تقف سمر عقروق، مديرة عام قسم الإنتاج في مجموعة «إم بي سي» وراء البريق واللمعان اللذين يبهران مشاهد هذه الشاشة، مطبّقة القول المأثور «ابحث عن المرأة». واستطاعت بجهدها وذكائها أن تترجم تطلعاتها المستقبلية في عالم التلفزيون وتحقق نجاحات واسعة. ويُعرف عن عقروق، التي تقف خلف إنتاج أكبر البرامج الترفيهية على «إم بي سي» مثل «ثي ماسكد سينغر» و«ثي فويس» و«آراب غوت تالنت»، دقّتها في العمل وتفانيها. وهي عندما بدأت مسيرتها العملية، وكانت يومها فتية متخرّجة للتوّ من جامعة جورجتاون الأميركية المرموقة، واجهتها تحديات كثيرة، لكنها لم تثبّط من عزيمتها. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» قالت سمر عقروق: «لم يكن سهلاً أن أدخل قاعة الاجتماعات وأجد نفسي المرأة الوحيدة بين مجموعة من الرجال، لكنني كنت واثقة من نفسي، وأعرف أنني أمارس المهنة التي أحب، وهو أمر مهم جداً في طريق النجاح».
تصف سمر عقروق رحلتها في العمل كامرأة، بأنها كانت محفوفة بتحديات كثيرة. فهي تسافر وتُمضي وقتاً طويلاً خارج منزلها الزوجي -متزوجة من أيمن الزيود، يعمل أيضاً في مجال الإعلام- لكن التفهم كان كفيلاً بتذليل العقبات، «فنحن تعرفنا إلى بعضنا في مجموعة (إم بي سي)، وهو ساندني وآزرني بعد أن لمس عندي هذا الإصرار على التقدم، بما أقوم به».
وترى عقروق أن الدعم الذي تلاقيه المرأة بشكل عام، من المحيطين بها من زوج وأهل، يؤثر بشكل مباشر على عطاءاتها في مجال العمل. وتقول: «لا بد من التنويه بهذا الدعم الذي لاقيته من أهلي، وبالأخص من والدي الذي شجعني في شتى المجالات. صحيح أنني تربيت ودرست في أميركا، وتزوّدت بخلفية منفتحة، لكن لولا وجود مَن يدعمني من أهل في المنزل ورؤساء في العمل لما كنت وصلت إلى ما أنا عليه». ثم تروي قصتها مع النجاح، فتقول في سياق حديثها: «عندما نبدأ العمل ونحن في أعمار صغيرة، تكون طاقتنا على التحمل أكبر. لا شك أنني ارتكبت أخطاء في بداياتي، لكنّ الأمر لم يشكّل عندي عقدة. كنت جريئة ومندفعة لا حسابات دقيقة تعيقني، كما حالي اليوم. فالأغلاط التي نرتكبها في بداياتنا، بمثابة دروس ننتفع بها».
بيتي الثاني
تعد سمر عقروق مجموعة «إم بي سي» التي دخلتها منذ 25 سنة، بيتها الثاني، موضحةً: «أعطيها من نفسي تماماً كما أعطي عائلتي وأولادي. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المرأة العاملة تواجه تحديات كثيرة في كيفية الموازنة بين عملها وبيتها. فهي إضافةً إلى كونها إنسانة منتجة في العمل، تمارس واجباتها كأم وزوجة ومديرة منزل. لقد استطعت إدارة حياتي العملية بشكل جيد. وأعتقد أن الرجال لمسوا في زمن (كوفيد – 19) وعن كثب، كثرة المهمات المنزلية، التي تستطيع المرأة إنجازها، إضافة إلى ممارستها عملها في الوقت نفسه».
تعتمد المرأة التي تعد بمثابة الوجه الخفي وراء كاميرات «إم بي سي»، في حياتها العملية على الفكر أكثر من الإحساس، وتشرح: «أستمع دائماً لما يقوله لي داخلي، ولكنني أطوّره بالتفكير الدقيق. لا أتسرع في اتخاذ قراراتي، وأرى نفسي بطيئة، وهو ما يفقدني أحياناً فرصاً كثيرة. ولكنني في الوقت نفسه راضية عن أدائي وقراراتي المرتكزين على التفكير بتأنٍّ».
