«زمن الصبار»... جماليات خفية من رحم القسوة والخشونة

معرض للمصري محمد عبلة يضم 30 لوحة و5 قطع نحتية

نبات الصبار الثيمة الأساسية في المعرض (الشرق الأوسط)
نبات الصبار الثيمة الأساسية في المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«زمن الصبار»... جماليات خفية من رحم القسوة والخشونة

نبات الصبار الثيمة الأساسية في المعرض (الشرق الأوسط)
نبات الصبار الثيمة الأساسية في المعرض (الشرق الأوسط)

لا يعدك نبات الصبار بالكثير من الجمال في الشكل أو العديد من الخيارات المبهرة على مستوى الرائحة، حتى زهوره نادرة وقليلة، إنّه نبات صحراوي اعتاد على مواجهة ظروف مناخية قاسية، حيث ندرة الماء، كما أنّه مغطى عادة بطبقة من الأشواك لحمايته من الأعداء والمتطفلين، فكيف تحول هذا الكائن على يد الفنان التشكيلي المصري المخضرم محمد عبلة في معرضه الجديد «زمن الصبار».
هنا أنت أمام حفلة صاخبة من الألوان... بهجة عارمة تنطلق عبر فضاءات هذا المزيج المدهش من الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق. تكوينات لونية، ساطعة تارة، وحانية تارة أخرى، تصدح بموسيقى خفية على مقام الجمال في المعرض الذي يستمر بغاليري «سفر خانة» في القاهرة، حتى السادس عشر من شهر مارس (آذار) الحالي، ويضم 30 لوحة متفاوتة المقاسات تعيد اكتشاف هذا النبات المتقشف الهادئ المنكفئ على نفسه في بساطة خادعة، فتقدمه في صورة مختلفة تماماً، حيث يقف بشموخ مزهواً بمفردات الجرأة والقدرة على التحدي حيناً، كما يبدو في أحيان أخرى كما لو كان مشتبكاً في رقصة جماعية هادئة.
ويروي عبلة المولود في عام 1953 حكايته مع الصبار، مشيراً إلى أنّ الأمر بدأ في ذروة انتشار جائحة كورونا، حيث أخذ يفكر في عمل مختلف عن السائد ولم يجد أفضل من رسم الواقع القريب والحميم مثل المرسم واللوحات والحامل، فضلاً عن الحيوانات الأليفة التي يقتنيها وأصبحت جزءاً من مرسمه، إلا أنّه لم ينتبه إلى نباتات الصبار التي تملأ الحديقة الأمامية للمرسم والمليئة بهذا النبات إلا مؤخراً، ويضيف قائلاً لـ«الشرق الأوسط»، «هنا اختلف المشروع تماماً، فقد شغفتني حباً تلك العلاقات والأسرار والوشائج التي يختزنها بداخل روحه هذا النبات الذي شعرت به كما لو كان بشراً يخفي في عصارته إرثاً من الحكايات والمشاعر والشجن والأحزان، وشعرت أنّ هناك وجهاً آخر لقسوته وخشونته يصلح لأن يكون ثيمة واحدة أشتغل عليها في معرض متكامل. لم يعد الصبار بالنسبة لي مجرد نبات أخضر متشابه، وإنّما عالم شديد التفرد تنطوي كل نبتة فيه على فضائها الخاص وبصمتها السرية التي لا تشبه أحداً».
ويضم المعرض كذلك خمس قطع نحتية من خامة البرونز تبدو كما لو كانت تكمل جانباً خفياً من الصورة؛ إذ تعزف هي الأخرى على أوتار البهجة والرقص والانطلاق والحرية ليصبح النحت والتصوير في هذا المعرض كما لو كانا وجهين لعملة واحدة اسمها البهجة.
بدوره، يعلق الناقد والشاعر جمال القصاص على هذه التجربة قائلاً «يتسع فضاء الصَّبار وأزمنته في معرض محمد عبلة، ويتحول إلى دورة حياة كاملة لها رائحتها النفاذة الخاصة، يصل فيها عبلة إلى واحدة من ذرى لمساته الفنية، التي أسميها (ألفة النغمة)، فكل حركة، وكل لمسه، وكل لون، نغمة، تتواثب من الأسفل والأعلى وتسبح في فضاء التكوين كفراشات حائمة. يعزز ذلك أنّ اللوحات تضاء من داخلها بقوة نورها الخاص، كما أن الموسيقى تتدفق بنغمات وتراسلات لونية مشرقة وحانية، خضراء وزرقاء وحمراء وصفراء وأرجوانية، ألوان ساطعة تختزن خبرة بصرية وروحية عميقة وخصبة».
ويضيف القصاص «ثمة رسائل تحبو في عصارة الخط واللون، عن العواطف الدفينة والخيال الجامح في العمق، عن أمومة الألفة وأبوة الغرابة في اللون والموسيقى، وكيف يتسع المشهد بعين الصبار والفنان معاً، عبر حالة من التواشج الحميم بين الرسم والنحت، أو في إطلالات خاطفة من داخل مرسمه، (ونسته) الخاصة، بنثرياتها ومفرداتها، ابنة الماضي والحاضر، اليومي العابر والمقيم. هكذا يجلس عبلة مغموراً بهواجسه وتساؤلاته أمام اللوحة كطفل، يتأملها بشغف العابد المتصوف، منتظراً أن تفرغ من ترانيمها العاشقة النزقة، وتنفض في حِجره جمالها وقوتها الكامنة، كأنها تلد الحياة من جديد».


مقالات ذات صلة

ظهور «سمكة يوم القيامة» الغامضة على شاطئ كاليفورنيا

يوميات الشرق السمكة المجدافية كما أعلن عنها معهد سكريبس لعلوم المحيطات بجامعة كاليفورنيا

ظهور «سمكة يوم القيامة» الغامضة على شاطئ كاليفورنيا

جرف البحر سمكة نادرة تعيش في أعماق البحار، إلى أحد شواطئ جنوب كاليفورنيا، بالولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)
يوميات الشرق ولادة بمنزلة أمل (غيتي)

طائر فلامنغو نادر يولَد من رحم الحياة

نجحت حديقة الحياة البرية بجزيرة مان، الواقعة في البحر الآيرلندي بين بريطانيا العظمى وآيرلندا بتوليد فرخ لطائر الفلامنغو النادر للمرّة الأولى منذ 18 عاماً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق تعرف على أفضل 10 دول في العالم من حيث جودة الحياة (رويترز)

الدنمارك رقم 1 في جودة الحياة... تعرف على ترتيب أفضل 10 دول

أصدرت مجلة «U.S. News and World Report» مؤخراً تصنيفها لأفضل الدول في العالم بناءً على جودة الحياة.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق العمر الطويل خلفه حكاية (غيتي)

ما سرّ عيش أقدم شجرة صنوبر في العالم لـ4800 سنة؟

تحتضن ولاية كاليفورنيا الأميركية أقدم شجرة صنوبر مخروطية، يبلغ عمرها أكثر من 4800 عام، وتُعرَف باسم «ميثوسيلا».

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)
يوميات الشرق السعودية تواصل جهودها المكثّفة للحفاظ على الفهد الصياد من خلال توظيف البحث العلمي (الشرق الأوسط)

«الحياة الفطرية السعودية» تعلن ولادة 4 أشبال للفهد الصياد

أعلنت السعودية إحراز تقدم في برنامج إعادة توطين الفهد، بولادة أربعة أشبال من الفهد الصياد.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.