آثار «كوفيد ـ 19» طويلة الأمد

تلف رئوي واعتلال دائم وتأثيرات على الأعصاب والقلب

آثار «كوفيد ـ 19» طويلة الأمد
TT

آثار «كوفيد ـ 19» طويلة الأمد

آثار «كوفيد ـ 19» طويلة الأمد


يقول الخبراء المعنيون إنه رغم وجود العديد من الأمور المجهولة بشأن آثار فيروس كورونا طويلة الأمد، فإن من المؤمل توافر المزيد من المعلومات عنه قريبا.

- عواقب الإصابة
عانى عدد كبير ومتزايد من المواطنين الأميركيين حاليا من نوبة فيروس كورونا المستجد، ويبدأ الأطباء لتوهم في الوقوف على المزيد من المعلومات حول الآثار اللاحقة على الإصابة بالمرض.
يقول البروفسور ديفيد كريستياني، الأستاذ في كلية الطب بجامعة هارفارد، وطبيب أمراض الرئة في مستشفى ماساتشوستس العام: «تصدر التقارير، واصفة الآثار طويلة الأمد على الرئتين، وهذا ليس مفاجئا لنا، حيث هناك احتمالات بحدوث التندب الرئوي ووقوع الاعتلال الدائم، فضلا عن الآثار الأخرى على الأعصاب، وأمراض القلب والأوعية الدموية، والكلى».
وبعض الناس، ممن باتوا يعرفون طبيا بمسمى «حاملي أعراض الفيروس لفترة ممتدة»، يبلغون أيضا عن استمرار المعاناة من أعراض الإصابة بالفيروس لمدة أسابيع أو شهور من وقت الإصابة الأولى. وتشتمل هذه الأعراض على أمور متعددة مثل الصداع، ومشاكل الإدراكي، والتغيرات المزاجية، والإجهاد، وانخفاض قوة التحمل لأداء التمارين، والإنهاك الجسدي.
يقول الدكتور كريستياني، وهو أيضا مدير برنامج الطب البيئي والمهني وعلوم الأوبئة في كلية تشأن للصحة العامة التابعة لجامعة هارفارد: «إننا نتعلم المزيد عن عواقب فيروس كورونا المستجد مع مرور الشهور وتنامي خبراتنا بشأنه. ويبدو أن هناك عواقب طويلة الأمد، تلك التي تستلزم المزيد من الدراسات للوقوف على ما إذا كانت بعض الآثار طويلة الأمد ناجمة عن بقاء المريض داخل وحدة العناية المركزة لفترة الطويلة إثر المعاناة من حالة مرضية شديدة من أي نوع، في مقابل السمات المعينة ذات الصلة بهذه العدوى الفيروسية المحددة».

- تأثيرات «ما بعد كورونا»
في حين أن الكثير من الأمور ما يزال مجهولا عن أعراض ما بعد العدوى ذات الصلة بفيروس كورونا، إلا أن الآثار طويلة الأمد تبدو أكثر احتمالية لدى الأشخاص الذين يعانون من بعض عوامل الخطر المعينة (مثل ارتفاع ضغط الدم والبدانة)، ولدى كبار السن، وذلك وفقاً لمنظمة الصحة العالمية. وربما يكون الأشخاص أكثر عرضة أيضا للمعاناة من الأعراض الممتدة إن كانوا يعانون الإصابة من مرض آخر أكثر خطورة بسبب الفيروس.
ومع ذلك، في حين أن الأشخاص الذين يعانون من الأعراض الطويلة الأمد لديهم عوامل الخطر الأساسية، إلا أن الأشخاص الأصغر سنا والأكثر صحة ربما يتأثروا بتلك الأعراض أيضا. وقد ذكرت منظمة الصحة العالمية أنه عبر مسح هاتفي للأشخاص البالغين الذين ظهرت عليهم أعراض فيروس كورونا، أفادت نسبة 20 في المائة من الأشخاص ضمن الشريحة العمرية (18 و37 عاما) أنهم يشعرون بآثار ممتدة جراء الإصابة بالفيروس.

- مجاهيل عديدة
قد يدفعنا هذا إلى التساؤل عن صورة العواقب المحتملة في حالة التعرض للإصابة، وما الذي يمكننا أو يتعين علينا فعله بعد إدراك هذا الأمر في حماية صحتنا على المدى الطويل. وتكمن الحقيقة في أن الفيروس جديد علينا للغاية، وبالتالي فإن الأطباء لا يفهمون سبب عدم تعافي بعض الأشخاص بصورة تامة من فيروس كورونا، أو كم هو عدد الأشخاص الذين تأثروا فعليا بالفيروس على المدى الطويل، أو ما إذا كانت هذه المشكلات سوف تحل مع مرور الوقت.
يقول الدكتور إريك روبين، أستاذ علم المناعة والأمراض المعدية لدى كلية تشأن للصحة العامة التابعة لجامعة هارفارد: «هناك القليل من المعلومات المنشورة في المجال العام بشأن التعافي بعد الإصابة بفيروس كورونا المستجد»، ولذلك عند هذه المرحلة، من الصعوبة بمكان منح الأشخاص إرشادات معينة للمتابعة أو حتى معرفة ما يمكنهم توقعه في واقع الأمر. ويضيف الدكتور روبين قائلا: «نظرا لأن فيروس كورونا من الأمراض الجديدة علينا، فليست لدينا خبرة واسعة في الصورة التي سوف يكون عليها التعافي التام منه. وبالنسبة إلى مدى انتشاره ومدى شدته، فهذا أيضا من الأمور المجهولة لنا حتى الآن».

- علامات وإشارات
ووفقاً لذلك، هناك بعض الأمور التي يشعر الأطباء بقدر معتبر من الثقة حيالها، حتى في تلك المرحلة المبكرة.
> التعافي التام قد يستغرق بعض الوقت. ومعلوم أن الكثير من الناس ممن أصيبوا بمرض الإنفلونزا أو أي عدوى حادة أخرى في الجهاز التنفسي، لا يقفزون إلى حالة التعافي التام على الفور.
إن التعافي عبارة عن عملية، وهذا يصح تماما عند الحديث عن فيروس كورونا المستجد. يقول الدكتور روبين: «بصفة عامة، كلما كانت العدوى المبدئية حادة للغاية، كلما زادت صعوبة التعافي التام وطال أمدها». والأشخاص الذين يعانون من أشد أنواع أمراض الرئتين خطورة، مثل «متلازمة الضائقة التنفسية الحادة» acute respiratory distress syndrome (ARDS)، بصرف النظر عن أسباب الإصابة، غالبا ما يعانون من طول فترات التعافي. ويستطرد الدكتور روبين قائلا: «يصح هذا الأمر تماما بالنسبة إلى المرضى الذين يصابون بمتلازمة الضائقة التنفسية الحادة، الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا المستجد. ويرجع ذلك في جزء منه إلى التعافي البطيء أو المحدود لوظائف الرئتين. ولذلك، فإن ضيق التنفس يصبح من الأمور الشائعة سيما مع بذل المجهود».
> العلاج داخل المستشفيات قد يؤدي إلى طول فترة التعافي والنقاهة. وربما ترجع بعض المعاناة في العودة إلى الحالة الطبيعية لدى العديد من الأشخاص الذين عانوا من المرض الشديد إلى هزال العضلات الذي يحدث جراء لزوم الفراش لفترة طويلة من الزمن في المستشفى أثناء مكافحة الفيروس. ولذلك، بالإضافة إلى التعافي من المرض، فإن المرضى في حاجة إلى استعادة القوة الجسدية التي فقدوها، تماما كما يقول الدكتور روبين.
> المضاعفات قد تحتاج إلى متابعة مصممة خصيصا بحسب الحالة. وبالنسبة إلى المرضى الذين عانوا من مضاعفات معينة، ربما تكون هناك حاجة إلى المتابعة المرصودة مع العلاج.
يقول الدكتور روبين، إن ما يجعل من فيروس كورونا المستجد يشكل واقعا مختلفا عن فيروسات الجهاز التنفسي الأخرى هو أنه لا يؤثر فقط على الرئتين، وإنما قد يؤدي أيضا إلى جلطات الدم المسببة للتلف التي يمكن أن تسبب السكتات الدماغية فضلا عن إلحاق الأضرار الفادحة بالقلب وأعضاء الجسد الأخرى.
ويضيف الدكتور روبين قائلا: «ربما أصيب بعض المرضى بتلف الكلى أثناء الإصابة بفيروس كورونا المستجد. وربما يحتاج أي مريض مصاب بأضرار في الأعضاء إلى استمرار تناول الدواء ومواصلة الفحص والمتابعة المحددة استنادا إلى حالة المضاعفات الخاصة به».

