لم يكن صوت النجمة المخضرمة فانيسا ريدغريف وهي تتلو أبياتا شعرية من «سوناتا 73» لشكسبير في بداية عرض المصممة روكساندا إلينشيك مهدئا للأعصاب فحسب، بل أيضا مطمئنا على مستقبل الموضة. كذلك أكدت أحجاًًر الكريستال المقاومة للتوتر التي زينت بها غابرييلا هيرست أول تشكيلة لها لدار «كلوي»، وألوان وخطوط ميوتشا برادا الداعية للتفاؤل، وغيرها من الإبداعات النسوية التي تابعناها افتراضيا خلال أسابيع الموضة العالمية لخريف 2021 وشتاء 2022 أن المرأة خير من تداوي الجراح وتتبنى الإيجابية العملية. المصممة الشابة سيمون روشا شرحت بأنها كأي امرأة وأم عاشت تجربة الحجر الصحي ومطبات التعليم عن بُعد مع أطفالها كانت تتوق في كل لحظة إلى «نقطة نظام... فقد كان كل شيء من حولي فوضى في فوضى». ولم تنس أن تعرب عن تفاؤلها من خلال تشكيلة تقطر نعومة، بأن السحابة بدأت تنقشع وأن الانفراج قريب.
فشتان بين شهر مارس (آذار) هذا العام وشهر مارس العام الماضي حين تعرض عالم الموضة إلى ما يشبه التسونامي. وقف حينها هذا العالم ضعيفا مذهولا من هول الصدمة والخوف من مستقبل مجهول. لكنه ليس كغيره من القطاعات، فهو الأكثر تفاعلا مقارنة بالباقين كما أنه، وهذا هو الأهم، قائم أساس على التغيير. وهذا تحديدا ما ساعده على أن يفيق من هول الصدمة بسرعة أكبر ليبدأ عملية البحث عن وسائل ومهارات فنية جديدة يبنى بها نفسه من جديد.
بيد أن هذا لا يعني أن «الجديد هو الأفضل بالضرورة» حسبما صرحت به المصممة غابرييلا هيرست. الدليل أن لا شيء يعوض عن عروض الأزياء التقليدية وما تثيره من مشاعر وحماس إلى حد الآن، المهم حاليا هو تقبل حقيقة أن التغيير قادم والاستعداد للتعامل معه بمرونة. البداية كانت في أسبوع نيويورك الذي تقلص إلى حد استدعى تغيير اسمه إلى «نيويورك كوليكشنز». أما في ميلانو، فقد قررت دار «فيرساتشي» عرض تشكيلتها خلال أسبوع باريس، بحجة أن العرض في وقت محدد لم يعد إلزاميا. أمر أعطته كل من «غوتشي» و«بوتيغا فينيتا» التابعتين لمجموعة كيرينغ بعدا أكبر بإعلانهما أنهما سيقدمان عروضهما فقط عندما يريان أن الوقت مناسب. المصمم ورئيس مجلس المصممين الأميركيين توم فورد لم يرفض هذه التغيرات. بالعكس، صرح بأن الوقت حان لكي يأخذ كل مصمم أو علامة أزياء القرار المناسب الذي يضمن وصول تصاميمها للزبائن بشكل لائق. ويبدو أن اللائق حاليا يتركز حول ثلاثة عناصر ألا وهي الأناقة والراحة والطمأنينة. عناصر أكدت المرأة أنها تفهمها أكثر من غيرها. سيمون روشا مثلا وجدت نفسها تقوم بعدة أدوار في اليوم الواحد هذا العام حسب قولها: دور الزوجة ودور الأم التي عليها أن تعتني بأطفالها وتشرف على تعليمهم عن بُعد، إضافة إلى دورها كمصممة. غابرييلا هيرست كان أيضا ينتظرها تحد جديد. فهذا الموسم كان عليها أن تقدم أول تشكيلة لدار «كلوي» الفرنسية بعد تسلمها المشغل من البريطانية كلير وايت كيلر في العام الماضي.
أما ميوتشا برادا التي تعاونت مع راف سيمونز لرسم صورة المرأة للموسمين القادمين، فكان الحل في نظرها هو مزج الفخامة بالراحة. فالعالم سيفتح أبوابه قريبا للحياة والسفر، وهذا يعني أن المرأة ستكون متعطشة لكل ما هو جميل من دون أن تكون لديها رغبة في التنازل عما تعودت عليه من راحة طوال العالم. وعلقت في لقاء عبر «زووم» أن ما كان طبيعيا قبل 2020 لن يعود، لهذا سيكون التغيير صعبا على البعض إلا إذا كان مفعما بالجمال والأمل والتفاؤل.
