجرين والنازحين. وإذا أضفنا تركز الثروة لدى نسبة ضئيلة من السكان، وانتشار العمل غير الرسمي، والاعتماد شبه الكلي على القطاع العام في التشغيل، والاضطرابات السياسية والعالمية في سوق النفط، فإن هذا يحتم تعديلاً جذرياً في منهج توفير فرص العمل من أجل تحسين الأوضاع المعيشية، وبالتالي تحسين الصحة التي هي أساس التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وأود في هذا الصدد أن أشير إلى نقطتين بالغتي الأهمية؛ هما عمالة الأطفال التي تشهد للأسف ارتفاعاً نسبياً في عدد من بلدان الإقليم، ومعدلات العمالة غير الرسمية المثيرة للقلق. فزيادة النزاعات وارتفاع نسب الفقر ساهما في زيادة عدد الأطفال العاملين، وهو ما ينعكس سلباً على صحتهم الحالية والمستقبلية. كما أن زيادة أعداد العاملين في القطاعات غير الرسمية يعني مزيداً من الرواتب المتدنية وغياب الرعاية الصحية.
وتُعدّ الرعاية الصحية المقدمة لكبار السن نقطة فارقة في الإنصاف الصحي. ولحسن الحظ أن كثيرين من كبار السن في بلدان الإقليم ينعمون بحياة جيدة وعافية معقولة، إلا إن هناك تفاوتات شاسعة بين البلدان - وأحياناً في داخل الدولة الواحدة - من حيث مستويات الصحة ومتوسط الأعمار. هذه التفاوتات لها صلة بانعدام العدالة في الأحوال المعيشية في مراحل مبكرة من حياة الإنسان.
وإذا كان كبار السن في إقليمنا يحظون بالدعم اللازم عبر الحياة الأسرية وطبيعة المجتمعات الثقافية، فإن استمرار الاعتماد على هذا النوع من الرعاية وحده لا يكفي، لا سيما في ظل التغيرات الكبيرة الحادثة في البنية الديموغرافية. زيادة فئة كبار السن خلال الخمسين عاماً المقبلة مع انخفاض المواليد يعني أن الاعتماد على الشكل الأسري التقليدي للرعاية المقدمة لكبار السن لن يفي بالغرض.
لذلك؛ فإن التخطيط السليم مطلوب دائماً، سواء لتقديم الشكل الأمثل للرعاية لكبار السن المتوقعة زيادة أعدادهم، أو للنمو الحضري حتى لا يكون عشوائياً وضاغطاً على الخدمات الأساسية؛ ومنها الصحة. والملحوظ أن كثيراً من بلدان الإقليم يشهد توسعاً حضرياً سريعاً غير مخطط.
الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن حيث البحث عن فرصة عمل وحياة أفضل أحد أشكال النمو الحضري غير المخطط. كذلك الحال في مخيمات اللاجئين والنازحين التي غالباً تفتقر إلى الخدمات الأساسية.
وتبقى النظم الصحية ركناً رئيسياً من أركان العمل على زيادة العدالة الصحية المنشودة. وأفضل ما يمكن عمله في هذا الصدد هو تقديم الرعاية الصحية الشاملة التي تضمن إنصافاً صحياً حيث خدمة جيدة بتكلفة معقولة.
آفاق المستقبل؛ حيث قدر أوفر من الإنصاف الصحي، تستلزم ضمان توفير الخدمات الأساسية للعيش الصحي وحماية الأفراد من الآثار المالية الناجمة عن اعتلال الصحة.
وعلينا جميعاً التضافر من أجل تطبيق مبدأ العدالة بين الجنسين، الذي بدوره يضمن توفير محددات اجتماعية للصحة أكثر عدالة. كما ينبغي دمج هذه المحددات ضمن نظم الاستجابة والقيود المفروضة للحد من جائحة «كوفيد19»، بالإضافة إلى التصدي للصراعات التي تعصف بكثير من بلدان الإقليم.
ما ننشده هو الرعاية العادلة من أجل صحة أفضل وحياة أقل اعتلالاً.

- المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط


مقالات ذات صلة

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)
أوروبا أحد العاملين في المجال الطبي يحمل جرعة من لقاح «كورونا» في نيويورك (أ.ب)

انتشر في 29 دولة... ماذا نعرف عن متحوّر «كورونا» الجديد «XEC»؟

اكتشف خبراء الصحة في المملكة المتحدة سلالة جديدة من فيروس «كورونا» المستجد، تُعرف باسم «إكس إي سي»، وذلك استعداداً لفصل الشتاء، حيث تميل الحالات إلى الزيادة.

يسرا سلامة (القاهرة)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
TT

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)
الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نبّه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ، في وقت يعاني فيه من نزاع طويل الأمد نتيجة انقلاب الحوثيين على السلطة الشرعية. وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات نتيجة تغير المناخ، مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات.

وذكر ستيفان غيمبيرت، المدير القطري للبنك الدولي في مصر واليمن وجيبوتي، أن «اليمن يواجه تقاطعاً غير مسبوق للأزمات: النزاع، وتغير المناخ، والفقر». وطالب باتخاذ إجراءات فورية وحاسمة «لتعزيز المرونة المناخية لأن ذلك مرتبط بحياة الملايين من اليمنيين». وقال إنه من خلال الاستثمار في الأمن المائي، والزراعة الذكية مناخياً، والطاقة المتجددة، يمكن لليمن أن يحمي رأس المال البشري، ويعزز المرونة، ويضع الأسس «لمسار نحو التعافي المستدام».

الجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة تهدد ملايين اليمنيين (الأمم المتحدة)

وفي تقرير لمجموعة البنك الدولي الذي حمل عنوان «المناخ والتنمية لليمن»، أكد أن البلاد تواجه تهديدات بيئية حادة، مثل ارتفاع درجات الحرارة، والتغيرات المفاجئة في أنماط الأمطار، والزيادة في الأحداث الجوية المتطرفة، والتي تؤثر بشكل كبير على أمن المياه والغذاء، بالإضافة إلى التدهور الاقتصادي.

ووفق ما جاء في التقرير الحديث، فإن نصف اليمنيين يواجهون بالفعل تهديدات من تغير المناخ مثل الحرارة الشديدة، والجفاف، والفيضانات. ‏وتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي السنوي لليمن بنسبة 3.9 في المائة بحلول عام 2040 إذا استمرت السيناريوهات المناخية السلبية، مما يفاقم أزمة الفقر وانعدام الأمن الغذائي.

تحديات متنوعة

في حال تم تطبيق سيناريوهات مناخية متفائلة في اليمن، تحدث تقرير البنك الدولي عن «فرص استراتيجية» يمكن أن تسهم في تعزيز المرونة، وتحسين الأمن الغذائي والمائي. وقال إن التوقعات أظهرت أن الاستثمارات في تخزين المياه وإدارة المياه الجوفية، مع استخدام تقنيات الزراعة التكيفية، قد تزيد الإنتاجية الزراعية بنسبة تصل إلى 13.5 في المائة بين عامي 2041 و2050.

وامتدت تحذيرات البنك الدولي إلى قطاع الصيد، الذي يُعد أحد المصادر الأساسية للعيش في اليمن، وتوقع أن تتسبب زيادة درجات حرارة البحر في خسائر تصل إلى 23 في المائة في قطاع الصيد بحلول منتصف القرن، مما يعمق الأزمة الاقتصادية، ويسهم في زيادة معاناة المجتمعات الساحلية.

التغيرات المناخية ستسهم في زيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

واستعرض البنك في تقريره التحديات الصحية الناجمة عن تغير المناخ، وقال إنه من المتوقع أن يكلف ذلك اليمن أكثر من 5 مليارات دولار بحلول عام 2050، وتتضمن هذه التكاليف الرعاية الصحية الزائدة نتيجة للأمراض المرتبطة بالطقس مثل الملاريا والكوليرا، وهو ما يضع ضغطاً إضافياً على النظام الصحي الذي يعاني بالفعل من ضعف شديد.

ولهذا، نبّه التقرير إلى أهمية دمج المرونة المناخية في تخطيط الصحة العامة، مع التركيز على الفئات الضعيفة، مثل النساء والأطفال. وفيما يتعلق بالبنية التحتية، أشار التقرير إلى أن المناطق الحضرية ستكون الأكثر تأثراً بازدياد الفيضانات المفاجئة، مع تحذير من أن التدابير غير الكافية لمواجهة هذه المخاطر ستؤدي إلى صدمات اقتصادية كبيرة تؤثر على المجتمعات الهشة.

وفيما يخص القطاع الخاص، أكد التقرير على أن دوره في معالجة التحديات التنموية العاجلة لا غنى عنه. وقال خواجة أفتاب أحمد، المدير الإقليمي للبنك الدولي لـ«الشرق الأوسط»، إن «القطاع الخاص له دور حيوي في مواجهة التحديات التنموية العاجلة في اليمن. من خلال آليات التمويل المبتكرة، يمكن تحفيز الاستثمارات اللازمة لبناء مستقبل أكثر خضرة ومرونة».

وتناول التقرير إمكانات اليمن «الكبيرة» في مجال الطاقة المتجددة، وقال إنها يمكن أن تكون ركيزة أساسية لاستجابته لتغير المناخ، لأن الاستثمار في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح سيسهم في تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتوفير بنية تحتية مرنة لدعم الخدمات الحيوية، مثل الصحة والمياه.

تنسيق دولي

أكد البنك الدولي على «أهمية التنسيق الدولي» لدعم اليمن في بناء مرونة مناخية مستدامة، مع ضرورة ضمان السلام المستدام كون ذلك شرطاً أساسياً لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ هذه الاستراتيجيات.

ورأى أن اتخاذ قرارات مرنة، وتكييف الإجراءات المناخية مع الواقع السياسي في اليمن، من العوامل الحاسمة في مواجهة التحديات، وقال إن التركيز على «السلام والازدهار» يمكن أن يحقق فوائد اقتصادية واجتماعية أكبر في المستقبل.

وزير المياه والبيئة اليمني مشاركاً في فعاليات تغير المناخ (إعلام حكومي)

من جهته، أكد وزير المياه والبيئة توفيق الشرجبي في الجلسة الخاصة بمناقشة هذا التقرير، التي نظمها البنك الدولي على هامش مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، أهمية دمج العمل المناخي في استراتيجية التنمية، والتكيف مع تقلبات المناخ، ومناقشة العلاقة بين المناخ والنزاع والتنمية.

وأشار وزير المياه والبيئة اليمني إلى أن تقرير المناخ والتنمية يشكل مساهمة جيدة لليمن في مواجهة تغير المناخ، وسيعمل على تسهيل الوصول لعدد من التمويلات المناخية في ظل الهشاشة الهيكلية والتقنية التي تعيشها المؤسسات جراء الحرب.

وقال الشرجبي إن التقرير يتماشى بشكل كبير مع الأولويات العاجلة لليمن، خصوصاً في مجال الأمن المائي والغذائي، وتعزيز سبل العيش، وتشجيع نهج التكيف المناخي القائم على المناطق، لافتاً إلى أهمية دور الشركاء التنمويين لليمن في تقديم المساعدة التكنولوجية والتقنية، وبناء القدرات.