بوادر كارثة الموجة الثانية تخيّم على إيطاليا

الأقاليم الجنوبية ترسم صورة مصغرة عن المأساة

الكوادر الطبية في نابولي عادت لتسعف مصابي «كورونا» في سياراتهم (أ.ب)
الكوادر الطبية في نابولي عادت لتسعف مصابي «كورونا» في سياراتهم (أ.ب)
TT

بوادر كارثة الموجة الثانية تخيّم على إيطاليا

الكوادر الطبية في نابولي عادت لتسعف مصابي «كورونا» في سياراتهم (أ.ب)
الكوادر الطبية في نابولي عادت لتسعف مصابي «كورونا» في سياراتهم (أ.ب)

يقال إن قراءة المشهد الإيطالي لا تتضح إلا بمعرفة ما يحصل في جزيرة صقلية، وإن معرفة ما يحصل في صقلية تقتضي الإحاطة بما تقوم به «المافيا». وما تنشط فيه المنظمات الإجرامية المنضوية تحت تسمية «المافيا» هذه الأيام في الجنوب الإيطالي، يعطي فكرة واضحة عن المشهد الوبائي الذي تعيشه الأقاليم الجنوبية في إيطاليا، وترسم صورة مصغرة عن المأساة التي يُخشى أن تتكرر في هذه الموجة الثانية، بعد كارثة المرحلة الأولى التي كادت تقضي على دعائم الاقتصاد الإيطالي المنهك، وتضع المنظومة الصحية في حال من الإغماء العميق التي وصل بعض المستشفيات إلى أبوابها منذ أيام.
إلى المخدرات والأسلحة وتهريب المهاجرين والابتزاز، أضافت «المافيات» الإيطالية اليوم إلى أنشطتها تجارة قوارير الأوكسجين في السوق السوداء، بعد أن نفدت من المستشفيات التي عجزت عن استقبال مزيد من الحالات الخطرة في وحدات العناية الفائقة، وبدأت معظم الأقاليم في تحويل الفنادق إلى مستشفيات مخصصة للمصابين بـ«كوفيد- 19»، بينما تنجز الحكومة برنامجاً واسعاً للمعالجة المنزلية، بعد التكاثر السريع في عدد الإصابات الجديدة التي تجاوزت 33 ألفاً في الساعات الأربع والعشرين الماضية، وبلغ عدد الوفيات 731.
وأمام استفحال الوضع الوبائي في جميع الأقاليم التي عادت لتسجل أرقاماً تتجاوز ذروة المرحلة الأولى عندما كانت إيطاليا البؤرة الرئيسية للوباء في العالم، وجَّه رئيس الجمهورية سرجيو ماتاريلا نداءً معبراً، ناشد فيه الأحزاب والقوى السياسية «الاتحاد في وجه الوباء لإنقاذ البلاد»، بعد تفاقم الصراعات حول إدارة الأزمة بين الحكومة والمعارضة، ودخول السلطات الإقليمية على الخط، والتهديد بإقفال بعض المناطق في وجه سكان المناطق الأكثر تضرراً.
الإصابات في أقاليم الشمال ليست بأقل منها في الأقاليم الجنوبية؛ لكن مستشفياتها تجهزت واستعدت للموجة الثانية، بعكس مستشفيات الجنوب التي اعترفت وزارة الصحة بأنها غير قادرة على مواجهة هذه الإصابات التي يرجح أن تواصل الارتفاع في الأسابيع المقبلة. وتحاول السلطات الصحية في أقاليم الجنوب نقل الحالات الخطرة إلى الأقاليم الأخرى المجاورة، بينما تعجز حتى عن إجراء الفحوصات لمن تظهر عليهم عوارض الوباء، ولا يجدون متسعاً لهم في المستشفيات. وكانت أقاليم الشمال الإيطالي هي الأقل تضرراً في المرحلة الأولى التي انقضت بشراسة على المقاطعات الجنوبية؛ حيث وقع أكثر من 76 في المائة من الضحايا.
لكن بالإضافة إلى تدهور الوضع الصحي والمخاوف من كارثة كبيرة في الأسابيع المقبلة، تخشى الحكومة من التداعيات الأمنية للأزمة، بعد أن بلغت نسبة العاطلين عن العمل مستويات غير مسبوقة في أقاليم الجنوب التي تسجل عادة معدلات تضاعف ثلاث مرات أقاليم الشمال.
وعادت المدن الجنوبية مثل نابولي وباليرمو لتشهد مظاهرات احتجاجية ضد تدابير الإقفال التي سدت أبواب الرزق للملايين من الذين يعيشون على السياحة والأنشطة اليومية، في الوقت الذي عادت فيه «المافيا» لتنشط أيضاً في الربا، أمام انهيار المؤسسات الصغيرة التي تشكل عماد الاقتصاد الإيطالي، والتي يواجه 90 في المائة منها خطر الإفلاس، وفقاً لإحصاء مستقل أجرته جامعة نابولي.
وبينما تتكرر مشاهد سيارات الإسعاف التي تنتظر بالعشرات في الطوابير أمام المستشفيات لشغور أسرَّة تستقبل المصابين بـ«كوفيد- 19»، تستغيث عائلات المصابين بحثاً عن قوارير الأوكسجين التي فرغ منها نصف البلاد، كما أفادت الصحف الصادرة صباح أمس (الأربعاء).
وأمام المستشفى المركزي في نابولي، يرتسم مشهد الكابوس الذي كانت تخشاه إيطاليا منذ أشهر: المصابون الذين يتصلون بخدمات الطوارئ طلباً لسيارة إسعاف تنقلهم إلى المستشفى، وينتظرون ساعات ولا تصل، يتجهون بالسيارات إلى المستشفى الذي يعجز عن استقبالهم، فتعمد الطواقم الصحية إلى معالجتهم داخل السيارات في حال من الفوضى والتدافع، بينما يقول أحد الممرضين: «لا أريد أن أتصور كيف سنكون بعد أسبوع أو اثنين من اليوم».


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
TT

هل يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة عن «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)
أبو محمد الجولاني يتحدث في الجامع الأموي بدمشق 8 ديسمبر 2024 (أ.ب)

تخضع «هيئة تحرير الشام»، التي قادت قوات المعارضة للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد، لعقوبات من الأمم المتحدة منذ فترة طويلة، وهو ما وصفه المبعوث الخاص للمنظمة الدولية إلى سوريا غير بيدرسون، بأنه «عامل تعقيد لنا جميعاً».

كانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف في السابق باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت العلاقات بالتنظيم في عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما فُرض عليها تجميد عالمي للأصول وحظر أسلحة.

ويخضع عدد من أعضاء «هيئة تحرير الشام» أيضاً لعقوبات الأمم المتحدة مثل حظر السفر، وتجميد الأصول، وحظر الأسلحة، ومنهم زعيمها وقائد إدارة العمليات العسكرية أحمد الشرع، المكنى «أبو محمد الجولاني»، المدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.

وقال دبلوماسيون إنه لا يوجد حالياً أي مناقشات عن رفع العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على الجماعة. ولا تمنع العقوبات التواصل مع «هيئة تحرير الشام».

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟ (رويترز)

لماذا تفرض الأمم المتحدة عقوبات على «هيئة تحرير الشام» والجولاني؟

فرضت الأمم المتحدة عقوبات على «جبهة النصرة»، لأن الجماعة مرتبطة بتنظيم «القاعدة»، ولأنها كانت «تشارك في تمويل أو تخطيط أو تسهيل أو إعداد أو ارتكاب أعمال أو أنشطة» مع «القاعدة» أو دعماً لها وتستقطب أفراداً وتدعم أنشطة «القاعدة».

وجاء في قائمة العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة: «في يناير (كانون الثاني) 2017، أنشأت جبهة النصرة (هيئة تحرير الشام)، وسيلة لتعزيز موقعها في التمرد السوري وتعزيز أهدافها باعتبارها فرعاً لتنظيم (القاعدة) في سوريا»... ورغم وصف ظهور «هيئة تحرير الشام» بطرق مختلفة (على سبيل المثال كاندماج أو تغيير في الاسم)، فإن جبهة «النصرة» استمرت في الهيمنة والعمل من خلال «هيئة تحرير الشام» في السعي لتحقيق أهدافها.

وفُرضت عقوبات على الجولاني بسبب ارتباطه بتنظيم «القاعدة» وعمله معه.

كيف يمكن رفع عقوبات الأمم المتحدة؟

تستطيع أي دولة عضو في الأمم المتحدة في أي وقت تقديم طلب لرفع العقوبات عن كيان أو شخص إلى لجنة عقوبات تنظيمي «داعش» و«القاعدة» التابعة لمجلس الأمن الدولي المؤلف من 15 دولة.

وإذا جاء الطلب من دولة لم تقترح في البداية فرض عقوبات الأمم المتحدة، فإن اللجنة تتخذ القرار بالإجماع.

وإذا تقدمت الدولة التي اقترحت في البداية فرض العقوبات بطلب الشطب من القائمة، فسيمحى الاسم من القائمة بعد 60 يوماً، ما لم توافق اللجنة بالإجماع على بقاء التدابير.

لكن إذا لم يتم التوصل إلى إجماع، يستطيع أحد الأعضاء أن يطلب إحالة الطلب إلى مجلس الأمن للتصويت عليه في غضون 60 يوماً.

ولم تتضح بعد الدول التي اقترحت فرض عقوبات على جبهة «النصرة» والجولاني.

ويستطيع أيضاً الشخص أو الكيان الخاضع للعقوبات أن يطلب إزالة التدابير عن طريق الاتصال بأمين عام المظالم، وهو منصب أنشأه المجلس في عام 2009، ليقوم بمراجعة الطلب.

وإذا أوصى أمين عام المظالم بإبقاء اسم ما على القائمة، فسيظل مدرجاً على القائمة. وإذا أوصى أمين عام المظالم بإزالة اسم ما، فسترفع العقوبات بعد عملية قد تستغرق ما يصل إلى 9 أشهر، ما لم توافق اللجنة في وقت أسبق بالإجماع على اتخاذ إجراء أو الإحالة إلى المجلس لتصويت محتمل.

هل هناك استثناءات من العقوبات؟

يستطيع الأشخاص الخاضعون لعقوبات الأمم المتحدة التقدم بطلب للحصول على إعفاءات فيما يتعلق بالسفر، وهو ما تقرره اللجنة بالإجماع.

ويقول المجلس إن عقوباته «لا تستهدف إحداث عواقب إنسانية تضر بالسكان المدنيين».

وهناك استثناء إنساني للأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة يسمح «بتوفير أو معالجة أو دفع الأموال أو الأصول المالية الأخرى أو الموارد الاقتصادية، أو توفير السلع والخدمات اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في الوقت المناسب، أو لمساندة الأنشطة الأخرى التي تدعم الاحتياجات الإنسانية الأساسية».