الدول تطبق آليات سريعة للمصادقة على لقاحات «كورونا»

زجاجات صغيرة كتب عليها: «لقاح كوفيد 19» (أرشيفية - رويترز)
زجاجات صغيرة كتب عليها: «لقاح كوفيد 19» (أرشيفية - رويترز)
TT

الدول تطبق آليات سريعة للمصادقة على لقاحات «كورونا»

زجاجات صغيرة كتب عليها: «لقاح كوفيد 19» (أرشيفية - رويترز)
زجاجات صغيرة كتب عليها: «لقاح كوفيد 19» (أرشيفية - رويترز)

أصبحت المملكة المتحدة أول بلد في العالم يرخّص لاستخدام اللقاح ضد «كوفيد19» الذي طورته مختبرات «فايزر - بيونتيك»، فيما لا تزال سلطات دول أخرى تدقق في مشاريع عدة للقاحات، معتمدة جميعها آليات سريعة، ولو بوتائر متباينة، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.
وفي ما يأتي عرض لمختلف آليات الترخيص لهذه اللقاحات:
أعطت الحكومة البريطانية الضوء الأخضر للقاح عملاً بتوصية وكالتها المستقلة لتنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية. واختارت الترخيص لاستخدام طارئ للقاح، وهي آلية يمكن تطبيقها على صعيد بلد بكامله في ظل وضع صحي طارئ.
وأوضحت مديرة الوكالة المستقلة لتنظيم الأدوية جون راين، أن «فرقاً مختلفة عملت بشكل متواز ليل نهار»، نافية تصريحات وزير الصحة البريطاني بأن الوكالة تمكنت من التحرك سريعاً بفضل «بريكست».
من جانبها، أوضحت الخبيرة بيني وارد من «كلية كينغز كوليدج» في لندن، أنه خلافاً لوكالة الأدوية الأوروبية «بإمكان الوكالة المستقلة لتنظيم الأدوية طرح أسئلة بصورة تدريجية والحصول على أجوبة بسرعة أكبر بصفتها وكالة وحيدة».
وتتولى «وكالة الأدوية الأوروبية» التي تتخذ مقراً في أمستردام، مراقبة الأدوية والترخيص لها في دول الاتحاد الأوروبي الـ27.
وأوضح وزير الصحة الألماني، ينس شبان، مؤخراً أنه «كان بإمكان بعض الدول؛ بما فيها ألمانيا، إقرار ترخيص عاجل لو أرادت، مثلما فعلت المملكة المتحدة»، مضيفاً: «رفضنا ذلك، وقررنا اتباع نهج أوروبي مشترك، ولو استغرق الأمر وقتاً أطول».
وأكدت «وكالة الأدوية الأوروبية»، في بيان، أن هذه هي «الآلية التنظيمية الأكثر ملاءمة في ظل الوضع الوبائي الطارئ الحالي»، مشيرة إلى أنها ترسي «إطاراً منضبطاً ومتيناً». غير أن الوكالة فعّلت كذلك آلية مسرعة هي آلية «المراقبة المتواصلة» لتحليل بيانات اللقاحات بالتدرّج بموازاة تواردها.
وتخضع لقاحات «فايزر - بيونتيك» و«موديرنا» و«أكسفورد - أسترازينيكا» لهذه الآلية منذ أسابيع عدة.
وستبتّ «وكالة الأدوية الأوروبية» في 29 ديسمبر (كانون الأول) الحالي «على أبعد تقدير» بشأن لقاح «فايزر - بيونتيك»، وبحلول 12 يناير (كانون الثاني) المقبل بشأن لقاح «موديرنا». وبعد ذلك، تعطي المفوضية الأوروبية الضوء الأخضر النهائي لتسويق اللقاح.
وقدمت «فايزر - بيونتيك» و«موديرنا» في الولايات المتحدة طلبي ترخيص لاستخدام طارئ للقاحيهما ضد «كوفيد19» إلى «وكالة الأدوية» الأميركية.
والآلية الأميركية أبطأ من البريطانية، لا سيما أنها تتضمن استشارات عامة. فإلى التقييم الداخلي للقاح، تعود الوكالة إلى مجلس استشاري خارجي للأخذ برأيه.
