استقبال حافل لـ«بيج رامي» في القاهرة بعد فوزه بـ«مستر أولمبيا»

أول لاعب مصري يفوز بالبطولة

طاقم طائرة مصر للطيران يحتفي باللاعب قبل وصوله لمطار القاهرة (مصر للطيران)
طاقم طائرة مصر للطيران يحتفي باللاعب قبل وصوله لمطار القاهرة (مصر للطيران)
TT

استقبال حافل لـ«بيج رامي» في القاهرة بعد فوزه بـ«مستر أولمبيا»

طاقم طائرة مصر للطيران يحتفي باللاعب قبل وصوله لمطار القاهرة (مصر للطيران)
طاقم طائرة مصر للطيران يحتفي باللاعب قبل وصوله لمطار القاهرة (مصر للطيران)

استقبل لاعب كمال الأجسام المصري، ممدوح السبيعي الشهير بـ«بيج رامي» والفائز مؤخراً بالمركز الأول في بطولة «مستر أولمبيا» العالمية لكمال الأجسام لعام 2020، استقبال الأبطال في مطار القاهرة أمس، لدى وصوله من نيويورك على متن طائرة «مصر للطيران»، إذ احتفى طاقم الطائرة في البداية باللاعب خلال الرحلة الطويلة والتقطوا العديد من الصور التذكارية معه.
ورغم تزايد إصابات «كورونا» في البلاد، والإعلان عن دخول مصر في ذروة الموجة الثانية من الوباء، حرص العشرات على انتظار «بيج رامي» أمام صالة الوصول في مطار القاهرة الدولي. واستقبلت قيادات شركة مصر للطيران وميناء القاهرة الجوي، اللاعب في المطار بالورود احتفالا بالإنجاز الذي حققه في البطولة العالمية، كما نشرت شركة مصر للطيران بوسترات التحية والترحيب بالنجم العالمي في صالة الوصول.
وحصل السبيعي على المركز الأول عالميا في بطولة «مستر أولمبيا» 2020 لكمال الأجسام، والتي تعد وفق خبراء اللعبة إحدى أهم بطولات العالم للاعبين المحترفين في كمال الأجسام، وأقيمت البطولة في مدينة لاس فيجاس الأميركية بولاية نيفادا، في الفترة من 17 إلى 20 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. وحظى «بيج رامي» باحتفاء وسائل الإعلام المصرية ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في مصر منذ الإعلان عن فوزه بالبطولة. وتفاعل النجم المصري مع الجماهير الحاشدة بالمطار من خلال حافلة مكشوفة بعد خروجه من المطار.
وقال الدكتور عادل فهيم، رئيس الاتحاد المصري لكمال الأجسام، إن «فوز السبيعي بهذه البطولة العالمية، سوف يسلط المزيد من الضوء على لعبة كمال الأجسام في مصر»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «فوز بيج رامي ببطولة (مستر أولمبيا) لم يكن مجرد صدفة، بل نتاج مجهود كبير وتدريبات شاقة خضع لها اللاعب رغم إصابته في الآونة الأخيرة بفيروس كورونا وتعافيه منه». مشيراً إلى أن «ما حققه السبيعي يعد إنجازاً غير عادي ومشرفا لكمال الأجسام المصري».
بدوره، حرص بيج رامي على توجيه الشكر لكل من سانده ودعمه حتى يحقق هذا الإنجاز العالمي، بعدما اكتسح تصويت الجماهير في البطولة، وفقا لما نشرته الصفحة الرسمية للبطولة على «فيسبوك»، بعد منافسة مع بعض أبطال اللعبة على غرار الأميركي فيل هيث وبطل العام السابق براندون كيري والبطل الإيراني هادي شَوبان والهولندي وليم بوناك.
ورغم عدم إدراج بطولة «مستر أولمبيا» التي توج بها المصري «بيج رامي»» في أجندة الاتحاد الدولي للعبة، فإن فهيم يؤكد أنها «بطولة مهمة للغاية وتتبع جهة خاصة في أميركا، وهي أشهر بطولة احتراف في العالم»، مشيراً إلى أن «السبيعي لاعب محترف وله ممولون خاصون به، لكن الاتحاد سوف يطالب وزير الشباب والرياضة بصرف مكافأة له خلال الاحتفالية التي ستقيمها الوزارة»، لافتاً إلى أن «الاتحاد يسعى إلى مساعدة الأجيال الجديدة للفوز بالبطولات العالمية».
وشارك المصري البالغ 35 عاماً في 6 بطولات أولمبية سابقة، قبل البطولة الأخيرة، وحصل على المركز الثامن في أول ظهور له عام 2013، ونال مركز الوصيف عام 2017. فيما حقق المركز السابع في «مستر أوليمبيا للمحترفين» عام 2014، والمركز الخامس في 2015 و2016 (مركز رابع) قبل أن يتوج لهذا العام كأول مصري يحقق لقب «مستر أولمبيا».
وأحرز «بيج رامي» المركز الأول في بطولة «أرنولد كلاسيك» الشهيرة التي استضافتها البرازيل عام 2015. واحتفالا بفوز «بيج رامي» نظم أهالي قرية السبايعة التابعة لمركز بلطيم بكفر الشيخ، (شمال دلتا مصر) أمس الخميس، مسيرة بالسيارات، إلى مطار القاهرة لاستقبال اللاعب القادم من الولايات المتحدة الأميركية. وحملت السيارات ملصقات عليها صور اللاعب وأعلام مصر.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)