أصبح نوعان مختلفان من فيروس «كورونا» مألوفين للغاية في غضون أسابيع قليلة، بحيث يمكنك سماع اسميهما وهما يُنطقان بانتظام في نشرات الأخبار.
وأظهرت سلالة «بي117»، التي تم تحديدها لأول مرة في بريطانيا، القدرة على الانتشار بعيداً وبسرعة. في جنوب أفريقيا، يمكن لطفرة تسمى «بي 1. 351» أن تتفادى الأجسام المضادة البشرية، مما يضعف فاعلية بعض اللقاحات، وفقاً لصحيفة «نيويورك تايمز».
وكشف العلماء أيضاً عن متحور ثالث متعلق بالبرازيل، يُدعى «بي1»، حيث كان البحث المرتبط به أبطأ منذ اكتشافه في أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مما ترك العلماء قلقين بشأنه.
وقال برونوين ماكينيس، عالم الأوبئة في «معهد برود»: «كنت أحبس أنفاسي».
* «بي 1» والمخاطر
تقدم الآن 3 دراسات تاريخاً واقعياً للارتفاع الكبير في انتشار «بي 1» بمدينة ماناوس الأمازونية. على الأرجح، نشأت هذه السلالة هناك في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ثم أدى ذلك إلى ارتفاع قياسي في حالات الإصابة بالفيروس. وجد البحث أن السلالة سيطرت على المدينة جزئياً بسبب العدوى المتزايدة. لكنها اكتسبت أيضاً القدرة على إصابة بعض الأشخاص الذين كانت لديهم مناعة بسبب الإصابة سابقاً بـ«كورونا». وتشير التجارب المعملية إلى أن سلالة «بي1» يمكن أن تضعف التأثير الوقائي للقاح صيني قيد الاستخدام الآن في البرازيل.
يذكر أن الدراسات الجديدة لم تنشر بعد في المجلات العلمية. ويحذر المؤلفون بأن النتائج على الخلايا في المختبرات لا تُترجم دائماً إلى العالم الحقيقي، وقد قاموا بمحاولة لفهم سلوك سلالة «بي1» حديثاً.
وقال نونو فاريا، عالم الفيروسات في «إمبريال كوليدج - لندن»، الذي ساعد في قيادة كثير من الأبحاث الجديدة: «تنطبق النتائج على ماناوس، لكنني لا أعرف ما إذا كانت تنطبق على أماكن أخرى».
ولكن حتى مع وجود الألغاز التي لا تزال قائمة حول «بي 1»، قال الخبراء إنه بديل يجب أخذه على محمل الجد. قال ويليام هاناغ، عالم الأوبئة بجامعة هارفارد: «من الصواب القلق بشأن سلالة (بي1)، وهذه البيانات تعطينا سبباً لذلك».
وتنتشر «بي 1» الآن في بقية أنحاء البرازيل، وعُثر عليها في 24 دولة أخرى. في الولايات المتحدة، سجلت «مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها» 6 حالات في 5 ولايات: ألاسكا وفلوريدا وماريلاند ومينيسوتا وأوكلاهوما.
وللحد من مخاطر تفشي سلالة «بي1»، قال الدكتور فاريا إنه «من المهم مضاعفة كل إجراء لدينا لإبطاء انتشار الفيروس. يمكن أن تعمل الأقنعة والتباعد الاجتماعي ضد (بي1)، ويمكن أن يساعد التطعيم في تقليل انتقالها وحماية أولئك الذين يصابون بها من المرض الشديد».
وقال: «الرسالة النهائية هي أنك بحاجة إلى تكثيف جميع جهود التطعيم في أسرع وقت ممكن... يجب أن تكون متقدماً على الفيروس بخطوة».
* التفشي في ماناوس
بدأ الدكتور فاريا وزملاؤه تتبع فيروس «كورونا» عندما انتشر في البرازيل الربيع الماضي. تعرضت مدينة ماناوس، التي يبلغ عدد سكانها مليوني نسمة في منطقة الأمازون البرازيلية، لضربة شديدة بشكل خاص. في ذروة الربيع، غمرت جثث الموتى مقابر ماناوس.
