مع ظهور أولى شرارات «حرب اللقاحات» التي يمكن أن تندلع بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، واستمرار التعثّر في حملات التلقيح الأوروبية التي ما زالت تغطيتها دون الخمسة في المائة من مجموع السكّان البالغين في بلدان الاتحاد التي تواجه في معظمها جموحاً جديداً في انتشار الوباء ضمن موجته الثالثة، تشهد العواصم الأوروبية الثلاث الكبرى في الاتحاد الأوروبي، برلين وباريس وروما، حركة اتصالات مكثّفة بادر بها رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي بهدف وضع حدّ لتفرّد المفوضية الأوروبية في إدارة الأزمة الصحية، وبخاصة في ملفّ اللقاحات التي باتت رهان أوروبا الأوحد للخروج من الجائحة.
واستبق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون القمة الأوروبية الخميس بسلسلة اتصالات مع قادة أوروبيين بهدف تجنب اندلاع «حرب» بين بلاده ودول الاتحاد في خصوص اللقاحات التي يهدد الأوروبيون بفرض حظر على توريدها إلى بريطانيا. وأفيد بأن جونسون تحدث في الساعات الماضية مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وهو قال في تصريحات للصحافيين، أمس، إن الموجة الثالثة من إصابات «كوفيد - 19» التي تجتاح أوروبا ربما تكون في طريقها إلى بريطانيا. وأضاف: «الخبرات السابقة علمتنا أنه عندما تضرب موجة أصدقاءنا فإنها، وأخشى أن أقول ذلك، ستصل إلى شواطئنا أيضاً وأتوقع أن نشعر بهذه التأثيرات في وقتها»، حسب ما أوردت وكالة «رويترز». ورداً على سؤال عن خطر تهديدات الاتحاد الأوروبي بحظر تصدير اللقاح للمملكة المتحدة على برنامج التطعيم في بريطانيا، قال جونسون إنه لا يعتقد أن ذلك سيحدث. وتابع: «اطمأننت خلال الحديث إلى الشركاء من الاتحاد الأوروبي على مدى الشهور القليلة الماضية من أنهم لا يرغبون في رؤية عثرات، وأعتقد أن هذا مهم جداً جداً». وقال إن بريطانيا ماضية قدماً في برنامج التطعيم، مؤكدا أن خطة تخفيف القيود وفقا لخريطة الطريق تسير على ما يرام.
وجاء كلامه في وقت أفادت مصادر دبلوماسية مطّلعة بأن رئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراغي، الذي يواجه استحالة في تنفيذ برنامجه لتسريع حملة التلقيح بسبب عدم توافر اللقاحات الكافية وعدم قدرته على اللجوء إلى مصادر خارج دائرة الاتفاقات التي وقعتها المفوضية من شركات الأدوية، يسعى إلى إقناع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بطرح مبادرة مشتركة في القمة الأوروبية يوم الخميس المقبل لدفع المفوضية نحو المزيد من التنسيق مع الدول الأعضاء في خطواتها لإدارة الأزمة، ونهج سياسة أكثر تشدداً وحزماً في ملف اللقاحات.
وتقول المصادر إن الاقتناع السائد في جميع العواصم الأوروبية هو أن المفوضيّة لم تتصرّف بالمستوى الذي تفرضه مثل هذه الأزمة، وإن الانتقادات التي وجّهت إلى رئيسة المفوضية أورسولا فان دير لاين (ألمانية) لم تقتصر على باريس وروما، بل إن الحكومة الألمانية نفسها سرّبت غير مرة إلى عدد من الحكومات الصديقة عدم ارتياحها لأدائها، وبالتالي لم يعد من الممكن التغاضي عن هذا الوضع أمام أزمة مأسوية كهذه الأزمة بالنسبة لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد.
وتؤكد أوساط دبلوماسية إيطالية أن الهدف من المبادرة ليس محاصرة المفوضية بقدر ما هو مساعدتها على مواجهة هذه المرحلة الدقيقة والصعبة بالنسبة لبلدان الاتحاد، وطرح تصوّر العواصم الثلاث الكبرى أمام القمة بعد غد الخميس من أجل دعم حكومة الاتحاد في اتخاذ القرارات التي تتعلّق بالحرب على الوباء.
وفيما تدور رحى هذه الحرب على الإمدادات اللقاحية التي ما زالت غير كافية في بلدان الاتحاد الأوروبي برغم الاتفاقات المليونية التي فاخرت بها المفوضية في الأشهر الماضية، ذهب بعض الدول إلى حد المطالبة بتفعيل المادة 122 من المعاهدة التأسيسية للاتحاد التي تخوّل المجلس الأوروبي صلاحيات استثنائية لاتخاذ التدابير اللازمة من أجل تأمين المواد والمستلزمات الأساسية، وهي صلاحيات ملحوظة بهدف اللجوء إليها في زمن الحرب، وتعني عملياً «تأميم» براءات الاختراع وإنتاج اللقاحات محلياً في مصانع الدول الأعضاء.
لكن خبراء المفوضية يرون، من جهتهم، أن اللجوء إلى هذا التدبير سيكون بمثابة إعلان الحرب على الشركات الكبرى للأدوية والتي تتمتع بنفوذ هائل، ما يجعل مثل هذه الخطوة محفوفة بتداعيات يستحيل التكهّن بها على المدى الطويل. وتقول مصادر المفوضية إن هذا ما دفع باتجاه اعتماد «الدبلوماسية الصناعية» عوض المواجهة المباشرة مع شركات الأدوية.
لكن الدول الأعضاء تشدّد على أن التأخير في تسليم كميات اللقاح الموعودة لم يعد مقبولاً أن يتكرر في ظل الظروف الوبائية الراهنة والبطء الذي تعاني منه حملات التلقيح في جميع بلدان الاتحاد، ويعيبون على المفوضية أنها أفرطت في الحذر خلال المفاوضات التي أجرتها مع شركات الأدوية، وأنها كانت مهتمة بتحاشي الخلافات الداخلية أكثر من اهتمامها بتحقيق الأهداف المطلوبة.
ومن المفارقات التي ركّزت عليها الدول الأعضاء في انتقادها لأداء المفوضية، أن حملة التلقيح التي بدأت في المملكة المتحدة قبل أيام قليلة من بدايتها في بلدان الاتحاد تجاوزت تغطيتها نصف السكان البالغين، ناهيك عن أن الدول الأوروبية التي تتباهى بنظامها الصحي الذي يوّفر تغطية شاملة لكل المواطنين وغالباً ما تقارنه بالنظام الصحي الأميركي، ما زالت بعيدة جداً عن التغطية اللقاحية التي تتحقق في الولايات المتحدة.
لكن المبادرة الإيطالية التي تحظى بترحيب من معظم العواصم الأوروبية تبقى مرهونة بالضوء الأخضر من المستشارة الألمانية التي، رغم الفتور الظاهر منذ فترة على علاقاتها مع رئيسة المفوضية، كانت هي التي رشّحتها لهذا المنصب وما زالت تعتبرها رصيداً ألمانياً على رأس كبرى المؤسسات الأوروبية.
بريطانيا: الموجة الأوروبية الثالثة لـ«كورونا» ستصل إلى شواطئنا
ضغوط على {المفوضية} لاعتماد «سياسة أكثر حزماً» في ملف اللقاحات
بريطانيا: الموجة الأوروبية الثالثة لـ«كورونا» ستصل إلى شواطئنا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة