ترمب يتمسك بـ «النزاع القانوني حتى النصر»

رغم الانقسامات في فريقه وانفضاض كبار الجمهوريين من حوله

TT

ترمب يتمسك بـ «النزاع القانوني حتى النصر»

صدقت سلطات ولاية بنسلفانيا أمس على نتائج الانتخابات الرئاسية، مؤكدا أن الرئيس المنتخب جو بايدن هزم الرئيس دونالد ترمب، وجاء ذلك بعد أن صادقت السلطات في ولاية ميشيغان مساء الاثنين على حصيلة الأصوات الخاصة بها والتي أظهرت فوز بايدن، فيما لايزال محامو حملة ترمب يخوضون معركة قانونية طويلة الأمد لعكس فوز بايدن في بنسلفانيا التي لديها 20 صوتاً من أعضاء الهيئة الانتخابية. ومن المتوقع أن يفوز بايدن بـ306 أصوات انتخابية، أي 36 صوتاً أكثر مما يحتاج إليه للفوز بالرئاسة، مقابل 232 صوتاً انتخابياً لترمب.
ودفعت هذه التطورات الرئيس ترمب إلى إعلان أن موظفيه سيتعاونون مع بايدن وهو يمثل تحولاً مهماً، وكان أقرب ما يمكن إليه الاعتراف بالهزيمة. لكنه يتمسك بعدم هزيمته والاستمرار في «النزاع حتى النصر» رغم الانقسامات في فريقه القانوني وانفضاض كبار الجمهوريين من حوله.
وأبلغت إدارة الخدمات العامة، وهي الوكالة الفيدرالية التي يجب أن توقع على عمليات الانتقال الرئاسية، الرئيس المنتخب بايدن، أنه يمكن أن يبدأ رسمياً عملية التسليم. وقالت إميلي مورفي مديرة إدارة الخدمات العامة في رسالة إن بايدن سيحصل على إمكانية الوصول إلى الموارد التي حُرِم منها بسبب التحديات القانونية التي تسعى لإلغاء فوزه من قبل فريق ترمب القانوني.
وهذا يعني أن فريق بايدن سيكون لديه الآن أموال فيدرالية ومكتب رسمي لإجراء انتقالاته حتى يتولى منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل. كما أنه يمهد الطريق أمام بايدن ونائبته كامالا هاريس لتلقي إحاطات منتظمة عن الأمن القومي يحصل عليها ترمب أيضاً. ورحب زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر قائلا «ربما يكون هذا أقرب شيء إلى التنازل الذي يمكن أن يصدره الرئيس ترمب».
ورغم هذه الخطوة التي اعتبرها المحللون تمهد لاعتراف ترمب بالهزيمة والخضوع لمطالب النقل السلس للسلطة والحفاظ على التقاليد الديمقراطية الراسخة والأعراف المتبعة في انتقال السلطة سلميا، فإن ترمب ومستشاريه أعلنوا أنه سيواصل السعي إلى السبل القانونية. وغرد ترمب صباح أمس مدافعا عن منح الضوء الأخضر لمديرة إدارة الخدمات لتسهيل مهمة فريق بايدن قائلا «قضيتنا مستمرة بقوة، وسوف نستمر في القتال الجيد، وأعتقد أننا سننتصر! ومع ذلك، من أجل مصلحة بلادنا، أوصي بأن تقوم إميلي وفريقها بما يجب القيام به فيما يتعلق بالبروتوكولات الأولية، وقد أخبروا فريقي أن يفعلوا الشيء نفسه».
توجه الرئيس ترمب إلى «تويتر» للرد على أولئك الذين يرون قرار إدارة الخدمات العامة بإتاحة الموارد الفيدرالية لفريق جو بايدن الانتقالي كدليل على أن طعنه القانوني يفقد زخمه وقال «ما علاقة السماح لإدارة الخدمات العامة بالعمل التمهيدي مع الديمقراطيين بالاستمرار في متابعة قضايانا المختلفة حول ما سيصبح أكثر الانتخابات فساداً في التاريخ السياسي الأميركي؟». وغرد «نحن نتحرك بأقصى سرعة، ولن تتنازل أبدا عن أوراق الاقتراع المزيفة». وصف أحد مستشاري ترمب هذه الخطوة بأنها مشابهة لما حصل عليه المرشحان خلال الحملة الانتخابية، وقال إن بيان الرئيس لم يكن تنازلاً.
قالت المتحدثة باسم البنتاغون سو غوف، إن فريق بايدن هاريس قد اتصل بوزارة الدفاع وقالت «وزارة الدفاع مستعدة لتقديم خدمات ودعم ما بعد الانتخابات بطريقة مهنية ومنظمة وفعالة بما يتناسب مع توقعات الجمهور للإدارة والتزامنا بالأمن القومي». وجاء قرار الرئيس بإبلاغ إدارته ببدء الانتقال في الوقت الذي وصلت فيه انتقادات الحزب الجمهوري لجهوده لإلغاء نتائج فوز الرئيس المنتخب جو بايدن ذروتها يوم الاثنين. وخرج تصريحات متزايدة من الجمهوريين تطالب ترمب بالاعتراف بأن الانتخابات قد انتهت وتطالبه ببدء عملية النقل السلمي للسلطة.
وتلاشى الدعم الجمهوري لمسار ترمب في رفع الدعاوى القضائية وتحدي النتيجة الانتخابية بعد أن عجز محامو الرئيس عن تقديم أدلة وأسانيد قوية تؤيد مزاعمهم بحدوث تزوير ممنهج للانتخابات وأصوات الناخبين. وأصدر أكثر من 100 خبير جمهوري في الشؤون الخارجية والأمن القومي يوم الاثنين بيانا حذروا فيه من أن رفض ترمب البدء في نقل السلطة إلى بايدن «يشكل مخاطر كبيرة على أمننا القومي» في وقت تواجه الأمة «جائحة عالمية خطيرة»، وتهديدات من أعداء عالميين، وكان من بين الموقعين وزير الأمن الداخلي السابق توم ريدج والمدير السابق لوكالة المخابرات المركزية مايكل هايدن.
ولا يزال يتعين على الكونغرس الموافقة على ميزانية السنة المالية 2021 التي بدأت في الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، ثم أحال الرئيس التنفيذي المنتهية ولايته الأمر إلى الرئيس الجديد المنتخب، لكن من غير المرجح أن يتبع ترمب هذه السابقة. بينما يحتفظ بسلطة التفاوض مع الكونغرس حول الخطوط العريضة لمقياس قصير أو طويل الأجل لهذه السنة المالية، فإن المناقشة العامة ستركز قريباً على أولويات ميزانية بايدن للسنوات الخارجة.
ويعمل فريق بايدن بالفعل على خطة ميزانيته الخاصة ويمكن أن تتضمن الخطة بعض التنقيحات للسنة المالية 2021 ولكن أيضاً تحدد المعايير لعام 2022 وما بعده. وسيبدأ فريقه قريباً العمل مع قادة الكونغرس الرئيسيين بشأن الاستراتيجية والأهداف والأولويات، وهو أمر بالغ الأهمية لحل الاختلالات المالية طويلة المدى.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