«تحديات أمنية خرافية» تواجه عمليات نقل لقاحات {كورونا} إلى العالم

عنصران من رجال الأمن يحرسان شحنة للقاح «كوفيد – 19» لدى وصولها إلى مطار قرب ساو باولو أمس (رويترز)
عنصران من رجال الأمن يحرسان شحنة للقاح «كوفيد – 19» لدى وصولها إلى مطار قرب ساو باولو أمس (رويترز)
TT

«تحديات أمنية خرافية» تواجه عمليات نقل لقاحات {كورونا} إلى العالم

عنصران من رجال الأمن يحرسان شحنة للقاح «كوفيد – 19» لدى وصولها إلى مطار قرب ساو باولو أمس (رويترز)
عنصران من رجال الأمن يحرسان شحنة للقاح «كوفيد – 19» لدى وصولها إلى مطار قرب ساو باولو أمس (رويترز)

خلال الشهور المقبلة، سيتم نقل مليارات الجرعات من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد، عبر الشاحنات والطائرات والسفن والقطارات إلى المستشفيات والصيدليات في مختلف أنحاء العالم. ومع وصول قيمة شحنات هذه اللقاحات إلى عشرات المليارات من الدولار، حيث يمكن أن تصل قيمة الشحنة الواحدة إلى 70 مليون دولار، فإن الشيء المؤكد هو أن اللصوص والقراصنة سيحاولون الاستيلاء عليها.
ونقلت وكالة «بلومبرج» للأنباء عن ثورستن نيومان، الرئيس التنفيذي للفرع الأوروبي لاتحاد حماية الأصول المنقولة، الذي يمثل الشركات العاملة في مجال نقل السلع الثمينة، القول إن نقل شحنات لقاحات فيروس كورونا «تمثل أكبر تحدٍّ أمني خلال جيل كامل» بالنسبة لشركات الشحن.
وكانت الشرطة الدولية «إنتربول» قد أصدرت إنذاراً من الدرجة البرتقالية في ديسمبر (كانون الأول) الماضي يحذر من زيادة حادة في عمليات السطو المسلح على شحنات اللقاحات، إلى جانب عمليات التخريب المتعمدة لهذه الشحنات من جانب جماعات متطرفة رافضة للقاحات.
وإذا نظرنا إلى الأرباح الكبيرة للسوق السوداء للأدوية، التي تعالج أمراضاً مزمنة مثل السرطان والتهاب المفاصل، فسيكون من السهل نسبياً معرفة ما يمكن أن يحققه اللصوص من أرباح من خلال بيعهم لقاحات كورونا، خاصة إذا علمنا أنه يتم حاليا على شبكة الإنترنت المظلمة بيع لقاحات كورونا، مجهولة المنشأ وغير مرخصة مقابل 200 دولار لكل جرعة. وقد حفز ذلك شركات الشحن على تعديل دليل العمل والتأمين، الذي تم تطويره لمحاربة عمليات السطو على شحنات السلع غالية الثمن، التي تكبدها سنوياً نحو 40 مليار دولار.
وبحسب وكالة الصحافة الألمانية، فقد أشارت «بلومبرج» أيضاً إلى أن جائحة فيروس «كورونا» أدت بالفعل إلى انتشار عمليات سطو المنتجات المتعلقة بها. ففي العام الماضي تمت سرقة ملايين الأقنعة الواقية من إحدى منشآت الطيران في كينيا. كما تمت سرقة قفازات طبية، بقيمة مليون دولار، من حاوية في ولاية فلوريدا الأميركية، وسرقة نحو 200 جهاز تنفس اصطناعي كانت في طريقها إلى كولومبيا، بل وصل الأمر إلى سرقة المناشف الورقية للحمامات، حيث تمت سرقة نحو 130 ألف بكرة من المتاجر في بريطانيا العام الماضي.
واختارت شركة «إتش إيسرز» الهولندية، المتخصصة في نقل الشحنات الحساسة مثل النقود والأعمال الفنية، أفضل سائقيها وأكثرهم خبرة لقيادة الشاحنات التي تنقل جرعات اللقاح المضاد لفيروس كورونا إلى مختلف دول أوروبا.
ومن جانبه، قال روبرت كويل، المسؤول عن نقل منتجات الرعاية الصحية في شركة الشحن السويسرية العملاقة «كوين. بلس. نيجل»، إن الشاحنات التي تنقل لقاحي «موديرنا» و«سينوفاك» لا تحمل أي علامات مميزة كإجراء أمني إضافي. كما أنها تخضع لحراسة رجال مسلحين في بعض المناطق، وتم تزويدها بأنظمة تتبع، بحيث يمكن مراقبتها خلال رحلتها على مدار الساعة من جانب نحو 20 موظفاً، يعملون في فريق «الخدمة الممتازة» لنقل لقاحات كورونا في الشركة.
بدورها، جهّزت شركة النقل الألمانية «إير كارجو ترانسبورت»، المتخصصة في نقل السلع عالية القيمة، نحو عشر شاحنات لنقل شحنات اللقاحات، بتكلفة وصلت إلى 300 ألف دولار لكل شاحنة، حيث تم تجهيز أبواب البضائع بأجهزة إنذار تصدر صوتاً بقوة 90 ديسيبل، وزر استغاثة على لوحة قيادة السائق لتنبيه المقر الرئيسي لأي خطر تتعرض له الشاحنة. وإذا تم اختطاف الشاحنة، يمكن لمفتاح القفل إيقاف تشغيل المحرك آلياً، بحيث يكون من الصعب تحريكها من مكانها.
كما ستحظى الشحنات بمستويات محسنة من التأمين المادي على امتداد الطريق، بما في ذلك عدم السماح للشاحنات بالتوقف في غير المواقع المتفق عليها سلفاً. كما ستحظى القافلة التي تحمل كمية من اللقاحات، تزيد قيمتها على 10 ملايين دولار، بحراسة من الشرطة في أغلب الأحوال. وستسير سيارة بها حارسان بملابس مدنية وراء كل شاحنة لحمايتها من الذين قد يحاولون إيقاف الشاحنة، والاستيلاء على الشحنة على الطرق السريعة، وهو أسلوب شائع بين عصابات دول شرق أوروبا، بحسب هورست بويدكر، أحد مديري شركة «إير كارجو ترانسبورت».
أما داخل الشاحنات، فسيتم تزويد صناديق جرعات اللقاح بأجهزة استشعار لاسلكية، تنقل بيانات أي تغيير في درجة الحرارة والضوء والموقع، وذلك لتتبع الشحنة في حالة السرقة، وضمان سلامة أنظمة التبريد اللازمة للحفاظ على اللقاحات.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