إبراز التناغم بين مقتنيات «المتحف الإسلامي» و«البارون» في مصر

معرض «من باب الخلق لهليوبوليس» يضم 35 عملاً

ميدالية تذكارية ذهبية من تصوير الفنانة دعاء بلال (الشرق الأوسط) - قطعة نادرة من مقتنيات متحف الفن الإسلامي (الشرق الأوسط)
ميدالية تذكارية ذهبية من تصوير الفنانة دعاء بلال (الشرق الأوسط) - قطعة نادرة من مقتنيات متحف الفن الإسلامي (الشرق الأوسط)
TT

إبراز التناغم بين مقتنيات «المتحف الإسلامي» و«البارون» في مصر

ميدالية تذكارية ذهبية من تصوير الفنانة دعاء بلال (الشرق الأوسط) - قطعة نادرة من مقتنيات متحف الفن الإسلامي (الشرق الأوسط)
ميدالية تذكارية ذهبية من تصوير الفنانة دعاء بلال (الشرق الأوسط) - قطعة نادرة من مقتنيات متحف الفن الإسلامي (الشرق الأوسط)

تفاصيل فنية دقيقة، ومُفردات جمالية عميقة، يبدو كل منها عالماً قائماً بذاته في الفنون التراثية والمعمارية، غير أن وضعها بعضها بجانب بعض يخلق عالماً فنياً جديداً، تتشابك وتتداخل فيه الفنون الإسلامية والمعمارية مع الهندية والأوروبية، وهو ما حاول المعرض الفوتوغرافي «من باب الخلق لهليوبوليس» سبر أغواره، عبر تتبع مصادر التشابه والتداخل بين هذه الفنون، من خلال رصد جماليات بعض مُقتنيات متحف الفن الإسلامي التي تُبرز التشابك والتناغم الفني بين فنون مختلفة، تَجسَّد أحد أشكالها في قصر البارون إمبان، الذي يعد تحفة معمارية فريدة استوعبت فنوناً وطرزاً معمارية تُمثل حضارات مختلفة.
توظيف الرمزية ودلالاتها الفنية بدأ من اختيار اسم المعرض ومكان إقامته وموضوعه، إذ ينظمه متحف الفن الإسلامي (وسط القاهرة) تحت عنوان «من باب الخلق لهليوبوليس»، بينما يستضيفه قصر البارون إمبان في حي مصر الجديدة الراقي (شرق القاهرة)، فالأعمال المشاركة تُمثل لقطات فوتوغرافية لعدد من مُقتنيات المتحف التي تُبرز التشابك والتداخل بين الفنون الإسلامية في العمارة مع الفنون الأوروبية والهندية، وهو تداخل يبدو جلياً في التفاصيل المعمارية لقصر البارون، ويجد الزائر نفسه أمام صور فوتوغرافية لمقتنيات متحف الفن الإسلامي تضم أنماطاً فنية ونقوشاً تتشابه مع كثير من تفاصيل القصر الفنية، وفق بسمة سليم، مدير قصر البارون إمبان التي تقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الأعمال المشاركة في المعرض هي صور فوتوغرافية لقطع من مقتنيات متحف الفن الإسلامي، تُبرز التداخل مع الفن الهندي والأوروبي، وتوظيف هذه الفنون في العمارة خلال القرن التاسع عشر، فالقطع تتشابه في بعض أنماطها الفنية مع كثير من تفاصيل قصر البارون، والنقوش التراثية التي تجسد تمازج حضارات وفنون مختلفة». يضم المعرض الذي يستمر حتى 13 يناير (كانون الثاني) الجاري، 35 صورة فوتوغرافية لقطع من مقتنيات متحف الفن الإسلامي، رصد خلالها 3 فنانين من الشباب تفاصيل وأنماطاً فنية متنوعة، استخدم بعضها في عمارة قصر البارون إمبان التي تداخل فيها استخدام الفن الإسلامي مع الأوروبي والهندي. وقام الفنانون المشاركون بجولات عديدة في كل من المتحف والقصر، لمعايشة حالة التشابه الفني، ما مكنهم من التركيز على زوايا تصوير غاصت في أعماق التكوين الفني للقطع التراثية، وأبرزت مفردات فنية دقيقة لأنماط ونقوش تداخلت مع عمارة البنايات التراثية.
وتنوعت الأعمال بين صور لقطع مختلفة يتداخل فيها الفن الإسلامي مع الهندي والأوروبي، وضمت آلات موسيقية وأباريق ومكاحل وأواني هندية وعملات ذهبية وأسلحة (غدارة) ومشربيات، تجمع بينها الأنماط الفنية المتداخلة، والنقوش التراثية التي تُبرز تداخل فنون حضارات مختلفة. الفنان الشاب محمد عبد اللطيف الذي يشارك بـ18 عملاً، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الأعمال المشاركة بالمعرض تجاوزت الشكل الخارجي للقطع التراثية، وحاولت سبر أغوار التفاصيل والأنماط الفنية والنقوش التي استخدمت في الطراز المعماري لقصر البارون. وقبل التصوير قام أثريو متحف الفن الإسلامي بشرح المعلومات التراثية للقطع المرشحة، وقمت بجولات عديدة بقصر البارون لمشاهدة الأنماط الفنية والنقوش على الجدران، مما ساعدني على معايشة هذا التداخل الفني، ووضع رؤية فنية واختيار زوايا تصوير تُبرز تشابه الأنماط الفنية للقطع مع طُرز وزخارف القصر».
وشكلت مجموعة صور فوتوغرافية لقاعات العرض التي يضمها متحف الفن الإسلامي وعددها 25 قاعة بعداً جديداً للمعرض، لفك شفرة التشابك والتداخل بين الفنون التراثية المختلفة والطرز المعمارية في القرن التاسع عشر؛ إذ يتسنى للزوار مشاهدة صور لقطع تراثية من مقتنيات متحف الفن الإسلامي، بينما يتجولون بقصر البارون ليروا الأنماط الفنية نفسها، والمشربيات والنقوش نفسها على الجدران، فضلاً عن مشاهدة صور لقاعات المتحف التي تعرض فيها هذه المقتنيات.
أما الفنانة الشابة دعاء بلال، فتشارك بستة أعمال رصدت خلالها تفاصيل تداخل الفن الإسلامي والهندي، في عديد من مقتنيات المتحف، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إن «كثيراً من القطع التي قمت بتصويرها تُعد نماذج للتداخل بين الفن الإسلامي والهندي، فعلى سبيل المثال وجدت طبقاً من الخزف تتضح فيه تفاصيل وأنماط الفن الإسلامي، وفي الوقت نفسه يحوي نقوشاً ورموزاً هندية، ومعظم هذه التفاصيل الفنية الموجودة على القطع تم توظيفها في الطراز المعماري لقصر البارون».



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.