«تبخر الوعود» بتسهيل تشكيل حكومة الحريري

عون أعاد المفاوضات إلى «نقطة الصفر» وأعطى إيران ورقة تتفاوض بها مع أميركا

مفاوضات تشكيل حكومة الحريري عادت إلى نقطة الصفر (إ.ب.أ)
مفاوضات تشكيل حكومة الحريري عادت إلى نقطة الصفر (إ.ب.أ)
TT
20

«تبخر الوعود» بتسهيل تشكيل حكومة الحريري

مفاوضات تشكيل حكومة الحريري عادت إلى نقطة الصفر (إ.ب.أ)
مفاوضات تشكيل حكومة الحريري عادت إلى نقطة الصفر (إ.ب.أ)

قال رئيس حكومة سابق في لبنان، إن رئيس الجمهورية ميشال عون بإعادته مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة مع الرئيس المكلف بتشكيلها سعد الحريري إلى نقطة الصفر، وفَّر الذرائع لحليفه «حزب الله» ومن خلاله لإيران التي لا تحبذ تأليفها على وجه السرعة، وتفضل ترحيل المشاورات إلى ما بعد تسلُّم الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن لمهامه الدستورية، خلفاً للرئيس الحالي دونالد ترمب. وأضاف أن ما يهم إيران هو التفاوض مع بايدن حول القضايا العالقة بين طهران وواشنطن، ومنها الوضع في لبنان، بغية التوصل معه إلى تسوية، بدلاً من أن «تبيع» الورقة اللبنانية لباريس التي ليست قادرة على تسديد الثمن المطلوب.
ولفت رئيس الحكومة السابق الذي فضَّل عدم ذكر اسمه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه لا يفهم الأسباب الكامنة وراء عودة المشاورات بين عون والحريري إلى نقطة الصفر، إلا من خلال مراعاة الأول لموقف حليفه «حزب الله»؛ لأنه لا يرغب في إحراجه، مع أن الأخير وإن كان مع تسهيل ولادة الحكومة فإنه في المقابل يمتنع عن القيام بأي دور باتجاهه، ولو من باب رفع العتب، وهذا ما لمسه بالمباشر الموفد الفرنسي باتريك دوريل لدى اجتماعه برئيس «كتلة الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد، الذي أبدى كل استعداد للمساعدة في تسهيل تشكيل الحكومة؛ لكن هذا الاستعداد لم يُقرن حتى الآن بخطوات عملية.
ورأى المصدر ذاته أن دوريل تلقَّى في لقاءاته في بيروت وعوداً مجانية من قبل عون وصهره رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل و«حزب الله» تمثلت في تمسكهم بالمبادرة الفرنسية؛ لكن هذه الوعود سرعان ما تبخرت فور عودته إلى باريس.
وفي إطار مرتبط، كشفت مصادر سياسية عن معلومات توفرت لديها تتعلق بمداولات جرت بين وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وعدد من المدعوين، ومن بينهم شخصيات لبنانية، لتناول العشاء معه بدعوة من السفيرة الأميركية في باريس. ونقلت هذه المصادر عن أحد المدعوين اللبنانيين أن بومبيو كان صريحاً بقوله إنه لا مساعدات مالية واقتصادية للبنان في حال أن «حزب الله» تمثل في الحكومة الجديدة بصورة مباشرة، أو من خلال وزراء يُشتَمُّ بأنهم من رائحة الحزب، وتربطهم به صلات سياسية غير مباشرة.
وأوحت المصادر - كما أُعلمت من أحد المدعوين اللبنانيين - بأن لبنان لن يكون مُدرجاً على جدول أعمال الاهتمامات الأميركية، في حال أن الحكومة لن تتشكل من اختصاصيين ومستقلين منزوعة عنهم انتماءاتهم الحزبية، وإن كان بومبيو يولي أهمية لتطبيع العلاقات الذي يسير بخطى سريعة بين عدد من الدول العربية وإسرائيل.
وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» أن الحريري باقٍ على موقفه. وكان السبَّاق، قبل تكليفه وبعده، بتشكيل حكومة مهمة بالمواصفات التي حددها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وانتزع موافقة المكونات السياسية المعنية بتأليف الحكومة على هذه المواصفات، عندما التقاها في قصر الصنوبر.
وقالت مصادر واسعة الاطلاع، إن الحريري كان قد استبق بشروطه التي جددها فور تكليفه بتشكيل الحكومة قناعة منه، بأن الإفادة من عودة الاهتمام الدولي بلبنان الذي تجلى بالكارثة التي حلت ببيروت من جراء الانفجار الذي حصل في المرفأ، يجب أن توظف لإنقاذ لبنان الذي شكل ماكرون رافعة له، وهذا لن يتحقق إلا بالمجيء بحكومة بمواصفات دولية لاستعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان، كشرط لتأمين المساعدات المالية والاقتصادية لوقف انهياره ومنع تدحرجه وصولاً إلى زواله.
وأكدت أن الحريري تمسك بحكومة مستقلة؛ لأنها الوحيدة من وجهة نظره التي تفتح الباب أمام تصالح لبنان مع المجتمع الدولي والدول العربية، والقادرة على قاعدة تحييده عن الصراعات الدائرة في المنطقة، والتزامه بسياسة النأي بالنفس التي أطاح بها باسيل من دون أن يقوم عون بردعه، ما أدى إلى إقحام لبنان في «محور الممانعة» بقيادة إيران.
واعتبرت أن شروط الحريري لتشكيل الحكومة لم تكن استجابة لرغبات خارجية، بمقدار ما أنها المعبر الوحيد الذي يعيد لبنان إلى خريطة الاهتمام الدولي؛ لأن لا قدرة لديه للتعافي المالي والاقتصادي من دون الالتفات إلى المجتمع الدولي، والدخول معه في تطبيع العلاقات، لإنهاء مرحلة الاشتباك السياسي الذي لم يكن له من مبرر سوى تسديد فواتير مجانية على حساب توثيق العلاقات اللبنانية - العربية.
ومع أن المصادر نفسها ما زالت تجهل الدوافع التي أملت على عون الانقلاب على الأجواء الإيجابية التي سادت الجولات الأولى من مشاورات التأليف، وسرعان ما أعادها إلى نقطة الصفر، فإنها كشفت لـ«الشرق الأوسط» أن عون، وبلا أي مبرر، تصرف في الاجتماعين الأخيرين بالحريري وكأن التكليف لم يحصل، وقالت إنه تراجع عن أن تُشكل الحكومة من 18 وزيراً، وعاد وأصر على رفع عدد الوزراء إلى 20 وزيراً.
وأضافت أن عون يصر حالياً على «وحدة المعايير» وكأنه يرفض استثناء وزارة المالية من المداورة، ويتمسك بتسمية الوزراء المسيحيين، مع أنه عاد وتراجع عن تسمية 3 وزراء مسيحيين ويود استبدال آخرين بهم. وقالت إن تمسكه بموقفه يعني أنه يتيح لباسيل اختيارهم، وإن الأخير يريد التعويض عن العقوبات الأميركية المفروضة عليه بالسيطرة على «الثلث المعطل» في الحكومة.
وتابعت المصادر بأن عون يصر على قيام الحريري بمشاورات مع الكتل النيابية، ويقصد من وراء طلبه إعادة تعويم باسيل، وتقديمه للرأي العام على أنه لا يزال يمسك بمفاتيح اللعبة السياسية، وبالتالي فإن لا تأثير للعقوبات عليه، إضافة إلى أن عون يتطلع لتشكيل حكومة تكنوسياسية، وهذا ما يرفضه الحريري؛ لأن الحكومة ستولد في هذه الحال ساقطة دولياً وعربياً. وأضافت أن الحريري لن يتراجع عن موقفه، وسيكون له الرد المناسب، إنما تحت سقف عدم الاعتذار عن تأليف الحكومة.



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.