- إجراءات لاحقة
من المرجح للأشخاص الذين يعانون من الأعراض الأكثر حدة لفيروس كورونا أن يعانوا من الأعراض اللاحقة الممتدة. ومع ذلك، ربما لا يتمكن حتى الأشخاص المصابون بالعدوى الذين تظهر عليهم الأعراض الخفيفة، من العودة إلى الحالة الطبيعية لمدة أسابيع أو حتى شهور. يقول الدكتور كريستياني: «نظرا لعدم وجود علاجات محددة للآثار الصحية السلبية طويلة الأمد الناجمة عن فيروس كورونا، فلن يكون من المبرر في هذه المرحلة إجراء فحوصات لأمراض الرئتين أو أمراض القلب لدى الأطباء المختصين».
ومع ذلك، قد يكون من المفيد المتابعة لدى طبيب الرعاية الأولية – عن طريق التطبيب عن بعد أو بصفة شخصية بعد الشفاء – ومناقشة بعض أمور المراقبة الأساسية، والتي قد تشتمل على إجراء اختبارات الدم للوقوف على علامات الالتهاب، أو اختبار وظائف الرئتين، أو اختبار القلب المعروف باسم «مخطط صدى القلب» echocardiogram.
ويتابع الدكتور كريستياني قوله: «سوف ألاحظ في هذه المرحلة أنه لا توجد توصية محددة للقيام بتلك الإجراءات الطبية لدى كافة المرضى المتعافين من الإصابة بفيروس كورونا، ولذلك سوف يكون من المهم مناقشة المتابعة الطبية الشخصية مع طبيبك الخاص».
يقول الدكتور روبين: «إذا ما استمرت الأعراض لديك، فليست هناك إرشادات معينة ينبغي اتباعها حتى الآن. ومن المرجح لأغلب المرضى أن يتعافوا من المرض تماما رغم أن ذلك قد يستغرق بعض الوقت». وبرغم ذلك، ينبغي على الأشخاص الذين تستمر لديهم الأعراض أن يخضعوا للتقييم الطبي تماما كما سوف يفعلون بالنسبة لأي مرض مزمن آخر. ويوضع في الحسبان أنه رغم أن بعض الأعراض قد تكون ذات صلة بفيروس كورونا المستجد، إلا أنها قد تكون غير ذات صلة به أيضا، ولذلك ينبغي التحقق من السبب الكامن وراء الأعراض لدى الطبيب المختص.

- كيف تحمي نفسك في المستقبل؟
> في هذه الأثناء، إن كنت قد شفيت تماما من فيروس كورونا المستجد، فلا بد من ممارسة العادات الصحية الجيدة، تماما كما سوف تفـعل إن كنت تحاول تفادي الإصابة بالعدوى في المقام الأول.
يقول الدكتور كريستياني: «إن تكرار الإصابة بالعدوى قابل للحدوث رغم ندرته. ومن ثم، تظل الممارسات الصارمة من احترام التباعد الاجتماعي، وارتداء الكمامات الواقية في الأماكن العامة، وغسل اليدين المتكرر، من الأمور الأساسية. وفي فصل الشتاء، من الأهمية بصفة خاصة عدم التجمع في الأماكن المغلقة ضمن مجموعات صغيرة أو كبيرة من الناس. كذلك، لا بد من الحصول على لقاح الإنفلونزا، حيث إن الرئة ليست في حاجة إلى صدمة صحية أخرى، ناهيكم عن أن الإصابة بالإنفلونزا نفسها قد تكون قاسية، وربما قاتلة، وتؤدي إلى إضعاف جهاز المناعة بصفة مؤقتة، مما يجعل الإنسان معرضا للإصابة بالالتهاب الرئوي الجرثومي، أو ربما التعرض لجولة أخرى من فيروس كورونا».
ومع استمرار الأبحاث في محاولة الكشف عن نتائج جديدة بشأن فيروس كورونا، من المحتمل أن تتوافر المزيد من المعلومات خلال الشهور المقبلة.

• لدى «رسالة هارفارد الصحية» مركز مستقل للمعلومات بشأن فيروس كورونا المستجد، متاح على موقع: (www.health.harvard.edu)، ذلك الذي يمكن الحصول منه على أحدث المعلومات بشأن الفيروس.

