تراجع جديد في صرف الليرة يُنهك السوريين ويزيد الأسعار

TT

تراجع جديد في صرف الليرة يُنهك السوريين ويزيد الأسعار

انعكس التدهور الكبير والمتسارع لسعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي، بشكل كارثي على الوضع المعيشي للمواطنين في مناطق سيطرة الحكومة الذين أنهكهم الفقر والارتفاع الجنوني و«اللحظي» في الأسعار، وتضخم أزماتهم المعيشية.
وعاد سعر صرف الليرة السورية، منذ أكثر من أسبوعين للتدهور بشكل يومي أمام الدولار الأميركي، وسجل أمس تراجعا قياسيا تاريخيا أمام الدولار الأميركي في السوق الموازية يعد الأكبر في تاريخ العملة المحلية، إذ وصل في فترة الظهيرة وفق العديد من العاملين في السوق إلى 3900 ليرة، بعدما حافظ خلال الأشهر الثلاثة الماضية على سعر ما بين 2700 - 2900. فيما بقي سعر الصرف الرسمي في نشرة «مصرف سوريا المركزي» 1250.
ويقول أحد العاملين في السوق الموازية لـ«الشرق الأوسط»، إنه «رغم الإجراءات التي تتخذها السلطات الأمنية من ملاحقة للعاملين في السوق، يشهد سعر الصرف في كل ساعة تراجعا بسبب الطلب الكبير على الدولار». سبق أن شهدت العملة المحلية في يونيو (حزيران) الماضي، تراجعا قياسيا تاريخيا أمام الدولار في السوق الموازية، إذ تراجع سعر صرفها مقابل الدولار من 2300 إلى أكثر من ثلاثة آلاف، ليعود ويستقر بعد إجراءات أمنية ما بين 2200 - 2300، ومن ثم عاد للتراجع تدريجيا إلى ما بين 2700 - 2900، بعدما كان في بداية عام 2011 الذي انطلق فيه الحراك السلمي نحو 50 ليرة.
وتشهد مناطق سيطرة الحكومة بعد نحو 10 سنوات من الحرب، أزمة اقتصادية خانقة فاقمها أكثر تطبيق قانون «قيصر» منذ 17 يونيو الماضي، وحزم العقوبات التي تبعته، إذ تفاقمت بشكل كبير أزمات توفر الطحين والبنزين والمازوت والغاز المنزلي والدواء والانقطاع الطويل للكهرباء وأزمة توفر وسائل النقل العامة والخاصة بسبب نقص الوقود.
كما ساهمت تدابير التصدي لوباء «كوفيد - 19»، والانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان المجاور، حيث يودع سوريون كثر أموالهم، في إساءة الوضع بمناطق سيطرة الحكومة السورية.
وأثار التراجع الجديد لقيمة الليرة والغلاء الفاحش وأزمات توفر الخبز والوقود امتعاضاً واسعاً في أوساط المواطنين، ويؤكد «محمد» (40 عاما)، لـ«الشرق الأوسط»، أنه يمضي «من 5 إلى 7 ساعات أمام الفرن للحصول على ربطتي خبز بالسعر الحكومي المدعوم (100 ليرة ثمن الربطة التي تحتوي على 7 أرغفة)»، ويضيف «لا أستطيع شراءها (الربطة) بألف من الرصيف، وأنا وغيري مجبرون على تحمل إذلال الحكومة لنا للحصول على الخبز».