تشكيلة غابرييلا هيرست، ترجمت ما تطمح إليه المرأة من لمسات أنثوية ورومانسية افتقدتها هذا العام بطابع إنساني اعتمدت فيه على الحرفية المتوارثة جيلا عن جيل وعلى مفهوم الاستدامة والخامات المعاد تدويرها. أطلقت على تشكيلتها عنوان «أفروديت» إشارة إلى كمية الحب التي صبتها فيها. حرصت أن تأتي بسيطة في خطوطها، شقية في أنوثتها لا سيما القطع الممزوجة بلمسة ذكورية. طبعا لم تنس المصممة أن تأخذ بعين الاعتبار أن جينات دار «كلوي» يغلب عليها الأسلوب البورجوازي البوهيمي، ومن هنا لم تطلق العنان لأسلوبها الحداثي الذي يطبع ماركتها الخاصة عادة، وكانت النتيجة مجموعة منسدلة تحث على الانطلاق وتستحضر حقبة الـ«هيبيز» بكل ما تتضمنه من حب وانفتاح على ثقافات الآخر، تارة من خلال فساتين الكشمير الطويلة وتارة من خلال «البونشوهات» المستوحاة من المكسيك أو النقشات الإثنية.
الجميل في كل إطلالة أنها لا تترك مجالا للشك بأن من صممتها امرأة تفهم احتياجات بنات جنسها. غابرييلا اعترفت أن المهمة لم تكن صعبة رغم اختلاف أسلوبها الحداثي عن أسلوب «كلوي» البوهيمي. فأرشيف الدار غني بالبصمات النسوية والأنثوية التي تركتها مصممات توالين على إدارتها الإبداعية من قبلها، من المؤسسة غابي إلى المصممات فيبي فيلو وستيلا ماكرتني وكلير وايت كيلر وأخريات.
المصممة سيمون روشا تفوقت أيضا على نفسها. فهي لم تبخل على عرضها الافتراضي لا بالبنية السردية ولا بالمؤثرات السينمائية، حيث كانت لتشكيلتها بداية ونهاية كأي قصة أو فيلم. البداية كانت بوردة جمعت النعومة بالقوة، والنهاية بمجموعة مستوحاة من سكر بنات تتميز بكشاكش من التول وتنورات مستديرة على شكل بتلات ورد حرصت أن تبقيها شفافة لكي تظهر من تحتها قمصان مفصلة. تشرح سيمون أنها استلهمت البداية من وردة تابعت نموها وتفتحها رغم تغير الفصول والعوامل الخارجية القاسية. فكرت كيف تجعل بعض التصاميم قوية تتحدى كل شيء، فكان الجلد هو الخيار الأول. اجتهدت في تطويعه وضخه بجرعة من المرونة والأنوثة، بعد ذلك انتقلت إلى دمج الألوان والأقمشة ببعض من خلال تقنية «التابيستري» وفي الوقت ذاته خلق بليسيهات مطرزة لإضفاء المزيد من النعومة على هذه التصاميم.
ورغم أن سيمون وغيرها وجدن في الأخير نقطة النظام التي كن يحاولن البحث عنها، فإن أكثر العروض إثارة هذا الموسم كانت عرض روكساندا إلينشيك. كان عبارة عن فيلم من ثلاث دقائق ومن بطولة ثلاثة أجيال ممثلة في النجمة المخضرمة فانيسا ريدغريف 84 عاما، وابنتها جولي ريتشاردسون 53 عاما وحفيدتها دايزي بيفان 28 عاما.
كان الفيلم توثيقا لحياة عائلة ريدغرييف في فترة الحجر، التي قضتها في بيت واحد بمنطقة «ساري»، ما بين لعب الورق والكتابة والمشي في الريف الإنجليزي. رغم أن تصوير الفيلم تم بواسطة هواتفهن الجوالة بسبب قوانين التباعد الاجتماعي الصارمة وصعوبة التصوير، فإن النتيجة كانت مبهرة مرت فيها الثلاث دقائق وكأنها ثواني. فاجتماع ثلاثة أجيال من أسرة فنية معروفة عالميا كان سرياليا جعله أقرب إلى فيلم وثائقي منه إلى عرض أزياء، وهو ما لم تنكره المصممة أو تتضايق منه. فهذه الفترة ليست عن الأزياء بقدر ما هي عن التجربة واكتساب خبرات مفيدة استعدادا للمرحلة القادمة. كان همها الأول أن تختبر كيف يمكن أن تلامس الأزياء كل الأجيال لتثير السعادة والإيجابية في كل واحد منهم وهذا ما تحقق لها.
من المرأة إلى المرأة... تصاميم مريحة مفعمة بالحب والتفاؤل
من المرأة إلى المرأة... تصاميم مريحة مفعمة بالحب والتفاؤل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة