طبيبات وممرضات في الصفوف الأمامية لمكافحة «كورونا»

اختبرن الموت على مدى عام كامل... وعملن لأشهر من دون يوم إجازة

عاملة صحة تتلقى لقاح «كورونا» في المركز الطبي للجامعة الأميركية ببيروت (رويترز)
عاملة صحة تتلقى لقاح «كورونا» في المركز الطبي للجامعة الأميركية ببيروت (رويترز)
TT

طبيبات وممرضات في الصفوف الأمامية لمكافحة «كورونا»

عاملة صحة تتلقى لقاح «كورونا» في المركز الطبي للجامعة الأميركية ببيروت (رويترز)
عاملة صحة تتلقى لقاح «كورونا» في المركز الطبي للجامعة الأميركية ببيروت (رويترز)

منذ فبراير (شباط) الماضي، وهنّ حبيسات مسافة الأمان، مسافة يحسبنها بدقة لتتحول إلى حاجز يقف بينهن وبين أحبائهن من أهل وأبناء، هن ممرضات وطبيبات انضممن منذ اللحظة الأولى لفرق مكافحة وباء كورونا، عملن لأشهر بلا يوم إجازة واحد، حزنّ لخيبة أصابت أمهات وآباء فقدوا أحد أبنائهم وفرحن لجدّة عادت إلى الحياة بعدما كان الفيروس أوصلها إلى حافة الموت. الممرضات والطبيبات لم يختبرن مشاعر متناقضة يوماً بقدر ما اختبرن هذا العام، إذ يتحدثن عن تعب وقوّة، عن يأس وأمل، عن رغبة بنزع السترة البيضاء والهروب، وعن إصرار على البقاء في الخطوط الأماميّة، أمّا الشعور الأصعب فكان الشعور بالذنب تجاه عائلاتهن، إذ غالباً ما كنّ يضطررن للغياب عن المنزل لساعات طويلة بسبب العمل، والبقاء بعيدات عن أحبائهن وإن كانوا في المنزل نفسه.
«منذ عام وأنا لم أضمّ أمي إلا مرة واحدة بعد شفائي مباشرة من كورونا، إذ لم أكن أقترب منها، نعيش في المنزل نفسه، ولكن مع الالتزام بالتباعد، إنها مسافة الأمان التي أفرضها على نفسي بسبب طبيعة عملي»، تقول الاختصاصية بالأمراض الجرثومية الدكتورة ميشال صليبا (37 عاماً)، في حديث مع «الشرق الأوسط»، إنّ الهاجس الذي لم يفارقها لحظة هو احتمال نقل العدوى إلى والدتها البالغة من العمر 58 عاماً.
تتحدّث صليبا عن عام متعب ومضنٍ، عن عمل لساعات متواصلة وأشهر بلا يوم إجازة واحد، عن لحظات حزن وخوف واستسلام، وتقول: «نحن لسنا أبطالاً خارقين، نعم بكيت مراراً ربما مع كلّ مريض اعتنيت به وكنت متفائلة بشفائه ثمّ انتكست حالته وتوفي، مع كلّ مريض اعتنيت به وكنت أشعر بأنني عاجزة عن إنقاذه، بكيت عند مشهد المرضى ينتظرون غرفة يعالجون فيها أو يبحثون عن أجهزة أكسجين ولا يجدونها»، مضيفة: «فكّرت ربما للحظات أن أترك العمل، أن أدير ظهري للوباء وأسترح. لكنني لم أستطع، واجبي أن أكون هنا أحارب الوباء الذي يهدّد الناس، لذلك كنت أعود وبعزم». مقابل كلّ لحظة ضعف، تتحدّث صليبا عن لحظات شعور بالرضا وبالراحة النفسيّة نابع من كونها قادرة على المساعدة في مكافحة الوباء، فقد كان الأمل يتجدّد مع كلّ حالة شفاء ومع كلّ يوم ترى نفسها تقوم بواجبها.
لا تفارق وجه صليبا البسمة وهي تتحدّث عن تجربتها كطبيبة في الصفوف الأمامية، وتضحك بصوت مسموع حين تصف خوفها، لا سيّما بداية العمل مع الوباء حيث كانت تشعر بالعوارض كلّ لحظة. حين أصيبت صليبا بكورونا بداية شهر يناير (كانون الثاني) نسيت أنها طبيبة، سيطر عليها الخوف والهلع، أخذت تتصل بصديقاتها المقربات تسألهن عن احتمال أن تكون قد نقلت العدوى إلى أمها، وكنّ يرددن إجابات تعرفها وهي التي كانت من أولى الطبيبات اللاتي التحقن بفرق كورونا، لا سيّما أنها تعمل بمستشفى رفيق الحريري الجامعي أول مستشفى استقبل حالات كورونا في لبنان، ثمّ تبتسم وتقول: «الحمد لله والدتي لم تُصَب».