«سميرة» وهي ربة منزل، تبدي غضبها من موجة الغلاء الكبيرة التي ترافق كل تدهور لسعر صرف الليرة، ومن الحكومة التي تتخذ «موقف المتفرج»، وتقول لـ«الشرق الأوسط»، «الأسعار ترتفع في كل ساعة. شيء لا يتصوره العقل، ولا يمكن أن يتحمله المواطن الذي بات لا يستطيع شراء أبسط الأشياء». وتضيف: «المصيبة أن الحكومة لا تعمل شيئا لوقف تدهور الليرة، والأنكى أنها ترفع الأسعار في مؤسساتها كلما تدهور سعر الصرف!».
وترافق التدهور الجديد لسعر الصرف مع موجة ارتفاع عاتية لأسعار جميع المواد الغذائية والمستلزمات المنزلية بنسب تراوحت ما بين 50 - 35 في المائة، إذ يصل سعر الكيلوغرام الواحد من السكر حاليا إلى 2500 ليرة بعدما كان 1300، واللبن الرائب إلى 1200 بعدما كان 900، فيما ارتفع الكليوغرام الواحد من الفروج المذبوح إلى 7500 ليرة بعدما كان 4500.
وأقر مدير إحصاءات التجارة الخارجية والأسعار في المكتب المركزي للإحصاء التابع للحكومة بشار القاسم في تصريح نشر مؤخرا، أن الرقم القياسي لأسعار المستهلك وصل إلى 2107.8 في المائة، حتى شهر أغسطس (آب) من عام 2020، وذلك مقارنة بعام 2010. وذكر أن التضخم السنوي عن الفترة ذاتها بلغ 139.5 في المائة.
ومع أن المصرف السوري المركزي أعلن اتخاذ مجموعة من الإجراءات للتدخل في سوق القطع لإعادة الاستقرار لليرة وتحقيق التوازن، فإن الليرة واصلت هبوطها الحاد، ما أدى إلى تراجع كبير في حركة الأسواق ولوحظت بوضوح يوم الثلاثاء حالة شلل شبه عامة ظهرت بوضوح في محال الخضار واللحوم والأغذية التي سجلت ارتفاعا غير مسبوق بالأسعار، إذ تجاوز سعر كيلو لحم الضأن 30 ألف ليرة ولحم الدجاج 10 آلاف ليرة والبندورة ألف ليرة والبطاطا كذلك. وتحتاج العائلة السورية إلى أربعة أفراد كمصاريف معيشية إلى ما لا يقل عن مليون ليرة شهريا بالحد الأدنى ما يعادل 250 - 300 دولار، في حين أن معدل رواتب العاملين في الدولة من 60 - 80 ألف ليرة، ما يعادل 15 - 20 دولارا.
وأفادت مصادر في السوق بدمشق بإغلاق عشرات الورش الصناعية الصغيرة بسبب ارتفاع أسعار المواد الأولية، كما توقف المئات من التجار عن البيع الشراء خلال الأيام القليلة الماضية لعدم استقرار سعر الصرف وسط حالة من الذهول.
ويعيش أكثر من 87 في المائة في مناطق سيطرة الحكومة تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، إذ لا يتجاوز مرتب موظف الدرجة الأولى الشهري الـ50 ألف ليرة، بينما أقر «الاتحاد العام لنقابات العمال» مؤخرا بأن العائلة باتت تحتاج إلى 600 ألف ليرة شهريا لتعيش.
وسبق أن حذرت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي، جيسيكا لاوسون، من أنّ ارتفاع الأسعار «يهدّد بدفع مزيد من السوريين إلى الجوع والفقر وانعدام الأمن الغذائي، فيما القدرة الشرائية تتآكل باستمرار».
وتظاهر العشرات من سكان مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية في جنوب سوريا في يونيو (حزيران) الماضي احتجاجاً على الأوضاع المعيشية الصعبة. وأطلقوا هتافات مناوئة للنظام ومطالبة بإسقاطه.



تأكيد عربي على دعم «عملية انتقالية جامعة» في سوريا

المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)
المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)
TT

تأكيد عربي على دعم «عملية انتقالية جامعة» في سوريا

المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)
المشاركون في أعمال اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا (وزارة الخارجية الأردنية على إكس)

أصدرت الدول العربية المجتمعة في مدينة في الأردن، اليوم السبت، بيانها الختامي الذي أكدت فيه دعمها لعملية انتقالية سلمية سياسية سورية - سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية السورية.

وقال البيان بعد اجتماع أعضاء لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا التي تضم: الأردن، والسعودية، والعراق، ولبنان، ومصر، وأمين عام جامعة الدول العربية، وبحضور وزراء خارجية الإمارات، ومملكة البحرين، الرئيس الحالي للقمة العربية، ودولة قطر، وذلك ضمن اجتماعات العقبة حول سوريا: «أكد المجتمعون الوقوف إلى جانب الشعب السوري الشقيق، وتقديم كل العون والإسناد له في هذه المرحلة الدقيقة، واحترام إرادته وخياراته».

وأضاف: «ندعم عملية انتقالية سلمية سياسية سورية - سورية جامعة، تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية السورية، وبمن فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني بعدالة، وترعاها الأمم المتحدة والجامعة العربية، ووفق مبادئ قرار مجلس الأمن رقم 2254 وأهدافه وآلياته».

كما دعا البيان إلى «تشكيل هيئة حكم انتقالية جامعة بتوافق سوري، والبدء بتنفيذ الخطوات التي حددها القرار للانتقال من المرحلة الانتقالية إلى نظام سياسي جديد، يلبي طموحات الشعب السوري بكل مكوناته، عبر انتخابات حرة ونزيهة، تشرف عليها الأمم المتحدة، استناداً إلى دستور جديد يُقره السوريون، وضمن تواقيت محددة وفق الآليات التي اعتمدها القرار».

وأكد البيان على «دعم دور المبعوث الأممي إلى سوريا، والطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تزويده بكل الإمكانات اللازمة، وبدء العمل على إنشاء بعثة أممية لمساعدة سوريا؛ لدعم العملية الانتقالية في سوريا ورعايتها، ومساعدة الشعب السوري الشقيق في إنجاز عملية سياسية يقودها السوريون وفق القرار 2254».

وشدد على أن «هذه المرحلة الدقيقة تستوجب حواراً وطنياً شاملاً، وتكاتف الشعب السوري بكل مكوناته وأطيافه وقواه السياسية والاجتماعية؛ لبناء سوريا الحرة الآمنة المستقرة الموحدة التي يستحقها الشعب السوري بعد سنوات طويلة من المعاناة والتضحيات».

إلى ذلك طالب البيان بـ«ضرورة الوقف الفوري لجميع العمليات العسكرية»، وأكد «ضرورة احترام حقوق الشعب السوري بكل مكوناته، ومن دون أي تمييز على أساس العرق أو المذهب أو الدين، وضمان العدالة والمساواة لجميع المواطنين».

ودعا إلى «ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، وتعزيز قدرتها على القيام بأدوارها في خدمة الشعب السوري، وحماية سوريا من الانزلاق نحو الفوضى، والعمل الفوري على تمكين جهاز شرطي لحماية المواطنين وممتلكاتهم ومقدرات الدولة السورية».

وحث على «الالتزام بتعزيز جهود مكافحة الإرهاب والتعاون في محاربته، في ضوء أنه يشكل خطراً على سوريا وعلى أمن المنطقة والعالم، ويشكل دحره أولوية جامعة».

أيضاً، أكد البيان «التضامن المطلق مع الجمهورية العربية السورية الشقيقة في حماية وحدتها وسلامتها الإقليمية وسيادتها وأمنها واستقرارها وسلامة مواطنيها. وتوفير الدعم الإنساني الذي يحتاج إليه الشعب السوري، بما في ذلك من خلال التعاون مع منظمات الأمم المتحدة المعنية».

وتطرق إلى العمل على «تهيئة الظروف الأمنية والحياتية والسياسية للعودة الطوعية للاجئين السوريين إلى وطنهم، وتقديم كل العون اللازم لذلك، وبالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة المعنية».

كذلك، أدان البيان توغل إسرائيل داخل المنطقة العازلة مع سوريا وسلسلة المواقع المجاورة لها في جبل الشيخ ومحافظتي القنيطرة وريف دمشق، ورفضه احتلالاً غاشماً وخرقاً للقانون الدولي ولاتفاق فك الاشتباك المبرم بين سوريا وإسرائيل في عام 1974، مطالباً بانسحاب القوات الإسرائيلية.

كما أدان الغارات الإسرائيلية على المناطق والمنشآت الأخرى في سوريا، وأكد أن هضبة الجولان أرض سورية عربية محتلة يجب إنهاء احتلالها، مطالباً مجلس الأمن باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف هذه الاختراقات.

وأوضح أن التعامل مع الواقع الجديد في سوريا سيرتكز على مدى انسجامه مع المبادئ والمرتكزات أعلاه، وبما يضمن تحقيق الهدف المشترك في تلبية حقوق الشعب السوري وتطلعاته.