الحوار الليبي أمام اختبار عقبتي {المحاصصة} و{اتهامات الرشاوى}

عضو في «الأعلى للدولة»: «منتدى تونس» تعثر لكنه غير مُعرض للانهيار

المبعوثة الأممية بالإنابة تتحدث في ختام الجولة الأولى من الحوار الليبي في تونس يوم 15 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
المبعوثة الأممية بالإنابة تتحدث في ختام الجولة الأولى من الحوار الليبي في تونس يوم 15 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

الحوار الليبي أمام اختبار عقبتي {المحاصصة} و{اتهامات الرشاوى}

المبعوثة الأممية بالإنابة تتحدث في ختام الجولة الأولى من الحوار الليبي في تونس يوم 15 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
المبعوثة الأممية بالإنابة تتحدث في ختام الجولة الأولى من الحوار الليبي في تونس يوم 15 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

تباينت ردود أفعال السياسيين الليبيين بشأن قدرة «منتدى الحوار»، الذي انتهت جولته الأولى في تونس الاثنين الماضي، على أن يستكمل الأسبوع الحالي افتراضياً، بين من يرى ضرورة توفّر «أجواء الثقة» بين المشاركين أولاً لاستكمال المناقشات حول اختيار السلطة التنفيذية، ومن يشير إلى أنه في حال فشله سيكون نواة لملتقيات قادمة. لكن ما بين الرأيين هناك توجه شعبي يؤكد أهمية الانتهاء سريعاً من المرحلة الانتقالية وصولاً إلى موعد الانتخابات التي اتفق المشاركون على إجرائها في ٢٤ ديسمبر (كانون الأول) ٢٠٢١.
ووسط خلافات عميقة حول ما وصفته البعثة الأممية بـ«المزاعم الجادة» المتعلقة بعرض بعض الأثرياء الليبيين (رشاوى) على المشاركين لشراء أصواتهم لترشيحهم لرئاسة الحكومة المقبلة، يذهب سياسيون ومحللون ليبيون إلى أن جميع المشاركين المفترضين الأسبوع الحالي سيكونون تحت ملاحظة شديدة، وسط تخوف من تمسك البعض بـ«المحاصصة» بين أقاليم ليبيا الثلاثة. أو التحيز للدفع بأسماء أشخاص لا يكونون محل توافق.
ويرى حسن الزرقاء عضو مجلس النواب الليبي بطبرق، أنه يصعب التنبؤ بما سيحدث خلال الأيام المقبلة، لكنه قال في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «لم يعد أمام المنتدى أي نقاط خلافية»، وتوقع أن تشهد الجولة المقبلة طرح مزيد من المقترحات حول آلية اختيار المرشحين «وإذا تم التوافق على أحدها سيتم البدء في ترشيح الأسماء، وربما يمكن الوصول لإعلان تشكيل السلطة الجديدة».
ويري الزرقاء أن «التوصل لحل حاسم خلال الجولة الثانية ليس بالأمر الصعب أو المستحيل شريطة توافر أجواء الثقة بين جميع المشاركين، وأيضاً عبر إعلان البعثة الأممية عما تم أو استجد لديها بشأن التحقيقات حول جدية ما تردد عن تلقي البعض رشاوى مالية كبيرة لتزكية أسماء بعينها للمناصب القادمة».
وكان 56 عضواً بمنتدى الحوار السياسي قد وجهوا خطاباً رسمياً للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش والبعثة الأممية يطالبون فيه بالتحقيق حول شبهات فساد مالي لشراء الأصوات لصالح أسماء بعينها لترشيحها للمناصب العليا بالسلطة التنفيذية المقبلة، والعمل على تعليق عضوية المتورطين في المشاركة بالمنتدى.
وأمام حالة التوجس هذه، توقع الزرقاء أن «تشهد الجولة الثانية من الحوار رصدا دقيقا لكل تحركات واتجاهات المشاركين بالمنتدى»، ورأى أنه «إذا فشلت الجولة الثانية بسبب الخلاف على آليات الترشيح، أو الأسماء المقترحة فقد يتم الاتفاق على ترحيل الأمر برمته مجددا، أو ربما الاكتفاء بتشكيل لجان لإعداد وثيقة دستورية تمهد الطريق لإجراء الانتخابات».
وقلّل الزرقاء من مخاوف البعض من «إقدام البعثة الأممية على تمرير أو فرض أسماء بعينها على المشاركين حال فشلهم في التوصل إلى آلية اختيار محددة»، ملمحا «لوجود توافق مسبق بين أغلبية المشاركين على رفض هذا التوجه بشدة، وقد يتطور الأمر إلى الاعتراض والانسحاب». وسبق للمبعوثة الأممية بالإنابة ستيفاني ويليامز القول إن بعثتها لا تعمل على توجيه آراء المشاركين، وإن دورها «تنسيقي فقط».
ومنذ الحديث عن وجود محاولات لتقديم رشوة لبعض الممثلين بالمنتدى، قالت البعثة إنها أحالت الواقعة إلى فريق الخبراء التابع للجنة العقوبات بمجلس الأمن الدولي.
بدوره، استبعد عضو المجلس الأعلى للدولة بطرابلس، عبد القادر أحويلي، أن تلجأ البعثة إلى فرض آلية للترشيح على المشاركين، وذهب إلى أن الملتقى «قد تعثر فقط لكنه غير معرض للانهيار، وقد يشكل أساسا لملتقيات قادمة».
ويتخوف كثير من السياسيين وتحديدا بالشرق الليبي من أن تكرر ويليامز تجربة المبعوث الدولي الأسبق برناردينو ليون، عندما رشح فائز السراج لرئاسة المجلس الرئاسي خلال مفاوضات «اتفاق الصخيرات» الموقع نهاية ٢٠١٥ بالمغرب، دون الاتفاق عليه.
ورأى الكاتب والمحلل السياسي محمود المصراتي، أن ويليامز تسير على خطى ليون «الذي لجأ قبل انتهاء مهمته إلى إخراج ورقة من جيبه دون فيها اسم السراج، في حين لم يكن بالأساس مرشحا لتولي رئاسة المجلس الرئاسي»، وقال: «هي تحاول قبل انتهاء مهمتها أن تحقق اختراقا في الملف الليبي يُحسب لها، وبالتالي ستحاول فرض أي حل أو أجندة أعدت سلفا على المشاركين».
وأضاف المصراتي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الأزمة الحقيقة لا تكمن في عقد الجولة ثانية أو تأجيلها، وإنما في تعمد البعثة الأممية تكرار ما حدث باتفاق الصخيرات بالتعامل بذات المفردات والمعطيات من محاولة فرض الإخوان المسلمين على المشهد السياسي دون وجود ما يوازي ذلك من حاضنة شعبية أو ثقل لهم على الأرض».
وتساءل المصراتي عن «مدى قدرة أي كيان سياسي أو سلطة تنفيذية يتوصل إليها المنتدى بفرض سيطرتها على الأرض في ظل وجود ميليشيات مسلحة بالغرب الليبي»، وانتهى قائلا: «البعثة ومن خلفها الأمم المتحدة لا تريد التعامل بشفافية مع تلك القضية عبر الدفع نحو حل وتصفية الميليشيات ونزع سلاحها».
وأسفرت الجولة الأولى من المنتدى على التوافق على 3 ملفات تشمل اختصاصات السلطة التنفيذية ومعايير الترشح وخريطة الطريق، كما تم الاتفاق على الفصل بين المجلس الرئاسي ورئاسة الوزراء. وقالت ويليامز في حينه إن «الشعب الليبي يعاني من الفساد وسوء الإدارة، وعلينا تغيير هذا الوضع عبر حكومة تكنوقراط بصرف النظر عمن سيتولى رئاستها».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.