تصنيف واشنطن الحوثيين جماعة إرهابية... ورقة ضغط أم تعقيد المعقّد؟

متحدث باسم الخارجية الأميركية وصف أسلوب الجماعة بـ «غير الجدي»... وحضها على تغيير سلوكها

صواريخ باليستية دمرها تحالف دعم {الشرعية} معروضة في مؤتمر صحافي للمتحدث باسمه العميد الركن تركي المالكي في يوليو الماضي (غيتي)
صواريخ باليستية دمرها تحالف دعم {الشرعية} معروضة في مؤتمر صحافي للمتحدث باسمه العميد الركن تركي المالكي في يوليو الماضي (غيتي)
TT

تصنيف واشنطن الحوثيين جماعة إرهابية... ورقة ضغط أم تعقيد المعقّد؟

صواريخ باليستية دمرها تحالف دعم {الشرعية} معروضة في مؤتمر صحافي للمتحدث باسمه العميد الركن تركي المالكي في يوليو الماضي (غيتي)
صواريخ باليستية دمرها تحالف دعم {الشرعية} معروضة في مؤتمر صحافي للمتحدث باسمه العميد الركن تركي المالكي في يوليو الماضي (غيتي)

يجزم متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية بأن سياسة واشنطن حول اليمن لم تتغير أهدافها، وقال: «إنها ثابتة»، واختزلها في «العمل مع شركائنا الدوليين لتحقيق السلام والازدهار والأمن في اليمن».
يتزامن ذلك مع سجال يمني برز بعد تواتر الأنباء حول عزم واشنطن تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، إذ اعتبرته أطراف ورقة ضغط جيدة فيما ذهبت أخرى إلى أنه تعقيد للمشهد اليمني المعقد.
ولا تزال واشنطن تعتقد بالعبارة الكلاسيكية: «لا يوجد حل عسكري للصراع». لكن المتحدث نفسه وصم سلوك الحوثيين بعدم الجدية في السلام.
في وقت متأخر من يوم 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، تلقت «الشرق الأوسط» أجوبة المتحدث باسم الخارجية الأميركية عبر البريد الإلكتروني، وكانت الأسئلة تحوم حول الجدل الذي وصفته وسائل إعلام أميركية بأنه محتدم في أوساط وزارة الخارجية الأميركية، وهو تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية.
في اليوم التالي نقلت «رويترز» عن الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي قوله: «سيكون من المناسب تماما تصنيف الولايات المتحدة جماعة الحوثي المتحالفة مع إيران في اليمن على أنها منظمة إرهابية أجنبية»، مضيفا: «الجميع يعلمون أن قدرا كبيرا من أسلحة الحوثيين وأن جزءا كبيرا من آيديولوجيتهم يأتي من إيران، لذلك فهي بالتأكيد منظمة إرهابية مدعومة من الخارج».
وقالت الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط» إنها لا تناقش علنا «المداولات بشأن التصنيفات أو التصنيفات المحتملة المتعلقة بالإرهاب». بيد أن مسؤولين كباراً في الإدارة الأميركية تحدثوا عن ذلك.
يوم الأربعاء 11 نوفمبر الحالي، عقد المبعوث الأميركي الخاص لشؤون فنزويلا وإيران إليوت أبرامز اجتماعاً مع الأمير خالد بن سلمان نائب وزير الدفاع السعودي في الرياض.
ونشرت «الشرق الأوسط» في اليوم التالي تصريحاً للمبعوث قال فيه إن «تصنيف الحوثيين ميليشيا إرهابية موضوع تحت النقاش في واشنطن، إذ ترتبط المسألة بنقاشات سياسية وقانونية».
وقبل الشروع في نقاش مسألة التصنيف تجدر الإشارة إلى ما أضافه المتحدث باسم الخارجية الأميركية. إذ أوضح أن «الولايات المتحدة تواصل دعم جهود المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث وجيران اليمن «في جهودهم من أجل جلب الأطراف المتصارعة إلى توافق سياسي... لا شك أن الحلّ الدائم سيتطلب تنازلا من جميع الأطراف»، متابعا «تتركّز جهودنا على دعم اتفاق سياسي شامل ينهي الصراع، ويضع حلاً للوضع الإنساني المتردي».
وتشدد واشنطن على أن «تقديم إيران للمساعدات المميتة للحوثيين يؤجج الصراع، ويزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن»، يقول المتحدث: «نحن نؤمن بقوة بأن الحوثيين بحاجة إلى تغيير سلوكهم والتوقف عن مفاقمة الأزمة الإنسانية في اليمن. وعليهم أن يوقفوا الاعتقال التعسفي للأشخاص ومهاجمة السكان المدنيين والبنية التحتية والشحن، وأيضاً التوقف عن العمل مع الحرس الثوري الإيراني، الذي صنّفناه باعتباره منظمة إرهابية أجنبية». وأكمل قائلا: «في الشهر الماضي، هرّب النظام الإيراني حسن إيرلو، العضو في الحرس الثوري الإيراني إلى صنعاء، ويطلق على نفسه الآن لقب (السفير)... هذه الأعمال جميعها تدلّ على أن الحوثيين ليسوا جادّين في البحث عن حلّ سياسي من أجل إحلال السلام في اليمن».
وتطالب الولايات المتحدة إيران وفقاً للمتحدث «بوقف تهريب الأسلحة للحوثيين، الذي يشكّل مخالفة لقرارات مجلس الأمن الدولي ووقف تمكين أعمال الحوثيين العدوانية ضد اليمن وجيرانه بما في ذلك السعودية».

سيناريوهات ومداولات
أجرت «الشرق الأوسط» حديثاً مع ناشطين يمنيين حول التصنيف، ورصدت سجالات نشرتها وسائل الإعلام الغربية حول نجاعة التصنيف.
برز سيناريوهان. الأول يذهب إلى أن ذلك سيعطل عمل الوكالات الإغاثية الدولية إنسانياً، ويعقد المشهد المعقد سياسياً. الثاني يرى في التصنيف ورقة ضغط على الحوثيين سياسياً، وهناك استثناءات ستحول دون عرقلة العمل الإنساني.
نقلت «واشنطن بوست» عن بيتر سالزبيري كبير المحللين في مجموعة الأزمات الدولية قوله بأنه إذا تم التعجيل بالتنصيف «فقد نشهد تجفيف التجارة والتدفقات المالية في جميع أنحاء اليمن، وتفجير العملية الدبلوماسية، وسيقرر الحوثيون أنهم بحاجة إلى الرد من خلال زيادة وتيرة الهجمات على السعودية مع اللجوء إلى إيران للحصول على مزيد من الدعم».
وفي تعقيبه على تلك السردية، يقول البراء شيبان الباحث السياسي اليمني: «لو تأملنا في السنة الأخيرة لرصدنا أن الحوثيين في الأصل رفعوا من حدة تصعيد هجماتهم التي تستهدف السعودية، في المقابل الغارات الجوية الهجومية للتحالف خفت بشكل ملحوظ...» الباحثون لم يستوعبوا كيف يفكر الحوثيون.
ويرى شيبان أن «المجتمع الدولي وفي ظل هذه الظروف لا يملك أوراق ضغط حقيقية على الجماعة»، فلا يوجد من يضطرها إلى التنازل من الناحية الأمنية أو العسكرية، أو حتى أن تقدم خطوات جدية نحو السلام، لأنها لا تشعر أن المجتمع الدولي يملك ضدها شيئا، والوقائع أثبتت ذلك في الحديدة، حين رفضت الميليشيات نزع الألغام التي زرعتها، ورفضت محادثات فك الحصار عن محافظة تعز، لم تستطع الأمم المتحدة بكل هيئاتها أو مؤسساتها أن تقنع الحوثيين حتى بالتوقف عن مسألة تجنيد الأطفال، والآن هناك انهيار مالي كبير بسبب سطوة الجماعة على البنوك في صنعاء وغيرها.
يكمل شيبان: «أعتقد أن الأفكار التي تتداولها الأمم المتحدة منذ فترة حالمة، والكلام على الورق جميل، لكن أثبتت الوقائع أنه لا يمكن تنفيذه على الأرض، أبرز مثال هو أن كل الخطط الأمنية والعسكرية التي تم الاتفاق عليها فشلت بما فيها دعوات التهدئة ووقف إطلاق النار، والسبب الرئيسي عدم وجود ورقة الضغط».
في المقابل يقول خلدون باكحيل وهو ناشط سياسي يمني: «كناشط ومهتم بقضايا السلام والأمن الإقليمي بالمنطقة أعتقد أن إضافة أي تعقيدات على ديناميكية الصراع باليمن والمنطقة لن تضيف إلا أعباء باهظة الأثر على المشهد المعقد سلفا بالمنطقة، ولعل الأخبار المتواترة حول نوايا أطراف بالإدارة الأميركية بتصنيف حركة أنصار الله المعروفة (بالحوثيين) كتنظيم إرهابي سيكون قراراً بدفن أي آمال للتسوية السياسية في الأمد المنظور، وستجهض عملية السلام باليمن بقيادة الأمم المتحدة وتنفيذ القرار الأممي 2216، وسيؤدي إلى مآلات اقتصادية وإنسانية مدمرة».

مآلات التصنيف
«كمواطن يمني يحزنني قيام أي دولة بتسمية أي طرف يمني كتنظيم إرهابي ومساواته على غرار (القاعدة) و(داعش) والجماعات التكفيرية، فهذا أمر مجاف للموضوعية والحقيقة، ولا يخدم بلادي» يقول باكحيل، ويضيف «ما آمله كمواطن يمني من الأصدقاء في الولايات المتحدة هو دعم جهود المبعوث الأممي وقنوات الحوار والتفاوض والتهدئة وبناء الثقة وتوقيع الإعلان المشترك لوقف إطلاق النار».
من ناحيته أجاب البراء شيبان بالقول إن «تصنيف الجماعة كجماعة إرهابية وهي بطبيعة الحال تستوفي كل الشروط التي تستوجب تصنيفها إرهابية مثلها مثل (طالبان)؛ سيسمح للمجتمع الدولي أن يحاورها من منطلق قوة، وأن يكون في المستقبل تقديم خيار إزالة اسم الجماعة من قائمة الإرهاب عامل ضغط. إذا سمحت بتشكيل حكومة جديدة وتقدمت بشكل جدي نحو السلام... كل هذه الخطوات أوراق يمكن أن تفاوض عليها الأمم المتحدة، ومن هذا المنطلق أعتقد أنها خطوة في الاتجاه الصحيح».
واستدل الباحث اليمني بسياسة الضغط القصوى التي اتخذتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ضد إيران. إذ قال: «لقد ساهمت في عدم خوض طهران أي مغامرات جديدة في المنطقة». وعلل ذلك بأن «الإدارة الأميركية في واشنطن لديها رادع كبير أمام إيران».
وذهب شيبان إلى أن الأمم المتحدة بإمكانها الاستفادة من هذه الخطوة وعليها ألا تقع في الخطأ نفسه مرتين. «لقد ناشدنا الأمم المتحدة في يونيو (حزيران) 2014 قبل سقوط صنعاء بأن تصنف قيادات الحوثيين في قوائم العقوبات، ولكنها تأخرت في حينها والنتيجة سقطت صنعاء، وعندما أدرجت الأمم المتحدة عبد الملك الحوثي زعيم الحوثيين وعبد الخالق الحوثي كان الوقت متأخرا، لا يجب تكرار الخطأ هذا مرة أخرى، خصوصا أننا نرى أن الجماعة توسع نطاق عملياتها العسكرية وتصعّد استهدافها للسعودية، والإشكالية هنا تكمن في ضرورة التحرك السريع، لا يمكن أن ننتظر حتى تتحول الجماعة إلى تهديد وخطر أكبر على الأمن الدولي والإقليمي ثم يصحو العالم على كارثة ويصنفها جماعة إرهابية، ولكن سيكون ذلك الوقت متأخرا أيضا».
وأكمل شيبان: «الحوثيون لم يستهدفوا السعودية بشكل أوسع ليس لأنهم لا يريدون ذلك، لكن السبب لأنهم لا يملكون القدرة الكافية على شن هجمات كبيرة. وهنا تكمن المشكلة في فهم جماعة الحوثي. فالحوثيون عندما يقال إنهم لم يهاجموا أميركا أو إسرائيل فهذا يحصل لأنهم لا يستطيعون فعل ذلك، وليس لأنهم لا يريدون... عندما تمكنت الجماعة من الأقليات مثل البهائيين واليهود في اليمن هم أول من تضرر من الحوثيين»، جازما بأن «هذا سبب كفيل بتصنيفهم إرهابيين، لإعادتهم صوب المحادثات والالتزامات».


مقالات ذات صلة

تطورات المنطقة وأوضاع الداخل تعزز خلافات الأجنحة الحوثية

العالم العربي منذ أكثر من عام بدأت الجماعة الحوثية هجماتها في البحر الأحمر وتصعيدها ضد إسرائيل (أ.ف.ب)

تطورات المنطقة وأوضاع الداخل تعزز خلافات الأجنحة الحوثية

تفاقمت الخلافات بين الأجنحة الحوثية على مستقبل الجماعة، بسبب المواجهة مع إسرائيل والغرب، بين المطالبة بتقديم تنازلات والإصرار على التصعيد.