ومن ثم، تؤكد أنها تشعر أحياناً بالثقل والتعب... فكيف تجدد حياتها المهنية وتتجاوز هذه المراحل؟ وهنا تجيب: «قد تكون فترة انتشار الوباء هي من أكثر المراحل التي طبعتنا بالسلبية والإرهاق. إنما مع كل يوم جديد أحاول النهوض وأذكر نفسي بأن هناك الكثير من الذين يعتمدون عليّ في العمل والحياة ويجب ألا أخيب ظنهم فيّ، فأنا إنسانة أعد نفسي منضبطة وأعشق عملي كثيراً».
تفوق الغرب
حسب سمر عقروق، يتفوّق الغرب على الشرق في مجال العمل، «فهو يعتمد على أشخاص متخصصين في التدريب والتوجيه والانضباط... لا أعتقد أن الموضوع يتعلق بكفاح الشخص فقط، بل بتعليم الموظف أصول وقواعد المشاركة في العمل، خصوصاً المرأة، فهي تبحث دائماً عن موجِّه لتستلهم منه الطاقة والمثابرة، دائماً ابحث عن الأفضل بين زملائك وحاول التعلم منه. وأعترف هنا أن رئيس مجلس إدارة (إم بي سي) كان الموجّه الأساسي لي ولزملائي في العمل وهو مَن علّمنا ألا نخاف من الفشل، بل نعمل بكل جهد وكان المحفز الرئيسي لنا في أن ننجح في المهام الموكلة إلينا، أما من ناحية دعم السيدات العاملات، فهو من الأشياء المهمة التي علينا التقيد بها للإبقاء على النساء الناجحات وتشجيعهن، وتربية أولادنا على احترامهن ومؤازرتهن. أنا شخصياً حرصت على تعليم ابني هذا الموضوع. لكي تصل المرأة إلى ما تهدف إليه هناك مسؤولية مطلوبة من الجميع ولا سيما من الجيل الجديد».
وعمّا تنصح به الفتيات الشابات لتحقيق طموحهن في الزمن الصعب الذي نعيشه بسبب الجائحة، تقول: «أعتقد أنه يجب أن نتقبل الحياة بما فيها من تقلبات، وعقبات. هناك بعض المكوّنات التي تساعد على النجاح. على الشباب أن يتعلموا باكراً امتلاك عقلية التطور والنمو، والتفكير الإيجابي... حيث لا يوجد فقط صح أو خطأ، نجاح أو فشل، أسود أو أبيض. التعلم المستمر من الضرورات، وكذلك الإدراك أن الموهبة لا تشكّل أكثر من عشرة في المائة، والباقي يعتمد على تنميتها».
العمل... بشغف
وتكمل سمر عقروق كلامها: «إن العثور على شيء تحب القيام به وممارسته بشغف أمرٌ جوهري. وتقبّل فكرة أن الفشل حافز أساسي كوسيلة للتعلم. وأود أيضاً أن أخبر الشباب بشيء آخر، نعم الأوقات التي نمرّ بها قاسية، لكن علينا أن نبحث عن الأشخاص الذين يعملون بجد ويؤمنون بضرورة عمل الخير، ويقدمون إنجازات على الرغم من الصعوبات. هذا يمنح الإلهام!».
وتتابع: «أود في النهاية أن أشير إلى شيء مهم. أنا شخصياً لم يكن هدفي يوماً أن أصبح شخصية ناجحة فقط، بمعنى أن يتحدث عنّي الآخرون. رؤيتي للنجاح هي في الالتزام والمثابرة والمواظبة على ما نفعله. أؤمن بأننا يجب أن نتجاوز الأمور والمواقف السطحية وفي بعض الأحيان الأشخاص المزعجين. أنا أؤمن بضرورة أن أكون شخصاً منتجاً ومفيداً في الحياة، هذا هدفي على المدى البعيد. وتعلمت أيضاً أن الرضا المؤقت يأتي بسرعة ويتلاشى بسرعة. هذه هي استراتيجيتي الشخصية في الحياة. من هنا أشدد على أنه رغم الأوقات الصعبة التي نواجهها، علينا أن نتعاطى بقرارات حاسمة ولكن بتعاطف ومحبة».