غلّبت لجنة التحكيم المضمون على الشكل

قراءة في نتائج «مهرجان برلين‫ ‬السينمائي»

TT

غلّبت لجنة التحكيم المضمون على الشكل

ما الذي يجمع بين الإيراني والإسرائيلي؟ اشتراكهما في عضوية لجنة التحكيم التي أشرفت على المسابقة الرسمية. محمد رسولوف، هو مخرج إيراني منبوذ من قِبل حكّام إيران لأنه تجرأ وصنع أفلاماً لا تعجب النظام، آخرها «ليس هناك من شر»، الذي فاز بذهبية مهرجان برلين في العام الماضي (2020).
الثاني هو ناداف لابيد، المخرج الإسرائيلي الذي انتقد بدوره البنية الإسرائيلية في فيلمه «مرادفات»، الذي فاز بذهبية مهرجان برلين في العام الأسبق (2019). لكن هذه لم تعاقبه بحرمانه من العمل مستقبلاً، كما فعل القضاء الإيراني تبعاً لمطالب الحكام هناك.
رسولوف ولابيد كانا من بين ستة سينمائيين كوّنوا عضوية لجنة التحكيم. الآخرون هم المخرجون والمخرجات ياسميلا زبانيتش (بوسنيا)، جيانفراكو روزي (إيطاليا)، إلديكو إينيدي (المجر)، وأدينا بنتيللي (رومانيا). وجميع هؤلاء اتفقوا - أو لم يتفقوا إذ من غير المسموح نشر النقاشات والسجالات - على توجيه الفيلم الروماني «حظ سيئ للحب» لصاحبه رادو يود صوب الفوز بجائزة مهرجان برلين الأولى هذا العام.
في تبريرها المعلن، فإن الفيلم «لديه تلك النوعية النادرة والأساسية لعمل فني مستديم. يقبض على المحتوى والجوهر، على العقل والجسد، على قيم واللحم النيئ للحظة الحاضرة في الزمن. في هذه اللحظة الفعلية لوجود الإنسان».
لا بد أن لجنة التحكيم شاهدت فيلماً آخر غير الذي شاهدناه، أو يمكن أن تكون نسخة متطوّرة من تلك التي عُرضت على باقي المشاهدين. مع استحالة ذلك، فإن الواضح أن لجنة التحكيم، على نحو أو آخر، رأت ما لم يتبدَّ لمعظم النقاد… لحم نيئ وقبض على المحتوى والجوهر... إلخ.
الفيلم، وقد عرضناه موسعاً في ملحق السينما، يوم أول من أمس، لديه قيمة بلا ريب: أخذ عيّنة فردية (مدرّسة تفشل في السعي لمنع انتشار فيديو صوّره زوجها لهما وهما يمارسان الحب على النت) يعرضها على خلفية اجتماعية واسعة، حيث جميع من حولها، ومن يحاكمونها، مشترك في فساد ما وازدواجية معايير، ولتأكيد هذه الخلفية ينتقل المخرج إلى التاريخ فيستعرض صعود وهبوط المعايير السياسية والأخلاقية من عمق التاريخ إلى اليوم.
لا شك في قيمة المحتوى، لكن ماذا عن الأسلوب الذي وضع فيه المخرج ذلك المحتوى؟ عن نصف ساعة من سير امرأة في الشوارع والتقاط مشاغل الحياة ثم النزوع، في جزء ثانٍ من ثلاثية قصصية، صوب التاريخ، ثم العودة إلى الحاضر حيث تتلقف المدرّسة محاكمة تدينها، ما يدفعها لقلب الطاولة ثم انتحال شخصية سوبر وومان لضرب وانتهاك وتدمير معارضيها؟

