موسكو توجه «نصيحة» إلى دمشق عشية وصول بيدرسن

TT

موسكو توجه «نصيحة» إلى دمشق عشية وصول بيدرسن

استبقت موسكو الزيارة المحتملة للمبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسن بتوجيه رسائل مباشرة إلى السوريين وإلى الأطراف الغربية، أكدت فيها على «رفض محاولات دفن عملية الإصلاح الدستوري»، ولوحت بأن «البديل سيكون عملية تجري في دمشق ويقاطعها المجتمع الدولي». وبدا أن موسكو أرادت التمهيد لمحادثات بيدرسن في العاصمة السورية، بعدما أجرى الأخير جولتي مناقشات موسعتين في موسكو مع المسؤولين العسكريين والسياسيين.
وبعد لقائه نائب وزير الدفاع ألكسندر فومين، التقى بيدرسن وزير الخارجية سيرغي لافروف مساء الخميس، وجرت المحادثات التي وصفت بأنها «شاملة وتفصيلية» خلف أبواب مغلقة، لكن الخارجية الروسية أفادت في بيان في وقت لاحق بأن الطرفين أكدا خلالها على أنه «لا بديل للحل السياسي في سوريا». وزاد البيان أن لافروف وبيدرسن «ناقشا بالتفاصيل الدائرة الكاملة للقضايا المتعلقة بالتسوية في سوريا، بما في ذلك الأوضاع على الأرض ومهمات تقديم المساعدات الإنسانية ومعالجة الأحوال الاجتماعية الاقتصادية».
وأضاف أن الجانبين أوليا «اهتماماً خاصاً لعمل اللجنة الدستورية، التي انعقدت جلستها الخامسة أواخر يناير (كانون الثاني) في جنيف»، كما تطرقا إلى «نتائج الاجتماع الدولي الـ15 حول سوريا في إطار عملية آستانة، الذي جرى يومي 16 و17 فبراير (شباط) في سوتشي».
وأكد لافروف وبيدرسن «الموقف المشترك المتمثل في أنه لا بديل للحل السياسي للأزمة السورية في إطار عملية يقودها وينفذها السوريون أنفسهم، بناء على احترام سيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها ووحدة أراضيها، كما ينص عليه القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة». كما تبادل وزير الخارجية الروسي والمبعوث الأممي الآراء بشأن «الأوضاع الإنسانية في سوريا بالتركيز على ضرورة استنفار كامل المساعدة للسوريين الذين يعانون مع الحاجة إليها في كل أراضي البلاد دون أي تمييز وتسييس وشروط مسبقة، الأمر الذي لا شك في أنه سيسهم في العودة الآمنة والكريمة للاجئين والنازحين» إلى أماكن إقامتهم.
وأشار لافروف إلى دعم روسيا لدعوة الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى تخفيف العقوبات أحادية الجانب التي تم فرضها التفافاً على مجلس الأمن الدولي، بما في ذلك على سوريا، خاصة في ظل جائحة فيروس «كورونا».
في غضون ذلك، تعمد المبعوث الرئاسي الروسي لشؤون التسوية السورية ألكسندر لافرنتييف توجيه رسائل قبل زيارة بيدرسن إلى دمشق. وقال إن موسكو «تعمل مع السوريين عن كثب، وتقدم لهم النصيحة حتى يمكن المضي قدماً في عملية التسوية السياسية، وبشكل يضمن أن تظل المصالح الوطنية لسوريا مصونة ولا تتعرض لأي محاولات تقويض». وزاد أنه «بشكل عام، لدينا اتصالات جيدة للغاية مع دمشق. لكن مرة أخرى، لا أخفي ذلك، فهم يقولون أحياناً: بما أن روسيا موجودة في سوريا، فهذا يعني أن لديها كل أدوات التأثير على دمشق وهي ملزمة، إذا جاز التعبير، بإصدار الأوامر، ويجب على السوريين تنفيذ ذلك. هذا تفسير خاطئ ونهج خاطئ. لا يسعنا إلا أن ننصح ونقدم بعض التوصيات، ويجب أن يتم اتخاذ القرار مباشرة من قبل الحكومة السورية».
وحملت هذه العبارات إشارات جديدة إلى أن موسكو لا تنوي في الوقت الحالي ممارسة ضغوط على دمشق، رغم خيبة الأمل التي سببها فشل الجولة الأخيرة لـ«الدستورية» السورية. وكانت أطراف في موسكو قالت في وقت سابق إنه «يبدو أن (الكرملين) يميل إلى انتظار الاستحقاق الرئاسي المقبل في سوريا قبل اتخاذ خطوات عملية نحو دفع التسوية». وزادت أن العنصر الأساسي الذي نطلق منه موسكو هو «ضرورة الشروع بحوار شامل وبناء مع الإدارة الأميركية الجديدة وأن هذا يشكل شرطاً ودافعاً للتقدم في مجال التسوية».
والرسالة الثانية المهمة التي وجهها لافرنتييف، انطلقت من قناعة روسية بضرورة عدم السماح بـ«تهويل الفشل في عمل الدستورية» أو «المسارعة إلى إعلان دفن هذا المسار». وأوضح الدبلوماسي الروسي الذي يعد أبرز ممثلي تيار «الصقور» في روسيا الذين يرفضون ممارسة ضغوط على دمشق، أن موسكو ترى أنه «يجب دعم عمل اللجنة الدستورية. لا ينبغي بأي حال أن نؤيد أولئك الذين يريدون دفن هذه العملية. مثل هذا الحديث (دفن العملية) مطروح بالفعل، وهناك من يقول إنه إذا كان هناك مثل هذا الموقف للحكومة السورية، فسيتم دفن هذه العملية. ولا يوجد بديل آخر لهذا». وزاد لافرنتييف: «لا بديل عن عملية التفاوض حول الإصلاح الدستوري في جنيف، لأنه إذا تم تقويضها، وإذا امتنع المجتمع الدولي عن دعم هذه العملية، فلن يكون أمام الحكومة السورية خيار آخر سوى نقل ساحة العمل على الإصلاح الدستوري إلى الداخل السوري، ووضعها تحت سيطرتها مباشرة، وهو أمر لن يحصل على دعم المجتمع الدولي أو بلدان معينة، ما يعني أن المواجهة سوف تستمر وهذا ليس في صالح. ليس في مصلحة أي طرف».
وأبدى لافرنتييف «تفهماً» لمطالب دمشق، حول أنه من الضروري أولاً الوصول إلى فهم للمبادئ الوطنية الأساسية، مثل السيادة وسلامة الأراضي». وزاد: «هناك العديد من المبادئ والنقاط المهمة، بينها كيف ستكون سوريا جمهورية علمانية أم ليست علمانية؟ هل هي عربية أم مجرد جمهورية سورية؟ وهناك العديد من العناصر الأخرى التي توجد فيها خلافات، ولكنها ذات طبيعة أساسية. وفقط بعد ذلك، سيكون من الممكن بالفعل البدء في كتابة الدستور. لذلك تم التركيز خلال الجولات الثالثة والرابعة والخامسة على هذه الأسس الوطنية والمبادئ الدستورية الأساسية». وفي الوقت ذاته وجه المبعوث الرئاسي إشارة إلى أنه «ربما، بعد كل هذا، حان الوقت حقاً للانتقال إلى مناقشة مواد الدستور، كيف تراها الحكومة، وكما تراها المعارضة، وأن يتم تثبيت ذلك بشكل مكتوب، ونحن، بصراحة، لا نرى أي تهديد إذا حدث هذا».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.