لا ترى صليبا أنّ الأمر يختلف بين الطبيب والطبيبة فالموضوع إنساني بحت بالنسبة لها، وظروف عمل الطبيب والطبيبة يتشابهان، والابتعاد عن الأسرة وشروط الوقاية والتضحيات لا تختلف حسب الجنس. واعتبرت أنّ ما يواجه الطبيب في لبنان ليس فقط وباء كورونا، بل الوضع الاقتصادي الصعب، فانهيار قيمة العملة الوطنية جعلت معظم اللبنانين وبمن فيهم الأطباء يفقدون قيمة رواتبهم، وبالتأكيد بقاء الطبيبة أو الطبيب في لبنان لا يرتبط بالناحية المادية، لا سيّما أنّ العروض متاحة حالياً للسفر.
تشكل الطبيبات أكثر من 40 في المائة من الطاقم الطبي الموجود في لبنان الذي يضم نحو 15 ألف طبيب وطبيبة، حسبما يوضح نقيب الأطباء في بيروت شرف أبو شرف، مشيراً في حديث مع «الشرق الأوسط»، إلى أنّ هذه النسبة سترتفع مع الدفعات الجديدة، إذ إن نسبة الطبيبات الجدد أكثر من الأطباء في عدد لا بأس به من الاختصاصات.
ويشير أبو شرف إلى أنّ النسبة الكبرى من الطبيبات كما الأطباء وبسبب طبيعة عملهم هم على احتكاك يومي مع الوباء، وإن لم يكن كلّهم في الخطوط الأمامية، لافتاً إلى أنّ أوّل حالة إصابة في الطاقم الطبي كان لطبيبة، وأنّ لبنان فقد طبيبة واحدة، وهي فردوس صفوان التي توفيت في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، جراء إصابتها بفيروس كورونا.
حتى اللحظة، لا تشعر صليبا برغبة في الهجرة للعمل خارج لبنان، ليس فقط لأنّها لا تقوى على ترك والدتها وحدها، بل أيضاً لعدم تحملها ترك لبنان وهو يواجه هذا الوباء في أصعب ظرف اقتصادي، فهي تأمل في أن ينتصر لبنان على هذا الوباء لتعانق والدتها، ومن ثمّ «تطفئ هاتفها وتأخذ إجازة طويلة».
وكان الطاقم الطبي خسر في لبنان 500 طبيب وطبيبة هاجروا إلى دول خليجية أو أوروبية والولايات المتحدة، حيث وجدوا فرص عمل أفضل، بعدما خسرت رواتبهم أو بدل أتعابهم 80 في المائة من قيمتها بسبب انهيار العملة الوطنية.
في موضوع مكافحة كورونا، قد لا تختلف يوميات الطبيبات عن يوميات الممرضات، فهنّ أيضاً يتحدثن عن التعب والهواجس نفسها، لا سيما خلال الشهرين الأولين من العام الحالي، حين ارتفعت أعداد الإصابات في لبنان بشكل غير مسبوق، فوصلت المستشفيات إلى ما يزيد على طاقتها الاستيعابية.
فاطمة عبيد (47 عاماً) كانت واحدة من أولى الممرضات اللاتي انضممن إلى فريق كورونا في مستشفى رفيق الحريري، لا تزال تذكر اسم أول مشتبه فيه دخل المستشفى واسم أول إصابة. تروي عبيد لـ«الشرق الأوسط»، تفاصيل الساعات الأولى لاستقبال مرضى كورونا: «لم يكن عددنا كطاقم تمريضي يعمل في قسم كورونا يتجاوز 4 أشخاص، كنا مدربين على التعامل مع الأوبئة مثل (إيبولا) و(سارس) و(إتش وان إن وان). ولكنّ كورونا كان جديداً، نعم خفنا، ولكنّ الواجب كان أقوى»، تقول عبيد إنها لم تتردد لحظة في أن تكون على الخطوط الأمامية لمواجهة كورونا، فهي لطالما كانت تشارك في أعمال تطوعيّة ترى فيها خدمة لمجتمعها.
بداية الجائحة، عملت عبيد لما يزيد على 3 أشهر بلا يوم إجازة واحد، ولساعات تزيد على 12 ساعة يومياً، «لم يكن عددنا كافياً، عملنا لساعات متواصلة، تعبنا، بكينا، ولكن مع الوقت بدأ عدد الممرضين والممرضات العاملين بكورونا يرتفع، فكان ضغط العمل يخفّ ولكنّه لم يصبح يوماً مريحاً»، تقول عبيد.