وضاح الجليل (عدن)
الولايات المتحدة​ أرشيفية لمقاتلة أميركية تستعد للإغارة على مواقع للحوثيين في اليمن (الجيش الأميركي)

الجيش الأميركي يعلن سقوط مقاتلة في البحر الأحمر بـ«نيران صديقة»

أعلن الجيش الأميركي، أن طيارين اثنين من البحرية الأميركية قد تم إسقاطهما فوق البحر الأحمر في حادثة تبدو أنها نتيجة «نيران صديقة».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي لقطات نشرها الجيش الإسرائيلي في 19 ديسمبر 2024 تظهر غارات إسرائيلية على أهداف للحوثيين (رويترز)

اليمن يدين الغارات الإسرائيلية ويحمّل الحوثيين المسؤولية

وسط قلق أممي من التصعيد، أدان مجلس القيادة الرئاسي في اليمن الغارات الإسرائيلية الجديدة على صنعاء والحديدة، وحمّل الحوثيين مسؤولية تعريض اليمن لانتهاك سيادته.

علي ربيع (عدن)
تحليل إخباري دمار كبير في إحدى محطات الكهرباء بصنعاء إثر الغارات الإسرائيلية (رويترز)

تحليل إخباري ضربات إسرائيل في صنعاء تضاعف المخاوف المعيشية والأمنية

يخشى السكان في صنعاء من تأثير الضربات الإسرائيلية على معيشتهم وحياتهم ومن ردة فعل الجماعة الحوثية واستغلال الفرصة لمزيد من الانتهاكات بحقهم.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي دخان في صنعاء بعد ضربة أميركية على مواقع الجماعة الحوثية فيها الثلاثاء (أ.ف.ب)

ما مصير الجماعة الحوثية بعد إثارة مخاوفها بالحراك الدبلوماسي؟

تعيش الجماعة الحوثية حالة استنفار بعد حراك دبلوماسي يبحث مواجهة نفوذها واستمرار أعمالها العدائية، وتخشى تكرار السيناريو السوري في اليمن.

وضاح الجليل (عدن)

مقتل شخصين وجرح آخر في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان

القوات الإسرائيلية تفجر عدة منازل في جنوب لبنان (رويترز)
القوات الإسرائيلية تفجر عدة منازل في جنوب لبنان (رويترز)
TT

مقتل شخصين وجرح آخر في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان

القوات الإسرائيلية تفجر عدة منازل في جنوب لبنان (رويترز)
القوات الإسرائيلية تفجر عدة منازل في جنوب لبنان (رويترز)

قتل شخصان وجرح شخص آخر في غارة إسرائيلية مساء اليوم (الاثنين)، على جنوب لبنان.

ووفقاً لوكالة الأنباء الألمانية، سقط قتيلان وجرح شخص في غارة إسرائيلية استهدفت مجموعة من الأشخاص قرب المدرسة الرسمية في بلدة الطيبة في جنوب لبنان، بحسب ما أعلنت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية الرسمية.

ونفذت القوات الإسرائيلية تفجيراً كبيراً في بلدة كفركلا في جنوب لبنان، أدى إلى تدمير حارة بكاملها وسط البلدة، بحسب ما أعلنته قناة «المنار» المحلية التابعة لـ«حزب الله».

وأقدمت القوات الإسرائيلية على تفجير عدة منازل بمنطقتي البستان والزلوطية في قضاء صور جنوب لبنان، بحسب ما أعلنت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية الرسمية.

ونفذت جرافة إسرائيلية بعد ظهر اليوم، عملية تجريف بحماية دبابة ميركافا عند الأطراف الشمالية لبلدة مارون الراس في جنوب لبنان، وسط إطلاق رصاص متقطع باتجاه أطراف مدينة بنت جبيل الجنوبية، بحسب ما أعلنته قناة «المنار» المحلية التابعة لـ«حزب الله».

كما أقدم الجيش الإسرائيلي على تفجير عدد من المنازل في بلدة الناقورة، تزامناً مع تحليق للطيران المروحي والاستطلاعي الإسرائيلي في أجواء المنطقة.

ورفع الجيش الإسرائيلي العلم الإسرائيلي على تلة في منطقة إسكندرونا بين بلدتي البياضة والناقورة المشرفة على الساحل عند مدخل بلدة الناقورة الرئيس في جنوب لبنان.

يذكر أن الرئيس الأميركي جو بايدن كان قد أعلن في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل. وبدأ تنفيذ وقف إطلاق النار فجر اليوم التالي.

وتخرق إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار منذ دخوله حيز التنفيذ بشكل يومي.