* رسالة هارفارد الصحية خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يوميات الشرق التثاؤب يحدث عندما يكون الناس في حالة انتقالية مثلاً بين النوم والاستيقاظ (رويترز)

التثاؤب... هل يعني أن أدمغتنا لا تحصل على الأكسجين الكافي؟

يشعر معظمنا بقرب عملية التثاؤب. تبدأ عضلات الفك بالتقلص، وقد تتسع فتحتا الأنف، وقد تذرف أعيننا الدموع عندما ينفتح فمنا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق الدعم المُرتكز على التعاطف مع المريض يعادل تناول الدواء (جامعة تكساس)

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف تُحسّن السيطرة على السكري

المكالمات الهاتفية المُرتكزة على التعاطف مع مرضى السكري من أفراد مدرّبين على القيام بذلك، أدَّت إلى تحسينات كبيرة في قدرتهم على التحكُّم في نسبة السكر بالدم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

أحياناً لا يستطيع بعضنا النوم رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين، الأمر الذي يعود إلى سبب قد لا يخطر على بال أحد وهو الميكروبات الموجودة بأمعائنا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك هناك 323 قارورة من فيروسات معدية متعددة اختفت من المختبر (أ.ف.ب)

اختفاء عينات فيروسات قاتلة من أحد المختبرات بأستراليا

أعلنت حكومة كوينزلاند، الاثنين، عن اختفاء مئات العينات من فيروسات قاتلة من أحد المختبرات في أستراليا.

«الشرق الأوسط» (سيدني)
صحتك الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة (رويترز)

3 مراحل بالحياة يتقدم فيها الدماغ في السن

كشفت دراسة جديدة أن الدماغ يشيخ ويتقدم في السن بسرعة في 3 مراحل محددة في الحياة.

«الشرق الأوسط» (بكين)

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)
لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)
TT

لماذا لا يستطيع البعض النوم ليلاً رغم شعورهم بالتعب الشديد؟

لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)
لا يستطيع بعضنا النوم في بعض الأحيان رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين (رويترز)

أحياناً، لا يستطيع بعضنا النوم، رغم شعورنا بالتعب والإرهاق الشديدين، الأمر الذي يعود إلى سبب قد لا يخطر على بال أحد؛ وهو الميكروبات الموجودة بأمعائنا، وفقاً لما توصلت إليه دراسة جديدة.

وكل ليلة، ومع غروب الشمس، تبدأ بعض ميكروبات الأمعاء، المعروفة بميكروبات الليل، التكاثر والازدهار، بينما تموت ميكروبات أخرى، وتتغير المواد الكيميائية التي تفرزها هذه الميكروبات أيضاً، مما يسهم في النعاس، وفق ما نقله موقع «سايكولوجي توداي» عن مؤلفي الدراسة الجديدة.

ويصل بعض هذه المواد الكيميائية إلى منطقة تحت المهاد، وهي جزء من دماغك يساعدك على البقاء هادئاً في أوقات التوتر.

وقال الباحثون في الدراسة الجديدة: «من المدهش أن الميكروبات التي تحكم أمعاءك لها إيقاعات يومية، فهي تنتظر الإفطار بفارغ الصبر في الصباح، وفي الليل تحب أن تأخذ قسطاً من الراحة، لذا فإن تناول وجبة خفيفة، في وقت متأخر من الليل، يؤثر إيجاباً بشكل عميق على ميكروبات الأمعاء لديك، ومن ثم على نومك ومدى شعورك بالتوتر».

وأضافوا أن عدم التفات الشخص لما يأكله في نهاية يومه ربما يؤثر بالسلب على نومه، حتى وإن كان يشعر بالتعب الشديد.

كما أن هذا الأمر يزيد من شعوره بالتوتر، وهذا الشعور يؤثر سلباً أيضاً على النوم.

ولفت الفريق، التابع لجامعة كوليدج كورك، إلى أنه توصّل لهذه النتائج بعد إجراء اختبارات على عدد من الفئران لدراسة تأثير الميكروبيوم على الإجهاد والإيقاعات اليومية لديهم.

وقد حددوا بكتيريا واحدة على وجه الخصوص؛ وهي «L. reuteri»، والتي يبدو أنها تهدئ الأمعاء وتؤثر إيجاباً على الإيقاعات اليومية والنوم.

ويقول الباحثون إن دراستهم تقدم «دليلاً دامغاً على أن ميكروبات الأمعاء لها تأثير عميق على التوتر وجودة النوم».

ونصح الباحثون بعدم تناول الأطعمة والمشروبات السكرية ليلاً، أو الوجبات السريعة، وتلك المليئة بالدهون، واستبدال الأطعمة الخفيفة والمليئة بالألياف، بها.