- الأسوأ
المفاجأة هو أنه، بتحليل المعروض من الأفلام المشاركة في مسابقة الدورة 71، ليس هناك ما هو أكثر إثارة للاهتمام كنص سينمائي وكغرابة تنفيذ منه. هناك فيلم جيد من المجري دنيس ناغي بعنوان «ضوء طبيعي»، لكن من سيهتم هذه الأيام بحكاية تسرد، من دون طروحات حاضرة، وقائع تنتمي إلى سنوات الحرب العالمية الثانية؟ المخرج نال، رغم ذلك جائزة مُستحقّة، كأفضل إخراج، لكنه كان مستحقاً أيضاً لو فاز بذهبية أفضل فيلم لأن ناغي هو من «يقبض» على عناصر وتفاصيل صنعة الفيلم بحرفية تفتقد مثيلها غالبية الأفلام التي تم عرضها.
في النتائج كذلك فوز الفيلم الياباني «عجلات الحظ والفانتازيا» لريوسوكي هامايغوشي بالجائزة الفضية (تناولناه في «ملحق السينما» أيضاً).
في صلبه فيلم مثرثر لا يخرج عن إطار المشاهد المحبوسة ضمن مربعات. لكن تبرير لجنة التحكيم هنا ربما أسوأ من الفيلم ذاته؛ يقول: «في المكان حيث الحوار والكلمات تنتهي عادة، تبدأ الحوارات في هذا الفيلم. هذا عندما تذهب الحوارات أعماقاً عميقة لدرجة أننا نسأل أنفسنا (مدهوشين وقلقين) إلى أي عمق يستطيع الحوار أن يذهب إليه؟».
إلى درجة منحه الجائزة الفضية... لا بد!
الأسوأ ما زال قادماً: الجائزة الفضية الخاصة بلجنة التحكيم ذهبت إلى «السيد باخمان وصفّه». من دون الدخول في تفاصيل هذا الفيلم التسجيلي، يتبدّى مع نيله الجائزة الثالثة أن لجنة التحكيم غلّبت المضمون على الشكل والفحوى على السينما. الأفلام الثلاثة تشترك في أنها تُلغي اعتمادها على الجمع بذكاء بين الناحتين (الفورم والمضمون) لصالح منح المشاهدين بعض الكسل في العرض. «السيد باخمان وصفّه» (ثاني فيلم يدور حول مدرّسين) فيلم تسجيلي للألمانية ماريا سبث حول أستاذ بطريقة مختلفة في التعليم. لا يهم أن فحوى الفيلم (وتلك الطريقة) باتا واضحان بعد ربع ساعة الأولى.
الفيلم الذي ظُلم في هذه المعمعة هو الفيلم اللبناني - الكندي «دفتر المرايا» لجوانا حاجي توما وخليل جريج. فيه من السينما أضعاف ما في «عجلات الحظ والفانتازيا» و«السيد باخمان وصفّه». وبغياب المعرفة بحيثيات وتفاصيل النقاشات التي دارت بين أعضاء لجان التحكيم، ليس من الممكن كيف صاغ هؤلاء موقفهم من هذا الفيلم.