ولكن بعد بلوغ الذروة في أواخر أبريل (نيسان) الماضي، بدا أن ماناوس قد تجاوزت أسوأ ما في الوباء. اعتقد بعض العلماء أن هذا الانخفاض يعني أن ماناوس اكتسبت مناعة قطيع.
بحث الدكتور فاريا وزملاؤه عن الأجسام المضادة لفيروس «كورونا» في عينات من بنك الدم في ماناوس خلال يونيو (حزيران) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين. وأشاروا إلى أن نحو ثلاثة أرباع السكان أصيبوا بالعدوى.
لكن قرب نهاية عام 2020 بدأت الحالات الجديدة في الارتفاع مرة أخرى. قال فاريا: «كان هناك في الواقع عدد أكبر بكثير من الحالات مقارنة بذروة الحالات السابقة، والتي كانت في أواخر أبريل... وكان ذلك محيراً للغاية بالنسبة لنا».
وتساءل فاريا وزملاؤه عمّا إذا كانت المتحورات الجديدة مسؤولة جزئياً عن عودة التفشي. في بريطانيا، وجد الباحثون أن سلالة «بي117» كانت تنتشر بشكل كبير في جميع أنحاء البلاد.
ونشر فاريا وزملاؤه وصفاً لـ«بي1» في «منتدى علم الفيروسات» على الإنترنت في 12 يناير (كانون الثاني) الماضي. ثم قاموا بالتحقيق في سبب انتشار السلالة. وظهر المتغير في ماناوس في الوقت الذي كانت فيه المدينة أكثر استرخاءً بشأن تدابير الصحة العامة.
* إصابة المتعافين
من الممكن أيضاً أن تكون «بي 1» شائعة لأنها يمكن أن تصيب الناس مرة أخرى. عادة ما تكون إعادة العدوى بالفيروس التاجي نادرة؛ لأن الأجسام المضادة التي ينتجها الجسم بعد الإصابة تكون فعالة لأشهر عدة. لكن من المحتمل أن تكون «بي 1» تحمل طفرات جعلت من الصعب على تلك الأجسام المضادة الالتصاق بها، مما يسمح لها بالانزلاق إلى الخلايا والتسبب في التهابات جديدة.
واختبر الباحثون هذه الاحتمالات من خلال تتبع «بي 1» من عيناتها الأولى في ديسمبر. بحلول أوائل يناير، شكلت هذه السلالة 87 في المائة من العينات. بحلول فبراير (شباط) الماضي كانت قد سيطرت على الحالات بالكامل.
بدمج البيانات من الجينومات والأجسام المضادة والسجلات الطبية في ماناوس، خلص الباحثون إلى أن سلالة «بي1» غزت المدينة؛ حيث ساعدت طفراتها على انتشارها. مثل «بي117»، يمكن أن تصيب عدداً أكبر من الأشخاص، في المتوسط، مقارنة بالمتغيرات الأخرى. ويقدر الباحثون أنه يمكن انتقال هذه السلالة في مكان ما بين 1.4 و2.2 مرة أكثر من سلالات فيروس «كورونا» الأخرى.
ويقدر الأطباء أنه من بين كل 100 شخص أصيبوا بـ«كورونا» في ماناوس العام الماضي، قد يكون ما بين 25 و61 منهم قد أصيبوا مرة أخرى بسلالة «بي1».
وجد الباحثون دعماً لهذا الاستنتاج في تجربة مزجوا فيها فيروسات «بي 1» مع أجسام مضادة من برازيليين أصيبوا بـ«كوفيد19» العام الماضي. ووجدوا أن فاعلية أجسامهم المضادة تراجعت 6 أضعاف مقابل «بي1» مقارنة بفيروسات «كورونا» الأخرى. قد يعني هذا الانخفاض أن بعض الأشخاص على الأقل سيكونون عرضة للإصابة بعدوى جديدة من «بي1».
وقال فاريا: «يبدو أن هناك مجموعة متزايدة من الأدلة التي تشير إلى أن معظم الحالات المرتبطة بالموجة الثانية هي بالفعل نوع من إعادة إصابة الأشخاص الذين تعافوا من (كوفيد19) من قبل».