وأوضح منصف سلاوي، المسؤول عن برنامج «أوبريشن وارب سبيد» الرامي إلى تطوير وتوزيع لقاح بشكل مكثف، أن «آلية (وكالة الأدوية) الأميركية شفافة بالكامل، فيقوم خبراء مستقلون بالتعليق، ويطرحون أسئلة، ويقدمون النصح للوكالة، ويصدرون توصيات».
ومن المقرر عقد المجلس الاستشاري للقاح «فايزر» في 10 ديسمبر الحالي، وللقاح «موديرنا» في 17 من الشهر نفسه، على أن تبتّ «وكالة الأدوية» الأميركية بعد ذلك بالنسبة للقاحين.
وإذا أعطت الوكالة الضوء الأخضر، فقد يتم توزيع اللقاحات في الولايات المتحدة خلال الشهر نفسه.
وفي الصين، يمر اللقاح بثلاث مراحل من التجارب السريرية قبل أن تصادق عليه «هيئة الغذاء والدواء» الصينية.
وتتضمن هذه الآلية تجارب سريرية على نطاق واسع لإثبات «فاعلية اللقاح وسلامته»، على ما أوضح رئيس المراقبين في الهيئة وانغ تاو، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
ويتحتم على المنتج «التثبت من فاعلية اللقاح من خلال تجارب المرحلة الثالثة» و«إتمام التثبت من آلية الإنتاج على نطاق صناعي» و«وضع معايير نوعية يمكن مراقبتها»، وتابع: «ينبغي أن يثبت اللقاح أن بإمكانه (الارتقاء إلى معاييرنا المثبتة للفاعلية)».
وبعد هذه المرحلة، يقدم الصانع «طلباً لتسويق اللقاح» تدرسه «هيئة الضبط». وبعد الموافقة عليه، يوزَّع في السوق.
وتسمح الصين منذ الصيف بالتلقيح الطارئ، باستخدام لقاحات لم يصادَق عليها بعد، للموظفين والطلاب المسافرين إلى الخارج، وللعاملين في الطواقم الطبية.
وفي 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، جرى تلقيح نحو مليون شخص في الصين بصفة «طارئة» باستخدام لقاحين تجريبيين لشركة «سينوفارم» الصينية.
وكلف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحكومة تبسيط آلية تسجيل بعض الأدوية لتسريع عملية المصادقة على اللقاح ضد «كوفيد19».
وبدأت عملية تقييم لقاح «سبوتنيك - في» في منتصف فبراير (شباط) الماضي، واستكملت المرحلتان الأولى والثانية من التجارب السريرة في 1 أغسطس (آب) الماضي.
وفي 11 أغسطس، صادقت السلطات على اللقاح، إلا إن تجارب المرحلة الثالثة لا تزال متواصلة، وجرى حتى الآن تلقيح نحو 25 ألف شخص من أصل 40 ألفاً من المقرر تلقيحهم في هذا السياق. إلا إن بوتين أمر بإطلاق حملة تلقيح «واسعة النطاق» الأسبوع المقبل تستهدف أولاً «المجموعات المعرضة»، على أن يبدأ التلقيح بشكل واسع مطلع 2021.


مقالات ذات صلة

صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.

آسيا رجل يرتدي كمامة ويركب دراجة في مقاطعة هوبي بوسط الصين (أ.ف.ب)

الصين ترفض ادعاءات «الصحة العالمية» بعدم التعاون لتوضيح أصل «كورونا»

رفضت الصين ادعاءات منظمة الصحة العالمية التي اتهمتها بعدم التعاون الكامل لتوضيح أصل فيروس «كورونا» بعد 5 سنوات من تفشي الوباء.

«الشرق الأوسط» (بكين)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