لم تكتفِ عبيد بالانضمام إلى فريق كورونا، إذ عملت أيضاً على تشجيع 3 من أبنائها، وهم ممرضون، للانضمام إلى الطاقم التمريضي المخصص لكورونا. «أخبرتهم أنّ عدد الممرضين والممرضات غير كافٍ، وأنّ الواجب يحتم عليهم الانضمام. كنت فرِحة بأنهم لم يترددوا، فهناك وباء يهدد مجتمعنا ولا أريد أبنائي أن يكونوا على الحياد والمستشفيات بحاجة إليهم، لا أنكر أنني أخاف عليهم، ولكنني كنت لأخاف أكثر لو أنهم تخاذلوا». تأخذ عبيد نفساً عميقاً حين أسألها عن التعب، وتقول: «أي نوع من التعب تقصدين؟ الجسدي مقدور عليه ولكن النفسي صعب، تخيلي أنك تهتمين بمريض وأنت تعرفين أن فرص نجاته من الموت ضئيلة، أو أن تستقر حالة مريض ومن ثمّ يتوفّى؟ هذا فضلاً عن مشاهد تكررت لأشخاص يبحثون عن غرف أو أجهزة أكسجين وهم في حالة حرجة، أو لزملاء يصابون واحداً تلو الآخر، أراهم ينهارون ويبكون من الحمل الثقيل الملقى عليهم، أصبت بكآبة شعرت بتعب غير مسبوق، ربما فكّرت للحظات بالعودة ولكنّي لم ولن أفعلها». تتحدّث عبيد عن متاعب وضغوطات من نوع آخر، عن والدتها التي كانت تتصل بها مراراً وتكراراً وتطلب منها ترك العمل وتقول: «لا أريد أن أخسرك، هذا ما كانت تكرره أمي على مسامعي يومياً، وأنا عاجزة عن طمأنتها وجهاً لوجه، قلقها عليّ كان يتعبني».
طبيعة عمل عبيد وصَمَها، إذ تروي أنّ أخاها اتصل بها وطلب منها عدم زيارة قريتها خوفاً من أن تكون مصابة بكورونا وتنقل العدوى للآخرين. وتضيف: «لم يكن مرحباً بي حتى في بلدتي وبيتي، أعذرهم، الوباء كان جديداً والخوف كان أقوى من الحقائق العلمية».
تمرّ أيام وعبيد لا ترى أبناءها، فساعات عملها طويلة ودوامها غالباً ما يكون عكس دوامات أبنائها، وهذا أيضاً ليس سهلاً عليها، ولكنّها تعرف أنّ المهنة التي اختارتها تتطلب تضحيات. تعتبر عبيد أنّ أكثر ما يواجهها كامرأة تعمل في مجال التمريض لا يتعلق بكورونا، بل بطبيعة مهنة التمريض التي تضطرها للعودة إلى المنزل في ساعات متأخرة من الليل، هذا فضلاً عن حرصها الدائم بأن تبقى قوية حتى لا تقصر تجاه عائلتها او عملها.
رغم استمرار ارتفاع أرقام الإصابات بكورونا في لبنان وبطء عملية التلقيح ضد الفيروس، يبقى أمل عبيد بالانتهاء من الوباء كبيراً جداً، وعندها ستأخذ إجازة طويلة ربما تسافر خلالها أو تتجه إلى قريتها وتقضي ساعات مع عائلتها، لا سيما والدتها، لتعود بعدها إلى عملها بطاقة أكبر.
لا تنكر عبيد أنّ راتب الممرضة كما الممرض لا يقارن بالتضحيات التي يقدمونها، ولكنها تعتبر أنّ الأزمة الاقتصادية «على الجميع»، والممرضون كما الأطباء يحمل عملهم جانباً إنسانياً يجبرهم على الاستمرار.
ويُشار إلى أن هناك ما يزيد على 600 ممرضة وممرض هاجروا خلال السنوات الأخيرة إلى بلدان عربية وأوروبية، حيث توافرت لهم فرص عمل برواتب وحوافز أفضل بكثير مما تقدّمه مستشفيات لبنان، لا سيما أن قيمة رواتب العدد الأكبر منهم باتت لا تتجاوز 100 دولار شهرياً، رغم أن حياتهم معرّضة للخطر بشكل يومي.
وتشكّل الممرضات في لبنان نحو 80 في المائة من مجمل عدد الطاقم التمريضي، توفي منهن 3 ممرضات بسبب إصابتهن بكورونا (وممرضان اثنان)، أما عدد الإصابات فتجاوز 2000 بين ممرض وممرضة.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».