- بدائل
إنها ليست المرّة الأولى التي تأتي نتائج اللجان مختلفة عن رغبات النقاد، لكنها ربما المرّة الأولى التي تلتقي فيها الأفلام الفائزة في المراتب الثلاث الأولى بتغليب المضمون على ما عداه، وابتكار لجنة التحكيم لبيانات تجتهد فيها لتبرير من دون نجاح.
في مقابل هذه النتائج، يمكن للناقد أن ينبري بقائمته القصيرة من الأفلام التي كان يعتبرها الأحق في احتلال مراتب الفوز. هنا قائمتي الخاصة:
1 - «ضوء طبيعي» Natural Light لدنيس ناغي
2 - «دفتر المرايا» لجوانا حاجي توما وخليل جريج
3 - «المشرف على الأخ» Brother‪’‬s Keeper لفريد كراهان
4 - «فيلم شرطي» A Cop Movie لألونسو لويزبالآسيوس
5 - «تقديم» Introduction لهونغ سانغسو
كثير من أفلام الدورة في هذه المسابقة كان متوسّط القيمة، وقليل منها جيد، وقليل آخر رديء. لكن الغائب الأكبر كان حميمية اللقاء بين الجمهور والأفلام. في الدورات السابقة لكل مهرجان كبير، كمهرجان برلين، ترتسم ألفة ذلك اللقاء وأهميّته. تشاهد ما تريد على الشاشة التي صُنعت بكل مساحاتها وتقنياتها لجودة المشاهدة وتفاصيلها. تنتقل من صالة لأخرى. تجلس في المكان الذي اعتدت الجلوس عليه. يبدأ الفيلم، تنساب نحوه وسط الجموع. تخرج منه إن لم يكن لفيلم آخر فلجلسة بينك وبين المقال الذي ستكتبه لصحيفتك.
ما اضطر المهرجان إليه هذه السنة هو توزيع الأفلام على المشاهدين في بيوتهم. شاشاتهم الصغيرة أو الكبيرة (وهذا الناقد لديه شاشة مونيتور قياس 42 إنش تستوعب الكثير من صفات الشاشة السينمائية من دون أن تعوّضها كاملة) ولدى كل منهم 24 ساعة لمشاهدة ما يستطيعون اختياره من نحو 25 فيلماً يومياً. في نهاية المطاف هو ماراثون في البيت بغياب كل الحسنات الأخرى التي اعتدنا عليها.


مقالات ذات صلة

الوثائقي «ملفات بيبي» في مهرجان تورونتو يثير غضب نتنياهو

شؤون إقليمية الوثائقي «ملفات بيبي» في مهرجان تورونتو يثير غضب نتنياهو

الوثائقي «ملفات بيبي» في مهرجان تورونتو يثير غضب نتنياهو

يتناول الفيلم تأثير فساد نتنياهو على قراراته السياسية والاستراتيجية، بما في ذلك من تخريب عملية السلام، والمساس بحقوق الإنسان للشعب الفلسطيني.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
يوميات الشرق المخرج الإيراني أصغر فرهادي الحائز جائزتَي أوسكار عامَي 2012 و2017 (إدارة مهرجان عمّان السينمائي الدولي)

أصغر فرهادي... عن أسرار المهنة ومجد الأوسكار من تحت سماء عمّان

المخرج الإيراني الحائز جائزتَي أوسكار، أصغر فرهادي، يحلّ ضيفاً على مهرجان عمّان السينمائي، ويبوح بتفاصيل كثيرة عن رحلته السينمائية الحافلة.

كريستين حبيب (عمّان)
يوميات الشرق تمثال «الأوسكار» يظهر خارج مسرح في لوس أنجليس (أرشيفية - أ.ب)

«الأوسكار» تهدف لجمع تبرعات بقيمة 500 مليون دولار

أطلقت أكاديمية فنون السينما وعلومها الجمعة حملة واسعة لجمع تبرعات بقيمة 500 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (لوس انجليس)
يوميات الشرق الممثل الشهير ويل سميث وزوجته جادا (رويترز)

«صفعة الأوسكار» تلاحقهما... مؤسسة «ويل وجادا سميث» الخيرية تُغلق أبوابها

من المقرر إغلاق مؤسسة «ويل وجادا سميث» الخيرية بعدما شهدت انخفاضاً في التبرعات فيما يظهر أنه أحدث تداعيات «صفعة الأوسكار» الشهيرة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق أبطال المنصات (مارتن سكورسيزي وبرادلي كوبر) يغادران «أوسكار» 2024 بوفاضٍ خالٍ

هل تخلّت «الأوسكار» عن أفلام «نتفليكس» وأخواتها؟

مع أنها حظيت بـ32 ترشيحاً إلى «أوسكار» 2024 فإن أفلام منصات البث العالمية مثل «نتفليكس» و«أبل» عادت أدراجها من دون جوائز... فما هي الأسباب؟

كريستين حبيب (بيروت)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».